كِتَابُ الْجِزْيَةِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ ثُمَّ أَبَانَ جَلَّ وَعَلَا أَنَّ خِيرَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ أَنْبِيَاؤُهُ فَقَالَ تَبَارَكَ اسْمُهُ {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: 213] فَجَعَلَ النَّبِيِّينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْفِيَائِهِ دُونَ عِبَادِهِ بِالْأَمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ وَالْقِيَامِ بِحُجَّتِهِ فِيهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ خَاصَّتِهِ صَفْوَتَهُ فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33] فَخَصَّ آدَمَ وَنُوحًا بِإِعَادَةِ ذِكْرِ اصْطِفَائِهِمَا وَذَكَرَ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} [النساء: 125] وَذَكَرَ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا} [مريم: 54] ثُمَّ أَنْعَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَعِمْرَانَ فِي الْأُمَمِ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ - ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 33 - 34] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ اصْطَفَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خَيْرِ آلِ إبْرَاهِيمَ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ قَبْلَ إنْزَالِهِ الْفُرْقَانَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصِفَةِ فَضِيلَتِهِ وَفَضِيلَةِ مَنْ اتَّبَعَهُ بِهِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} [الفتح: 29] الْآيَةُ وَقَالَ لِأُمَّتِهِ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] فَفَضِيلَتُهُمْ بِكَيْنُونَتِهِمْ مِنْ أُمَّتِهِ دُونَ أُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ وَعَزَّ أَنَّهُ جَعَلَهُ فَاتِحَ رَحْمَتِهِ عِنْدَ فَتْرَةِ رُسُلِهِ فَقَالَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} [المائدة: 19] وَقَالَ {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة: 2] وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ بَعَثَ إلَى خَلْقِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، أَوْ أُمِّيِّينَ وَأَنَّهُ فَتَحَ بِهِ رَحْمَتَهُ وَخَتَمَ بِهِ نُبُوَّتَهُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] وَقَضَى أَنْ أَظْهَرَ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33] ، وَقَدْ وَصَفْنَا بَيَانَ كَيْفَ يُظْهِرُهُ عَلَى الدِّينِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. [مُبْتَدَأُ التَّنْزِيلِ وَالْفَرْضُ عَلَى النَّبِيِّ ثُمَّ عَلَى النَّاسِ] مُبْتَدَأُ التَّنْزِيلِ وَالْفَرْضُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَلَى النَّاسِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَيُقَالُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْزَلَ عَلَيْهِ فَرَائِضَهُ كَمَا شَاءَ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ثُمَّ أَتْبَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَرْضًا بَعْدَ فَرْضٍ فِي حِينٍ غَيْرِ حِينِ الْفَرْضِ قَبْلَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَيُقَالُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَهَا مَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِأَنْ يَدْعُوَ إلَيْهِ الْمُشْرِكِينَ فَمَرَّتْ لِذَلِكَ مُدَّةٌ. ثُمَّ يُقَالُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ يُعَلِّمَهُمْ نُزُولَ الْوَحْيِ عَلَيْهِ وَيَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَخَافَ التَّكْذِيبَ وَأَنْ يُتَنَاوَلَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] فَقَالَ يَعْصِمُك مِنْ قَتْلِهِمْ أَنْ يَقْتُلُوك حِينَ تُبَلِّغُ مَا أُنْزِلَ إلَيْك فَلَمَّا أُمِرَ بِهِ فَاسْتَهْزَأَ بِهِ قَوْمٌ فَنَزَلَ عَلَيْهِ {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ - إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 94 - 95] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَعْلَمَهُ مَنْ عَلِمَهُ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِهِ فَقَالَ {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا - أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا} [الإسراء: 90 - 91] قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى {بَشَرًا رَسُولا} [الإسراء: 93] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا يُثَبِّتُهُ بِهِ إذَا ضَاقَ مِنْ أَذَاهُمْ {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الحجر: 97 - 98] إلَى آخِرِ السُّورَةِ. فَفَرَضَ عَلَيْهِ إبْلَاغَهُمْ وَعِبَادَتَهُ، وَلَمْ يَفْرِضْ عَلَيْهِ قِتَالَهُمْ وَأَبَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِعُزْلَتِهِمْ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ - لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 1 - 2] وَقَوْلُهُ {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} [النور: 54] قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ: وَقَوْلُهُ {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ} [المائدة: 99] مَعَ أَشْيَاءَ ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى وَأَمَرَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ لَا يَسُبُّوا أَنْدَادَهُمْ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] الْآيَةُ مَعَ مَا يُشْبِهُهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْدَ هَذَا فِي الْحَالِ الَّتِي فَرَضَ فِيهَا عُزْلَةَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الأنعام: 68] مِمَّا فَرَضَ عَلَيْهِ فَقَالَ {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا} [النساء: 140] قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140] . [الْإِذْنُ بِالْهِجْرَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ مُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ زَمَانًا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ فِيهِ بِالْهِجْرَةِ مِنْهَا ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ بِالْهِجْرَةِ وَجَعَلَ لَهُمْ مَخْرَجًا فَيُقَالُ نَزَلَتْ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] فَأَعْلَمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُمْ بِالْهِجْرَةِ مَخْرَجًا وَقَالَ {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100] الْآيَةَ. وَأَمَرَهُمْ بِبِلَادِ الْحَبَشَةِ فَهَاجَرَتْ إلَيْهَا مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ثُمَّ دَخَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْإِسْلَامِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَائِفَةً فَهَاجَرَتْ إلَيْهِمْ غَيْرَ مُحَرِّمٍ عَلَى مَنْ بَقِيَ تَرْكَ الْهِجْرَةِ إلَيْهِمْ وَذَكَرَ اللَّه جَلَّ ذِكْرُهُ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَقَالَ {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور: 22] قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النور: 22] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يُحَرِّمْ فِي هَذَا عَلَى مَنْ بَقِيَ بِمَكَّةَ الْمُقَامَ بِهَا وَهِيَ دَارُ شِرْكٍ، وَإِنْ قَلُّوا بِأَنْ يُفْتَنُوا، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ بِجِهَادٍ. ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ بِالْجِهَادِ، ثُمَّ فُرِضَ بَعْدَ هَذَا عَلَيْهِمْ أَنْ يُهَاجِرُوا مِنْ دَارِ الشِّرْكِ، وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. [مُبْتَدَأُ الْإِذْنِ بِالْقِتَالِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَأَذِنَ لَهُمْ بِأَحَدِ الْجِهَادَيْنِ بِالْهِجْرَةِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ بِأَنْ يَبْتَدِئُوا مُشْرِكًا بِقِتَالٍ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ بِأَنْ يَبْتَدِئُوا الْمُشْرِكِينَ بِقِتَالٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ - الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} [الحج: 39 - 40] الْآيَةُ، وَأَبَاحَ لَهُمْ الْقِتَالَ بِمَعْنَى أَبَانَهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ - وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 190 - 191] قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى {كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 191] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : يُقَالُ: نَزَلَ هَذَا فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَهُمْ كَانُوا أَشَدَّ الْعَدُوِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَفُرِضَ عَلَيْهِمْ فِي قِتَالِهِمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يُقَالُ: نُسِخَ هَذَا كُلُّهُ وَالنَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ حَتَّى يُقَاتَلُوا وَالنَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] الْآيَةُ وَنُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْجِهَادِ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ فِي مَوْضِعِهَا. [فَرْضُ الْهِجْرَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجِهَادَ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ إذْ كَانَ أَبَاحَهُ وَأَثْخَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَرَأَوْا كَثْرَةَ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اشْتَدُّوا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَفَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، أَوْ مَنْ فَتَنُوا مِنْهُمْ فَعَذَرَ اللَّهُ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ الْمَفْتُونِينَ فَقَالَ {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] وَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا وَفَرَضَ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى الْهِجْرَةِ الْخُرُوجَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُفْتَنُ عَنْ دِينِهِ، وَلَا يُمْتَنَعُ» فَقَالَ فِي رَجُلٍ مِنْهُمْ تُوُفِّيَ تَخَلَّفَ عَنْ الْهِجْرَةِ فَلَمْ يُهَاجِرْ {الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} [النساء: 97] الْآيَةَ. وَأَبَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عُذْرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَقَالَ {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} [النساء: 98] إلَى " رَحِيمًا ". (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَيُقَالُ " عَسَى " مِنْ اللَّهِ وَاجِبَةٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ أَطَاقَهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ بِالْبَلَدِ الَّذِي يُسْلِمُ بِهَا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِقَوْمٍ بِمَكَّةَ أَنْ يُقِيمُوا بِهَا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ مِنْهُمْ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَغَيْرُهُ إذْ لَمْ يَخَافُوا الْفِتْنَةَ «وَكَانَ يَأْمُرُ جُيُوشَهُ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ أَسْلَمَ إنْ هَاجَرْتُمْ فَلَكُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَإِنْ أَقَمْتُمْ فَأَنْتُمْ كَأَعْرَابٍ وَلَيْسَ يُخَيِّرُهُمْ إلَّا فِيمَا يَحِلُّ لَهُمْ» . [أَصْلُ فَرْضِ الْجِهَادِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَمَّا مَضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةٌ مِنْ هِجْرَتِهِ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا عَلَى جَمَاعَةٍ بِاتِّبَاعِهِ حَدَثَتْ لَهُمْ بِهَا مَعَ عَوْنِ اللَّهِ قُوَّةٌ بِالْعَدَدِ لَمْ تَكُنْ قَبْلَهَا فَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الْجِهَادَ بَعْدَ إذْ كَانَ إبَاحَةً لَا فَرْضًا فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: 216] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة: 111] الْآيَةَ. وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 244] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78] وَقَالَ {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [محمد: 4] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ} [التوبة: 38] إلَى قَدِيرٌ وَقَالَ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 41] الْآيَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْمًا تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ فَقَالَ {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ} [التوبة: 42] الْآيَةَ، فَأَبَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ عَلَيْهِمْ الْجِهَادَ فِيمَا قَرُبَ وَبَعُدَ بَعْدَ إبَانَتِهِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَكَان فِي قَوْلِهِ {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ} [التوبة: 120] قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى {أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التوبة: 121] وَسَنُبَيِّنُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَضَرَنَا عَلَى وَجْهِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: 81] قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ وَقَالَ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4] وَقَالَ {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 75] مَعَ مَا ذُكِرَ بِهِ فَرْضُ الْجِهَادِ وَأُوجِبَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِ عَنْهُ. [مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْجِهَادَ دَلَّ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَفْرِضْ الْخُرُوجَ إلَى الْجِهَادِ عَلَى مَمْلُوكٍ، أَوْ أُنْثَى بَالِغٍ، وَلَا حُرٍّ لَمْ يَبْلُغْ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا} [التوبة: 41] وَقَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ فَكَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمَ أَنْ لَا مَالَ لِلْمَمْلُوكِ، وَلَمْ يَكُنْ مُجَاهِدٌ إلَّا وَيَكُونُ عَلَيْهِ لِلْجِهَادِ مُؤْنَةٌ مِنْ الْمَالِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَمْلُوكِ مَالٌ، وَقَدْ قَالَ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّ الْإِنَاثَ الْمُؤْمِنَاتِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122] وَقَالَ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216] وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ - إذْ أَمَرَ بِالِاسْتِئْذَانِ -: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59] فَأَعْلَمَ أَنَّ فَرْضَ الِاسْتِئْذَانِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْبَالِغِينَ وَقَالَ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] فَلَمْ يَجْعَلْ لِرُشْدِهِمْ حُكْمًا تَصِيرُ بِهِ أَمْوَالُهُمْ إلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي الْعَمَلِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْبَالِغِينَ، وَدَلَّتْ السُّنَّةُ ثُمَّ مَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مِثْلِ مَا وَصَفْت. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَوْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ شَكَّ الرَّبِيعُ قَالَ عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ عَامَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَشَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِتَالَ عَبِيدٌ وَنِسَاءٌ وَغَيْرُ بَالِغِينَ فَرَضَخَ لَهُمْ، وَلَمْ يُسْهِمْ وَأَسْهَمَ لِضُعَفَاءَ أَحْرَارٍ بَالِغِينَ شَهِدُوا مَعَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ السُّهْمَانَ إنَّمَا تَكُونُ فِيمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنْ لَا فَرْضَ فِي الْجِهَادِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي مَوْضِعِهِ. [مَنْ لَهُ عُذْرٌ بِالضَّعْفِ وَالْمَرَضِ وَالزَّمَانَةِ فِي تَرْكِ الْجِهَادِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجِهَادِ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91] الْآيَةَ وَقَالَ {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61] . (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَقِيلَ الْأَعْرَجُ الْمُقْعَدُ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ الْأَعْرَجُ فِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ، وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي أَنْ لَا حَرَجَ أَنْ لَا يُجَاهِدُوا، وَهُوَ أَشْبَهُ مَا قَالُوا وَغَيْرُ مُحْتَمَلٍ غَيْرُهُ وَهُمْ دَاخِلُونَ فِي حَدِّ الضُّعَفَاءِ وَغَيْرُ خَارِجِينَ مِنْ فَرْضِ الْحَجِّ، وَلَا الصَّلَاةِ، وَلَا الصَّوْمِ، وَلَا الْحُدُودِ، وَلَا يُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَذِهِ الْآيَةِ إلَّا وَضْعَ الْحَرَجِ فِي الْجِهَادِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : الْغَزْوُ غَزْوَانَ: غَزْوٌ يُبْعِدُ عَنْ الْمَغَازِي، وَهُوَ مَا بَلَغَ مَسِيرَةَ لَيْلَتَيْنِ قَاصِدَتَيْنِ حَيْثُ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ وَتُقَدَّمُ مَوَاقِيتُ الْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَغَزْوٌ يَقْرُبُ، وَهُوَ مَا كَانَ دُونَ لَيْلَتَيْنِ مِمَّا لَا تَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَمَا هُوَ أَقْرَبُ مِنْ الْمَوَاقِيتِ إلَى مَكَّةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا كَانَ الْغَزْوُ الْبَعِيدُ لَمْ يَلْزَمْ الْقَوِيَّ السَّالِمَ الْبَدَنِ كُلِّهِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا وَسِلَاحًا وَنَفَقَةً وَيَدَعْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ قُوَّتَهُ إذَنْ قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّهُ يَلْبَثُ، وَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ هَذَا دُونَ بَعْضٍ فَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَزَلَتْ {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا} [التوبة: 92] ، الْآيَةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا وُجِدَ هَذَا كُلُّهُ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ مَنْ يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْجِهَادِ فَإِنْ تَهَيَّأَ لِلْغَزْوِ، وَلَمْ يَخْرُجْ، أَوْ خَرَجَ، وَلَمْ يَبْلُغْ مَوْضِعَ الْغَزْوِ، أَوْ بَلَغَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ مَرَضٌ، أَوْ صَارَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ فِي أَيِّ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كَانَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَقَدْ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْعُذْرِ، فَإِنْ ثَبَتَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَوَسِعَهُ الثُّبُوتُ، وَإِذَا كَانَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُوَّتُهُمْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَغْزُوَ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَلَا يَثْبُتُ فِي الْغَزْوِ إنْ غَزَا، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ فَرْضًا وَيَتَطَوَّعَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالْغَزْوِ، وَمَنْ قُلْت لَهُ أَنْ لَا يَغْزُوَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إذَا غَزَا بِالْعُذْرِ وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يَلْتَقِ الزَّحْفَانِ، فَإِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا. [الْعُذْرُ بِغَيْرِ الْعَارِضِ فِي الْبَدَنِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إذَا كَانَ سَالِمَ الْبَدَنِ قَوِيَّهُ وَاجِدًا لِمَا يَكْفِيهِ وَمَنْ خَلَفَ يَكُونُ دَاخِلًا فِيمَنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَبَوَانِ، وَلَا وَاحِدٌ مِنْ أَبَوَيْنِ يَمْنَعُهُ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَغْزُوَ بِحَالٍ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِ الدَّيْنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا كَانَ يَحْجُبُهُ مَعَ الشَّهَادَةِ عَنْ الْجَنَّةِ الدَّيْنُ فَبَيَّنَ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الْجِهَادُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِ الدَّيْنِ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ لِمُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ، وَإِذَا كَانَ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُطِيعَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي تَرْكِ الْغَزْوِ فَبَيَّنَ أَنْ لَا يُؤْمَرَ بِطَاعَةِ أَحَدِهِمَا إلَّا وَالْمُطَاعُ مِنْهُمَا مُؤْمِنٌ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ تَقُولُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَةُ أَبَوَيْهِ، وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَكُونَ الْمُطَاعُ مُسْلِمًا فِي الْجِهَادِ، وَلَمْ تَقُلْهُ فِي الدَّيْنِ؟ قِيلَ: الدَّيْنُ مَالٌ لَزِمَهُ لِمَنْ هُوَ لَهُ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ مَنْ وَجَبَ لَهُ مِنْ مُؤْمِنٍ، وَلَا كَافِرٍ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ إلَى الْكَافِرِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَى الْمُؤْمِنِ وَلَيْسَ يُطِيعُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْغَزْوِ صَاحِبَ الدَّيْنِ بِحَقٍّ يَجِبُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ إلَّا بِمَالِهِ، فَإِذَا بَرِئَ مِنْ مَالِهِ فَأَمْرُ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَنَهْيُهُ سَوَاءٌ، وَلَا طَاعَةَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَلَمَّا كَانَ الْخُرُوجُ بِغَرَضِ إهْلَاكِ مَالِهِ لَدَيْهِ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِهِ، أَوْ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ دَيْنِهِ وَلِلْوَالِدَيْنِ حَقٌّ فِي أَنْفُسِهِمَا لَا يَزُولُ بِحَالٍ لِلشَّفَقَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَالرِّقَّةِ عَلَيْهِ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ مُشَاهَدَتِهِمَا لِبِرِّهِمَا، فَإِذَا كَانَا عَلَى دِينِهِ فَحَقُّهُمَا لَا يَزُولُ بِحَالٍ، وَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ بِوَجْهٍ وَعَلَيْهِ أَنْ لَا يُجَاهِدَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَإِذَا كَانَا عَلَى غَيْرِ دِينِهِ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ أَهْلَ دِينِهِمَا فَلَا طَاعَةَ لَهُمَا عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الْجِهَادِ وَلَهُ الْجِهَادُ، وَإِنْ خَالَفَهُمَا وَالْأَغْلَبُ أَنَّ مَنْعَهُمَا سُخْطٌ لِدِينِهِ وَرِضًا لِدِينِهِمَا لَا شَفَقَةً عَلَيْهِ فَقَطْ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْوِلَايَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فِي الدِّينِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ جَاهَدَ ابْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجِهَادِ وَأَبُوهُ مُجَاهِدُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَسْت أَشُكُّ فِي كَرَاهِيَةِ أَبِيهِ لِجِهَادِهِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاهَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُوهُ مُتَخَلِّفٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُحُدٍ وَيُخَذِّلُ عَنْهُ مَنْ أَطَاعَهُ مَعَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا أَشُكُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَرَاهَتِهِمْ لِجِهَادِ أَبْنَائِهِمْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانُوا مُخَالِفِينَ مُجَاهِدِينَ لَهُ، أَوْ مُخَذِّلِينَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَأَيُّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ كَانَ حَقًّا عَلَى الْوَلَدِ أَنْ لَا يَغْزُوَ إلَّا بِإِذْنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ يَعْلَمُ مِنْ الْوَالِدِ نِفَاقًا فَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ طَاعَةٌ فِي الْغَزْوِ، وَإِنْ غَزَا رَجُلٌ وَأَحَدُ أَبَوَيْهِ، أَوْ هُمَا مُشْرِكَانِ ثُمَّ أَسْلَمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا فَأَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَنْ وَجْهِهِ مَا لَمْ يَصِرْ إلَى مَوْضِعٍ لَا طَاقَةَ لَهُ بِالرُّجُوعِ مِنْهُ إلَّا بِخَوْفِ أَنْ يَتْلَفَ وَذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ، فَلَوْ فَارَقَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَأْخُذَهُ الْعَدُوُّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِلتَّعَذُّرِ فِي الرُّجُوعِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ صَارَ إلَى بِلَادٍ مَخُوفَةٍ إنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ فِيهَا خَافَ التَّلَفَ وَهَكَذَا إذَا غَزَا، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّانَ فَسَأَلَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ الرُّجُوعَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِنْ سَأَلَهُ أَبَوَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا الرُّجُوعَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَوْفٌ فِي الطَّرِيقِ، وَلَا لَهُ عُذْرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ لِلْعُذْرِ، وَإِذَا قُلْت لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَلَا أُحِبُّ أَنْ يُبَادِرَ، وَلَا يُسْرِعَ فِي أَوَائِلِ الْخَيْلِ، وَلَا الرَّجُلِ، وَلَا يَقِفُ الْمَوْقِفَ الَّذِي يَقِفُهُ مَنْ يَتَعَرَّضُ لِلْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَهَيْته عَنْ الْغَزْوِ لِطَاعَةِ وَالِدَيْهِ، أَوْ لِذِي الدَّيْنِ نَهَيْته إذَا كَانَ لَهُ الْعُذْرُ عَنْ تَعَرُّضِ الْقَتْلِ وَهَكَذَا أَنْهَاهُ عَنْ تَعَرُّضِ الْقَتْلِ لَوْ خَرَجَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِخِلَافِ صَاحِبِ دَيْنِهِ وَأَحَدِ أَبَوَيْهِ، أَوْ خِلَافِ الَّذِي غَزَا وَأَحَدُ أَبَوَيْهِ وَصَاحِبُ دَيْنِهِ كَارِهٌ وَلَيْسَ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ الْغَزْوُ فَإِنْ غَزَا وَقَاتَلَ لَمْ يُعْطَ سَهْمًا وَيُرْضَخُ لَهُ مَا يُرْضَخُ لِلْمَرْأَةِ. وَالْعَبْدُ يُقَاتِلُ فَإِنْ بَانَ لَنَا أَنَّهُ رَجُلٌ فَعَلَيْهِ مِنْ حِينِ يَبِينُ الْغَزْوُ وَلَهُ فِيهِ سَهْمُ رَجُلٍ. [الْعُذْرُ الْحَادِثُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا أَذِنَ لِلرَّجُلِ أَبَوَاهُ فِي الْغَزْوِ فَغَزَا ثُمَّ أَمَرَاهُ بِالرُّجُوعِ فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ حَادِثٍ وَالْعُذْرُ مَا وَصَفْت مِنْ خَوْفِ الطَّرِيقِ، أَوْ جَدْبِهِ، أَوْ مِنْ مَرَضٍ يَحْدُثُ بِهِ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الرُّجُوعِ، أَوْ قِلَّةِ نَفَقَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ يَسْتَقِلُّ مَعَهَا، أَوْ ذَهَابُ مَرْكَبٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّجُوعِ مَعَهُ، أَوْ يَكُونَ غَزَا بِجُعْلٍ مَعَ السُّلْطَانِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّجُوعِ مَعَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَغْزُوَ بِجُعْلٍ مِنْ مَالِ رَجُلٍ فَإِنْ غَزَا بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ وَيَرُدَّ الْجُعْلَ، وَإِنَّمَا أَجَزْت لَهُ هَذَا مِنْ السُّلْطَانِ أَنَّهُ يَغْزُو بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّهِ وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ حَبْسُهُ فِي حَالٍ قُلْت عَلَيْهِ فِيهَا الرُّجُوعُ إلَّا فِي حَالٍ ثَانِيَةٍ أَنْ يَكُونَ يَخَافُ بِرُجُوعِهِ وَرُجُوعِ مَنْ هُوَ فِي حَالِهِ أَنْ يُكْثِرُوا وَأَنْ يُصِيبَ الْمُسْلِمِينَ خَلَّةٌ بِرُجُوعِهِمْ بِخُرُوجِهِمْ يَعْظُمُ الْخَوْفُ فِيهَا عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ لَهُ حَبْسُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا، فَإِذَا زَالَتْ تِلْكَ الْحَالُ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُخَلِّيَهُمْ إلَّا مَنْ غَزَا مِنْهُمْ بِجُعْلٍ إذَا كَانَ رُجُوعُهُمْ مِنْ قِبَلِ وَالِدٍ، أَوْ صَاحِبِ دَيْنٍ لَا مِنْ عِلَّةٍ بِأَبْدَانِهِمْ فَإِنْ أَرَادَ أَحَدٌ مِنْهُمْ الرُّجُوعَ لِعِلَّةٍ بِبَدَنِهِ تُخْرِجُهُ مِنْ فَرْضِ الْجِهَادِ فَعَلَى السُّلْطَانِ تَخْلِيَتُهُ غَزَا بِجُعْلٍ، أَوْ غَيْرِ جُعْلٍ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْجُعْلِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حَقِّهِ أَخَذَهُ، وَهُوَ يَسْتَوْجِبُهُ وَحَدَثَ لَهُ حَالُ عُذْرٍ وَذَلِكَ أَنْ يَمْرَضَ، أَوْ يُزْمِنَ بِإِقْعَادٍ، أَوْ بِعَرَجٍ شَدِيدٍ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى مَشْيِ الصَّحِيحِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِنِّي لَأَرَى الْعَرَجَ إذَا نَقَصَ مَشْيُهُ عَنْ مَشْيِ الصَّحِيحِ وَعَدْوُهُ كُلُّهُ عُذْرًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَكَذَلِكَ إنْ رَجَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، أَوْ ذَهَبَتْ نَفَقَتُهُ خَرَجَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ حَبْسُهُ عَلَيْهِ إلَّا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ إلَى فَرْضِ الْجِهَادِ بِقِلَّةِ الْوُجُودِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ حَتَّى يَكُونَ وَاجِدًا فَإِنْ فَعَلَهُ حَبَسَهُ وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ مَعَهُ فِي الْجِهَادِ حَتَّى يَنْقَضِيَ فَلَهُ إذَا فَعَلَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْهُ. وَإِذَا غَزَا الرَّجُلُ فَذَهَبَتْ نَفَقَتُهُ، أَوْ دَابَّتُهُ فَقَفَلَ ثُمَّ وَجَدَ نَفَقَةً، أَوْ فَادَ دَابَّةً فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخُرُوجُ وَكَانَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَخَافُ فِي رُجُوعِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَارَقَ بِلَادَ الْعَدُوِّ فَالِاخْتِيَارُ لَهُ الْعَوْدُ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعُذْرِ فَإِنْ كَانَتْ تَكُونُ خَلَّةٌ بِرُجُوعِهِ، أَوْ كَانُوا جَمَاعَةً أَصَابَهُمْ ذَلِكَ وَكَانَتْ تَكُونُ بِالْمُسْلِمِينَ خَلَّةٌ بِرُجُوعِهِمْ فَعَلَيْهِمْ وَعَلَى الْوَاحِدِ أَنْ يَرْجِعَ إذَا كَانَتْ كَمَا وَصَفْت إلَّا أَنْ يَخَافَ إذَا تَخَلَّفُوا أَنْ يَقْتَطِعُوا فِي الرُّجُوعِ خَوْفًا بَيَّنَّا فَيَكُونَ لَهُمْ عُذْرٌ بِأَنْ لَا يَرْجِعُوا. [تَحْوِيلُ حَالِ مَنْ لَا جِهَادَ عَلَيْهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مِمَّنْ لَا جِهَادَ عَلَيْهِ بِمَا وَصَفْت مِنْ الْعُذْرِ، أَوْ كَانَ مِمَّنْ عَلَيْهِ جِهَادٌ فَخَرَجَ فِيهِ فَحَدَثَ لَهُ مَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ فَرْضِ الْجِهَادِ بِالْعُذْرِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ زَالَتْ الْحَالُ عَنْهُ عَادَ إلَى أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَعْمَى فَذَهَبَ الْعَمَى وَصَحَّ بَصَرُهُ، أَوْ إحْدَى عَيْنَيْهِ فَيَخْرُجُ مِنْ حَدِّ الْعَمَى، أَوْ يَكُونَ أَعْرَجَ فَيَنْطَلِقُ الْعَرَجُ، أَوْ مَرِيضًا فَيَذْهَبُ الْمَرَضُ، أَوْ لَا يَجِدُ ثُمَّ يَصِيرُ وَاحِدًا، أَوْ صَبِيًّا فَبَلَغَ أَوْ مَمْلُوكًا فَيُعْتَقُ، أَوْ خُنْثَى مُشْكِلًا فَيَبِينُ رَجُلًا لَا يُشْكِلُ، أَوْ كَافِرًا فَيُسْلِمُ فَيَدْخُلُ فِيمَنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ فَإِنْ كَانَ بَلَدُهُ كَانَ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ فَإِنْ كَانَ قَدْ غَزَا وَلَهُ عُذْرٌ ثُمَّ ذَهَبَ الْعُذْرُ وَكَانَ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْغَزْوِ دُونَ رُجُوعِ مَنْ غَزَا مَعَهُ أَوْ بَعْضِ الْغُزَاةِ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ فِيهِ الرُّجُوعُ. قَالَ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُجَمِّرَ بِالْغَزْوِ فَإِنْ جَمَرَهُمْ، فَقَدْ أَسَاءَ وَيَجُوزُ لِكُلِّهِمْ خِلَافُهُ وَالرُّجُوعُ، وَإِنْ أَطَاعَتْهُ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ فَأَقَامَتْ فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ الرُّجُوعَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الرُّجُوعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ مُمْتَنِعِينَ بِمَوْضِعِهِمْ لَيْسَ الْخَوْفُ بِشَدِيدٍ أَنْ يَرْجِعَ مَنْ يُرِيدُ الرُّجُوعَ فَيَكُونَ حِينَئِذٍ لِمَنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ أَنْ يَرْجِعَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْوَاحِدُ يُرِيدُ الرُّجُوعَ وَالْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ قَدْ يَخْلُ بِالْقَلِيلِ وَالْجَمَاعَةُ لَا تَخْلُ بِالْكَثِيرِ وَلِذِي الْعُذْرِ الرُّجُوعُ فِي كُلِّ حَالٍ إذَا جَمَّرَ وَجَوَّزْته قَدْرَ الْغَزْوِ، وَإِنْ أَخَلَّ بِمَنْ مَعَهُ وَكُلُّ مَنْزِلَةٍ قُلْت لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا فَعَلَى الْإِمَامِ فِيهَا أَنْ يَأْذَنَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قُلْت: لِبَعْضِهِمْ الرُّجُوعُ وَيُمْنَعُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قُلْت: لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ الرُّجُوعُ. [شُهُودُ مَنْ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ الْقِتَالَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَاَلَّذِينَ لَا يَأْثَمُونَ بِتَرْكِ الْقِتَالِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - بِحَالِ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ أَحْرَارٌ بَالِغُونَ مَعْذُورُونَ بِمَا وَصَفْت وَضَرْبٌ لَا فَرْضَ عَلَيْهِمْ بِحَالٍ وَهُمْ الْعَبِيدُ، أَوْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ وَالنِّسَاءِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ الْقِتَالَ الصِّنْفَانِ مَعًا، وَلَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الصِّنْفَيْنِ أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ الْقِتَالَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟ فَقَالَ قَدْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَلَمْ يَكُنْ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ، وَلَكِنْ يَحْذِينَ مِنْ الْغَنِيمَةِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَحْفُوظٌ أَنَّهُ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِتَالَ الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ وأحذاهم مِنْ الْغَنِيمَةِ. (قَالَ) : وَإِذَا شَهِدَ مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ قَوِيًّا كَانَ، أَوْ ضَعِيفًا الْقِتَالَ أُحْذَى مِنْ الْغَنِيمَةِ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْذِي النِّسَاءَ وَقِيَاسًا عَلَيْهِنَّ وَخَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ، وَلَا يَبْلُغُ بِحَذِيَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمَ حُرٍّ، وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ وَيُفَضَّلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَذِيَّةِ إنْ كَانَ مِنْهُمْ أَحَدٌ لَهُ غِنَاءٌ فِي الْقِتَالِ، أَوْ مَعُونَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُقَاتِلِينَ، وَلَا يَبْلُغُ بِأَكْثَرِهِمْ حَذِيَّةً سَهْمَ مُقَاتِلٍ مِنْ الْأَحْرَارِ. وَإِنْ شَهِدَ الْقِتَالَ رَجُلٌ حُرٌّ بَالِغٌ لَهُ عُذْرٌ فِي عَدَمِ شُهُودِ الْقِتَالِ مِنْ زَمَنٍ، أَوْ ضَعْفٌ بِمَرَضٍ، أَوْ عَرَضٍ، أَوْ فَقِيرٍ مَعْذُورٍ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِ رَجُلٍ تَامٍّ فَإِنْ قَالَ: مِنْ أَيْنَ ضَرَبْت لِهَؤُلَاءِ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فَرْضُ الْقِتَالِ، وَلَا لَهُمْ غَنَاءٌ بِسَهْمٍ، وَلَمْ تَضْرِبْ بِهِ لِلْعَبِيدِ وَلَهُمْ غِنَاءٌ، وَلَا لِلنِّسَاءِ وَالْمُرَاهِقِينَ، وَإِنْ أَغْنَوْا وَكُلٌّ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْقِتَالِ؟ قِيلَ: لَهُ قُلْنَا خَبَرًا وَقِيَاسًا فَأَمَّا الْخَبَرُ، فَإِنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْذَى النِّسَاءَ مِنْ الْغَنَائِمِ» وَكَانَ الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ مِمَّنْ لَا فَرْضَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ عَلَى الْقِتَالِ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي أَبْدَانِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْعَبِيدُ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ فَكَانُوا غَيْرَ أَهْلِ جِهَادٍ بِحَالٍ كَمَا يَحُجُّ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُمَا مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ بِحَالٍ وَيَحُجُّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ الزَّمِنَانِ اللَّذَانِ لَهُمَا الْعُذْرُ بِتَرْكِ الْحَجِّ وَالْفَقِيرَانِ الزَّمِنَانِ فَيُجْزِئُ عَنْهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا زَالَ الْفَرْضُ عَنْهُمَا بِعُذْرٍ فِي أَبْدَانِهِمَا وَأَمْوَالِهِمَا مَتَى فَارَقَهُمَا ذَلِكَ كَانَا مِنْ أَهْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ هَكَذَا الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ فِي الْحَجِّ قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُونَا كَذَا وَالْمَرْأَةُ مِثْلُهُمَا فِي الْجِهَادِ وَضَرَبْت لِلزَّمِنِ وَالْفَقِيرِ اللَّذَيْنِ لَا غَزْوَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ لِمَرْضَى وَجَرْحَى وَقَوْمٍ لَا غَنَاءَ لَهُمْ عَلَى الشُّهُودِ» وَأَنَّهُمْ لَمْ يَزَلْ فَرْضُ الْجِهَادِ عَلَيْهِمْ إلَّا بِمَعْنَى الْعُذْرِ الَّذِي إذَا زَالَ صَارُوا مِنْ أَهْلِهِ، فَإِذَا تَكَلَّفُوا شُهُودَهُ كَانَ لَهُمْ مَا لِأَهْلِهِ. [مَنْ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَغْزُوَ بِهِ بِحَالٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : غَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَزَا مَعَهُ بَعْضُ مَنْ يَعْرِفُ نِفَاقَهُ فَانْخَزَلَ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْهُ بِثَلَثِمِائَةٍ ثُمَّ شَهِدُوا مَعَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَتَكَلَّمُوا بِمَا حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَوْلِهِمْ {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا} [الأحزاب: 12] ثُمَّ غَزَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَشَهِدَهَا مَعَهُ عَدَدٌ فَتَكَلَّمُوا بِمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِمْ {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون: 8] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ نِفَاقِهِمْ ثُمَّ غَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ فَشَهِدَهَا مَعَهُ قَوْمٌ مِنْهُمْ نَفَرُوا بِهِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ لِيَقْتُلُوهُ فَوَقَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَرَّهُمْ وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ مِنْهُمْ فِيمَنْ بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَزَاةِ تَبُوكَ أَوْ مُنْصَرِفِهِ عَنْهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي تَبُوكَ قِتَالٌ مِنْ أَخْبَارِهِمْ فَقَالَ {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَأَظْهَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْرَارَهُمْ وَخَبَّرَ السَّمَّاعِينَ لَهُمْ وَابْتِغَاءَهُمْ أَنْ يَفْتِنُوا مَنْ مَعَهُ بِالْكَذِبِ وَالْإِرْجَافِ وَالتَّخْذِيلِ لَهُمْ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَرِهَ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ إذْ كَانُوا عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ كَانَ فِيهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ عَرَفَ بِمَا عُرِفُوا بِهِ مِنْ أَنْ يَغْزُوَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ ثُمَّ زَادَ فِي تَأْكِيدِ بَيَانِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: 81] قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى الْخَالِفِينَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَمَنْ شُهِرَ بِمِثْلِ مَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَحِلَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَدَعَهُ يَغْزُو مَعَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَوْ غَزَا مَعَهُ أَنْ يُسْهِمَ لَهُ، وَلَا يَرْضَخَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ مَنَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَغْزُوَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِطَلَبَتِهِ فِتْنَتَهُمْ وَتَخْذِيلِهِ إيَّاهُمْ وَأَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَسْتَمِعُ لَهُ بِالْغَفْلَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالصَّدَاقَةِ وَأَنَّ هَذَا قَدْ يَكُونُ أَضَرَّ عَلَيْهِمْ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ عَدُوِّهِمْ. (قَالَ) : وَلَمَّا نَزَلَ هَذَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ لِيَخْرُجَ بِهِمْ أَبَدًا، وَإِذَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَخْرُجَ بِهِمْ فَلَا سَهْمَ لَهُمْ لَوْ شَهِدُوا الْقِتَالَ، وَلَا رَضْخَ، وَلَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْرُمْ أَنْ يَخْرُجَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِمْ فَأَمَّا مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ بَعْضِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يُحْمَدُ حَالُهُ أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ بِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُطَاعُ وَلَا يَضُرُّ مَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ إلَّا مَا مَنَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهُمْ عَلَى أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا مُنِعُوا الْغَزْوَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِلْمَعْنَى الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ضَرَرِهِمْ وَصَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمْنَعْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ صَلَاتِهِ صَلَاةِ غَيْرِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ كَانَ مُشْرِكٌ يَغْزُو مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مَعَهُ فِي الْغَزْوِ مَنْ يُطِيعُهُ مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ مُشْرِكٍ وَكَانَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْهَزِيمَةِ وَالْحِرْصِ عَلَى غَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَفْرِيقِ جَمَاعَتِهِمْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَغْزُوَ بِهِ، وَإِنْ غَزَا بِهِ لَمْ يَرْضَخْ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا إذَا كَانَ فِي الْمُنَافِقِينَ مَعَ اسْتِتَارِهِمْ بِالْإِسْلَامِ كَانَ فِي الْمُكْتَشِفِينَ فِي الشِّرْكِ مِثْلُهُ فِيهِمْ، أَوْ أَكْثَرُ إذَا كَانَتْ أَفْعَالُهُمْ كَأَفْعَالِهِمْ، أَوْ أَكْثَرَ، وَمَنْ كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الصِّفَةِ فَكَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِدَلَالَةٍ عَلَى عَوْرَةِ عَدُوٍّ، أَوْ طَرِيقٍ، أَوْ ضَيْعَةٍ، أَوْ نَصِيحَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُغْزَى بِهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُعْطَى مِنْ الْفَيْءِ شَيْئًا وَيَسْتَأْجِرَ إجَارَةً مِنْ مَالٍ لَا مَالِكَ لَهُ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ غَيْرُ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ أُعْطِيَ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَرَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ مُشْرِكًا» قِيلَ نُعَيْمٌ فَأَسْلَمَ وَلَعَلَّهُ رَدَّهُ رَجَاءَ إسْلَامِهِ وَذَلِكَ وَاسِعٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّ الْمُشْرِكَ فَيَمْنَعُهُ الْغَزْوَ وَيَأْذَنَ لَهُ، وَكَذَلِكَ الضَّعِيفُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَيَأْذَنَ لَهُ وَرَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جِهَةِ إبَاحَةِ الرَّدِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ غَزَا بِيَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ بَعْدَ بَدْرٍ وَشَهِدَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مَعَهُ حُنَيْنًا بَعْدَ الْفَتْحِ وَصَفْوَانُ مُشْرِكٌ. (قَالَ) : وَنِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ فِي هَذَا وَصِبْيَانِهِمْ كَرِجَالِهِمْ لَا يَحْرُمُ أَنْ يَشْهَدُوا الْقِتَالَ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ لَمْ يُعْطُوا، وَإِنْ شَهِدُوا الْقِتَالَ فَلَا يُبَيِّنُ أَنْ يَرْضَخَ لَهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَرْضَخَ لَهُمْ بِشَيْءٍ لَيْسَ كَمَا يَرْضَخُ لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ أَوْ لِامْرَأَةٍ، وَلَا صَبِيٍّ مُسْلِمَيْنِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ لَمْ يَشْهَدُوا الْحَرْبَ إنْ لَمْ تَكُنْ بِهِمْ مَنْفَعَةٌ؛ لِأَنَّا إنَّمَا أَجَزْنَا شُهُودَ النِّسَاءِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَالصِّبْيَانَ فِي الْحَرْبِ رَجَاءَ النُّصْرَةِ بِهِمْ لَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْلِ الْإِيمَانِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْمُشْرِكِينَ. [كَيْفَ تُفَضِّلُ فَرْضَ الْجِهَادِ] ِ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] مَعَ مَا أَوْجَبَ مِنْ الْقِتَالِ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَقَدْ وَصَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ غَيْرُ ذَوِي الْعُذْرِ بِدَلَائِلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِذَا كَانَ فَرْضُ الْجِهَادِ عَلَى مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ مُحْتَمِلًا لَأَنْ يَكُونَ كَفَرْضِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا عَامًّا وَمُحْتَمِلًا لَأَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ الْعُمُومِ فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ يَقُومَ بِهِ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ لِلْقِيَامِ بِهِ حَتَّى يَجْتَمِعَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ الْمَخُوفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَمْنَعُهُ، وَالْآخَرُ أَنْ يُجَاهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَنْ فِي جِهَادِهِ كِفَايَةٌ حَتَّى يُسْلِمَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ، أَوْ يُعْطِيَ أَهْلُ الْكِتَابِ الْجِزْيَةَ قُلْ، فَإِذَا قَامَ بِهَذَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَنْ فِيهِ الْكِفَايَةُ بِهِ خَرَجَ الْمُتَخَلِّفُ مِنْهُمْ مِنْ الْمَأْثَمِ فِي تَرْكِ الْجِهَادِ وَكَانَ الْفَضْلُ لِلَّذِينَ وَلَوْا الْجِهَادَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} [النساء: 95] الْآيَةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبَيَّنَ إذْ وَعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقَاعِدِينَ غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ الْحُسْنَى أَنَّهُمْ لَا يَأْثَمُونَ بِالتَّخَلُّفِ وَيُوعَدُونَ الْحُسْنَى بِالتَّخَلُّفِ بَلْ وَعَدَهُمْ لَمَّا وَسَّعَ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّخَلُّفِ الْحُسْنَى إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ لَمْ يَتَخَلَّفُوا شَكًّا، وَلَا سُوءَ نِيَّةٍ، وَإِنْ تَرَكُوا الْفَضْلَ فِي الْغَزْوِ وَأَبَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ فِي النَّفِيرِ حِينَ أُمِرْنَا بِالنَّفِيرِ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 39] وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122] الْآيَةَ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ عَلَى الْكِفَايَةِ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَمْ يَغْزُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَاةً عَلِمْتهَا إلَّا تَخَلَّفَ عَنْهُ فِيهَا بَشَرٌ فَغَزَا بَدْرًا وَتَخَلَّفَ عَنْهُ رِجَالٌ مَعْرُوفُونَ، وَكَذَلِكَ تَخَلَّفَ عَنْهُ عَامَ الْفَتْحِ وَغَيْرَهُ مِنْ غَزَوَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَفِي تَجَهُّزِهِ لِلْجَمْعِ لِلرُّومِ «لِيَخْرُجَ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ فَيَخْلُفُ الْبَاقِي الْغَازِيَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُيُوشًا وَسَرَايَا تَخَلَّفَ عَنْهَا بِنَفْسِهِ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الْجِهَادِ عَلَى مَا ذَكَرْت. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَبَانَ أَنْ لَوْ تَخَلَّفُوا مَعًا أَثِمُوا مَعًا بِالتَّخَلُّفِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 39] يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، إلَّا إنْ تَرَكْتُمْ النَّفِيرَ كُلُّكُمْ عَذَّبْتُكُمْ قَالَ فَفَرْضُ الْجِهَادِ عَلَى مَا وَصَفْت يُخْرِجُ الْمُتَخَلِّفِينَ مِنْ الْمَأْثَمِ بِالْكِفَايَةِ فِيهِ، وَيَأْثَمُونَ مَعًا إذَا تَخَلَّفُوا مَعًا. [تَفْرِيعُ فَرْضِ الْجِهَادِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123] قَالَ: فَفَرَضَ اللَّهُ جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ أَبَانَ مَنْ الَّذِينَ نَبْدَأُ بِجِهَادِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ الَّذِينَ يَلُونَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مَعْقُولًا فِي فَرْضِ اللَّهِ جِهَادُهُمْ أَنَّ أَوْلَاهُمْ بِأَنْ يُجَاهِدَ أَقْرَبُهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ دَارًا؛ لِأَنَّهُمْ إذَا قَوُوا عَلَى جِهَادِهِمْ وَجِهَادِ غَيْرِهِمْ كَانُوا عَلَى جِهَادِ مَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ أَقْوَى وَكَانَ مَنْ قَرُبَ أَوْلَى أَنْ يُجَاهِدَ مِنْ قُرْبِهِ مِنْ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ نِكَايَةَ مَنْ قَرُبَ أَكْثَرُ مِنْ نِكَايَةِ مَنْ بَعُدَ قَالَ: فَيَجِبُ عَلَى الْخَلِيفَةِ إذَا اسْتَوَتْ حَالُ الْعَدُوِّ، أَوْ كَانَتْ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ قُوَّةٌ أَنْ يَبْدَأَ بِأَقْرَبِ الْعَدُوِّ مِنْ دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ خَلْفَهُمْ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَدُوٍّ دُونَهُ حَتَّى يَحْكُمَ أَمْرَ الْعَدُوِّ دُونَهُ بِأَنْ يُسْلِمُوا، أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ إنْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَأُحِبُّ لَهُ إنْ لَمْ يُرِدْ تَنَاوُلَ عَدُوٍّ وَرَاءَهُمْ، وَلَمْ يُطِلْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَدُوٌّ أَنْ يَبْدَأَ بِأَقْرَبِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِاسْمِ الَّذِينَ يَلُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ يَلِي طَائِفَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا أُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِقِتَالِ طَائِفَةٍ تَلِي قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ دُونَ آخَرِينَ، وَإِنْ كَانَتْ أَقْرَبَ مِنْهُمْ مِنْ الْأُخْرَى إلَى قَوْمٍ غَيْرِهِمْ. فَإِنْ اخْتَلَفَ حَالُ الْعَدُوِّ فَكَانَ بَعْضُهُمْ أَنْكَى مِنْ بَعْضٍ، أَوْ أَخْوَفَ مِنْ بَعْضٍ فَلْيَبْدَأْ الْإِمَامُ بِالْعَدُوِّ الْأَخْوَفِ، أَوْ الأنكى وَلَا بَأْسَ أَنْ يَفْعَلَ، وَإِنْ كَانَتْ دَارُهُ أَبْعَدَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى مَا يَخَافُ مِمَّنْ بَدَأَ بِهِ مِمَّا لَا يَخَافُ مِنْ غَيْرِهِ مِثْلَهُ وَتَكُونُ هَذِهِ بِمَنْزِلَةِ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الضَّرُورَةِ مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ «بَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ أَنَّهُ يَجْمَعُ لَهُ فَأَغَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُرْبُهُ عَدُوٌّ أَقْرَبُ مِنْهُ وَبَلَغَهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ شُحٍّ يَجْمَعُ لَهُ فَأَرْسَلَ ابْنَ أُنَيْسٍ فَقَتَلَهُ وَقُرْبُهُ عَدُوٌّ أَقْرَبُ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذِهِ مَنْزِلَةٌ لَا يَتَبَايَنُ فِيهَا حَالُ الْعَدُوِّ كَمَا وَصَفْت وَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ سَدُّ أَطْرَافِ الْمُسْلِمِينَ بِالرِّجَالِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْحُصُونِ وَالْخَنَادِقِ وَكُلِّ أَمْرٍ دَفَعَ الْعَدُوَّ قَبْلَ انْتِيَابِ الْعَدُوِّ فِي دِيَارِهِمْ حَتَّى لَا يَبْقَى لِلْمُسْلِمِينَ طَرَفٌ إلَّا، وَفِيهِ مَنْ يَقُومُ بِحَرْبِ مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَكْثَرَ فَعَلَ وَيَكُونُ الْقَائِمُ بِوِلَايَتِهِمْ أَهْلَ الْأَمَانَةِ وَالْعَقْلِ وَالنَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْعِلْمِ بِالْحَرْبِ وَالنَّجْدَةِ وَالْأَنَاةِ وَالرِّفْقِ وَالْإِقْدَامِ فِي مَوْضِعِهِ وَقِلَّةِ الْبَطْشِ وَالْعَجَلَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا أَحْكَمَ هَذَا فِي الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَ الْمُسْلِمِينَ بِلَادَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَا يُغَرَّرُ بِالْمُسْلِمِينَ فِيهَا وَيَرْجُو أَنْ يَنَالَ الظَّفَرَ مِنْ الْعَدُوِّ فَإِنْ كَانَتْ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ لَمْ أَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ عَامٌ إلَّا وَلَهُ جَيْشٌ أَوْ غَارَةٌ فِي بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَلُونَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ عَامَّةٍ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ فِي السَّنَةِ بِلَا تَغْرِيرٍ بِالْمُسْلِمِينَ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ لَا يَدَعَ ذَلِكَ كُلَّمَا أَمْكَنَهُ وَأَقَلُّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَأْتِيَ عَلَيْهِ عَامٌ إلَّا وَلَهُ فِيهِ غَزْوٌ حَتَّى لَا يَكُونَ الْجِهَادُ مُعَطَّلًا فِي عَامٍ إلَّا مِنْ عُذْرٍ،، وَإِذَا غَزَا عَامًا قَابِلًا غَزَا بَلَدًا غَيْرَهُ، وَلَا يَتَأَتَّى الْغَزْوُ عَلَى بَلَدٍ وَيُعَطَّلُ مِنْ بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ حَالُ أَهْلِ الْبُلْدَانِ فَيُتَابِعُ الْغَزْوَ عَلَى مَنْ يَخَافُ نِكَايَتَهُ، أَوْ مَنْ يَرْجُو غَلَبَةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بِلَادِهِ فَيَكُونُ تَتَابُعُهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَطَّلَ غَيْرَهُ بِمَعْنَى لَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِثْلُهُ. قَالَ: وَإِنَّمَا قُلْت بِمَا وَصَفْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخْلُ مِنْ حِينِ فَرَضَ عَلَيْهِ الْجِهَادَ مِنْ أَنْ غَزَا بِنَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ فِي عَامٍ مِنْ غَزْوَةٍ، أَوْ غَزْوَتَيْنِ، أَوْ سَرَايَا، وَقَدْ كَانَ يَأْتِي عَلَيْهِ الْوَقْتُ لَا يَغْزُو فِيهِ، وَلَا يُسْرِي سَرِيَّةً، وَقَدْ يُمْكِنُهُ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَجِمُّ وَيُجَمُّ لَهُ وَيَدْعُو وَيُظَاهِرُ الْحُجَجُ عَلَى مَنْ دَعَاهُ. وَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْإِمَامِ أَنْ يَغْزُوا أَهْلَ الْفَيْءِ يَغْزُوا كُلُّ قَوْمٍ إلَى مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يُكَلَّفُ الرَّجُلُ الْبِلَادَ الْبَعِيدَةَ وَلَهُ مُجَاهِدٌ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ حَالُ الْمُجَاهِدِينَ فَيَزِيدَ عَنْ الْقَرِيبِ عَنْ أَنْ يَكْفِيَهُمْ فَإِنْ عَجَزَ الْقَرِيبُ عَنْ كِفَايَتِهِمْ كَلَّفَهُمْ أَقْرَبَ أَهْلِ الْفَيْءِ بِهِمْ. قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَغْزُوَ أَهْلُ دَارٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً حَتَّى يَخْلُفَ فِي دِيَارِهِمْ مَنْ يَمْنَعُ دَارَهُمْ مِنْهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا كَانَ أَهْلُ دَارِ الْمُسْلِمِينَ قَلِيلًا إنْ غَزَا بَعْضُهُمْ خِيفَ الْعَدُوُّ عَلَى الْبَاقِينَ مِنْهُمْ لَمْ يَغْزُ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَكَانَ هَؤُلَاءِ فِي رِبَاطِ الْجِهَادِ وَنُزُلِهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ كَانَتْ مُمْتَنِعَةً غَيْرَ مَخُوفٍ عَلَيْهَا مِمَّنْ يُقَارِبُهَا فَأَكْثَرُ مَا يَجُوزُ أَنْ يُغْزَى مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلًا فَيَخْلُفُ الْمُقِيمُ الظَّاعِنَ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَإِنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَجَهَّزَ إلَى تَبُوكَ فَأَرَادَ الرُّومَ وَكَثُرَتْ جُمُوعُهُمْ، قَالَ: لِيَخْرُجَ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ» وَمَنْ فِي الْمَدِينَةِ مُمْتَنِعٌ بِأَقَلَّ مِمَّنْ تَخَلَّفَ فِيهَا، وَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ فِي سَاحِلٍ مِنْ السَّوَاحِلِ كَسَوَاحِلِ الشَّامِ وَكَانُوا عَلَى قِتَالِ الرُّومِ وَالْعَدُوُّ الَّذِي يَلِيهِمْ أَقْوَى مِمَّنْ يَأْتِيهِمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ بَلَدِهِمْ وَكَانَ جِهَادُهُمْ عَلَيْهِ أَقْرَبَ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْزُوا إلَيْهِمْ مَنْ يُقِيمُ فِي ثُغُورِهِمْ مَعَ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ خُلِّفُوا مِنْهُمْ يَمْنَعُونَ دَارَهُمْ لَوْ انْفَرَدُوا إذَا صَارُوا يَمْنَعُونَ دَارَهُمْ بِمَنْ تَخَلَّفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ وَيَدْخُلُونَ بِلَادَ الْعَدُوِّ فَيَكُونُ عَدُوُّهُمْ أَقْرَبَ وَدَوَابُّهُمْ أَجَمَّ وَهُمْ بِبِلَادِهِمْ أَعْلَمُ وَتَكُونُ دَارُهُمْ غَيْرَ ضَائِعَةٍ بِمَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ وَخَلَفَ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ. قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ الْغَزْوَ إلَّا ثِقَةً فِي دِينِهِ شُجَاعًا فِي بَدَنِهِ حَسَنَ الْأَنَاةِ عَاقِلًا لِلْحَرْبِ بَصِيرًا بِهَا غَيْرَ عَجِلٍ، وَلَا نَزِقٍ وَأَنْ يَقْدَمَ إلَيْهِ وَإِلَى مَنْ وَلَّاهُ أَنْ لَا يَحْمِلَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَهْلَكَةٍ بِحَالٍ، وَلَا يَأْمُرَهُمْ بِنَقْبِ حِصْنٍ يَخَافُ أَنْ يَشْدَخُوا تَحْتَهُ، وَلَا دُخُولَ مَطْمُورَةٍ يَخَافُ أَنْ يُقْتَلُوا، وَلَا يَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ فِيهَا، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَهَالِكِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْإِمَامُ، فَقَدْ أَسَاءَ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا عَقْلَ، وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ إنْ أُصِيبَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِطَاعَتِهِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ لَا يَأْمُرُ الْقَلِيلَ مِنْهُمْ بِانْتِيَابِ الْكَثِيرِ حَيْثُ لَا غَوْثَ لَهُمْ، وَلَا يَحْمِلُ مِنْهُمْ أَحَدًا عَلَى غَيْرِ فَرْضِ الْقِتَالِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنْ يُقَاتِلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَيْنِ لَا يُجَاوِزُ ذَلِكَ، وَإِذَا حَمَلَهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ حَمْلُهُمْ عَلَيْهِ فَلَهُمْ أَنْ لَا يَفْعَلُوهُ قَالَ: وَإِنَّمَا قُلْت لَا عَقْلَ، وَلَا قَوَدَ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ أَنَّهُ جِهَادٌ وَيَحِلُّ لَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَقْدَمُوا فِيهِ عَلَى مَا لَيْسَ عَلَيْهِمْ بِغَرَضِ الْقَتْلِ لِرَجَاءِ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنِّي لَا أَرَى ضِيقًا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى الْجَمَاعَةِ حَاسِرًا، أَوْ يُبَادِرَ الرَّجُلُ، وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ مَقْتُولٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بُودِرَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَاسِرًا عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ بَعْدَ إعْلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخَيْرِ فَقُتِلَ. [تَحْرِيمُ الْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ] ِ قَالَ: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66] الْآيَةُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] فَكَتَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ الْعِشْرُونَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66] فَخَفَّفَ عَنْهُمْ وَكَتَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ مِائَةٌ مِنْ الْمِائَتَيْنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَغْنًى فِيهِ بِالتَّنْزِيلِ عَنْ التَّأْوِيلِ وَقَالَ: اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] الْآيَةَ، فَإِذَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ أَوْ غُزُوا فَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ فَلَقُوا ضِعْفَهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ حَرُمَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُوَلُّوا عَنْهُمْ إلَّا مُتَحَرِّفِينَ إلَى فِئَةٍ فَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِهِمْ لَمْ أُحِبَّ لَهُمْ أَنْ يُوَلُّوا عَنْهُمْ، وَلَا يَسْتَوْجِبُ السُّخْطَ عِنْدِي مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَعَلَا لَوْ وَلَّوْا عَنْهُمْ إلَى غَيْرِ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ وَالتَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ؛ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا يُوجِبُ سُخْطَهُ عَلَى مَنْ تَرَكَ فَرْضَهُ وَأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجِهَادِ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ يُجَاهِدَ الْمُسْلِمُونَ ضِعْفَهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ، وَيَأْثَمُ الْمُسْلِمُونَ لَوْ أَطَلَّ عَدُوٌّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَيْهِ بِلَا تَضْيِيعٍ لِمَا خَلْفَهُمْ مِنْ ثَغْرِهِمْ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ ضِعْفَهُمْ وَأَقَلَّ. قَالَ: وَإِذَا لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ الْعَدُوَّ فَكَثَرَهُمْ الْعَدُوُّ أَوْ قَوُوا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكْثُرُوهُمْ بِمَكِيدَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ غَيْرَ مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ رَجَوْت أَنْ لَا يَأْثَمُوا، وَلَا يَخْرُجُونَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْ الْمَأْثَمِ إلَّا بِأَنْ لَا يُوَلُّوا الْعَدُوَّ دُبُرًا إلَّا وَهُمْ يَنْوُونَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ التَّحَرُّفِ إلَى الْقِتَالِ أَوْ التَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ فَإِنْ وَلَّوْا عَلَى غَيْرِ نِيَّةِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ خَشِيت أَنْ يَأْثَمُوا وَأَنْ يُحْدِثُوا بَعْدُ نِيَّةَ خَيْرٍ لَهُمْ وَمَنْ فَعَلَ هَذَا مِنْهُمْ تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ خَيْرٍ بِلَا كَفَّارَةٍ مَعْلُومَةٍ فِيهِ. قَالَ: وَلَوْ وَلَّوْا يُرِيدُونَ التَّحَرُّفَ لِلْقِتَالِ أَوْ التَّحَيُّزَ إلَى الْفِئَةِ ثُمَّ أَحْدَثُوا بَعْدُ نِيَّةً فِي الْمُقَامِ عَلَى الْفِرَارِ بِلَا وَاحِدَةٍ مِنْ النِّيَّتَيْنِ كَانُوا غَيْرَ آثِمِينَ بِالتَّوْلِيَةِ مَعَ النِّيَّةِ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَخِفْت أَنْ يَأْثَمُوا بِالنِّيَّةِ الْحَادِثَةِ أَنْ يَثْبُتُوا عَلَى الْفِرَارِ لَا لِوَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ، وَإِنْ بَعْضُ أَهْلِ الْفَيْءِ نَوَى أَنْ يُجَاهِدَ عَدُوًّا بِلَا عُذْرٍ خِفْت عَلَيْهِ الْمَأْثَمَ، وَلَوْ نَوَى الْمُجَاهِدُ أَنْ يَفِرَّ عَنْهُ لَا لِوَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ كَانَ خَوْفِي عَلَيْهِ مِنْ الْمَأْثَمِ أَعْظَمَ، وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ مَنْ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْقِتَالِ مِنْ الضُّعَفَاءِ وَالْمَرْضَى الْأَحْرَارِ خِفْت أَنْ يَضِيقَ عَلَى أَهْلِ الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا عُذِرُوا بِتَرْكِهِ، فَإِذَا تَكَلَّفُوهُ فَهُمْ مِنْ أَهْلِهِ كَمَا يُعْذَرُ الْفَقِيرُ الزَّمِنُ بِتَرْكِ الْحَجِّ، فَإِذَا حَجَّ لَزِمَهُ فِيهِ مَا لَزِمَ مَنْ لَا يُعْذَرُ بِتَرْكِهِ مِنْ عَمَلٍ وَمَأْثَمٍ وَفِدْيَةٍ. قَالَ: وَإِنْ شَهِدَ الْقِتَالَ عَبْدٌ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ كَانَ كَالْأَحْرَارِ مَا كَانَ فِي إذْنِ سَيِّدِهِ يَضِيقُ عَلَيْهِ التَّوْلِيَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ سَمَّيْت مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ الَّذِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ الْمَأْثَمُ وَيَصْلُحُونَ لِلْقِتَالِ قَالَ: وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ عَبْدٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ يَأْثَمْ بِالْفِرَارِ عَلَى غَيْرِ نِيَّةِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْقِتَالُ، وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ بِلَا سُكْرٍ لَمْ يَأْثَمْ بِأَنْ يُوَلِّيَ، وَلَوْ شَهِدَهُ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ بِسُكْرٍ مِنْ خَمْرٍ فَوَلَّى كَانَ كَتَوْلِيَةِ الصَّحِيحِ الْمُطِيقِ لِلْقِتَالِ، وَلَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لَمْ يَأْثَمْ بِالتَّوْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ تَكْمُلْ الْفَرَائِضُ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَهِدَ النِّسَاءُ الْقِتَالَ فَوَلَّيْنَ رَجَوْت أَنْ لَا يَأْثَمْنَ بِالتَّوْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْجِهَادُ كَيْفَ كَانَتْ حَالُهُنَّ. قَالَ: وَإِذَا حَضَرَ الْعَدُوُّ الْقِتَالَ فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً، وَلَمْ تُقْسَمْ حَتَّى وَلَّتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ، فَإِنْ قَالُوا وَلَّيْنَا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ كَانَتْ لَهُمْ سُهْمَانُهُمْ فِيمَا غُنِمَ بَعْدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلِينَ، وَلَا رِدْءًا، وَلَوْ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً ثُمَّ لَمْ تُقْسَمْ خُمِّسَتْ، أَوْ لَمْ تُخَمَّسْ حَتَّى وَلَّوْا وَأَقَرُّوا أَنَّهُمْ وَلَّوْا بِغَيْرِ نِيَّةِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ أَحْدَثُوا نِيَّةَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَالرَّجْعَةَ وَرَجَعُوا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ غَنِيمَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ إلَيْهِمْ حَتَّى صَارُوا مِمَّنْ عَصَى بِالْفِرَارِ وَتَرَكَ الدَّفْعَ عَنْهَا وَكَانُوا آثِمِينَ بِالتَّرْكِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا وَلَّى الْقَوْمُ غَيْرَ مُتَحَرِّفِينَ إلَى فِئَةٍ ثُمَّ غَزَوْا غَزَاةً أُخْرَى وَعَادُوا إلَى تَرْكِ الْغَزَاةِ فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ غَنِيمَةٍ شَهِدُوهَا، وَلَمْ يُوَلُّوا بَعْدَهَا فَلَهُمْ حَقُّهُمْ مِنْهَا، وَإِذَا رَجَعَ الْقَوْمُ الْقَهْقَرَى بِلَا نِيَّةٍ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ كَانُوا كَالْمُوَلِّينَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِالتَّحْرِيمِ الْهَزِيمَةُ عَنْ الْمُشْرِكِينَ. وَإِذَا غَزَا الْقَوْمُ فَذَهَبَتْ دَوَابُّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُذْرٌ بِأَنْ يُوَلُّوا، وَإِنْ ذَهَبَ السِّلَاحُ وَالدَّوَابُّ وَكَانُوا يَجِدُونَ شَيْئًا يَدْفَعُونَ بِهِ مِنْ حِجَارَةٍ، أَوْ خَشَبٍ، أَوْ غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَجِدُوا مِنْ هَذَا شَيْئًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُوَلُّوا فَإِنْ فَعَلُوا أَحْبَبْت أَنْ يَجْمَعُوا مَعَ الْفِعْلِ عَلَى أَنْ يَكُونُوا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ، وَلَا يُبَيِّنُ أَنْ يَأْثَمُوا؛ لِأَنَّهُمْ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى شَيْءٍ يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَأُحِبُّ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْ لَا يُوَلِّيَ أَحَدٌ بِحَالٍ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ. وَلَوْ غَزَا الْمُشْرِكُونَ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ تَوْلِيَةُ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ كَتَوْلِيَتِهِمْ لَوْ غَزَاهُمْ الْمُسْلِمُونَ إذَا كَانُوا نَازِلِينَ لَهُمْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْرُزُوا إلَيْهِمْ. قَالَ: وَلَا يَضِيقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَحَصَّنُوا مِنْ الْعَدُوِّ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَبِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانُوا قَاهِرِينَ لِلْعَدُوِّ فِيمَا يَرَوْنَ إذَا ظَنُّوا ذَلِكَ أَزْيَدَ فِي قُوَّتِهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ الْعَدُوُّ يَتَنَاوَلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا فِي تَحَصُّنِهِمْ عَنْهُمْ، فَإِذَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ضَاقَ عَلَيْهِمْ إنْ أَمْكَنَهُمْ الْخُرُوجُ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْهُمْ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَدُوُّ قَاهِرِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَحَصَّنُوا إلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ مَدَدٌ أَوْ تَحْدُثُ لَهُمْ قُوَّةٌ، وَإِنْ وَنَى عَلَيْهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُوَلُّوا عَنْ الْعَدُوِّ مَا لَمْ يَلْتَقُوا هُمْ وَالْعَدُوُّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ فِي التَّوْلِيَةِ بَعْدَ اللِّقَاءِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالتَّحَرُّفُ لِلْقِتَالِ الِاسْتِطْرَادُ إلَى أَنْ يُمْكِنَ الْمُسْتَطْرِدُ الْكَرَّةَ فِي أَيِّ حَالٍ مَا كَانَ الْإِمْكَانُ وَالتَّحَيُّزُ إلَى الْفِئَةِ أَيْنَ كَانَتْ الْفِئَةُ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ، أَوْ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ أَقْرَبَ إنَّمَا يَأْثَمُ فِي التَّوْلِيَةِ مَنْ لَمْ يَنْوِ وَاحِدًا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَرِيَّةٍ فَلَقُوا الْعَدُوَّ فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ وَفَتَحْنَا بَابَهَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: نَحْنُ الْفَرَّارُونَ قَالَ: أَنْتُمْ الْعَكَّارُونَ وَأَنَا فِئَتُكُمْ» أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ. [فِي إظْهَارِ دِينِ النَّبِيِّ عَلَى الْأَدْيَانِ] فِي إظْهَارِ دِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَدْيَانِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33] أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرُ بَعْدَهُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) «لَمَّا أُتِيَ كِسْرَى بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَزَّقَهُ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُمَزَّقُ مُلْكُهُ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَحَفِظْنَا أَنَّ «قَيْصَرَ أَكْرَمَ كِتَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَضَعَهُ فِي مِسْكٍ فَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَثْبُتُ مُلْكُهُ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَوَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ فَتْحَ فَارِسَ وَالشَّامِ فَأَغْزَى أَبُو بَكْرٍ الشَّامَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ فَتْحِهَا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَتَحَ بَعْضَهَا وَتَمَّ فَتْحُهَا فِي زَمَانِ عُمَرَ وَفَتَحَ الْعِرَاقَ وَفَارِسَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دِينَهُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَدْيَانِ بِأَنْ أَبَانَ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ وَمَا خَالَفَهُ مِنْ الْأَدْيَانِ بَاطِلٌ وَأَظْهَرَهُ بِأَنَّ جِمَاعَ الشِّرْكِ دِينَانِ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَدِينُ الْأُمِّيِّينَ فَقَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأُمِّيِّينَ حَتَّى دَانُوا بِالْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَقَتَلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَسَبَى حَتَّى دَانَ بَعْضُهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَأَعْطَى بَعْضٌ الْجِزْيَةَ صَاغِرِينَ وَجَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا ظُهُورُ الدِّينِ كُلِّهِ قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ لَيُظْهِرَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ حَتَّى لَا يُدَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا بِهِ وَذَلِكَ مَتَى شَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْتَابُ الشَّامَ انْتِيَابًا كَثِيرًا مَعَ مَعَايِشِهَا مِنْهُ وَتَأْتِي الْعِرَاقُ، قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَتْ فِي الْإِسْلَامِ ذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَوْفَهَا مِنْ انْقِطَاعِ تَعَايُشِهَا بِالتِّجَارَةِ مِنْ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ إذَا فَارَقَتْ الْكُفْرَ وَدَخَلَتْ فِي الْإِسْلَامِ مَعَ خِلَافِ مِلْكِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) فَلَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ كِسْرَى بَعْدَهُ ثَبَتَ لَهُ أَمْرٌ بَعْدَهُ، قَالَ: «وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ» فَلَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الشَّامِ قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَأَجَابَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا لَهُ وَكَانَ كَمَا قَالَ: لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَطَعَ اللَّهُ الْأَكَاسِرَةَ عَنْ الْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَقَيْصَرَ وَمَنْ قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ عَنْ الشَّامِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) «قَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِسْرَى يُمَزَّقُ مُلْكُهُ» فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَكَاسِرَةِ مِلْكٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: «وَقَالَ: فِي قَيْصَرَ يَثْبُتُ مُلْكُهُ» فَثَبَتَ لَهُ مُلْكٌ بِبِلَادِ الرُّومِ إلَى الْيَوْمِ وَتَنَحَّى مُلْكُهُ عَنْ الشَّامِ وَكُلُّ هَذَا أَمْرٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا. [الْأَصْلُ فِيمَنْ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْهُ وَمَنْ لَا تُؤْخَذُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ وَهِيَ بِلَادُ قَوْمِهِ وَقَوْمُهُ أُمِّيُّونَ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ حَوْلَهُمْ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مِنْ الْعَجَمِ إلَّا مَمْلُوكٌ، أَوْ أَجِيرٌ، أَوْ مُجْتَازٌ، أَوْ مَنْ لَا يُذْكَرُ قَالَ: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} [الجمعة: 2] الْآيَةُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ فِي أَوَّلِ مَا بُعِثَ أَعْدَى لَهُ مِنْ عَوَامِّ قَوْمِهِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ، وَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ جِهَادَهُمْ فَقَالَ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] فَقِيلَ: فِيهِ فِتْنَةُ شِرْكٍ وَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ وَاحِدًا لِلَّهِ وَقَالَ: فِي قَوْمٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ شَيْءٌ {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} [التوبة: 5] الْآيَةَ مَعَ نَظَائِرَ لَهَا فِي الْقُرْآنِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ مساحق عَنْ أَبِي عِصَامٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً قَالَ: إنْ رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا، أَوْ سَمِعْتُمْ مُؤَذِّنًا فَلَا تَقْتُلُوا أَحَدًا» أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ أَلَيْسَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» قَالَ: أَبُو بَكْرٍ هَذَا مِنْ حَقِّهَا لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهِ ". (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : يَعْنِي مَنْ مَنَعَ الصَّدَقَةَ، وَلَمْ يَرْتَدَّ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لِأَبِي بَكْرٍ هَذَا الْقَوْلَ أَوْ مَا مَعْنَاهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَهَذَا مِثْلُ الْحَدِيثَيْنِ قَبْلَهُ فِي الْمُشْرِكِينَ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مُشْرِكُو أَهْلِ الْأَوْثَانِ، وَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا قُرْبِهِ أَحَدٌ مِنْ مُشْرِكِي أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا يَهُودَ الْمَدِينَةِ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَنْصَارِ، وَلَمْ تَكُنْ أَنْصَارٌ اجْتَمَعَتْ أَوَّلَ مَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إسْلَامًا فَوَادَعَتْ يَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ تَخْرُجْ إلَى شَيْءٍ مِنْ عَدَاوَتِهِ بِقَوْلٍ يَظْهَرُ، وَلَا فِعْلٍ حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ فَكَلَّمَ بَعْضُهَا بَعْضًا بِعَدَاوَتِهِ وَالتَّحْرِيضِ عَلَيْهِ فَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْحِجَازِ عَلِمْته إلَّا يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ بِنَجْرَانَ وَكَانَتْ الْمَجُوسُ بِهَجَرَ وَبِلَادِ الْبَرْبَرِ وَفَارِسَ نَائِينَ عَنْ الْحِجَازِ دُونَهُمْ مُشْرِكُونَ أَهْلُ أَوْثَانٍ كَثِيرٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ فَرْضَ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 29] الْآيَةَ. فَفَرَّقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا شَاءَ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ بَيْنَ قِتَالِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَفَرَضَ أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يُسْلِمُوا وَقَتْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَفَرَضَ أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، أَوْ أَنْ يُسْلِمُوا وَفَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ قِتَالِهِمْ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا أَمَّرَ عَلَيْهِمْ قَالَ: إذَا لَقِيت عَدُوًّا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ، أَوْ ثَلَاثِ خِلَالٍ - شَكَّ عَلْقَمَةُ - اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ اخْتَارُوا الْمُقَامَ فِي دَارِهِمْ أَنَّهُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا يَجْرِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوك إلَى الْإِسْلَامِ فَادْعُهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَدَعْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : حَدَّثَنِي عَدَدٌ كُلُّهُمْ ثِقَةٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ كُلُّهُمْ ثِقَةٌ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّ فِيهِمْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ عَنْ عَلْقَمَةَ بِمِثْلِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُخَالِفُهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذَا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً دُونَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَلَيْسَ يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» ، وَلَكِنَّ أُولَئِكَ النَّاسَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَاَلَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا وَصَفْت مِنْ فَرْقِ اللَّهِ بَيْنَ الْقِتَالَيْنِ، وَلَا يُخَالِفُ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُقَاتِلَ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ وَيُقْتَلُوا حَيْثُ وُجِدُوا حَتَّى يَتُوبُوا وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، وَلَا تُنْسَخُ وَاحِدَةٌ مِنْ الْآيِ غَيْرَهَا، وَلَا وَاحِدَ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرَهُ وَكُلٌّ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ سَنَّ رَسُولُهُ فِيهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ جَهِلَ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ أَمْرَ اللَّهِ بِالْجِزْيَةِ نَسَخَ أَمْرَهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُسْلِمُوا جَازَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ جَاهِلٌ مِثْلُهُ بَلْ الْجِزْيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُسْلِمُوا، وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِمَا نَاسِخٌ لِصَاحِبِهِ، وَلَا مُخَالِفٌ. [مَنْ يُلْحَقُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : انْتَوَتْ قَبَائِلُ مِنْ الْعَرَبِ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُنَزِّلَ عَلَيْهِ الْفُرْقَانَ فَدَانَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَارَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ الْعَرَبَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَدَانَ بَعْضُهُمْ دِينَهُمْ وَكَانَ مَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَرْضَ قِتَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ حَتَّى يُسْلِمَ مُخَالِفًا دِينَ مَنْ وَصَفْته دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَمَسُّكِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ بِدِينِ آبَائِهِمْ «فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجِزْيَةَ مِنْ أُكَيْدِرَ دُومَةَ» ، وَهُوَ رَجُلٌ يُقَالُ مِنْ غَسَّانَ أَوْ مِنْ كِنْدَةَ «وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجِزْيَةَ مِنْ ذِمَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَعَامَّتِهِمْ عَرَبٌ وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، وَفِيهِمْ عَرَبٌ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَكُنْ وَهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ بَلْ دَائِنِينَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ مُخَالِفِينَ دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَكَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَيْسَتْ عَلَى النَّسَبِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الدِّينِ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَهْلُ التَّوْرَاةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ النَّصَارَى وَكَانُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَأَحَطْنَا بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ كُتُبًا غَيْرَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى - وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 36 - 37] فَأَخْبَرَ أَنَّ لِإِبْرَاهِيمَ صُحُفًا وَقَالَ: تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَكَانَتْ الْمَجُوسُ يَدِينُونَ غَيْرَ دِينِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَيُخَالِفُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي بَعْضِ دِينِهِمْ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَخْتَلِفُونَ فِي بَعْضِ دِينِهِمْ وَكَانَ الْمَجُوسُ بِطَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ لَا يَعْرِفُ السَّلَفُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ مِنْ دِينِهِمْ مَا يَعْرِفُونَ مِنْ دِينِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ حَتَّى عَرَفُوهُ وَكَانُوا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَهْلَ كِتَابٍ يَجْمَعُهُمْ اسْمٌ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ مَعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي سَعْدٍ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: قَالَ فَرْوَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيُّ عَلَامَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الْمَجُوسِ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابِ؟ فَقَامَ إلَيْهِ الْمُسْتَوْرِدُ فَأَخَذَ بِلُبِّهِ وَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ تَطْعَنُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي عَلِيًّا، وَقَدْ أَخَذُوا مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ فَذَهَبَ بِهِ إلَى الْقَصْرِ فَخَرَجَ عَلِيٌّ عَلَيْهِمَا فَقَالَ: أَلْبِدَا فَجَلَسَا فِي ظِلِّ الْقَصْرِ فَقَالَ: عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْمَجُوسِ كَانَ لَهُمْ عِلْمٌ يَعْلَمُونَهُ وَكِتَابٌ يَدْرُسُونَهُ، وَإِنَّمَا مَلِكُهُمْ سَكِرَ فَوَقَعَ عَلَى ابْنَتِهِ، أَوْ أُخْتِهِ فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ فَلَمَّا صَحَا خَافَ أَنْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ فَامْتَنَعَ مِنْهُمْ فَدَعَا أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ فَلَمَّا أَتَوْهُ قَالَ: تَعْلَمُونَ دِينًا خَيْرًا مِنْ دِينِ آدَمَ؟ وَقَدْ كَانَ آدَم يَنْكِحُ بَنِيهِ بَنَاتَه وَأَنَا عَلَى دِينِ آدَمَ مَا يَرْغَبُ بِكُمْ عَنْ دِينِهِ؟ فَتَابَعُوهُ وَقَاتَلُوا الَّذِينَ خَالَفُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُمْ فَأَصْبَحُوا، وَقَدْ أَسْرَى عَلَى كِتَابِهِمْ فَرُفِعَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وَذَهَبَ الْعِلْمُ الَّذِي فِي صُدُورِهِمْ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَقَدْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا وَصَفْت أَنَّ الْمَجُوسَ أَهْلُ كِتَابٍ وَدَلِيلٌ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ مَا خَبَّرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْخُذُ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ إلَّا وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَلَا مِنْ بَعْدِهِ، فَلَوْ كَانَ يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَقَالَ: عَلِيٌّ الْجِزْيَةُ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، أَوْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَهُ، وَلَمْ أَعْلَمْ مِمَّنْ سَلَفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَدًا أَجَازَ أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ بَجَالَةَ يَقُولُ: وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ أَهْلِ هَجَرَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَحَدِيثُ بَجَالَةَ مُتَّصِلٌ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ وَكَانَ رَجُلًا فِي زَمَانِهِ كَاتِبًا لِعُمَّالِهِ وَحَدِيثِ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّصِلٌ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْحِجَازِ حَدِيثَانِ مُنْقَطِعَانِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذُكِرَ لَهُ الْمَجُوسُ فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْف أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ فَقَالَ: لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَشْهَدُ لَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إنْ كَانَ ثَابِتًا فَنُفْتِي فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ لَا أَنَّهُ يُقَالُ إذَا قَالَ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِي أَنْ تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ وَتُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ قَالَ: وَلَوْ أَرَادَ جَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ غَيْرَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَقَالَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ سُنُّوا بِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَكِنْ لَمَّا قَالَ: سُنُّوا بِهِمْ، فَقَدْ خَصَّهُمْ، وَإِذَا خَصَّهُمْ فَغَيْرُهُمْ مُخَالِفٌ، وَلَا يُخَالِفُهُمْ إلَّا غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ» وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَخَذَهَا مِنْ الْبَرْبَرِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ عُمَرُ عَنْ الْمَجُوسِ وَيَقُولَ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِمْ، وَهُوَ يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَسْأَلُ عَمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ، وَلَكِنَّهُ سَأَلَ عَنْ الْمَجُوسِ إذْ لَمْ يَعْرِفْ مِنْ كِتَابِهِمْ مَا عَرَفَ مِنْ كِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَتَّى أُخْبِرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَخْذِهِ الْجِزْيَةَ وَأَمْرِهِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ فَيَتَّبِعُهُ، وَفِي كُلِّ مَا حَكَيْت مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ. [تَفْرِيعُ مَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ] (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَكُلُّ مَنْ دَانَ وَدَانَ آبَاؤُهُ، أَوْ دَانَ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدِنْ آبَاؤُهُ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيَّ كِتَابٍ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَخَالَفَ دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَعَلَى الْإِمَامِ إذَا أَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ، وَهُوَ صَاغِرٌ أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْهُ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، وَلَا يَدِينُ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّنْ كَانَ عَرَبِيًّا، أَوْ عَجَمِيًّا، فَأَرَادَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَيُقَرَّ عَلَى دِينِهِ، أَوْ يَحْدُثَ أَنْ يَدِينَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْجِزْيَةَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَاتِلَهُ حَتَّى يُسْلِمَ كَمَا يُقَاتِلُ أَهْلَ الْأَوْثَانِ حَتَّى يُسْلِمُوا. قَالَ: وَأَيُّ مُشْرِكٍ مَا كَانَ إذَا لَمْ يَدَعْ أَهْلَ دِينِهِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ كَأَهْلِ الْأَوْثَانِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَعْبُدَ الصَّنَمَ وَمَا اسْتَحْسَنَ مِنْ شَيْءٍ وَمَنْ يُعَطِّلُ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ. وَمَنْ غَزَا الْمُسْلِمُونَ مِمَّنْ يَجْهَلُونَ دِينَهُ فَذَكَرُوا لَهُمْ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ سُئِلُوا مَتَى دَانُوا بِهِ وَآبَاؤُهُمْ، فَإِنْ ذَكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلُوا قَوْلَهُمْ إلَّا أَنْ يَعْلَمُوا غَيْرَ مَا قَالُوا، فَإِنْ عَلِمُوا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِمْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ، وَلَمْ يَدَعُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، أَوْ يَقْتُلُوا، وَإِنْ عَلِمُوهُ بِإِقْرَارٍ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَدِنْ، وَلَمْ يَدِنْ آبَاؤُهُ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا فِي وَقْتٍ يَذْكُرُونَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَى دِينِهِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ، وَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ أَخَذَهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ آخُذُهَا مِنْكُمْ حَتَّى أَعْلَمَ إنْ لَمْ تَدِينُوا وَآبَاؤُكُمْ هَذَا الدِّينَ إلَّا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا عَلِمْته لَمْ آخُذْهَا مِنْكُمْ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ وَنَبَذْت إلَيْكُمْ فَإِمَّا أَنْ تُسْلِمُوا وَإِمَّا أَنْ تُقْتَلُوا فَإِذَا أَخْبَرَنَا مِنْ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْهُمْ قَوْمًا عُدُولًا فَاثْبُتُوا لَنَا عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخَذْت مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ بِقَوْلِهِمْ بِأَنْ لَمْ يَدِينُوا دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِحَالٍ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ، وَإِنْ شَهِدَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ الْمُسْلِمُونَ، أَوْ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ إنْ لَمْ يَدِينُوا دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا فِي وَقْتِ كَذَا وَأَنَّ آبَاءَهُمْ كَانُوا يَدِينُونَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ نَبَذْت إلَى مَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَدِنْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا فِي وَقْتِ كَذَا وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ، قَالَ: وَلَمْ يَنْبِذْ إلَى صِغَارِهِمْ إذْ كَانَ آبَاؤُهُمْ دَانُوا دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ. وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ النَّفَرَ الْعُدُولَ شَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا دَانُوا دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا أَجْعَلُهُ شَهَادَةً عَلَى غَيْرِهِمْ، وَلَا أَقْبَلُ الشَّهَادَةَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا بِأَنْ يُثْبِتُوهَا عَلَيْهِ أَنَّ الْفُرْقَانَ نَزَلَ، وَلَا يَدِينُ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِذَا فَعَلُوا لَمْ أَقْبَلْ مِنْهُ الْجِزْيَةَ، وَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ دِينُهُ دِينَ آبَائِهِ إذَا بَلَغَ إنَّمَا يَكُونُ مُقَرًّا عَلَى دِينِ آبَائِهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ، فَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ أَبَا رَجُلَيْنِ مَاتَ عَلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَلَهُ ابْنٌ بَالِغٌ مُخَالِفٌ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَابْنٌ صَغِيرٌ وَنَزَلَ الْفُرْقَانُ وَهُمَا بِتِلْكَ الْحَالِ فَبَلَغَ الصَّغِيرُ وَدَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَادَ الْبَالِغُ إلَى دِينِهِمْ أَخَذْت الْجِزْيَةَ مِنْ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُقِرُّ عَلَى دِينِ أَبِيهِ، وَلَمْ يَدِنْ بَعْدَ الْبُلُوغِ دِينًا غَيْرَهُ، وَلَا آخُذُهَا مِنْ الْكَبِيرِ الَّذِي نَزَلَ الْفُرْقَانُ، وَهُوَ عَلَى دِينٍ غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ. [مَنْ تُرْفَعُ عَنْهُ الْجِزْيَةُ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] قَالَ: فَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الَّذِينَ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قِتَالَهُمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ الَّذِينَ قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ بِالْبُلُوغِ فَتَرَكُوا دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَقَامُوا عَلَى مَا وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَانَ بَيِّنًا أَنَّ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِهِمْ عَلَيْهَا الَّذِينَ فِيهِمْ الْقِتَالُ وَهُمْ الرِّجَالُ الْبَالِغُونَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : ثُمَّ أَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمُحْتَلِمِينَ دُونَ مَنْ دُونَهُمْ وَدُونَ النِّسَاءِ «وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا تُقْتَلَ النِّسَاءُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَلَا الْوِلْدَانُ وَسَبَاهُمْ» فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالرِّجَالِ، وَلَا جِزْيَةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الرِّجَالِ، وَلَا عَلَى امْرَأَةٍ، وَكَذَلِكَ لَا جِزْيَةَ عَلَى مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ تَمَسَّكَ بِهِ تَرَكَ لَهُ الْإِسْلَامُ، وَكَذَلِكَ لَا جِزْيَةَ عَلَى مَمْلُوكٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ يُعْطِي مِنْهُ الْجِزْيَةَ فَأَمَّا مَنْ غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ أَيَّامًا ثُمَّ أَفَاقَ، أَوْ جُنَّ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ الْقَلَمُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَلَيْسَ يَخْلُو بَعْضُ النَّاسِ مِنْ الْعِلَّةِ يَغْرُبُ بِهَا عَقْلُهُ ثُمَّ يُفِيقُ، فَإِذَا أَخَذْت مِنْ صَحِيحٍ ثُمَّ غَلَبَ عَقْلُهُ حَسَبَ لَهُ مِنْ يَوْمِ غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ فَإِنْ أَفَاقَ لَمْ تُرْفَعْ عَنْهُ الْجِزْيَةُ، وَإِنْ لَمْ يُفِقْ رُفِعَتْ عَنْهُ مِنْ يَوْمِ غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ قَالَ: وَإِذَا صُولِحُوا عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا عَنْ أَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ سِوَى مَا يُؤَدُّونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّجَالِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَهُوَ كَمَا اُزْدِيدَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقَلِّ الْجِزْيَةِ وَمِنْ الصَّدَقَةِ وَمِنْ أَمْوَالِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَلْزَمُهُمْ إذَا شَرَطُوهُ لَنَا، وَإِنْ كَانُوا عَلَى أَنْ يُؤَدُّوهَا مِنْ أَمْوَالِ نِسَائِهِمْ، أَوْ أَبْنَائِهِمْ الصِّغَارِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَا لَنَا أَنْ نَأْخُذَهُ مِنْ أَبْنَائِهِمْ، وَلَا نِسَائِهِمْ بِقَوْلِهِمْ فَلَا شَيْئًا عَلَيْك فَإِنْ قَالَتْ: فَإِنْ أُؤَدِّي بَعْدَ عِلْمِهَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْهَا وَمَتَى امْتَنَعْت، وَقَدْ شَرَطَتْ أَنْ تُؤَدِّيَ لَمْ يَلْزَمْهَا الشَّرْطُ مَا أَقَامَتْ فِي بِلَادِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ تَجَرَتْ بِمَالِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا أَنْ تُؤَدِّيَ إلَّا أَنْ تَشَاءَ، وَلَكِنَّهَا تُمْنَعُ الْحِجَازَ فَإِنْ قَالَتْ أَدْخُلُهَا عَلَى شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنِّي فَأَلْزَمَتْهُ نَفْسَهَا جَازَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا دُخُولُ الْحِجَازِ. وَإِذَا صَالَحَتْ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ مَالِهَا شَيْءٌ فِي غَيْرِ بِلَادِ الْحِجَازِ فَإِنْ أَدَّتْهُ قُبِلَ، وَإِنْ مَنَعَتْهُ بَعْدَ شَرْطِهِ فَلَهَا مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبِينُ لِي أَنَّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ غَيْرِ الْحِجَازِ وَلَوْ شَرَطَ هَذَا صَبِيٌّ، أَوْ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَجُزْ الشَّرْطُ عَلَيْهِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ أَبُو الصَّبِيِّ، أَوْ الْمَعْتُوهِ أَوْ وَلِيُّهُمَا ذَلِكَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا وَلَنَا أَنْ نَمْنَعَهُمَا مِنْ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي بِلَادِ الْحِجَازِ، وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ مَالُهُمَا مَعَ الَّذِي لَا يُؤَدِّي شَيْئًا عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَكُونُ لَنَا مَنْعُهُ مِنْ مُسْلِمٍ، وَلَا ذِمِّيٍّ يُؤَدِّي عَنْ مَالِهِ وَتُمْنَعُ أَنْفُسُهُمَا. قَالَ: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ دَارٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ امْتَنَعَ رِجَالُهُمْ مِنْ أَنْ يُصَالِحُوا عَلَى جِزْيَةٍ، أَوْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ وَأَطَاعُوا بِالْجِزْيَةِ وَلَنَا قُوَّةٌ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ فِي صُلْحِهِمْ نَظَرٌ فَسَأَلُوا أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ دُونَهُمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا، وَإِنْ صَالَحُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَالصُّلْحُ مُنْتَقَضٌ، وَلَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ شَيْئًا إنْ سَمَّوْهُ عَلَى النِّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ مَنَعُوا أَمْوَالَهُمْ بِالْأَمَانِ وَلَيْسَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ جِزْيَةٌ، وَكَذَلِكَ لَا نَأْخُذُهَا مِنْ رِجَالِهِمْ، وَإِنْ شَرَطَهَا رِجَالُهُمْ، وَلَمْ يَقُولُوا مِنْ أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا أَخَذْنَاهَا مِنْ أَمْوَالِ مَنْ شَرَطَهَا بِشَرْطِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَعَا إلَى هَذَا النِّسَاءُ وَالْأَبْنَاءُ لَمْ يُؤْخَذْ هَذَا مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ النِّسَاءُ وَالْأَبْنَاءُ أخلياء مِنْ رِجَالِهِمْ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَيْسَ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ وَلَنَا أَنْ نَسْبِيَهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَذِنَ بِالْجِزْيَةِ مَعَ قَطْعِ حَرْبِ الرِّجَالِ وَأَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ، وَلَا حَرْبَ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إنَّمَا هُنَّ غَنِيمَةٌ وَلَيْسُوا فِي الْمَعْنَى الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ بِهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَيْسَ لَنَا سِبَاؤُهُمْ وَعَلَيْنَا الْكَفُّ عَنْهُمْ إذَا أَقَرُّوا بِأَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا، وَإِنْ أَخَذْنَاهُ فَعَلَيْنَا رَدُّهُ قَالَ: وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الرُّهْبَانِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي الزَّمِنِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ مِنْ رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ. وَإِذَا صَالَحَ الْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْجِزْيَةِ ثُمَّ بَلَغَ مِنْهُمْ مَوْلُودٌ قَبْلَ حَوْلِهِمْ بِيَوْمٍ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ فَرَضِيَ بِالصُّلْحِ سُئِلَ فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ بِالْأَدَاءِ لِحَوْلِ قَوْمِهِ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ فَحَوْلُهُ حَوْلُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ بِالْبُلُوغِ وَالرِّضَا وَيَأْخُذُ مِنْهُ الْإِمَامُ مِنْ حِينِ رَضِيَ عَلَى حَوْلِهِ أَصْحَابُهُ وَفَضَلَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ سَنَةٍ قَبْلَهَا لِئَلَّا تَخْتَلِفَ أَحْوَالُهُمْ كَأَنْ بَلَغَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ فَصَالَحَهُ عَلَى دِينَارٍ كُلِّ حَوْلٍ فَيَأْخُذُ مِنْهُ إذَا حَالَ حَوْلُ أَصْحَابِهِ نِصْفَ سُدُسِ دِينَارٍ، وَفِي حَوْلٍ مُسْتَقْبَلٍ مَعَهُمْ دِينَارٌ، فَإِذَا أَخَّرَهُ أُخِذَ مِنْهُ فِي حَوْلِ أَصْحَابِهِ دِينَارٌ وَنِصْفُ سُدُسِ دِينَارٍ. [الصَّغَارُ مَعَ الْجِزْيَةِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] قَالَ: فَلَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ أَمَرَ بِأَخْذِهَا مِنْهُ حَتَّى يُعْطِيَهَا عَنْ يَدٍ صَاغِرًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَسَمِعْت عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ الصَّغَارُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالُوا بِمَا قَالُوا لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا جَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ، فَقَدْ أُصْغِرُوا بِمَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنْهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَحَاطَ الْإِمَامُ بِالدَّارِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِيَ أَهْلَهَا، أَوْ قَهَرَ أَهْلَهَا الْقَهْرَ الْبَيِّنَ، وَلَمْ يَسْبِهِمْ، أَوْ كَانَ عَلَى سَبْيِهِ بِالْإِحَاطَةِ مِنْ قَهْرِهِ لَهُمْ، وَلَمْ يَغْزُهُمْ لِقُرْبِهِمْ أَوْ قِلَّتِهِمْ، أَوْ كَثْرَتِهِمْ وَقُوَّتِهِ فَعَرَضُوا عَلَيْهِ أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَلَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْهُمْ، وَلَوْ سَأَلُوهُ أَنْ يُعْطُوهَا عَلَى أَنْ لَا يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَهُمْ صَاغِرُونَ بِأَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ قَالَ فَإِنْ سَأَلُوهُ أَنْ يَتْرُكُوا مِنْ شَيْءٍ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ إذَا طَلَبَهُمْ بِهِ غَيْرُهُمْ، أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ غَيْرِهِمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُجِيبَهُمْ إلَيْهِ، وَلَا يَأْخُذَ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي غَزْوِهِمْ مَشَقَّةٌ، أَوْ مَنْ بِإِزَائِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ يَنْتَابُهُمْ عَنْهُمْ ضَعْفٌ، أَوْ بِهِمْ انْتِصَافٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُوَادِعُوا، وَإِنْ لَمْ يُعْطُوا شَيْئًا أَوْ أَعْطَوْهُ عَلَى النَّظَرِ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ كَمَا يَجُوزُ تَرْكُ قِتَالِهِمْ وَمُوَادَعَتِهِمْ عَلَى النَّظَرِ، وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ دُونَ الْجِزْيَةِ. [مَسْأَلَةُ إعْطَاءِ الْجِزْيَةَ بَعْدَمَا يُؤْسَرُونَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَسَرَ الْإِمَامُ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَحَوَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَوْلَادَهُمْ فَسَأَلُوهُ تَخْلِيَتَهُمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَاءَهُمْ عَلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ فِي نِسَائِهِمْ، وَلَا أَوْلَادِهِمْ، وَلَا مَا غَلَبَ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَإِذَا سَأَلُوهُ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا غَنِيمَةً، أَوْ فَيْئًا وَكَانَ لَهُ الْقَتْلُ وَالْمَنُّ وَالْفِدَاءُ كَمَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ فِي أَحْرَارِ رِجَالِهِمْ الْبَالِغِينَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ مَنَّ وَفَادَى وَقَتَلَ أَسْرَى الرِّجَالِ وَأَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ فِيهِمْ فَقَالَ: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَانَ أَسَرَ أَكْثَرَ الرِّجَالِ وَحَوَى أَكْثَرَ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيّ وَالْأَمْوَالِ وَبَقِيَتْ مِنْهُمْ بَقِيَّةٌ لَمْ يَصِلْ إلَى أَسْرِهِمْ بِامْتِنَاعٍ فِي مَوْضِعٍ، أَوْ هَرَبٍ كَانَ لَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُمْتَنِعِينَ أَحَدَ الْجِزْيَةِ وَالْأَمَانِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ إنْ لَمْ يَكُنْ أَحْرَزَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَإِنْ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ مُطْلَقًا فَكَانَ قَدْ أَحْرَزَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَ مَا أَحْرَزَ لَهُمْ وَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَمَا لَمْ يُحْرِزْ لَهُمْ أَوْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ. وَلَوْ جَاءَ الْإِمَامَ رُسُلُ بَعْضِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَأَجَابَهُمْ إلَى أَمَانِ مَنْ جَاءُوا عِنْدَهُ مِنْ بَلَدِ كَذَا وَكَذَا عَلَى أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَخَالَفَ الرُّسُلُ مَنْ غَزَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَافْتَتَحُوهَا وَحَوَوْا بِلَادَهُمْ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْأَمَانُ كَانَ لَهُمْ قَبْلَ الْفَتْحِ وَقَبْلَ أَنْ يَحْوُوا الْبِلَادَ خَلَّى سَبِيلَهُمْ وَكَانَتْ لَهُمْ الذِّمَّةُ عَلَى مَا أَعْطَوْا، وَلَوْ أَعْطَوْا ذِمَّةً مُنْتَقِصَةً خَلَّى سَبِيلَهُمْ وَنَبَذَ إلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ سَبَاؤُهُمْ وَالْغَلَبَةُ عَلَى بِلَادِهِمْ كَانَ قَبْلَ إعْطَاءِ الْإِمَامِ إيَّاهُمْ مَا أَعْطَاهُمْ مَضَى عَلَيْهِمْ السِّبَاءُ وَبَطَلَ مَا أَعْطَى الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى الْأَمَانَ مَنْ كَانَ رَقِيقًا وَمَا لَهُ غَنِيمَةً، أَوْ فَيْئًا كَمَا لَوْ أَعْطَى قَوْمًا حَوَوْا أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ. [مَسْأَلَةُ إعْطَاءِ الْجِزْيَةَ عَلَى سُكْنَى بَلَدٍ وَدُخُولِهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] الْآيَةُ قَالَ فَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ الْحَرَمُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ الْخَرَاجَ، وَلَا لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ» قَالَ: وَسَمِعْت عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي يَرْوُونَ أَنَّهُ كَانَ فِي رِسَالَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْتَمِعُ مُسْلِمٌ وَمُشْرِكٌ فِي الْحَرَمِ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا» فَإِنْ سَأَلَ أَحَدٌ مِمَّنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ أَنْ يُعْطِيَهَا وَيَجْرِيَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ عَلَى أَنْ يُتْرَكَ يَدْخُلَ الْحَرَمَ بِحَالٍ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَا أَنْ يَدَعَ مُشْرِكًا يَطَأُ الْحَرَمَ بِحَالٍ مِنْ الْحَالَاتِ طَبِيبًا كَانَ أَوْ صَانِعًا بُنْيَانًا، أَوْ غَيْرَهُ لِتَحْرِيمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دُخُولَ الْمُشْرِكِينَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَبَعْدَهُ تَحْرِيمُ رَسُولِهِ ذَلِكَ وَإِنْ سَأَلَ مَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ أَنْ يُعْطِيَهَا وَيَجْرِيَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ الْحِجَازَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَالْحِجَازُ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَمُخَالِفِيهَا كُلُّهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ بِسُكْنَى الْحِجَازِ مَنْسُوخٌ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَثْنَى عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ حِينَ عَامَلَهُمْ فَقَالَ: «أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ» ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِجْلَائِهِمْ مِنْ الْحِجَازِ، وَلَا يَجُوزُ صُلْحُ ذِمِّيٍّ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ الْحِجَازَ بِحَالٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْحِجَازَ مُشْرِكٌ بِحَالٍ لِمَا وَصَفْت مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ يَحْرُمَ أَنْ يَمُرَّ ذِمِّيٌّ بِالْحِجَازِ مَارًّا لَا يُقِيمُ بِبَلَدٍ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَذَلِكَ مُقَامُ مُسَافِرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِجْلَائِهِمْ عَنْهَا أَنْ لَا يَسْكُنُوهَا وَيَحْتَمِلُ لَوْ ثَبَتَ عَنْهُ «لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ» لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ مُقِيمَانِ، وَلَوْلَا أَنَّ عُمَرَ وَلَّى الْخَرَاجَ أَهْلَ الذِّمَّةِ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْتَمِلٌ مَا رَأَى عُمَرُ مِنْ أَنَّ أَجَلَ مَنْ قَدِمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ تَاجِرًا ثَلَاثٌ لَا يُقِيمُ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَرَأَيْت أَنْ لَا يُصَالَحُوا بِدُخُولِهَا بِكُلِّ حَالٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا يَتَّخِذُ ذِمِّيٌّ شَيْئًا مِنْ الْحِجَازِ دَارًا، وَلَا يُصَالَحُ عَلَى دُخُولِهَا إلَّا مُجْتَازًا إنْ صُولِحَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِذَا أَذِنَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا الْحِجَازَ فَذَهَبَ لَهُمْ بِهَا مَالٌ، أَوْ عَرَضٌ بِهَا شُغْلٌ قِيلَ لَهُمْ: وَكِّلُوا بِهَا مَنْ شِئْتُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَخْرِجُوا، وَلَا يُقِيمُونَ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَمَّا مَكَّةُ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِحَالٍ أَبَدًا كَانَ لَهُمْ بِهَا مَالٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ غَفَلَ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَخَلَهَا فَمَرِضَ أُخْرِجَ مَرِيضًا، أَوْ مَاتَ أُخْرِجَ مَيِّتًا، وَلَمْ يُدْفَنْ بِهَا وَإِنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ دُفِنَ حَيْثُ يَمُوتُ، أَوْ مَرِضَ فَكَانَ لَا يُطِيقُ أَنْ يُحْمَلَ إلَّا بِتَلَفٍ عَلَيْهِ، أَوْ زِيَادَةٍ فِي مَرَضِهِ تُرِكَ حَتَّى يُطِيقَ الْحَمْلَ ثُمَّ يُحْمَلَ قَالَ، وَإِنْ صَالَحَ الْإِمَامُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى شَيْءٍ يَأْخُذُهُ فِي السَّنَةِ مِنْهُمْ مِمَّا قُلْت لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ شَيْئًا فَيَقْبِضُ مَا حَلَّ عَلَيْهِمْ فَلَا يَرُدُّ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَفَّى لَهُ بِمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ مُضِيِّ نِصْفِ السَّنَةِ نَبَذَهُ إلَيْهِمْ مَكَانَهُ وَأَعْلَمَ أَنَّ صُلْحَهُمْ لَا يَجُوزُ وَقَالَ: إنْ رَضِيتُمْ صُلْحًا يَجُوزُ جَدَّدْته لَكُمْ، وَإِنْ لَمْ تَرْضَوْهُ أَخَذْت مِنْكُمْ مَا وَجَبَ عَلَيْكُمْ، وَهُوَ نِصْفُ مَا صَالَحْتُكُمْ عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ لَكُمْ وَنَبَذْت إلَيْكُمْ، وَإِنْ كَانُوا صَالَحُوا عَلَى أَنْ سَلَّفُوهُ شَيْئًا لِسَنَتَيْنِ رَدَّ عَلَيْهِمْ مَا صَالَحُوهُ عَلَيْهِ إلَّا قَدْرَ مَا اسْتَحَقَّ بِمُقَامِهِمْ وَنَبَذَ إلَيْهِمْ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا أَجْلَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ الْيَمَنِ وَقَدْ كَانَتْ بِهَا ذِمَّةٌ وَلَيْسَتْ بِحِجَازٍ فَلَا يُجْلِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ الْيَمَنِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى مُقَامِهِمْ بِالْيَمَنِ. فَأَمَّا سَائِرُ الْبُلْدَانِ مَا خَلَا الْحِجَازِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحُوا عَلَى الْمُقَامِ بِهَا، فَإِذَا وَقَعَ لِذِمِّيٍّ حَقٌّ بِالْحِجَازِ وَكَّلَ بِهِ، وَلَمْ أُحِبَّ أَنْ يَدْخُلَهَا بِحَالٍ، وَلَا يَدْخُلَهَا لِمَنْفَعَةٍ لِأَهْلِهَا، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الدُّخُولِ كَتِجَارَةٍ يُعْطِي مِنْهَا شَيْئًا، وَلَا كِرَاءٍ يَكْرِيهِ مُسْلِمٌ، وَلَا غَيْرِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِإِجْلَائِهِ مِنْ مَوْضِعٍ، فَقَدْ يُمْنَعُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أُجْلِيَ مِنْهُ، وَهَذَا إذَا فَعَلَ فَلَيْسَ فِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنْ يُمْنَعُوا رُكُوبَ بَحْرِ الْحِجَازِ وَيُمْنَعُونَ الْمُقَامَ فِي سَوَاحِلِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ فِي بَحْرِ الْحِجَازِ جَزَائِرُ وَجِبَالٌ تُسْكَنُ مُنِعُوا سُكْنَاهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَإِذَا دَخَلَ الْحِجَازَ مِنْهُمْ رَجُلٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنْ كَانَ تَقَدَّمَ إلَيْهِ أُدِّبَ وَأُخْرِجَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ لَمْ يُؤَدَّبْ وَأُخْرِجَ، وَإِنْ عَادَ أُدِّبَ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِمَكَّةَ أُخْرِجَ مِنْهَا وَأُخْرِجَ مِنْ الْحَرَمِ فَدُفِنَ فِي الْحِلِّ، وَلَا يُدْفَنُ فِي الْحَرَمِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَضَى أَنْ لَا يَقْرُبَ مُشْرِكٌ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَلَوْ أَنْتَنَ أُخْرِجَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَوْ دُفِنَ بِهَا نُبِشَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ، وَإِنْ مَاتَ بِالْحِجَازِ دُفِنَ بِهَا، وَإِنْ مَرِضَ فِي الْحَرَمِ أُخْرِجَ فَإِنْ مَرِضَ بِالْحِجَازِ يُمْهَلُ بِالْإِخْرَاجِ حَتَّى يَكُونَ مُحْتَمِلًا لِلسَّفَرِ فَإِنْ احْتَمَلَهُ أُخْرِجَ قَالَ: وَقَدْ وَصَفْت مَقْدَمَهُمْ بِالتِّجَارَاتِ بِالْحِجَازِ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُتْرَكُوا بِالْحِجَازِ بِحَالٍ لِتِجَارَةٍ وَلَا غَيْرِهَا. [كَمْ الْجِزْيَةُ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: 29] وَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ الْجِزْيَةَ شَيْءٌ يُؤْخَذُ فِي أَوْقَاتٍ وَكَانَتْ الْجِزْيَةُ مُحْتَمِلَةً لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنَى مَا أَرَادَ «فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِزْيَةَ أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا فِي كُلِّ سَنَةٍ، أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَعَافِرِيِّ» وَهِيَ الثِّيَابُ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ وَمِنْ نَصَارَى مَكَّةَ دِينَارًا عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، قَالَ: وَأَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ فِيهَا كِسْوَةٌ، وَلَا أَدْرِي مَا غَايَةُ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ، وَقَدْ سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يَذْكُرُ أَنَّ قِيمَةَ مَا أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَكْثَرُ مِنْ دِينَارٍ وَأَخَذَهَا مِنْ أُكَيْدِرَ، وَمِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ لَا أَدْرِي كَمْ غَايَةُ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَطُّ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَحَدٍ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ إنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْكُمْ دِينَارًا، أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَعَافِرِيِّ» يَعْنِي أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْهُمْ أَخْبَرَنِي مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ وَهِشَامُ بْنُ يُوسُفَ بِإِسْنَادٍ لَا أَحْفَظُهُ غَيْرَ أَنَّهُ حَسَنٌ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا كُلَّ سَنَةٍ» قُلْت لِمُطَرِّفِ بْنِ مَازِنٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ وَعَلَى النِّسَاءِ أَيْضًا فَقَالَ: لَيْسَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنْ النِّسَاءِ ثَابِتًا عِنْدَنَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَسَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ وَعِدَّةً مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْيَمَنِ فَكُلٌّ حَكَى عَنْ عَدَدٍ مَضَوْا قَبْلَهُمْ كُلُّهُمْ ثِقَةٌ أَنَّ صُلْحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ كَانَ لِأَهْلِ ذِمَّةِ الْيَمَنِ عَلَى دِينَارٍ كُلِّ سَنَةٍ، وَلَا يُثْبِتُونَ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ فِيمَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَقَالَ: عَامَّتُهُمْ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ زُرُوعِهِمْ، وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ الزُّرُوعُ، وَلَا مِنْ مَوَاشِيهِمْ شَيْئًا عَلِمْنَاهُ وَقَالَ لِي: قَدْ جَاءَنَا بَعْضُ الْوُلَاةِ فَخَمَّسَ زُرُوعَهُمْ، أَوْ أَرَادُوهَا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَكُلُّ مَنْ وَصَفْت أَخْبَرَنِي أَنَّ عَامَّةَ ذِمَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ حِمْيَرَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : سَأَلْت عَدَدًا كَثِيرًا مِنْ ذِمَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ مُفْتَرِقِينَ فِي بُلْدَانِ الْيَمَنِ فَكُلُّهُمْ أَثْبَتَ لِي - لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُمْ - أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ مِنْهُمْ دِينَارًا عَلَى كُلِّ بَالِغٍ وَسَمَّوْا الْبَالِغَ الْحَالِمَ قَالُوا كَانَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ مُعَاذٍ «إنَّ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهُ مَوْهَبٌ دِينَارًا كُلَّ سَنَةٍ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ عَلَى نَصَارَى أَيْلَةَ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ وَأَنْ يُضَيِّفُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثًا، وَلَا يَغُشُّوا مُسْلِمًا» أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَمِائَةٍ فَضَرَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا دَعَا مَنْ يَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ الْجِزْيَةُ إلَى الْجِزْيَةِ عَلَى مَا يَجُوزُ وَبَذَلَ دِينَارًا عَنْ نَفْسِهِ كُلَّ سَنَةٍ لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ إلَّا قَبُولُهُ مِنْهُ، وَإِنْ زَادَهُ عَلَى دِينَارٍ مَا بَلَغَتْ الزِّيَادَةُ، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ جَازَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَصَارَى أَيْلَةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ دِينَارًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَالضِّيَافَةُ زِيَادَةٌ عَلَى الدِّينَارِ وَسَوَاءٌ مُعْسِرُ الْبَالِغِينَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُوسِرُهُمْ بَالِغًا مَا بَلَغَ يُسْرُهُ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ أَهْلَ الْيَمَنِ وَهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ عَلَى دِينَارٍ عَلَى الْمُحْتَلِمِ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَنَّ مِنْهُمْ الْمُعْسِرَ فَلَمْ يَضَعْ عَنْهُ وَأَنَّ فِيهِمْ الْمُوسِرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَمَنْ عَرَضَ دِينَارًا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ عَرَضَ أَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْ صَالَحَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ نَعْلَمْهُ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ قَالَ: فَالدِّينَارُ أَقَلُّ مَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَعَلَيْهِ إنْ بَذَلُوهُ قَبُولُهُ مِنْهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ ضِيَافَةً، وَلَا شَيْئًا يُعْطِيهِ مِنْ مَالِهِ. فَإِنْ صَالَحَ السُّلْطَانُ أَحَدًا مِمَّنْ يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُ، وَهُوَ يَقْوَى عَلَيْهِ عَلَى الْأَبَدِيِّ عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ، أَوْ عَلَى أَنْ يَضَعَ عَمَّنْ أَعْسَرَ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ الْجِزْيَةَ، أَوْ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا مَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَ الصُّلْحِ تُوجِبُ عَلَيْهِ بِشَرْطِهِ شَيْئًا وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ حَتَّى يُصَالِحُوهُ صُلْحًا جَائِزًا، وَإِنْ صَالِحُوهُ صُلْحًا جَائِزًا عَلَى دِينَارٍ، أَوْ أَكْثَرَ فَأَعْسَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِجِزْيَتِهِ فَالسُّلْطَانُ غَرِيمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ لَيْسَ بِأَحَقَّ بِمَالِهِ مِنْ غُرَمَائِهِ، وَلَا غُرَمَائِهِ مِنْهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِنْ فَلَّسَهُ لِأَهْلِ دِينِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ ضَرَبَ مَعَ غُرَمَائِهِ بِحِصَّةِ جِزْيَتِهِ لِمَا مَضَى عَلَيْهِ مِنْ الْحَوْلِ، وَإِنْ قَضَاهُ الْجِزْيَةَ دُونَ غُرَمَائِهِ كَانَ لَهُ مَا لَمْ يَسْتَعِدَّ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ، أَوْ بَعْضُهُمْ، فَإِذَا اسْتَعْدَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جِزْيَتَهُ دُونَهُمْ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ حِينَ اسْتَعْدَى عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَ مَالُهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ، أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَسْتَعْدِ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَخْذُ جِزْيَتِهِ مِنْهُ دُونَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ حَقٌّ عِنْدَهُ حِينَ أَخَذَ جِزْيَتَهُ. وَإِنْ صَالَحَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى مَا يَجُوزُ لَهُ فَغَابَ الذِّمِّيُّ فَلَهُ أَخْذُ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا عَلِمَ حَيَاتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُ سَأَلَ وَكِيلَهُ وَمَنْ يَقُومُ بِمَالِهِ عَنْ حَيَاتِهِ فَإِنْ قَالُوا: مَاتَ، وَقَفَ مَالَهُ وَأَخَذَ مَا اسْتَحَقَّ فِيهِ إلَى يَوْمِ يَقُولُونَ مَاتَ فَإِنْ قَالُوا: حَيٌّ، وَقَفَ مَالَهُ إلَّا أَنْ يُعْطُوهُ مُتَطَوِّعِينَ الْجِزْيَةَ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُهَا مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ حَيَاتَهُ إلَّا أَنْ يُعْطُوهُ إيَّاهَا مُتَطَوِّعِينَ، أَوْ يَكُونَ بِعِلْمِ وَرَثَتِهِ كُلِّهِمْ وَأَنْ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَأَنْ يَكُونُوا بَالِغِينَ يَجُوزُ أَمْرُهُمْ فِي مَالِهِمْ فَيُجِيزُ عَلَيْهِمْ إقْرَارُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ فَهُوَ مَالُهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِنْ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَالِهِ لِسَنَتَيْنِ ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُمَا. رَدَّ حِصَّةَ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ فَإِنْ كَانَ مَا يُصِيبُهُ إذَا حاصصهم فِي الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ أَقَلُّ مِمَّا أَخَذَ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ وَرَثَتُهُ بَالِغِينَ جَائِزِي الْأَمْرَ فَقَالُوا مَاتَ أَمْسِ وَشَهِدَ شُهُودٌ أَنَّهُ مَاتَ عَامَ أَوَّلَ فَسَأَلَ الْوَرَثَةُ الْوَالِيَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ جِزْيَتَهُ سَنَةً لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَالِي أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ الشُّهُودَ بِسُقُوطِ الْجِزْيَةِ عَنْهُ بِالْمَوْتِ، وَلَوْ جَاءَنَا وَارِثَانِ فَصَدَّقَ أَحَدُهُمَا الشُّهُودَ وَكَذَّبَهُمْ الْآخَرُ فَكَانَا كَرَجُلَيْنِ شَهِدَ لَهُمَا رَجُلَانِ بِحَقَّيْنِ فَصَدَّقَهُمَا أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُصَدِّقْهُمَا الْآخَرُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لِلَّذِي صَدَّقَهُمَا وَتُرَدُّ لِلَّذِي كَذَّبَهُمَا وَكَانَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّ نِصْفَ الدِّينَارِ عَلَى الْوَارِثِ الَّذِي صَدَّقَ الشُّهُودَ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى الَّذِي كَذَّبَ الشُّهُودَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنْ أَخَذْنَا الْجِزْيَةَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا فَافْتَقَرَ كَانَ الْإِمَامُ غَرِيمًا مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى فَقِيرٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ مَالَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: الصَّدَقَاتُ فَهِيَ لِأَهْلِهَا الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ، وَالْفَيْءُ فَلِأَهْلِهِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ، وَالْغَنِيمَةُ فَلِأَهْلِهَا الَّذِينَ حَضَرُوهَا، وَأَهْلُ الْخُمُسِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَنْفَالِ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مُسْلِمٌ فَحَرَامٌ عَلَى الْإِمَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَقِّ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُعْطِيهِ مُسْلِمًا غَيْرَهُ فَكَيْفَ بِذِمِّيٍّ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا تَطَوَّلَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَصِيبًا؟ أَلَا تَرَى أَنَّ الذِّمِّيَّ مِنْهُمْ يَمُوتُ فَلَا يَكُونُ لَهُ وَارِثٌ فَيَكُونُ مَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْعَمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِتَخْوِيلِهِمْ مَا لَمْ يَكُونُوا يَتَخَوَّلُونَهُ قَبْلَ تَخْوِيلِهِمْ وَبِأَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فَيْئًا وَغَنِيمَةً. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيَرْوُونَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ عَلَى نَصَارَى أَيْلَةَ جِزْيَةً دِينَارٌ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ» وَضِيَافَةُ مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَتِلْكَ زِيَادَةٌ عَلَى الدِّينَارِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِنْ بَذَلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ بَالِغًا مَا بَلَغَ كَانَ الِازْدِيَادُ أَحَبَّ إلَيَّ، وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْإِمَامِ مِمَّا زَادُوهُ شَيْءٌ، وَقَدْ صَالَحَ عُمَرُ أَهْلَ الشَّامِ عَلَى أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَضِيَافَةٍ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَمَعَ ذَلِكَ أَرْزَاقُ الْمُسْلِمِينَ وَضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَعَلَى أَهْلِ الْيُسْرِ وَعَلَى أَهْلِ الْأَوْسَاطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَعَلَى مَنْ دُونَهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَهَذَا فِي الدِّرْهَمِ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ عُمَرَ بِأَنَّهُ عَدَّلَ الدَّرَاهِمَ فِي الدِّيَةِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَضَ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَمَنْ حَبَسَهُ مَرَضٌ، أَوْ مَطَرٌ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَحَدِيثُ أَسْلَمَ ضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الضِّيَافَةَ ثَلَاثًا» ، وَقَدْ يَكُونُ جَعَلَهَا عَلَى قَوْمٍ ثَلَاثًا وَعَلَى قَوْمٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَى آخَرِينَ ضِيَافَةً كَمَا يَخْتَلِفُ صُلْحُهُ لَهُمْ فَلَا يَرُدُّ بَعْضُ الْحَدِيثِ بَعْضًا. [بِلَادُ الْعَنْوَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا ظَهَرَ الْإِمَامُ عَلَى بِلَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَنَفَى عَنْهَا أَهْلَهَا، أَوْ ظَهَرَ عَلَى بِلَادٍ وَقَهَرَ أَهْلَهَا، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ بِلَادِ الْحَرْبِ الَّتِي ظَهَرَ عَلَيْهَا وَبَيْنَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ مُشْرِكٌ، أَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مُشْرِكُونَ لَا يَمْنَعُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ الَّذِينَ ظَهَرُوا عَلَى بِلَادِهِمْ وَكَانَ قَاهِرًا لِمَنْ بَقِيَ مَحْصُورًا وَمُنَاظِرًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْصُورًا فَسَأَلَهُ أُولَئِكَ مِنْ الْعَدُوِّ وَأَنْ يَدَعَ لَهُمْ أَمْوَالَهُمْ عَلَى شَيْءٍ يَأْخُذُ مِنْهُمْ فِيهَا، أَوْ مِنْهَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ وَمِلْكًا لَهُمْ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ إلَّا قَسْمُهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ فَإِنَّهُ ظَهَرَ عَلَيْهَا، وَهُوَ فِي عَدَدٍ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِهَا أَكْثَرُ مِنْهُمْ وَقُرْبُهَا مُشْرِكُونَ مِنْ الْعَرَبِ غَيْرُ يَهُودٍ، وَقَدْ أَرَادُوا مَنْعَهُمْ مِنْهُ فَلَمَّا بَانَ لَهُ أَنَّهُ قَاهِرٌ قَسَمَ أَمْوَالَهُمْ كَمَا يَقْسِمُ مَا أَحْرَزَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَخَمَّسَهَا وَسَأَلُوهُ وَهُمْ مُتَحَصِّنُونَ مِنْهُ لَهُمْ شَوْكَةٌ ثَابِتَةٌ أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ، وَلَا يَسْبِي ذَرَارِيِّهِمْ فَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَى الْحُصُونِ وَمَنْ فِيهَا فَيَمْلِكُهَا الْمُسْلِمُونَ، وَلَمْ يُعْطِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْوَالِ إذْ رَأَى أَنْ لَا قُوَّةَ بِهِمْ عَلَى أَنْ يَبْرُزُوا عَنْ الْحُصُونِ لِمَنْعِ الْأَمْوَالِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يُعْطِهِمْ ذَلِكَ فِي حِصْنٍ ظَهَرَ فِيهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ وَأُخْتِهَا وَصَارَتْ فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عَلَيْهِ كَمَا ظَهَرَ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُوَّةٌ عَلَى مَنْعِهِ إيَّاهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَهَكَذَا كُلُّ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلِ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ، أَوْ كَثِيرِهِ أَرْضٍ، أَوْ دَارٍ، أَوْ غَيْرِهِ لَا يَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ وَحُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْغَنِيمَةِ أَنْ تُخَمَّسَ، وَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِمَنْ أَوْجَفَ عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ. وَإِنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَكُونَ بِهِمْ قُوَّةٌ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنْ لَمْ يَنَالُوا الْمُشْرِكِينَ فَهُوَ بَلَدُ عَنْوَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ قَسْمُهُ وَقَسْمُ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ بَيْنَ مَنْ أَوْجَفَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَرِكَابٍ إنْ كَانَ فِيهِ عِمَارَةٌ، أَوْ كَانَتْ لِأَرْضِهِ قِيمَةٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَكُلُّ مَا وَصَفْت أَنَّهُ يَجِبُ قَسْمُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ، وَلَمْ يَقْسِمْهُ فَوَقَفَهُ الْمُسْلِمُونَ أَوْ تَرَكَهُ لِأَهْلِهِ رَدَّ حُكْمَ الْإِمَامِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ مَعًا، فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ؟ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ. «وَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ عَلَى مَنْ أَوْجَفَ عَلَيْهِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ مِنْ كُلِّ مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ عِمَارَةٍ، أَوْ مَالٍ» ، وَإِنْ تَرَكَهَا لِأَهْلِهَا أَتْبَعَ أَهْلَهَا بِجَمِيعِ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ غَلَّتِهَا فَاسْتَخْرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَجَعَلَ أَجْرَ مِثْلِهِمْ فِيمَا قَامُوا عَلَيْهِ فِيهَا وَكَانَ لِأَهْلِهَا أَنْ يُتْبِعُوا الْإِمَامَ بِكُلِّ مَا فَاتَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالُهُمْ أَفَاتَهَا. قَالَ: فَإِنْ ظَهَرَ الْإِمَامُ عَلَى بِلَادٍ عَنْوَةً فَخَمَّسَهَا ثُمَّ سَأَلَ أَهْلُ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ تَرْكَ حُقُوقِهِمْ مِنْهَا فَأَعْطَوْهُ ذَلِكَ طَيِّبَةً بِهِ أَنْفُسُهُمْ فَلَهُ قَبُولُهُ إنْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ يَضَعُهُ حَيْثُ يَرَى فَإِنْ تَرَكُوهُ كَالْوَقْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَغَيْرِ أَهْلِهِ بِمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْبَلَ بِهِ أَرْضَهُ وَأَحْسِبُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إنْ كَانَ صَنَعَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ بِلَادِ الْعَنْوَةِ إنَّمَا اسْتَطَابَ أَنْفُسَ أَهْلِهَا عَنْهَا فَصَنَعَ مَا وَصَفْت فِيهَا كَمَا اسْتَطَابَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْفُسَ مَنْ صَارَ فِي يَدَيْهِ سَبْيُ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ فَمَنْ طَابَ نَفْسًا رَدَّهُ وَمَنْ لَمْ يَطِبْ نَفْسًا لَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى أَخْذِ مَا فِي يَدَيْهِ. [بِلَادُ أَهْلِ الصُّلْحِ] ِ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِذَا غَزَا الْإِمَامُ قَوْمًا فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ حَتَّى عَرَضُوا عَلَيْهِ الصُّلْحَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَرْضِهِمْ، أَوْ شَيْءٍ يُؤَدُّونَهُ عَنْ أَرْضِهِمْ فِيهِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْجِزْيَةِ، أَوْ مِثْلُ الْجِزْيَةِ فَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَأَعْطَوْهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمْ وَلَيْسَ لَهُ قَبُولُهُ مِنْهُمْ إلَّا عَلَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ، وَإِذَا قَبِلَهُ كَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا بِالشَّرْطِ بَيْنَهُمْ وَاضِحًا يَعْمَلُ بِهِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَهَذِهِ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا الَّذِينَ صَالَحُوا عَلَيْهَا عَلَى مَا صَالَحُوا عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا عَنْهَا شَيْئًا فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ هُمْ صَالَحُوهُ عَلَى أَنَّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ رَقَبَةِ الْأَرْضِ شَيْئًا، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ شُرَكَاؤُهُمْ فِي رِقَابِ أَرْضِهِمْ بِمَا صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا كَذَا مِنْ الْحِنْطَةِ، أَوْ يُؤَدُّوا مِنْ كُلِّ مَا زَرَعُوا فِي الْأَرْضِ كَذَا مِنْ الْحِنْطَةِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَسْتَبِينَ فِيهِ مَا وَصَفْت فِيمَنْ صَالَحَ عَلَى صَدَقَةِ مَالِهِ. وَإِذَا صَالَحُوهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلْمُشْرِكِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَيَجْعَلُوا عَلَيْهِمْ خَرَاجًا مَعْلُومًا إمَّا شَيْءٌ مُسَمًّى يَضْمَنُونَهُ فِي أَمْوَالِهِمْ كَالْجِزْيَةِ وَإِمَّا شَيْءٌ مُسَمًّى يُؤَدَّى عَنْ كُلِّ زَرْعٍ مِنْ الْأَرْضِ كَذَا مِنْ الْحِنْطَةِ، أَوْ غَيْرِهَا إذَا كَانَ ذَلِكَ إذَا جَمَعَ مِثْلَ الْجِزْيَةِ، أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُصَالِحُوهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلْمُشْرِكَيْنِ وَأَنَّهُمْ إنْ زَرَعُوا شَيْئًا مِنْ الْأَرْضِ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ جَرِيبٍ، أَوْ فَدَانٍ زَرَعُوهُ مَكِيلَةٌ مَعْلُومَةٌ، أَوْ جُزْءٌ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَزْرَعُونَ فَلَا يَنْبُتُ، أَوْ يَقِلُّ أَوْ يَكْثُرُ، أَوْ لَا يَزْرَعُونَ، وَلَا يَكُونُونَ حِينَئِذٍ صَالَحُوهُ عَلَى جِزْيَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَلَا أَمْرٍ يُحِيطُ الْعِلْمَ أَنَّهُ يَأْتِي كَأَقَلِّ الْجِزْيَةِ، أَوْ يُجَاوِزُ ذَلِكَ وَأَهْلُ الصُّلْحِ أَحْرَارٌ إنْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ بِلَادُهُمْ إلَّا مَا أَعْطَوْهُ مِنْهَا وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُخَمِّسَ مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَيَدْفَعَ خُمُسَهُ إلَى أَهْلِهِ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ إلَى أَهْلِ الْفَيْءِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ فِي مَالِهِ مَا اسْتَهْلَكَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ كَمَا وَصَفْت فِي بِلَادِ الْعَنْوَةِ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَ أَهْلَ الْعَنْوَةِ وَالصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ جِزْيَةٍ كَمَا وَصَفْته يَمْنَعُ أَهْلَ الْجِزْيَةِ. [الْفَرْقُ بَيْنَ نِكَاحِ مَنْ تُؤْخَذ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَتُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ] ْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُشْرِكِينَ حُكْمَانِ: فَحُكْمٌ أَنْ يُقَاتِلَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ حَتَّى يُسْلِمُوا وَأَهْلُ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، أَوْ يُسْلِمُوا قَالَ: وَأَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَطَعَامَهُمْ فَقِيلَ طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ فَاحْتَمَلَ إحْلَالُ اللَّهِ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَطَعَامَهُمْ كُلَّ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكُلَّ مَنْ دَانَ دِينَهُمْ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ بَعْضَ أَهْلِ الْكِتَابِ دُونَ بَعْضٍ فَكَانَتْ دَلَالَةُ مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا أَنَّهُ أَرَادَ أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ دُونَ الْمَجُوسِ فَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ الْمُرَادُونَ بِإِحْلَالِ النِّسَاءِ وَالذَّبَائِحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنْ لَا تُنْكَحَ نِسَاءُ الْمَجُوسِ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ فَلَمَّا دَلَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ حُكْمَانِ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ تُنْكَحُ نِسَاؤُهُ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نِعْمَتَهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ وَمَا آتَاهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ دَهْرِهِمْ كَانَ مَنْ دَانَ دِينَ بَنِي إسْرَائِيلَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي غَيْرِ مَعْنَى مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أَنْ يَنْكِحَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْكِتَابِ بِأَنَّ آبَاءَهُمْ كَانُوا غَيْرَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْ غَيْرِ نَسَبِ بَنِي إسْرَائِيلَ فَلَمْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ إلَّا بِمَعْنَى لَا أَهْلَ كِتَابٍ مُطْلَقٍ فَلَمْ يَجُزْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَنْكِحَ نِسَاءَ أَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ غَيْرَ بَنِي إسْرَائِيلَ دَانَ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِحَالٍ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعْدٍ الْجَارِي، أَوْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وَمَا تَحِلُّ لَنَا ذَبَائِحُهُمْ وَمَا أَنَا بِتَارِكِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، أَوْ أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَمَنْ كَانَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ يَدِينُ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى نُكِحَ نِسَاؤُهُ وَأُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ وَمَنْ نُكِحَ نِسَاؤُهُ فَسُبِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ وُطِئَ بِالْمِلْكِ وَمَنْ دَانَ دِينَ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ غَيْرِهِمْ لَمْ تُنْكَحْ نِسَاؤُهُ، وَلَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ، وَلَمْ تُوطَأْ أَمَتُهُ، وَإِذَا لَمْ تُنْكَحْ نِسَاؤُهُمْ، وَلَمْ تُوطَأْ مِنْهُمْ أَمَةٌ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَمْ تُنْكَحْ مِنْهُمْ امْرَأَةٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِنْ كَانَ الصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَدَانُوا دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَلِأَصْلِ التَّوْرَاةِ وَلِأَصْلِ الْإِنْجِيلِ نُكِحَتْ نِسَاؤُهُمْ وَأُحِلَّتْ ذَبَائِحُهُمْ، وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي فَرْعٍ مِنْ دِينِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ فُرُوعٌ قَدْ يَخْتَلِفُونَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي أَصْلِ التَّوْرَاةِ لَمْ تُؤْكَلْ ذَبَائِحُهُمْ وَلَمْ تُنْكَحْ نِسَاؤُهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ وَتُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ بِدِينِهِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ حَلَّ ذَلِكَ مِنْهُ حَيْثُمَا كَانَ مُحَارِبًا، أَوْ مُهَادِنًا، أَوْ مُعْطِيًا لِلْجِزْيَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ غَيْرَ أَنِّي أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ النِّكَاحَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ وَالسِّبَاءِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَنْ ارْتَدَّ مِنْ نِسَاءِ الْيَهُودِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ مِنْ نِسَاءِ النَّصَارَى إلَى الْيَهُودِيَّةِ أَوْ رِجَالِهِمْ لَمْ يُقَرُّوا عَلَى الْجِزْيَةِ وَلَمْ يُنْكَحْ مَنْ ارْتَدَّ عَنْ أَصْلِ دِينِ آبَائِهِ وَكَذَلِكَ إذَا ارْتَدُّوا إلَى مَجُوسِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الشِّرْكِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُخِذَ مِنْهُمْ عَلَى الْإِقْرَارِ عَلَى دِينِهِمْ فَإِذَا بَدَّلُوهُ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ حَالَتْ حَالُهُمْ عَمَّا أُخِذَ إذَنْ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ عَلَيْهِ وَأُبِيحَ مِنْ طَعَامِهِمْ وَنِسَائِهِمْ. [تَبْدِيلُ أَهْلِ الْجِزْيَةِ دِينَهُمْ] ْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَصْلُ مَا نَبْنِي عَلَيْهِ أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ دَانَ دِينَ كِتَابِيٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ آبَاؤُهُ، أَوْ هُوَ دَانَ ذَلِكَ الدِّينَ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَتُقْبَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ يَثْبُتُ عَلَى دِينِهِ وَدِينِ آبَائِهِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ مَا ثَبَتُوا عَلَى الْأَدْيَانِ الَّتِي أُخِذَتْ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ عَلَيْهَا فَإِنْ بَدَّلَ يَهُودِيٌّ دِينَهُ بِنَصْرَانِيَّةٍ، أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيٌّ دِينَهُ بِمَجُوسِيَّةٍ، أَوْ بَدَّلَ مَجُوسِيٌّ دِينَهُ بِنَصْرَانِيَّةٍ أَوْ انْتَقَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ دِينِهِ إلَى غَيْرِ دِينِهِ مِنْ الْكُفْرِ مِمَّا وَصَفْت أَوْ التَّعْطِيلُ، أَوْ غَيْرُهُ لَمْ يُقْتَلْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ مَنْ بَدَّلَ دِينَ الْحَقِّ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَقِيلَ: إنْ رَجَعْت إلَى دِينِك أَخَذْنَا مِنْك الْجِزْيَةَ، وَإِنْ أَسْلَمْت طَرَحْنَا عَنْك فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَنَأْخُذُ مِنْك حِصَّةَ الْجِزْيَةِ الَّتِي لَزِمَتْك إلَى أَنْ أَسْلَمْت، أَوْ بَدَّلْت، وَإِذَا بَدَّلْت بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ نَبَذْنَا إلَيْك وَنَفَيْنَاك عَنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ لَا تَكُونُ دَارَ مُقَامٍ لِأَحَدٍ إلَّا مُسْلِمٍ، أَوْ مُعَاهَدٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَأْخُذَ مِنْك الْجِزْيَةَ عَلَى غَيْرِ الدِّينِ الَّذِي أُخِذَتْ مِنْك أَوَّلًا عَلَيْهِ، وَلَوْ أَجَزْنَا هَذَا أَجَزْنَا أَنْ يَتَنَصَّرَ وَثَنِيٌّ الْيَوْمَ، أَوْ يَتَهَوَّدَ أَوْ يَتَمَجَّسَ فَنَأْخُذَ مِنْهُ الْجِزْيَةَ فَيَتْرُكَ قِتَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا حَتَّى يُسْلِمُوا، وَإِنَّمَا أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ عَلَى مَا دَانُوا بِهِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ خِلَافُ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الدِّينِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ بِالْحِجَازِ قِيلَ: وَكِّلْ بِهِ وَلَمْ يُتْرَكْ يُقِيمُ إلَّا ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ بِغَيْرِ الْحِجَازِ لَمْ يُتْرَكْ يُقِيمُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَجْمَعُ مَالَهُ، فَإِنْ أَبْطَأَ فَأَكْثَرُ مَا يُؤَجَّلُ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مُدَّةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِغَيْرِ الذِّمِّيِّينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَكْثَرُ مُدَّةٍ جَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ قَالَ: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى {غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} [التوبة: 2] فَأَجَّلَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَجَّلَهُمْ اللَّهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَعَلَيْنَا أَنْ نُؤَدِّيَ إلَيْهِ مَالَهُ وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَغْنَمَهُ بِرِدَّتِهِ عَنْ شِرْكٍ إلَى شِرْكٍ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَمَانِ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ وَوَلَدٌ كِبَارٌ وَصِغَارٌ لَمْ يُبَدِّلُوا أَدْيَانَهُمْ أُقِرَّتْ الزَّوْجَةُ وَالْوَلَدُ الْكِبَارُ وَالصِّغَارُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَأُخِذَ مِنْ وَلَدِهِ الرِّجَالِ الْجِزْيَةُ وَإِنْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ، أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ، وَلَمْ تُبَدِّلْ دِينَهَا وَهِيَ عَلَى دِينٍ يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِهِ الْجِزْيَةُ أَقَرَّ وَلَدُهَا الصِّغَارُ؛ وَإِنْ كَانَتْ بَدَّلَتْ دِينَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ مَعَهُ أَوْ بَدَّلَتْهُ ثُمَّ مَاتَتْ، أَوْ كَانَتْ وَثَنِيَّةً لَهُ وَلَدٌ صِغَارٌ مِنْهَا. فَفِيهِمْ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَخْرُجُوا؛ لِأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لِأَبِيهِمْ، وَلَا أُمِّهِمْ يُقِرُّونَ بِهَا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ. وَالثَّانِي لَا يَخْرُجُونَ لِمَا سَبَقَ لَهُمْ مِنْ الذِّمَّةِ، وَإِنْ بَدَّلُوا هُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا قُلْت فِي زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَجَارِيَتِهِ وَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ: أَقَرَّهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَأَرَادَ إخْرَاجَهُمْ وَكَرِهُوهُ. فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَآمُرُهُ فِيمَنْ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ مِنْ رَقِيقِهِ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ، أَوْ يَبِيعَهُ وَأَوْقَفَ مَالًا إنْ وَجَدْت لَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ لَهُ شَيْئًا فَلَا يَنْشَأُ لَهُ وَقْفٌ وَنَفَيْته بِكُلِّ حَالٍ عَنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ، أَوْ يَرْجِعْ إلَى دِينِهِ الَّذِي أَخَذْت عَلَيْهِ مِنْهُ الْجِزْيَةَ. وَإِذَا مَاتَ قَبْلَ إخْرَاجِهِ. وَرَّثْت مَالَهُ مَنْ كَانَ يَرِثُهُ قَبْلَ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَهُ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَيُوَرَّثُ الْوَثَنِيُّ الْكِتَابِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ وَبَعْضُ الْكِتَابِيِّينَ بَعْضًا، وَإِنْ اخْتَلَفُوا كَمَا الْإِسْلَامُ مِلَّةٌ. [جِمَاعُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَالْعَهْدِ وَنَقْضِهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : جِمَاعُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَبِالْعَهْدِ كَانَ بِيَمِينٍ، أَوْ غَيْرِهَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَفِي {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7] ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوَفَاءَ بِالْعُقُودِ بِالْأَيْمَانِ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، مِنْهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ وَقَوْلُهُ {يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [الرعد: 20] مَعَ مَا ذُكِرَ بِهِ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَهَذَا مِنْ سَعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ الَّذِي خُوطِبَتْ بِهِ وَظَاهِرُهُ عَامٌّ عَلَى كُلِّ عَقْدٍ وَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُوفِيَ بِكُلِّ عَقْدِ نَذْرٍ إذَا كَانَتْ فِي الْعَقْدِ لِلَّهِ طَاعَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ فِيمَا أَمَرَ بِالْوَفَاءِ مِنْهَا مَعْصِيَةٌ. فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت وَالْأَمْرُ فِيهِ كُلُّهُ مُطْلَقٌ؟ وَمِنْ أَيْنَ كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَ عَهْدًا بِكُلِّ حَالٍ؟ قِيلَ: الْكِتَابُ ثُمَّ السُّنَّةُ «صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي امْرَأَةٍ جَاءَتْهُ مِنْهُمْ مُسْلِمَةً {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} [الممتحنة: 10] » فَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا تُرَدَّ النِّسَاءُ، وَقَدْ أَعْطَوْهُمْ رَدَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ وَهُنَّ مِنْهُمْ فَحَبَسَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ «وَعَاهَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] » الْآيَةُ. وَأَنْزَلَ {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ} [التوبة: 7] ، {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 4] الْآيَةَ. فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَنْ صَالَحَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ؟ قِيلَ: كَانَ صُلْحُهُ لَهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ، إمَّا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا صَنَعَ نَصًّا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ لِمَنْ رَأَى بِمَا رَأَى ثُمَّ أَنْزَلَ قَضَاءَهُ عَلَيْهِ فَصَارُوا إلَى قَضَاءِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَنَسَخَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلَهُ بِفِعْلِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَكُلٌّ كَانَ لِلَّهِ طَاعَةً فِي وَقْتِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَهَلْ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا مَنْسُوخًا ثُمَّ يَفْسَخُهُ؟ قِيلَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ عَقْدًا مَنْسُوخًا، وَإِنْ كَانَ ابْتَدَأَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْقُضَهُ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ يُصَلِّيَ إلَى الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّ قِبْلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَدْ نُسِخَتْ. وَمَنْ صَلَّى إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ نَسْخِهَا فَهُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَالطَّاعَةِ لَهُ حِينَ صَلَّى إلَى الْكَعْبَةِ. وَذَلِكَ أَنَّ قِبْلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتْ طَاعَةً لِلَّهِ قَبْلَ أَنْ تُنْسَخَ وَمَعْصِيَةً بَعْدَمَا نُسِخَتْ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَاهَتْ فَرَائِضُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يُزَادُ فِيهَا، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا فَمَنْ عَمِلَ مِنْهَا بِمَنْسُوخٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ فَهُوَ عَاصٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَ نَبِيِّ اللَّهِ وَبَيْنَ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْوُلَاةِ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَفِي كُلِّ مَا وَصَفْت دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا غَيْرَ مُبَاحٍ لَهُ وَعَلَى أَنَّ عَلَيْهِ إذَا عَقَدَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ ثُمَّ تَكُونَ طَاعَةُ اللَّهِ فِي نَقْضِهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا يُشْبِهُ هَذَا؟ قِيلَ لَهُ: هَذَا مِثْلُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» «وَأَسَرَ الْمُشْرِكُونَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَخَذُوا نَاقَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْطَلَقَتْ الْأَنْصَارِيَّةُ عَلَى نَاقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَذَرَتْ إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا أَنْ تَنْحَرَهَا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لَا نَذْرَ يُوَفَّى بِهِ فَلَمَّا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى إبْطَالِ النَّذْرِ فِيمَا يُخَالِفُ الْمُبَاحَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَلَّ عَلَى إبْطَالِهِ الْعُقُودَ فِي خِلَافِ مَا يُبَاحُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، أَلَا تَرَى أَنَّ نَحْرَ النَّاقَةِ لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً لَوْ كَانَتْ لَهَا فَلَمَّا كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَذَرَتْ نَحْرَهَا كَانَ نَحْرُهَا مَعْصِيَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا فَبَطَلَ عَنْهَا عَقْدُ النَّذْرِ، وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْأَيْمَانِ {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] وَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» فَأَعْلَمَ أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَفِيَ بِالْيَمِينِ إذَا رَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا وَأَنْ يُكَفِّرَ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُوَفَّى بِكُلِّ عَقْدِ نَذْرٍ وَعَهْدٍ لِمُسْلِمٍ، أَوْ مُشْرِكٍ كَانَ مُبَاحًا لَا مَعْصِيَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ فَأَمَّا مَا فِيهِ لِلَّهِ مَعْصِيَةٌ فَطَاعَةُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي نَقْضِهِ إذَا مَضَى، وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْقِدَهُ. [جِمَاعُ نَقْضِ الْعَهْدِ بِلَا خِيَانَةٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : نَزَلَتْ فِي أَهْلِ هُدْنَةٍ بَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمْ شَيْءٌ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى خِيَانَتِهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا جَاءَتْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَمْ يُوَفِّ أَهْلَ هُدْنَةٍ بِجَمِيعِ مَا هَادَنَهُمْ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ، وَمَنْ قُلْت لَهُ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُلْحِقَهُ بِمَأْمَنِهِ ثُمَّ لَهُ أَنْ يُحَارِبَهُ كَمَا يُحَارِبُ مَنْ لَا هُدْنَةَ لَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ: أَخَافُ خِيَانَةَ قَوْمٍ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى خِيَانَتِهِمْ مِنْ خَبَرٍ، وَلَا عِيَانٍ فَلَيْسَ لَهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - نَقْضُ مُدَّتِهِمْ إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ مَعْقُولًا أَنَّ الْخَوْفَ مِنْ خِيَانَتِهِمْ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ النَّبْذُ إلَيْهِمْ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَلَالَةٍ عَلَى الْخَوْفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَا يَخْطُرُ عَلَى الْقُلُوبِ قَبْلَ الْعَقْدِ لَهُمْ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ مِنْ أَنْ يَخْطُرَ عَلَيْهَا أَنْ يَخُونُوا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا يُشْبِهُهُ؟ قِيلَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا عَقَدَ عَلَى الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ، وَلَمْ يَرَهَا، فَقَدْ يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِ أَنْ تَنْشُزَ مِنْهُ بِدَلَالَةٍ وَمَعْقُولًا عِنْدَهُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ بِالْعِظَةِ وَالْهَجْرِ وَالضَّرْبِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ إلَّا عِنْدَ دَلَالَةِ النُّشُوزِ وَمَا يَجُوزُ بِهِ مِنْ بَعْلِهَا مَا أُتِيحَ لَهُ فِيهَا. [نَقْضُ الْعَهْدِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا مُدَّةً، أَوْ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ قَوْمٍ فَكَانَ الَّذِي عَقَدَ الْمُوَادَعَةَ وَالْجِزْيَةَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا، أَوْ رِجَالًا مِنْهُمْ لَمْ تَلْزَمْهُمْ حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ قَدْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَرَضِيَهُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَنَاوَلَ لَهُمْ مَالًا وَدَمًا، فَإِنْ فَعَلَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِمَا اسْتَهْلَكَ مَا كَانُوا مُسْتَقِيمِينَ، وَإِذَا نَقَضَ الَّذِينَ عَقَدُوا الصُّلْحَ عَلَيْهِمْ، أَوْ نَقَضَتْ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَلَمْ يُخَالِفُوا النَّاقِضَ بِقَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ ظَاهِرٍ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا الْإِمَامَ، أَوْ يَعْتَزِلُوا بِلَادَهُمْ وَيُرْسِلُوا إلَى الْإِمَامِ إنَّا عَلَى صُلْحِنَا، أَوْ يَكُونَ الَّذِينَ نَقَضُوا خَرَجُوا إلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَهْلِ ذِمَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُعِينُونَ الْمُقَاتِلِينَ، أَوْ يُعِينُونَ عَلَى مَنْ قَاتَلَهُمْ مِنْهُمْ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَغْزُوَهُمْ، فَإِذَا فَعَلَ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ إلَى الْإِمَامِ خَارِجٌ مِمَّا فَعَلَهُ جَمَاعَتُهُمْ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُ مُقَاتِلَتِهِمْ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ وَغَنِيمَةُ أَمْوَالِهِمْ كَانُوا فِي وَسَطِ دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ. وَهَكَذَا «فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَنِي قُرَيْظَةَ عَقَدَ عَلَيْهِمْ صَاحِبُهُمْ الصُّلْحَ بِالْمُهَادَنَةِ فَنَقَضَ، وَلَمْ يُفَارِقُوهُ فَسَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُقْرِ دَارِهِمْ وَهِيَ مَعَهُ بِطَرَفِ الْمَدِينَةِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيِّهِمْ وَغَنِمَ أَمْوَالَهُمْ» وَلَيْسَ كُلُّهُمْ اشْتَرَكَ فِي الْمَعُونَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَلَكِنْ كُلُّهُمْ لَزِمَ حِصْنَهُ فَلَمْ يُفَارِقْ الْغَادِرِينَ مِنْهُمْ إلَّا نَفَرٌ فَحَقَنَ ذَلِكَ دِمَاءَهُمْ وَأَحْرَزَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ إنْ نَقَضَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَاتَلَ لِلْإِمَامِ قِتَالُ جَمَاعَتِهِمْ كَمَا كَانَ يُقَاتِلُهُمْ قَبْلَ الْهُدْنَةِ رُوِيَ أَنَّهُ قَدْ «أَعَانَ عَلَى خُزَاعَةَ وَهُمْ فِي عَقْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَشَهِدُوا قِتَالَهُمْ فَغَزَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا عَامَ الْفَتْحِ بِغَدْرِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ وَتَرَكَ الْبَاقُونَ مَعُونَةَ خُزَاعَةَ» ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُمْ خَارِجٌ بَعْدَ مَسِيرِ الْإِمَامِ وَالْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمًا أَحْرَزَ لَهُ الْإِسْلَامُ مَالَهُ وَنَفْسَهُ وَصِغَارَ ذُرِّيَّتِهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُمْ خَارِجٌ فَقَالَ: أَنَا عَلَى الْهُدْنَةِ الَّتِي كَانَتْ وَكَانُوا أَهْلَ هُدْنَةٍ لَا أَهْلَ جِزْيَةٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ غَدَرَ، وَلَا أَعَانَ قُبِلَ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ غَيْرَ مَا قَالَ فَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ غَيْرَ مَا قَالَ نَبَذَ إلَيْهِ وَرَدَّهُ إلَى مَأْمَنِهِ ثُمَّ قَاتَلَهُ وَسَبَى ذُرِّيَّتَهُ وَغَنِمَ مَالَهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ، أَوْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ غَيْرَ قَوْلِهِ وَظَهَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى خِيَانَتِهِ وَخَتْرِهِ، أَوْ خَوْفِ ذَلِكَ مِنْهُ نَبَذَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَأَلْحَقَهُ بِمَأْمَنِهِ ثُمَّ قَاتَلَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : نَزَلَتْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِي قَوْمٍ أَهْلِ مُهَادَنَةٍ لَا أَهْلِ جِزْيَةٍ، وَسَوَاءٌ مَا وَصَفْت فِيمَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، أَوْ لَا تُؤْخَذُ إلَّا أَنَّ مَنْ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ إذَا عَرَضَ الْجِزْيَةَ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا مِنْهُ عَلَى الْأَبَدِ وَأَخَذَهَا مِنْهُ إلَى مُدَّةٍ، قَالَ: وَإِنَّ أَهْلَ الْجِزْيَةِ لَيُخَالِفُونَ غَيْرَ أَهْلِ الْجِزْيَةِ فِي أَنْ يَخَافَ الْإِمَامُ غَدْرَ أَهْلِ الْجِزْيَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ بِالْخَوْفِ وَالدَّلَالَةِ كَمَا يَنْبِذُ إلَى غَيْرِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ حَتَّى يَنْكَشِفُوا بِالْغَدْرِ، أَوْ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْجِزْيَةِ أَوْ الْحُكْمِ. وَإِذَا كَانَ أَهْلُ الْهُدْنَةِ مِمَّنْ يُجَوِّزُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ فَخِيفَ خِيَانَتُهُمْ نَبَذَ إلَيْهِمْ، فَإِنْ قَالُوا: نُعْطِي الْجِزْيَةَ عَلَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْنَا الْحُكْمُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ إلَّا قَبُولُهَا مِنْهُمْ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَغْزُوَ دَارَ مَنْ غَدَرَ مِنْ ذِي هُدْنَةٍ، أَوْ جِزْيَةٍ يُغِيرُ عَلَيْهِمْ لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَسْبِيهِمْ إذَا ظَهَرَ الْغَدْرُ وَالِامْتِنَاعُ مِنْهُمْ، فَإِنْ تَمَيَّزُوا، أَوْ يُخَالِفُهُمْ قَوْمٌ فَأَظْهَرُوا الْوَفَاءَ وَأَظْهَرَ قَوْمٌ الِامْتِنَاعَ كَانَ لَهُ غَزَوْهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْإِغَارَةُ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ، وَإِذَا قَارَبَهُمْ دَعَا أَهْلَ الْوَفَاءِ إلَى الْخُرُوجِ فَإِنْ خَرَجُوا وَفَّى لَهُمْ وَقَاتَلَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْخُرُوجِ كَانَ لَهُ قَتْلُ الْجَمَاعَةِ وَيَتَوَقَّى أَهْلُ الْوَفَاءِ فَإِنْ قَتَلَ مِنْهُمْ أَحَدًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَقْلٌ، وَلَا قَوَدٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ تَرَكَ أَهْلَ الْوَفَاءِ فَلَا يَغْنَمُ لَهُمْ مَالًا، وَلَا يَسْفِكُ لَهُمْ دَمًا، وَإِذَا اخْتَلَطُوا فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ لَمْ يَغْدِرْ، وَقَدْ كَانَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ اعْتَزَلَتْ أَمْسَكَ عَنْ كُلِّ مَنْ شَكَّ فِيهِ فَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَلَمْ يَسْبِ ذُرِّيَّتَهُ، وَلَمْ يَغْنَمْ مَالَهُ وَقَتَلَ وَسَبَى ذُرِّيَّةَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ غَدَرَ، وَغَنِمَ مَالَهُ. [مَا أَحْدَثَ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا فَأَغَارُوا عَلَى قَوْمٍ مُوَادِعِينَ، أَوْ أَهْلِ ذِمَّةٍ، أَوْ مُسْلِمِينَ فَقَتَلُوا، أَوْ أَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرُوا نُقِضَ الصُّلْحُ فَلِلْإِمَامِ غَزْوُهُمْ وَقَتْلُهُمْ وَسِبَاؤُهُمْ، وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أَلْزَمَهُمْ بِمَنْ قَتَلُوا وَجَرَحُوا وَأَخَذُوا مَالَهُ الْحُكْمَ كَمَا يَلْزَمُ أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ عَقْلٍ وَقَوَدٍ وَضَمَانٍ قَالَ: وَإِنْ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَآذَنُوا الْإِمَامَ بِحَرْبٍ، أَوْ أَظْهَرُوا نَقْضَ الْعَهْدِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنُوا الْإِمَامَ بِحَرْبٍ إلَّا أَنَّهُمْ قَدْ أَظْهَرُوا الِامْتِنَاعَ فِي نَاحِيَتِهِمْ ثُمَّ أَغَارُوا، أَوْ أُغِيرَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوا، أَوْ جَرَحُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ حُورِبُوا وَسُبُوا وَقُتِلُوا، فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ قَوَدٌ فِي دَمٍ، وَلَا جُرْحٍ وَأَخَذَ مِنْهُمْ مَا وَجَدَ عِنْدَهُمْ مِنْ مَالٍ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَضْمَنُوا مَا هَلَكَ مِنْ الْمَالِ وَمَنْ قَالَ: هَذَا قَالَ: إنَّمَا فَرَّقْت بَيْنَ هَذَا، وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقَوَدِ وَزَعَمْت أَنَّك تَحْكُمُ بَيْنَ الْمُعَاهَدِينَ بِهِ وَيَجْرِي عَلَى الْمُعَاهَدِينَ مَا يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. قُلْت اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ وَقِيَاسًا عَلَيْهِمْ ثُمَّ مَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا. فَإِنْ قَالَ فَأَيْنَ؟ قُلْت: قَتَلَ وَحْشِيٌّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَوْمَ أُحُدٍ وَوَحْشِيٌّ مُشْرِكٌ، وَقَتَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ قُرَيْشٍ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْضُ مَنْ قَتَلَ فَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَاتِلٍ مِنْهُمْ قَوَدًا وَأَحْسِبُ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] يُقَالُ نَزَلَتْ فِي الْمُحَارِبِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ الْمُحَارِبُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ خَارِجِينَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ وَمَا وَصَفْت مِنْ دَلَالَةِ السُّنَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ طُلَيْحَةُ وَغَيْرُهُ ثُمَّ ارْتَدُّوا وَقَتَلَ طُلَيْحَةَ وَأَخُوهُ ثَابِتُ بْنُ أَفْرَمَ وَعُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ بَعْدَمَا أَظْهَرَ طُلَيْحَةُ وَأَخُوهُ الشِّرْكَ فَصَارَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالِامْتِنَاعِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : «وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَهُودِيَّيْنِ مُوَادِعَيْنِ زَنَيَا بِأَنْ جَاءُوهُ وَنَزَلَ عَلَيْهِ {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] » فَلَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ عَلَى كُلِّ ذِمِّيٍّ وَمُوَادِعٍ فِي مَالِ مُسْلِمٍ وَمُعَاهَدٍ أَصَابَهُ بِمَا أَصَابَ مَا لَمْ يَصِرْ إلَى إظْهَارِ الْمُحَارَبَةِ، فَإِذَا صَارَ إلَيْهَا لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِمَا أَصَابَ بَعْدَ إظْهَارِهَا وَالِامْتِنَاعِ كَمَا لَمْ يَحْكُمْ عَلَى مَنْ صَارَ إلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ بِمَا فَعَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ وَالِامْتِنَاعِ مِثْلُ طُلَيْحَةَ وَأَصْحَابِهِ، فَإِذَا أَصَابُوا وَهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مُمْتَنِعِينَ شَيْئًا فِيهِ حَقٌّ لِمُسْلِمٍ أُخِذَ مِنْهُ، وَإِنْ امْتَنَعُوا بَعْدَهُ لَمْ يَزِدْهُمْ الِامْتِنَاعُ خَيْرًا وَكَانُوا فِي غَيْرِ حُكْمِ الْمُمْتَنِعِينَ ثُمَّ يَنَالُونَ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ دَمًا وَمَالًا أُولَئِكَ إنَّمَا نَالُوهُ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْمُحَارَبَةِ وَهَؤُلَاءِ نَالُوهُ قَبْلَ الْمُحَارَبَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا قَتَلَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَحَارَبَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَتَابَ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَكَذَلِكَ مَا أَصَابَ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ، أَوْ مُعَاهَدٍ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ مَا أَصَابَ الْمُعَاهَدُ وَالْمُوَادَعُ لِمُسْلِمٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَلْزَمُ أَنْ يُؤْخَذَ لَهُ، وَيُخَالِفُ الْمُعَاهَدُ الْمُسْلِمَ فِيمَا أَصَابَ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا تُقَامُ عَلَى الْمُعَاهَدِينَ حَتَّى يَأْتُوا طَائِعِينَ، أَوْ يَكُونَ فِيهِ سَبَبُ حَقٍّ لِغَيْرِهِمْ فَيَطْلُبَهُ، وَهَكَذَا حُكْمُهُمَا مُعَاهَدِينَ قِيلَ: يَمْتَنِعَانِ، أَوْ يَنْقُضَانِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَسْلَمَ، أَوْ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا وَحَارَبُوا أَوْ امْتَنَعُوا وَقَتَلُوا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أُقِيدَ مِنْهُمْ فِي الدِّمَاءِ وَالْجِرَاحِ وَضَمِنُوا الْأَمْوَالَ تَابُوا أَوْ لَمْ يَتُوبُوا، وَمَنْ قَالَ: هَذَا قَالَ لَيْسُوا كَالْمُحَارِبِينَ مِنْ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ إذَا أَسْلَمُوا غُفِرَ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَهَؤُلَاءِ إذَا ارْتَدُّوا حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا تَطْرَحُ عَنْهُمْ الرِّدَّةُ شَيْئًا كَانَ يَلْزَمُهُمْ لَوْ فَعَلُوهُ مُسْلِمِينَ بِحَالٍ مِنْ دَمٍ، وَلَا قَوَدٍ، وَلَا مَالٍ، وَلَا حَدٍّ، وَلَا غَيْرِهِ وَمَنْ قَالَ: هَذَا قَالَ: لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الرِّدَّةِ قَاتِلٌ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، أَوْ كَانَ فَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ وُلَاةُ الدَّمِ. (قَالَ الرَّبِيعُ) : وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهَهُمَا بِقَوْلِهِ عِنْدِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَالَ: فِي ذَلِكَ إنْ لَمْ تَزِدْهُ الرِّدَّةُ شَرًّا لَمْ تَزِدْهُ خَيْرًا؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ عَلَيْهِمْ قَائِمَةٌ فِيمَا نَالُوهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ. [مَا أَحْدَثَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُوَادَعُونَ مِمَّا لَا يَكُونُ نَقْضًا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا أُخِذَتْ الْجِزْيَةُ مِنْ قَوْمٍ فَقَطَعَ قَوْمٌ مِنْهُمْ الطَّرِيقَ، أَوْ قَاتَلُوا رَجُلًا مُسْلِمًا فَضَرَبُوهُ، أَوْ ظَلَمُوا مُسْلِمًا، أَوْ مُعَاهَدًا، أَوْ زَنَى مِنْهُمْ زَانٍ أَوْ أَظْهَرَ فَسَادًا فِي مُسْلِمٍ، أَوْ مُعَاهَدٍ حُدَّ فِيمَا فِيهِ الْحَدُّ وَعُوقِبَ عُقُوبَةً مُنَكَّلَةً فِيمَا فِيهِ الْعُقُوبَةُ، وَلَمْ يُقْتَلْ إلَّا بِأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ يَحِلُّ دَمُهُ، وَلَا يَكُونُ النَّقْضُ لِلْعَهْدِ إلَّا بِمَنْعِ الْجِزْيَةِ، أَوْ الْحُكْمِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالِامْتِنَاعِ بِذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: أُؤَدِّي الْجِزْيَةَ، وَلَا أُقِرُّ بِحُكْمٍ نَبَذَ إلَيْهِ، وَلَمْ يُقَاتَلْ عَلَى ذَلِكَ مَكَانَهُ وَقِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ لَك أَمَانٌ بِأَدَائِك لِلْجِزْيَةِ وَإِقْرَارِك بِهَا، وَقَدْ أَجَّلْنَاك فِي أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ إذَا خَرَجَ فَبَلَغَ مَأْمَنَهُ قُتِلَ إنْ قُدِرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا لِلْمُشْرِكَيْنِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَدُلُّ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ عُوقِبَ عُقُوبَةً مُنَكَّلَةً، وَلَمْ يُقْتَلْ وَلَمْ يُنْقَضْ عَهْدُهُ، وَإِنْ صَنَعَ بَعْضَ مَا وَصَفْتُ مِنْ هَذَا، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مُوَادِعٌ إلَى مُدَّةٍ نَبَذَ إلَيْهِ، فَإِذَا بَلَغَ مَأْمَنَهُ قُوتِلَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ، أَوْ يَكُونَ مِمَّنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ فَيُعْطِيهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] الْآيَةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَأَمَرَ فِي الَّذِينَ لَمْ يَخُونُوا أَنْ يُتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ فِي قَوْلِهِ {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: 4] الْآيَةَ. [الْمُهَادَنَةُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قِتَالَ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُسْلِمُوا وَأَهْلُ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَقَالَ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَهَذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قِتَالَ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَنْ يُهَادِنُوهُمْ، وَقَدْ كَفَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قِتَالِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ بِلَا مُهَادَنَةٍ إذَا انْتَاطَتْ دُورُهُمْ عَنْهُمْ مِثْلَ بَنِي تَمِيمٍ وَرَبِيعَةَ وَأَسَدٍ، وَطِيء حَتَّى كَانُوا هُمْ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَهَادَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاسًا وَوَادَعَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَهُودًا عَلَى غَيْرِ مَا خَرَجَ أَخَذَهُ مِنْهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقِتَالُ الصِّنْفَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَرْضٌ إذَا قَوِيَ عَلَيْهِمْ وَتَرْكُهُ وَاسِعٌ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ أَوْ عَنْ بَعْضِهِمْ ضَعْفٌ، أَوْ فِي تَرْكِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ نَظَرٌ لِلْمُهَادَنَةِ وَغَيْرِ الْمُهَادَنَةِ، فَإِذَا قُوتِلُوا، فَقَدْ وَصَفْنَا السِّيرَةَ فِيهِمْ فِي مَوْضِعِهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا ضَعُفَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، أَوْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ لِبُعْدِ دَارِهِمْ، أَوْ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ أَوْ خَلَّةٍ بِالْمُسْلِمِينَ، أَوْ بِمَنْ يَلِيهِمْ مِنْهُمْ جَازَ لَهُمْ الْكَفُّ عَنْهُمْ وَمُهَادَنَتُهُمْ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنْ أَعْطَاهُمْ الْمُشْرِكُونَ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَانَ لَهُمْ أَخْذُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذُوهُ مِنْهُمْ إلَّا إلَى مُدَّةٍ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَقْوَوْنَ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ بِالْجِزْيَةِ، أَوْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ، وَلَمْ يُعْطُوا أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُعْطِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ شَيْئًا بِحَالٍ عَلَى أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لِلْمُسْلِمِينَ شَهَادَةٌ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ مُشْرِكٌ عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ أَهْلَهُ قَاتِلِينَ وَمَقْتُولِينَ ظَاهِرُونَ عَلَى الْحَقِّ إلَّا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَأُخْرَى أَكْثَرُ مِنْهَا وَذَلِكَ أَنْ يَلْتَحِمَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَخَافُونَ أَنْ يَصْطَلِحُوا لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّتِهِمْ وَخَلَّةٍ فِيهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطُوا فِي تِلْكَ الْحَالِ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَعَانِي الضَّرُورَاتِ يَجُوزُ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا، أَوْ يُؤْسَرُ مُسْلِمٌ فَلَا يُخْلَى إلَّا بِفِدْيَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُفْدَى؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ بِرَجُلَيْنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ» . [الْمُهَادَنَةُ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ] (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : «قَامَتْ الْحَرْبُ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُرَيْشٍ ثُمَّ أَغَارَتْ سَرَايَاهُ عَلَى أَهْلِ نَجْدٍ حَتَّى تَوَقَّى النَّاسُ لِقَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَوْفًا لِلْحَرْبِ دُونَهُ مِنْ سَرَايَاهُ وَإِعْدَادِ مَنْ يُعِدُّ لَهُ مِنْ عَدُوِّهِ بِنَجْدٍ فَمَنَعَتْ مِنْهُ قُرَيْشٌ أَهْلَ تِهَامَةَ وَمَنَعَ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْهُ أَهْلَ نَجْدٍ الْمَشْرِقِ ثُمَّ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ فَسَمِعَتْ بِهِ قُرَيْشٌ فَجَمَعَتْ لَهُ وَجَدَّتْ عَلَى مَنْعِهِ وَلَهُمْ جُمُوعٌ أَكْثَرُ مِمَّنْ خَرَجَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَدَاعَوْا الصُّلْحَ فَهَادَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مُدَّةٍ، وَلَمْ يُهَادِنْهُمْ عَلَى الْأَبَدِ» ؛ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا فَرْضٌ إذَا قَوِيَ عَلَيْهِمْ وَكَانَتْ الْهُدْنَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرُ سِنِينَ وَنَزَلَ عَلَيْهِ فِي سَفَرِهِ فِي أَمْرِهِمْ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَمَا كَانَ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ أَعْظَمَ مِنْهُ كَانَتْ الْحَرْبُ قَدْ أَحْرَجَتْ النَّاسَ فَلَمَّا أَمِنُوا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالْإِسْلَامِ أَحَدٌ يَعْقِلُ إلَّا قَبِلَهُ فَلَقَدْ أَسْلَمَ فِي سِنِينَ مِنْ تِلْكَ الْهُدْنَةِ أَكْثَرُ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ نَقَضَ بَعْضُ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ إنْكَارًا يُعْتَدُّ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعْتَزِلْ دَارِهِ فَغَزَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ مُخْفِيًا لِوَجْهِهِ لِيُصِيبَ مِنْهُمْ غُرَّةً. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَكَانَتْ هُدْنَةُ قُرَيْشٍ نَظَرًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسْلِمِينَ لِلْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْتُ مِنْ كَثْرَةِ جَمْعِ عَدُوِّهِمْ وَجَدِّهِمْ عَلَى قِتَالِهِ، وَإِنْ أَرَادُوا الدُّخُولَ عَلَيْهِمْ وَفَرَاغَهُ لِقِتَالِ غَيْرِهِمْ وَأَمِنَ النَّاسُ حَتَّى دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ قَالَ: فَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ إذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ وَأَرْجُو أَنْ لَا يُنْزِلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُهَادَنَةً يَكُونُ النَّظَرُ لَهُمْ فِيهَا، وَلَا يُهَادِنُ إلَّا إلَى مُدَّةٍ، وَلَا يُجَاوِزُ بِالْمُدَّةِ مُدَّةَ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ كَانَتْ النَّازِلَةُ مَا كَانَتْ فَإِنْ كَانَتْ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنْ لَمْ يَقْوَ الْإِمَامُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُجَدِّدَ مُدَّةً مِثْلَهَا أَوْ دُونَهَا، وَلَا يُجَاوِزُهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالضَّعْفَ لِعَدُوِّهِمْ قَدْ يَحْدُثُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا، وَإِنْ هَادَنَهُمْ إلَى أَكْثَرَ مِنْهَا فَمُنْتَقَضَةٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ قِتَالُ الْمُشْرِكِينَ حِينَ يُؤْمِنُوا، أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذِنَ بِالْهُدْنَةِ فَقَالَ: {إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ} [التوبة: 4] فَلَمَّا لَمْ يَبْلُغْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُدَّةٍ أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُهَادِنَ إلَّا عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَجَاوُزَ. (قَالَ) : وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُهَادِنَ الْقَوْمَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّظَرِ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ هُدْنَةً مُطْلَقَةً، فَإِنَّ الْهُدْنَةَ الْمُطْلَقَةَ عَلَى الْأَبَدِ وَهِيَ لَا تَجُوزُ لِمَا وَصَفْت، وَلَكِنْ يُهَادِنُهُمْ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ إلَيْهِ حَتَّى إنْ شَاءَ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ فَإِنْ رَأَى نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْبِذَ فَعَلَ، فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ فَهَلْ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ أَصْلٌ؟ قِيلَ: نَعَمْ «افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْوَالَ خَيْبَرَ عَنْوَةً وَكَانَتْ رِجَالُهَا وَذَرَارِيّهَا إلَّا أَهْلَ حِصْنٍ وَاحِدٍ صُلْحًا فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يُقِرَّهُمْ مَا أَقَرَّهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَعْمَلُونَ لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ بِالشَّطْرِ مِنْ الثَّمَرِ» . فَإِنْ قِيلَ: فَفِي هَذَا نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ؟ قِيلَ: نَعَمْ كَانَتْ خَيْبَرُ وَسَطَ مُشْرِكِينَ وَكَانَتْ يَهُودُ أَهْلِهَا مُخَالِفِينَ لِلْمُشْرِكَيْنِ وَأَقْوِيَاءَ عَلَى مَنْعِهَا مِنْهُمْ وَكَانَتْ وَبِئَةً لَا تُوطَأُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ فَكَفَوْهُمْ الْمُؤْنَةَ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ فَيَنْزِلُهَا مِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُهَا فَلَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِجْلَاءِ الْيَهُودِ عَنْ الْحِجَازِ» فَثَبَتَ عِنْدَ عُمَرَ ذَلِكَ فَأَجْلَاهُمْ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يُهَادِنَهُمْ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ هَادَنَهُمْ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَدَا لَهُ نَقْضُ الْهُدْنَةِ فَذَلِكَ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُلْحِقَهُمْ بِمَا مِنْهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا يَقُولُ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ قِيلَ: لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَحْيِ، وَلَا يَأْتِي أَحَدًا غَيْرَهُ بِوَحْيٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَنْ جَاءَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ فَحَقٌّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُؤْمِنَهُ حَتَّى يَتْلُوَ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَدْعُوَهُ إلَى الْإِسْلَامِ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَرْجُو أَنْ يُدْخِلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] الْآيَةُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَنْ قُلْت يَنْبِذُ إلَيْهِ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ وَإِبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ مَا كَانَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، أَوْ حَيْثُ يَتَّصِلُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَسَوَاءٌ قَرُبَ ذَلِكَ أَمْ بَعُدَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ: يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْك أَوْ مِمَّنْ يَقْتُلُهُ عَلَى دِينِك مِمَّنْ يُطِيعُك لَا أَمَانُهُ مِنْ غَيْرِك مِنْ عَدُوِّك وَعَدُوِّهِ الَّذِي لَا يَأْمَنُهُ، وَلَا يُطِيعُك، فَإِذَا أَبْلَغَهُ الْإِمَامُ أَدْنَى بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا، فَقَدْ أَبْلَغَهُ مَأْمَنَهُ الَّذِي كُلِّفَ إذَا أَخْرَجَهُ سَالِمًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ عَهْدِهِمْ فَإِنْ قَطَعَ بِهِ بِلَادَنَا، وَهُوَ أَهْلُ الْجِزْيَةِ كُلِّفَ الْمَشْيَ وَرُدَّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ عَلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْجِزْيَةُ يُكَلَّفُ الْمَشْيَ، أَوْ حُمِلَ، وَلَمْ يُقِرَّ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَأُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَشِيرَتُهُ الَّتِي يَأْمَنُ فِيهَا بَعِيدَةً فَأَرَادَ أَنْ يَبْلُغَ أَبْعَدَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مأمنان فَعَلَى الْإِمَامِ إلْحَاقُهُ بِحَيْثُ كَانَ يَسْكُنُ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَلَدَا شِرْكٍ كَانَ يَسْكُنُهُمَا مَعًا أَلْحَقَهُ الْإِمَامُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ الْإِمَامُ، وَمَتَى سَأَلَ أَنْ يجيره حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُبَلِّغَهُ مَأْمَنَهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَى الْإِمَامِ، وَلَوْ لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ مَوْضِعَهُ الَّذِي اسْتَأْمَنَهُ مِنْهُ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ. [مُهَادَنَةُ مَنْ يَقْوَى عَلَى قِتَالِهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا سَأَلَ قَوْمٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مُهَادَنَةً فَلِلْإِمَامِ مُهَادَنَتُهُمْ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ بِلَا مُؤْنَةٍ وَلَيْسَ لَهُ مُهَادَنَتُهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَلَيْسَ لَهُ مُهَادَنَتُهُمْ عَلَى النَّظَرِ عَلَى غَيْرِ الْجِزْيَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] إلَى قَوْلِهِ {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] الْآيَةَ وَمَا بَعْدَهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : «لَمَّا قَوِيَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرْجِعَهُ مِنْ تَبُوكَ {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 1] فَأَرْسَلَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَرَأَهَا عَلَى النَّاسِ فِي الْمَوْسِمِ وَكَانَ فَرْضًا أَنْ لَا يُعْطِيَ لِأَحَدٍ مُدَّةً بَعْدَ هَذِهِ الْآيَاتِ إلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» ؛ لِأَنَّهَا الْغَايَةُ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: «وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بِسِنِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» لَمْ أَعْلَمْهُ زَادَ أَحَدًا بَعْدَ أَنْ قَوِيَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَقِيلَ: كَانَ الَّذِينَ عَاهَدُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمًا مُوَادِعِينَ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَجَعَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَعَلَهَا رَسُولُهُ كَذَلِكَ وَأَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْمٍ عَاهَدَهُمْ إلَى مُدَّةٍ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ أَنْ يُتِمَّ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ مَا اسْتَقَامُوا لَهُ وَمَنْ خَافَ مِنْهُ خِيَانَةً نَبَذَ إلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْنِفَ مُدَّةً بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَبِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ إلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِمَا وَصَفْتُ مِنْ فَرْضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ وَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَلَا أَعْرِفُ كَمْ كَانَتْ مُدَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُدَّةُ مَنْ أَمَرَ أَنْ يُتِمَّ إلَيْهِ عَهْدَهُ إلَى مُدَّتِهِ قَالَ وَيَجْعَلُ الْإِمَامُ الْمُدَّةَ إلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إنْ رَأَى ذَلِكَ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ أَنْ يُهَادِنَ بِحَالٍ إلَّا عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَيُبَيِّنُ لِمَنْ هَادَنَ وَيَجُوزُ لَهُ فِي النَّظَرِ لِمَنْ رَجَا إسْلَامَهُ، وَإِنْ تَكُنْ لَهُ شَوْكَةٌ أَنْ يُعْطِيَهُ مُدَّةً أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إذَا خَافَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ أَنْ يَلْحَقَ بِالْمُشْرِكِينَ، وَإِنْ ظَهَرَ عَلَى بِلَادِهِ، فَقَدْ صَنَعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَفْوَانَ حِينَ خَرَجَ هَارِبًا إلَى الْيَمَنِ مِنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَنْعَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَ مُدَّتُهُ وَمُدَّتُهُ أَشْهُرٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِنْ جَعَلَ الْإِمَامُ لِمَنْ قُلْت لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِ لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ وَيُوَفِّيَهُ الْمُدَّةَ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَزِيدُهُ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ لَهُ إذَا كَانَتْ مُدَّةٌ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَنْ يَقُولَ لَا أَفِي لَك بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا جَاوَزَ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرَ. [جِمَاعُ الْهُدْنَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْإِمَامُ مَنْ جَاءَ بَلَدَهُ مُسْلِمًا أَوْ مُشْرِكًا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : ذَكَرَ عَدَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَادَنَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَأْمَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَنَّ مَنْ جَاءَ قُرَيْشًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُرْتَدًّا لَمْ يَرُدُّوهُ عَلَيْهِ وَمَنْ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ مِنْهُمْ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُعْطِهِمْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا إلَى غَيْرِ الْمَدِينَةِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَالشِّرْكِ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ» ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ فِي مُسْلِمٍ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ شَيْئًا مِنْ هَذَا الشَّرْطِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي مُهَادَنَتِهِمْ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] فَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: قَضَيْنَا لَك قَضَاءً مُبِينًا فَتَمَّ الصُّلْحُ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى هَذَا حَتَّى جَاءَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْت عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً فَنَسَخَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} [الممتحنة: 10] الْآيَةُ كُلُّهَا وَمَا بَعْدَهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ مِنْ هَذَا مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ فِي الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسَخَ رَدَّ النِّسَاءِ إنْ كُنَّ فِي الصُّلْحِ وَمَنَعَ أَنْ يُرْدَدْنَ بِكُلِّ حَالٍ، فَإِذَا صَالَحَ الْإِمَامُ عَلَى مِثْلِ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ صَالَحَ عَلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ إذَا جَاءَ أَحَدٌ مِنْ رِجَالِ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ إلَى مَنْزِلِ الْإِمَامِ نَفْسِهِ وَجَاءَ مَنْ يَطْلُبُهُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ بِأَنْ لَا يَمْنَعَهُ مِنْ الذَّهَابِ بِهِ وَأَشَارَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ أَنْ لَا يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ وَأَنْ يَذْهَبَ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّ أَرْضَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاسِعَةٌ فِيهَا مُرَاغَمٌ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ «كَانَ أَبُو بَصِيرٍ لَحِقَ بِالْعِيصِ مُسْلِمًا وَلَحِقَتْ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَطَلَبُوهُمْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّمَا أَعْطَيْنَاكُمْ أَنْ لَا نُؤْيَهُمْ ثُمَّ لَا نَمْنَعَكُمْ مِنْهُمْ إذَا جِئْتُمْ وَنَتْرُكُهُمْ يَنَالُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَا شَاءُوا» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا صَالَحَ الْإِمَامُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ بِمَنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى بَعْثِهِ مِنْهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْتِهِ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْعَثْ إلَيْهِمْ مِنْهُمْ بِأَحَدٍ، وَلَمْ يَأْمُرْ أَبَا بَصِيرٍ، وَلَا أَصْحَابَهُ بِإِتْيَانِهِمْ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى رَدَدْنَاهُ إلَيْكُمْ لَمْ نَمْنَعْهُ كَمَا نَمْنَعُ غَيْرَهُ، وَإِذَا صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَمْنَعَهُمْ مِنْ نِسَاءٍ مُسْلِمَاتٍ جِئْنَهُ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ وَعَلَيْهِ مَنْعُهُمْ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ إنْ لَمْ يَكُنَّ دَخَلْنَ فِي الصُّلْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى هَذَا فِيهِنَّ، وَإِنْ كُنَّ دَخَلْنَ فِيهِ، فَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ وَمَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ جَاءَهُ مِنْ النِّسَاءِ وَهَكَذَا مَنْ جَاءَهُ مِنْ مَعْتُوهٍ، أَوْ صَبِيٍّ هَارِبًا مِنْهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُمَا يُجَامِعَانِ النِّسَاءَ فِي أَنْ لَا يُمْنَعَا مَعًا وَيَزِيدَانِ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ لَا يَعْرِفَا ثَوَابًا فِي أَنْ يَنَالَ مِنْهُمَا الْمُشْرِكُونَ شَيْئًا، وَلَا يَرُدُّ إلَيْهِمْ فِي صَبِيٍّ، وَلَا فِي مَعْتُوهٍ شَيْئًا كَمَا لَا يَرُدُّ إلَيْهِمْ فِي النِّسَاءِ غَيْرَ الْمُتَزَوِّجَاتِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَزَوِّجَاتِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَنْ جَاءَهُ مِنْ عَبِيدِهِمْ مُسْلِمًا لَمْ يَرُدَّهُ إلَيْهِمْ وَأَعْتَقَهُ بِخُرُوجِهِ إلَيْهِ، وَفِي إعْطَائِهِمْ الْقِيمَةَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُعْطُوهَا ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّ رَقِيقَهُمْ لَيْسَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ. فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ مِنْهُمْ؟ قِيلَ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهَا عَلَى الْأَحْرَارِ دُونَ الْمَمَالِيكِ ذَوِي الْعَدْلِ، وَلَا يُقَالُ: لِرَقِيقِ الرَّجُلِ هُمْ مِنْك إنَّمَا يُقَالُ هُمْ مَالُك، وَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ الْقِيمَةَ بِأَنَّهُمْ إذَا صُولِحُوا أَمِنُوا عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَلَهُمْ أَمَانٌ فَلَمَّا حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ يَرُدَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهَا فَائِتَةٌ حُكِمَ بِأَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ الْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّهُ فَائِتٌ. وَمَا رَدَدْنَا عَلَيْهِمْ فِيهِ مِنْ النَّفَقَةِ. قُلْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ إذَا فَاتَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ مِثْلَهُ وَمَا لَمْ نُعْطِهِمْ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْأَحْرَارِ الرِّجَالِ، أَوْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ لَمْ نَأْخُذْ مِنْهُمْ شَيْئًا إذَا فَاتَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا حَكَمَ بِأَنْ يُرَدَّ إلَيْهِمْ الْعِوَضُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حَكَمَ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُمْ مِثْلَهُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَرُدُّ إلَيْهِمْ قِيمَةً، وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ فِيمَنْ فَاتَ إلَيْهِمْ مِنْ رَقِيقٍ عَيْنًا، وَلَا قِيمَةً؛ لِأَنَّ رَقِيقَهُمْ لَيْسُوا مِنْهُمْ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إذَا لَمْ يُصَالِحْ الْقَوْمَ إلَّا عَلَى مَا وَصَفْت أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنْ مُسْلِمٍ كَانَ أَسِيرًا فِي أَيْدِيهِمْ فَانْفَلَتَ مِنْهُمْ، وَلَا يَقْضِي لَهُمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدُهُمْ أَنَّهُمْ أَرْسَلُوهُ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِمْ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لَهُمْ، وَلَمْ يَخْرُجْ الْمُسْلِمُ بِحَسْبِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُمُوهُ عَلَى ضَرُورَةٍ هِيَ أَكْثَرُ الْإِكْرَاهِ وَكُلُّ مَا أَعْطَى الْمَرْءُ عَلَى الْإِكْرَاهِ لَمْ يَلْزَمْهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ أَنَّ أَسِيرًا فِي بِلَادِ الْحَرْبِ أَخَذَ مِنْهُمْ مَالًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْهُ عِوَضًا كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِثْلَ مَالِهِمْ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ مِثْلَ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ أَوْ الْعِوَضَ الَّذِي رَضُوا بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ رَدَّهُ إلَيْهِمْ بِعَيْنِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَغَيَّرَ، وَإِنْ كَانَ تَغَيَّرَ رَدَّهُ وَرَدَّ مَا نَقَصَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى أَمَانٍ، وَإِنَّمَا أَبْطَلْتُ عَنْهُ الشَّرْطَ بِالْإِكْرَاهِ وَالضَّرُورَةِ فِيمَا لَمْ يَأْخُذْ بِهِ عَرَضًا. وَهَكَذَا لَوْ صَالَحْنَا قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مِثْلِ مَا وَصَفْت فَكَانَ فِي أَيْدِيهِمْ أَسِيرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ فَانْفَلَتَ فَأَتَانَا لَمْ يَكُنْ لَنَا رَدُّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ قَدْ يُمْسِكُونَ عَنْ قَتْلِ وَتَعْذِيبِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ إمْسَاكًا لَا يُمْسِكُونَهُ عَنْ غَيْرِهِ. [أَصْلُ نَقْضِ الصُّلْحِ فِيمَا لَا يَجُوزُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : حَفِظْنَا أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ الصُّلْحَ الَّذِي وَصَفْتُ فَخَلَّى بَيْنَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ الرِّجَالِ وَوَلِيِّهِ وَقَدِمَتْ عَلَيْهِمْ أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً فَجَاءَ أَخَوَاهَا يَطْلُبَانِهَا فَمَنَعَهَا مِنْهُمَا» وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَقَضَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ وَحَكَمَ فِيهِنَّ غَيْرَ حُكْمِهِ فِي الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا ذَهَبْت إلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ رَدُّهُنَّ فِي الصُّلْحِ لَمْ يُعْطِ أَزْوَاجَهُنَّ فِيهِنَّ عِوَضًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهَا {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ، وَمَنْ قَالَ: إنَّ النِّسَاءَ كُنَّ فِي الصُّلْحِ قَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَعَ الْآيَةِ الَّتِي فِي بَرَاءَةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَبِهَذِهِ الْآيَةِ مَعَ الْآيَةِ فِي بَرَاءَةَ قُلْنَا إذَا صَالَحَ الْإِمَامُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فَالطَّاعَةُ نَقْضُهُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النِّسَاءِ، وَقَدْ أَعْطَى الْمُشْرِكِينَ فِيمَا حَفِظْنَا فِيهِنَّ مَا أَعْطَاهُمْ فِي الرِّجَالِ بِأَنْ لَمْ يُسْتَثْنَيْنَ وَأَنَّهُنَّ مِنْهُمْ وَبِالْآيَةِ فِي بَرَاءَةَ وَبِهَذَا قُلْنَا: إذَا ظَفِرَ الْمُشْرِكُونَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذُوا عَلَيْهِ عُهُودًا وَأَيْمَانًا بِأَنْ يَأْتِيَهُمْ، أَوْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ بِكَذَا، أَوْ بِعَدَدِ أَسْرَى أَوْ مَالٍ فَحَلَالٌ لَهُ أَنْ لَا يُعْطِيَهُمْ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا؛ لِأَنَّهَا أَيْمَانُ مُكْرَهٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطَى الْإِمَامُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ إنْ جَاءَهُ. فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ لَهُ: «لَمْ يَمْنَعْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَصِيرٍ مِنْ وَلِيِّهِ حِينَ جَاءَاهُ فَذَهَبَا بِهِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا وَهَرَبَ الْآخَرُ مِنْهُ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» بَلْ قَالَ: قَوْلًا يُشْبِهُ التَّحْسِينَ لَهُ، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهَا أَيْمَانُ مُكْرَهٍ وَحَرَامٌ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ أَرَادَ هُوَ الرُّجُوعَ حَبَسَهُ، وَكَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا لَهُمْ مِمَّا صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَاهُمْ هَذَا فِي عَبْدٍ لَهُ، أَوْ مَتَاعٍ غُلِبُوا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الشَّيْءَ يُعْطُونَهُ إيَّاهُ فَيَأْخُذُهُ الْإِمَامُ بِرَدِّ السَّلَفِ، أَوْ مِثْلِهِ، أَوْ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ، وَلَوْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ بَيْعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِمْ إنْ لَمْ يَكُنْ تَغَيَّرَ أَوْ يُعْطِيَهُمْ قِيمَتَهُ، أَوْ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ حِينَ اشْتَرَاهُ، وَهُوَ أَسِيرٌ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا اشْتَرَى وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْهُ مَا وَجَبَ لَهُمْ عَلَيْهِ بِمَا اشْتَرَاهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَبِهَذَا قُلْنَا: لَوْ أَعْطَى الْإِمَامُ قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْأَمَانَ عَلَى أَسِيرٍ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ جَاءُوهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا نَزْعَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ بِلَا عِوَضٍ لِمَا وَصَفْتُ مِنْ خِلَافِ حَالِ الْأَسِيرِ وَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ مَا أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ رَدِّ رِجَالِهِمْ الَّذِينَ هُمْ أَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ وَعَشَائِرُهُمْ الْمَمْنُوعِينَ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ أَنْ يَنَالُوا بِتَلَفٍ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى رَدِّ أَبِي جُنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ إلَى أَبِيهِ وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ إلَى أَهْلِهِ بِمَا أَعْطَاهُمْ قِيلَ: لَهُ آبَاؤُهُمْ وَأَهْلُوهُمْ أَشْفَقُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ وَأَحْرَصُ عَلَى سَلَامَتِهِمْ وَأَهْلِهِمْ كَانُوا سَيَقُونَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يُؤْذِيهِمْ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونُوا مُتَّهَمِينَ عَلَى أَنْ يَنَالُوهُمْ بِتَلَفٍ، أَوْ أَمْرٍ لَا يَحْمِلُونَهُ مِنْ عَذَابٍ، وَإِنَّمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ خِلَافَهُمْ دِينَهُمْ وَدِينَ آبَائِهِمْ فَكَانُوا يَتَشَدَّدُونَ عَلَيْهِمْ لِيَتْرُكُوا دِينَ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ الْمَأْثَمَ فِي الْإِكْرَاهِ فَقَالَ: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] وَمَنْ أَسَرَ مُسْلِمًا مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِهِ وَقَرَابَتِهِ، فَقَدْ يَقْتُلُهُ بِأَلْوَانِ الْقَتْلِ وَيَبْلُوهُ بِالْجُوعِ وَالْجَهْدِ، وَلَيْسَ حَالُهُمْ وَاحِدَةً، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَقَضَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ إذَا كُنَّ إذَا أُرِيدَ بِهِنَّ الْفِتْنَةُ ضَعُفْنَ عِنْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهِنَّ، وَلَمْ يَفْهَمْنَ فَهْمَ الرِّجَالِ أَنَّ التَّقِيَّةَ تَسْعَهُنَّ فِي إظْهَارِ مَا أَرَادَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ فِيهِنَّ أَنْ يُصِيبَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَهُنَّ حَرَامٌ فَأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْحَالِ إلَّا أَنَّ الرِّجَالَ لَيْسَ مِمَّنْ يَنْكِحُ وَرُبَّمَا كَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَفْعَلُ فِيمَا بَلَغْنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [جِمَاعُ الصُّلْحِ فِي الْمُؤْمِنَاتِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ مَنْعُ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ مِنْ أَنْ يُرْدَدْنَ إلَى دَارِ الْكُفْرِ وَقَطْعُ الْعِصْمَةِ بِالْإِسْلَامِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ، وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ قَطْعَ الْعِصْمَةِ إذَا انْقَضَتْ عِدَدُهُنَّ، وَلَمْ يُسْلِمْ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ بَيِّنًا فِيهَا أَنْ يُرَدَّ عَلَى الْأَزْوَاجِ نَفَقَاتُهُمْ وَمَعْقُولٌ فِيهَا أَنَّ نَفَقَاتِهِمْ الَّتِي تُرَدُّ نَفَقَاتُ اللَّائِي مَلَكُوا عَقْدَهُنَّ وَهِيَ الْمُهُورُ إذَا كَانُوا قَدْ أَعْطَوْهُنَّ إيَّاهَا، وَبَيَّنَ أَنَّ الْأَزْوَاجَ الَّذِينَ يُعْطُونَ النَّفَقَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ الْمَمْنُوعُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَأَنَّ نِسَاءَهُمْ الْمَأْذُونُ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إذَا آتَوْهُنَّ أُجُورَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ عَلَيْهِمْ فِي أَنْ يَنْكِحُوا غَيْرَ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ إنَّمَا كَانَ الْإِشْكَالُ فِي نِكَاحِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ حَتَّى قَطَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِصْمَةَ الْأَزْوَاجِ بِإِسْلَامِ النِّسَاءِ وَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ قَبْلَ إسْلَامِ الْأَزْوَاجِ فَلَا يُؤْتَى أَحَدٌ نَفَقَتَهُ مِنْ امْرَأَةٍ فَاتَتْ إلَّا ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُسْلِمِينَ {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] فَأَبَانَهُنَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ فَكَانَ الْحُكْمُ فِي إسْلَامِ الزَّوْجِ الْحُكْمَ فِي إسْلَامِ الْمَرْأَةِ لَا يَخْتَلِفَانِ. قَالَ: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ أَزْوَاجَ الْمُشْرِكَاتِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إذَا مَنَعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ إتْيَانَ أَزْوَاجِهِمْ بِالْإِسْلَامِ أُوتُوا مَا دَفَعَ إلَيْهِنَّ الْأَزْوَاجُ مِنْ الْمُهُورِ كَمَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ مَا دَفَعَ أَزْوَاجُ الْمُسْلِمَاتِ مِنْ الْمُهُورِ وَجَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حُكْمًا بَيْنَهُمْ ثُمَّ حَكَمَ لَهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى حُكْمًا ثَانِيًا، فَقَالَ عَزَّ وَعَلَا {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة: 11] وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ يُرِيدُ فَلَمْ تَعْفُوَا عَنْهُمْ إذَا لَمْ يَعْفُوَا عَنْكُمْ مُهُورَ نِسَائِكُمْ {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11] كَأَنَّهُ يَعْنِي مِنْ مُهُورِهِنَّ إذَا فَاتَتْ امْرَأَةُ مُشْرِكٍ أَتَتْنَا مُسْلِمَةً قَدْ أَعْطَاهَا مِائَةً فِي مَهْرِهَا وَفَاتَتْ امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ إلَى الْكُفَّارِ قَدْ أَعْطَاهَا مِائَةً حُسِبَتْ مِائَةُ الْمُسْلِمِ بِمِائَةِ الْمُشْرِكِ فَقِيلَ: تِلْكَ الْعُقُوبَةُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَيَكْتُبُ بِذَلِكَ إلَى أَصْحَابِ عُهُودِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُعْطِيَ الْمُشْرِكُ مَا قَاصَصْنَاهُ بِهِ مِنْ مَهْرِ امْرَأَتِهِ لِلْمُسْلِمِ الَّذِي فَاتَتْ امْرَأَتُهُ إلَيْهِمْ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُسْلِمَةِ الَّتِي تَحْتَ مُشْرِكٍ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ رَدَّ الْإِمَامُ الْفَضْلَ عَنْ الْمِائَةِ إلَى الزَّوْجِ الْمُشْرِكِ، وَلَوْ كَانَ مَهْرُ الْمُسْلِمَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ الْمُشْرِكِ مِائَتَيْنِ وَمَهْرُ امْرَأَةِ الْمُسْلِمِ الْفَائِتَةِ إلَى الْكُفَّارِ مِائَةً فَفَاتَتْ امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ أُخْرَى قَصَّ مِنْ مَهْرِهَا مِائَةً وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ مِمَّنْ فَاتَتْهُ زَوْجَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْمُشْرِكِينَ إلَّا قِصَاصًا مِنْ مُشْرِكٍ فَاتَتْ زَوْجَتُهُ إلَيْنَا، وَإِنْ فَاتَتْ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ مُسْلِمَةً، أَوْ مُرْتَدَّةً فَمَنَعُوهَا فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ فَاتَتْ عَلَى أَيِّ الْحَالَيْنِ كَانَ فَرَدُّوهَا لَمْ يُؤْخَذْ لِزَوْجِهَا مِنْهُمْ مَهْرٌ وَتُقْتَلُ إنْ لَمْ تُسْلِمْ إذَا ارْتَدَّتْ وَتُقَرُّ مَعَ زَوْجِهَا مُسْلِمَةً. [تَفْرِيعُ أَمْرِ نِسَاءِ الْمُهَادِنِينَ] (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إذَا جَاءَتْ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْهُدْنَةِ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى مَوْضِعِ الْإِمَامِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ فَمَنْ طَلَبَهَا مِنْ وَلِيٍّ سِوَى زَوْجِهَا مُنِعَ مِنْهَا بِلَا عِوَضٍ، وَإِذَا طَلَبَهَا زَوْجُهَا بِنَفْسِهِ أَوْ طَلَبَهَا غَيْرُهُ بِوَكَالَتِهِ مُنِعَهَا، وَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يُعْطَى الْعِوَضَ وَالْعِوَضُ مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمِثْلَ مَا أَنْفَقُوا يَحْتَمِلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مَا دَفَعُوا بِالصَّدَاقِ لَا النَّفَقَةِ غَيْرُهُ، وَلَا الصَّدَاقُ كُلُّهُ إنْ كَانُوا لَمْ يَدْفَعُوهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِذَا جَاءَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ قَدْ نَكَحَهَا بِمِائَتَيْنِ فَأَعْطَاهَا مِائَةً رُدَّتْ إلَيْهِ مِائَةٌ، وَإِنْ نَكَحَهَا بِمِائَةٍ فَأَعْطَاهَا خَمْسِينَ رُدَّتْ إلَيْهِ خَمْسُونَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْخُذْ مِنْهُ مِنْ الصَّدَاقِ إلَّا خَمْسِينَ، وَإِنْ نَكَحَهَا بِمِائَةٍ، وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ لَمْ تَرُدَّ إلَيْهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ بِالصَّدَاقِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ عُرْسٍ وَهَدِيَّةٍ وَكَرَامَةٍ لَمْ يُعْطِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِهِ، وَلَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَ زَادَهَا عَلَيْهِ، أَوْ نَقَصَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِأَنْ يُعْطُوا مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَيُعْطِي الزَّوْجُ هَذَا الصَّدَاقَ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ» يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِي مَصْلَحَتِكُمْ وَبِأَنَّ الْأَنْفَالَ كَانَتْ تَكُونُ عَنْهُ، وَأَنَّ عُمَرَ رَوَى أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْعَلُ فَضْلَ مَالِهِ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عِدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ صَدَاقًا وَأَنْكَرَهُ الْإِمَامُ، أَوْ جَهِلَهُ، فَإِنْ جَاءَ الزَّوْجُ بِشَاهِدَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ شَاهِدٍ حَلَفَ مَعَهُ أَعْطَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَاهِدًا إلَّا مُشْرِكًا لَمْ يُعْطِهِ بِشَهَادَةِ مُشْرِكٍ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَ الْمَرْأَةَ فَإِنْ أَخْبَرَتْهُ شَيْئًا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ، أَوْ صَدَّقَتْهُ لَمْ يَقْبَلْهُ الْإِمَامُ وَكَانَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فِي نَاحِيَتِهَا وَيُحَلِّفَهُ بِأَنَّهُ دَفَعَهُ ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَقَلَّ قَوْمٌ إلَّا وَمُهُورُهُمْ مَعْرُوفَةٌ مِمَّنْ مَعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَسْرَى وَالْمُسْتَأْمَنِينَ، أَوْ الْحَاضِرِينَ لَهُمْ، أَوْ الْمُصَالِحِ عَلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مُسْلِمُونَ مِنْهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَهْرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي بِلَا بَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَامَ عِنْدَهُ شَاهِدًا أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَعْطَاهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْفَضْلِ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ أَعْطَاهُ بِهَذِهِ الْمَعَانِي، أَوْ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَقَلُّ مِمَّا أَعْطَاهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْفَضْلِ وَحَبَسَهُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا نَقْضًا لِعَهْدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدُمُ زَوْجَهَا، وَلَا رَسُولَهُ بِطَلَبِهَا حَتَّى مَاتَ فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ فِيمَا أَنْفَقَ مِنْ صَدَاقِهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا فَلَمْ يَطْلُبْهُ إيَّاهُ، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُ مَا أَنْفَقَ إذَا مَنَعَ رَدَّهَا إلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُقَالُ لَهُ مَمْنُوعٌ رَدُّهَا إلَيْهِ حَتَّى يَطْلُبَهَا فَيَمْنَعَ رَدَّهَا إلَيْهِ. وَإِنْ قَدِمَ فِي طَلَبِهَا فَلَمْ يَطْلُبْهَا إلَى الْإِمَامِ حَتَّى مَاتَ كَانَ هَكَذَا، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا إلَى الْإِمَامِ حَتَّى طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ مَلَّكَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا، أَوْ تَطْلِيقَةً لَمْ يَبْقَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ غَيْرَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عِوَضٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَطَعَ حَقَّهُ فِيهَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ فَلَا يَرُدُّ إلَيْهِ الْمَهْرَ مِنْ امْرَأَةٍ قَدْ قَطَعَ حَقَّهُ فِيهَا بِكُلِّ حَالٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَالَعَهَا قَبْلَ أَنْ يَرْتَفِعَ إلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ ثَبَتَ الْخُلْعُ وَكَانَتْ بَائِنًا مِنْهُ لَا يُعْطَى مِنْ نَفَقَتِهِ شَيْءٌ مِنْ امْرَأَةٍ قَطَعَ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لَهُ بِحَالٍ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ طَلَبَ الْعِوَضَ لَمْ نُعْطِهِ حَتَّى يُرَاجِعَهَا فَإِنْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا ثُمَّ طَلَبَهَا أُعْطِيَ الْعِوَضَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ حَقَّهُ فِي الْعِوَضِ لَا يَكُونُ قَطْعُهُ حَقَّهُ فِي الْعِوَضِ إلَّا بِأَنْ يُحْدِثَ طَلَاقًا لَوْ كَانَتْ سَاعَتَهَا تِلْكَ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَدِمَتْ غَيْرَ مُسْلِمَةٍ كَانَ هَذَا هَكَذَا. قَالَ: وَلَوْ قَدِمَتْ مُسْلِمَةً وَجَاءَ زَوْجُهَا فَلَمْ يَطْلُبْهَا حَتَّى مَاتَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِوَضٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعَاوِضُ بِأَنْ يَمْنَعَهَا وَهِيَ بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلَمْ تَمُتْ، وَلَكِنْ غُلِبَتْ عَلَى عَقْلِهَا كَانَ لِزَوْجِهَا الْعِوَضُ، وَلَوْ قَدِمَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ كَانَ أَحَقَّ بِهَا، وَلَوْ قَدِمَ يَطْلُبُهَا مُشْرِكًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ فَأُخِذَ مِنْهُ إنْ كَانَ أَخَذَهُ، وَلَوْ طَلَبَ الْعِوَضَ فَأُعْطِيَهُ ثُمَّ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَهُ الْعِوَضُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِالْإِسْلَامِ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ، وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدُ لَمْ نَرْجِعْ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَهَا بِعَقْدٍ غَيْرِهِ؛ وَإِنْ قَدِمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، أَوْ غَيْرِهَا حَيْثُ يَنْفُذُ أَمْرُ الْإِمَامِ ثُمَّ جَاءَ زَوْجُهَا يَطْلُبُهَا إلَى الْإِمَامِ لَمْ يُعْطَ عِوَضًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْدُمْ عَلَيْهِ وَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَتْ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَمْنَعَهَا زَوْجَهَا وَمَتَى مَا صَارَتْ إلَى دَارِ الْإِمَامِ فَمَنَعَهَا مِنْهُ فَلَهُ الْعِوَضُ وَمَتَى طَلَبَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ فِي دَارِ الْإِمَامِ فَجَاءَ زَوْجُهَا فَلَمْ يَرْفَعْهَا إلَى الْإِمَامِ حَتَّى تَنَحَّتْ عَنْ دَارِ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِوَضٌ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ لَهُ الْعِوَضُ بِأَنْ تُقِيمَ فِي دَارِ الْإِمَامِ، وَمَتَى طَلَبَهَا بَعْدَ مُدَّتِهَا، أَوْ مَغِيبِهَا عَنْ دَارِ الْإِمَامِ فَلَا عِوَضَ لَهُ. وَلَوْ قَدِمَتْ مُسْلِمَةً ثُمَّ ارْتَدَّتْ اُسْتُتِيبَتْ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ فَإِنْ قَدِمَ زَوْجُهَا بَعْدَ الْقَتْلِ، فَقَدْ فَاتَتْ، وَلَا عِوَضَ، وَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ أَنْ تَرْتَدَّ فَارْتَدَّتْ وَطَلَبَهَا لَمْ يُعْطَهَا وَأُعْطِيَ الْعِوَضَ وَاسْتُتِيبَتْ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ، وَإِنْ قَدِمَ وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ قَبْلَ أَنْ تُقْتَلَ فَطَلَبَهَا أُعْطِيَ الْعِوَضُ وَقُتِلَتْ مَكَانَهَا، وَمَتَى طَلَبَهَا، فَقَدْ اسْتَوْجَبَ الْعِوَضَ؛ لِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ مَنْعَهُ مِنْهَا، وَإِنْ قَدِمَتْ وَطَلَبَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ قَتَلَهَا رَجُلٌ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ الْعَقْلُ وَلِزَوْجِهَا الْعِوَضُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَدِمَ، وَفِيهَا الْحَيَاةُ لَمْ تَمُتْ، وَإِنْ كَانَ يَرَى أَنَّهَا فِي آخِرِ رَمَقٍ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ إلَّا أَنْ تَكُونَ جَنَى عَلَيْهَا جِنَايَةً فَصَارَتْ فِي حَالٍ لَا تَعِيشُ فِيهَا إلَّا كَمَا تَعِيشُ الذَّبِيحَةُ فَهِيَ فِي حَالِ الْمَيْتَةِ فَلَا يُعْطَى فِيهَا عِوَضًا، وَإِذَا كَانَ عَلَى الْإِمَامِ مَنْعُهُ إيَّاهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ بِأَنْ تَكُونَ فِي حُكْمِ الْحَيَاةِ كَانَ لَهُ الْعِوَضُ، وَلَا يَسْتَوْجِبُ الْعِوَضَ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَطْلُبَهَا إلَى الْإِمَامِ، أَوْ وَالٍ يَخْلُفُهُ بِبَلَدِهِ فَإِنْ طَلَبَهَا إلَى مَنْ دُونَ الْإِمَامِ مِنْ عَامَّةِ، أَوْ خَاصَّةِ الْإِمَامِ، أَوْ وَالٍ مِمَّنْ لَمْ يُوَلِّهِ الْإِمَامُ هَذَا فَهَذَا لَا يَكُونُ لَهُ بِهِ الْعِوَضُ، وَمَتَى وَصَلَ إلَى الْإِمَامِ طَلَبَهُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ فَلَهُ الْعِوَضُ، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلَى الْإِمَامِ ثُمَّ طَلَبَهَا إلَيْهِ فَلَا عِوَضَ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْقَادِمَةُ مَمْلُوكَةً مُتَزَوِّجَةً رَجُلًا حُرًّا أَوْ مَمْلُوكًا أَمَرَ الْإِمَامُ بِاخْتِيَارِ فِرَاقِ الزَّوْجِ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا، وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَطَلَبَهَا، أَوْ مَمْلُوكًا فَلَمْ تَخْتَرْ فِرَاقَهُ حَتَّى قَدِمَ مُسْلِمًا فَهِيَ عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ قَدِمَ كَافِرًا فَطَلَبَهَا فَمَنْ قَالَ: تُعْتَقُ، وَلَا عِوَضَ لِمَوْلَاهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُمْ فَلَا عِوَضَ لِمَوْلَاهَا، وَلَا لِزَوْجِهَا كَمَا لَا يَكُونُ لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ الْمَأْسُورَةِ فِيهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ عِوَضٌ، وَمَنْ قَالَ تُعْتَقُ وَيَرُدُّ الْإِمَامُ عَلَى سَيِّدِهَا قِيمَتَهَا فَلِزَوْجِهَا الْعِوَضُ إذَا كَانَ حُرًّا، وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَلَا عِوَضَ لَهُ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ طَلَبُهُ وَطَلَبُ السَّيِّدِ فَيَطْلُبُ هُوَ امْرَأَتَهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَالسَّيِّدُ الْمَالَ مَعَ طَلَبِهِ، فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا عِوَضَ لَهُ. وَإِنْ كَانَ هَذَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَجَاءَتْنَا امْرَأَةُ رَجُلٍ مِنْهُمْ مُشْرِكَةً، أَوْ امْرَأَةُ غَيْرِ كِتَابِيٍّ، وَهَذَا الْعَقْدُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَطَلَبَهَا زَوْجُهَا لَمْ يَكُنْ لَنَا مَنْعُهُ مِنْهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ الْقَادِمُ أَوْ مَحْرَمًا لَهَا بِوَكَالَتِهِ إذَا سَأَلَتْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ الْقَادِمُ فَطَلَبَهَا زَوْجُهَا وَأَسْلَمَتْ أَعْطَيْنَاهُ الْعِوَضَ، وَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ دَفَعْنَاهَا إلَيْهِ، وَلَوْ خَرَجَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَعْتُوهَةً مَنَعْنَا زَوْجَهَا مِنْهَا حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهَا، فَإِذَا ذَهَبَ فَإِنْ قَالَتْ خَرَجَتْ مُسْلِمَةً وَأَنَا أَعْقِلُ ثُمَّ عَرَضَ لِي، فَقَدْ وَجَبَ لَهُ الْعِوَضُ، وَإِنْ قَالَتْ خَرَجَتْ مَعْتُوهَةً ثُمَّ ذَهَبَ هَذَا عَنِّي فَأَنَا أُسْلِمُ مَنَعْنَاهَا مِنْهُ، وَإِنْ طَلَبَهَا يَوْمَئِذٍ أَعْطَيْنَاهُ الْعِوَضَ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا فَلَا عِوَضَ لَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِنْ خَرَجَتْ إلَيْنَا مِنْهُمْ زَوْجَةُ رَجُلٍ لَمْ تَبْلُغْ، وَإِنْ عَقَلَتْ فَوَصَفَتْ الْإِسْلَامَ مَنَعْنَاهَا مِنْهُ بِصِفَةِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُعْطَى حَتَّى تَبْلُغَ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَثَبَتَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ أَعْطَيْنَاهُ الْعِوَضَ إذَا طَلَبَهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا وَثُبُوتِهَا عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِوَضٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَكْمُلُ إسْلَامُهَا حَتَّى تُقْتَلَ عَلَى الرِّدَّةِ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَلَوْ جَاءَتْنَا جَارِيَةٌ لَمْ تَبْلُغْ فَوَصَفَتْ الْإِسْلَامَ وَجَاءَ زَوْجُهَا وَطَلَبَهَا فَمَنَعْنَاهُ مِنْهَا فَبَلَغَتْ، وَلَمْ تَصِفْ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَتَكُونُ مِنْ الَّذِينَ أُمِرْنَا إذَا عَلِمْنَا إيمَانَهُنَّ أَنْ لَا نَدْفَعَهُنَّ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَمَتَى وَصَفَتْ الْإِسْلَامَ بَعْدَ وَصْفِهَا الْإِسْلَامَ وَالْبُلُوغَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِوَضٌ، وَكَذَلِكَ إنْ بَلَغَتْ مَعْتُوهَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ عِوَضٌ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ لَهُ الْعِوَضَ فِي كُلِّ حَالٍ مَنَعْنَاهَا مِنْهُ بِصِفَةِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَتْ صَبِيَّةً، وَإِذَا جَاءَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ يَطْلُبُهَا فَلَمْ يَرْتَفِعْ إلَى الْإِمَامِ حَتَّى أَسْلَمَ، وَقَدْ خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ الْعِدَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِوَضٌ، وَلَا عَلَى امْرَأَتِهِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ امْرَأَتِهِ إذَا أَسْلَمَ إلَّا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَلَوْ كَانَتْ فِي عِدَّتِهَا كَانَا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا يُعْطِي الْعِوَضَ مَنْ يَمْنَعُ امْرَأَتَهُ، وَلَوْ قَدِمَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَبَهَا إلَى الْإِمَامِ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا حَتَّى ارْتَدَّتْ بَعْدَ إسْلَامِهِ ثُمَّ طَلَبَ الْعِوَضَ لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ صَارَ مِمَّنْ لَا يَمْنَعُ امْرَأَتَهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ عِوَضٌ؛ لِأَنِّي أَمْنَعُهَا مِنْهُ بِالرِّدَّةِ، فَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا فَسَأَلَ الْعِوَضَ لَمْ يُعْطِهِ لِمَا وَصَفْت، وَلَوْ قَدِمَتْ مُسْلِمَةً ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهَا الْإِسْلَامَ الْأَوَّلَ وَيُمْنَعُ مِنْهَا بِالرِّدَّةِ، وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ رَجَعَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ وَالْعِصْمَةُ مُنْقَطِعَةٌ بَيْنَهُمَا فَلَا عِوَضَ وَكُلُّ مَا وَصَفْتُ فِيهِ الْعِوَضُ فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ يُعْطِيَ الْعِوَضَ، وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ لَا يُعْطَى الزَّوْجُ الْمُشْرِكُ الَّذِي جَاءَتْ زَوْجَتُهُ مُسْلِمَةً الْعِوَضَ، وَلَوْ شَرَطَ الْإِمَامُ بِرَدِّ النِّسَاءِ كَانَ الشَّرْطُ مُنْتَقَضًا وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: إنْ «شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ إذْ دَخَلَ فِيهِ أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ» وَكَانَ النِّسَاءُ مِنْهُمْ كَانَ شَرْطًا صَحِيحًا فَنَسَخَهُ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِيمَا نَسَخَ مِنْهُ الْعِوَضَ وَلَمَّا قَضَى اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا تُرَدَّ النِّسَاءُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ رَدُّهُنَّ، وَلَا عَلَيْهِ عِوَضٌ فِيهِنَّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ مَنْ شَرَطَ رَدَّ النِّسَاءَ بَعْدَ نَسْخِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَسُولُهُ لَهَا بَاطِلٌ، وَلَا يُعْطَى بِالشَّرْطِ الْبَاطِلِ شَيْءٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَنْ قَالَ: هَذَا لَمْ يَرُدَّ مَمْلُوكًا بِحَالٍ، وَلَا يُعْطِيهِمْ فِيهِ عِوَضًا وَأَشْبَهَهُمَا أَنْ لَا يُعْطُوا عِوَضًا وَالْآخَرُ كَمَا وَصَفْتُ يُعْطُونَ فِيهِ الْعِوَضَ، وَمَنْ قَالَ: هَذَا لَا نَرُدُّ إلَى أَزْوَاجِ الْمُشْرِكِينَ عِوَضًا لَمْ يَأْخُذْ لِلْمُسْلِمِينَ فِيمَا فَاتَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ عِوَضًا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ هَذَا الْعَقْدَ إلَّا الْخَلِيفَةُ، أَوْ رَجُلٌ بِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي الْأَمْوَالَ كُلَّهَا فَمَنْ عَقَدَهُ غَيْرُ خَلِيفَةٍ فَعَقْدُهُ مَرْدُودٌ، وَإِنْ جَاءَتْ فِيهِ امْرَأَةٌ، أَوْ رَجُلٌ لَمْ يُرَدَّ لِلْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يُعْطُوا عِوَضًا وَنَبَذَ إلَيْهِمْ، وَإِذَا عَقَدَ الْخَلِيفَةُ فَمَاتَ، أَوْ عُزِلَ وَاسْتُخْلِفَ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ لَهُمْ بِمَا عَقَدَ لَهُمْ الْخَلِيفَةُ قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ عَلَى وَالِي الْأَمْرِ بَعْدَهُ إنْفَاذُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَمَنْ قَدِمَ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ لَمْ يَرُدَّهُ، وَلَمْ يُعْطِ عِوَضًا وَكَانُوا كَأَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ قَدِمَ عَلَيْنَا نِسَاؤُهُمْ وَرِجَالُهُمْ مُسْلِمِينَ فَنَقْبَلُهُمْ، وَلَا نُعْطِي أَحَدًا عِوَضًا مِنْ امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِ مَنْ أَعْطَى الْعِوَضَ. فَإِنْ هَادَنَّاهُمْ عَلَى التَّرْكِ سَنَةً فَقَدِمَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةُ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَكَانَ الَّذِينَ هَادَنُونَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ مِمَّنْ دَانَ دِينَهُمْ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَأَسْلَمُوا فِي دَارِهِمْ أَوْ أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ ثُمَّ جَاءُونَا يَطْلُبُونَ رِجَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ قِيلَ: قَدْ انْقَضَتْ الْهُدْنَةُ وَخَيْرٌ لَكُمْ دُخُولُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَهَؤُلَاءِ رِجَالُكُمْ فَإِنْ أَحَبُّوا رَجَعُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَقَامُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا انْصَرَفُوا، وَلَوْ نَقَضُوا الْعَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ لَمْ يُعْطُوا عِوَضًا مِنْ امْرَأَةِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ مِنْهُمْ مُسْلِمٌ وَهَكَذَا لَوْ هَادَنَّا قَوْمًا هَكَذَا وَأَتَانَا رِجَالُهُمْ فَخَلَّيْنَا بَيْنَ أَوْلِيَائِهِمْ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ نَقَضُوا الْعَهْدَ كَانَ لَنَا إخْرَاجُهُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَعَلَيْنَا طَلَبُهُمْ حَتَّى نُخْرِجَهُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْعَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَسَقَطَ الشَّرُّ. وَهَكَذَا لَوْ هَادَنَّا مَنْ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ فِي كُلِّ مَا وَصَفْته إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ الْجِزْيَةَ، وَإِذَا هَادَنَّا قَوْمًا رَدَدْنَا إلَيْهِمْ مَا فَاتَ إلَيْنَا مِنْ بَهَائِمِ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَهَائِمِ حُرْمَةٌ يُمْنَعْنَ بِهَا مِنْ أَنْ نُصَيِّرَهَا إلَى مُشْرِكٍ، وَكَذَلِكَ الْمَتَاعُ، وَإِنْ صَارَتْ فِي يَدِ بَعْضِنَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَيِّرَهَا إلَيْهِمْ، وَلَوْ اسْتَمْتَعَ بِهَا وَاسْتَهْلَكَهَا كَانَ كَالْغَصْبِ يَلْزَمُهُ لَهُمْ مَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ مِنْ كِرَاءٍ إنْ كَانَ لَهَا وَقِيمَةُ مَا هَلَكَ مِنْهَا فِي أَكْثَرَ مَا كَانَتْ قِيمَتُهُ. [أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابَ صُلْحٍ عَلَى الْجِزْيَةِ] إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابَ صُلْحٍ عَلَى الْجِزْيَةِ كَتَبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ عَبْدُ اللَّهِ فُلَانٌ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ كَذَا وَكَذَا لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ النَّصْرَانِيِّ مِنْ بَنِي فُلَانٍ السَّاكِنِ بَلَدَ كَذَا وَأَهْلُ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ كَذَا إنَّك سَأَلْتَنِي أَنْ أُؤَمِّنَك وَأَهْلَ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ كَذَا وَأَعْقِدَ لَك وَلَهُمْ مَا يُعْقَدُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ عَلَى مَا أَعْطَيْتنِي وَشَرَطْتُ لَك وَلَهُمْ وَعَلَيْك وَعَلَيْهِمْ فَأَجَبْتُك إلَى أَنْ عَقَدْت لَك وَلَهُمْ عَلَيَّ وَعَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الْأَمَانُ مَا اسْتَقَمْتَ وَاسْتَقَامُوا بِجَمِيعِ مَا أَخَذْنَا عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا حُكْمُ خِلَافِهِ بِحَالٍ يُلْزِمُكُمُوهُ، وَلَا يَكُونُ لَكُمْ أَنْ تَمْتَنِعُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ رَأَيْنَاهُ نُلْزِمُكُمْ بِهِ وَعَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ إنْ ذَكَرَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ دِينَهُ بِمَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ بِهِ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ ثُمَّ ذِمَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ وَنَقَضَ مَا أُعْطِيَ عَلَيْهِ الْأَمَانُ وَحَلَّ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَالُهُ وَدَمُهُ كَمَا تَحِلُّ أَمْوَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ دِمَاؤُهُمْ. وَعَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ رِجَالِكُمْ إنْ أَصَابَ مُسْلِمَةً بِزِنًا، أَوْ اسْمِ نِكَاحٍ أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقِ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ فَتَنَ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ، أَوْ أَعَانَ الْمُحَارِبِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِقِتَالٍ، أَوْ دَلَالَةٍ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِيوَاءٍ لِعُيُونِهِمْ، فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ وَأَحَلَّ دَمَهُ وَمَالَهُ، وَإِنْ نَالَ مُسْلِمًا بِمَا دُونَ هَذَا فِي مَالِهِ أَوْ عِرْضِهِ، أَوْ نَالَ بِهِ مَنْ عَلَى مُسْلِمٍ مَنْعُهُ مِنْ كَافِرٍ لَهُ عَهْدٌ، أَوْ أَمَانٌ لَزِمَهُ فِيهِ الْحُكْمُ وَعَلَى أَنْ نَتَتَبَّعَ أَفْعَالَكُمْ فِي كُلِّ مَا جَرَى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُسْلِمٍ فَمَا كَانَ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ مِمَّا لَكُمْ فِيهِ فِعْلٌ رَدَدْنَاهُ وَعَاقَبْنَاكُمْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنْ تَبِيعُوا مُسْلِمًا بَيْعًا حَرَامًا عِنْدَنَا مِنْ خَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ دَمِ مَيْتَةٍ أَوْ غَيْرِهِ وَنُبْطِلُ الْبَيْعَ بَيْنَكُمْ فِيهِ وَنَأْخُذُ ثَمَنَهُ مِنْكُمْ إنْ أَعْطَاكُمُوهُ، وَلَا نَرُدُّهُ عَلَيْكُمْ إنْ كَانَ قَائِمًا ونهريقه إنْ كَانَ خَمْرًا، أَوْ دَمًا وَنُحَرِّقهُ إنْ كَانَ مَيْتَةً، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ لَمْ نَجْعَلْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْئًا وَنُعَاقِبْكُمْ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَنْ لَا تُسْقُوهُ، أَوْ تُطْعِمُوهُ مُحَرَّمًا أَوْ تُزَوِّجُوهُ بِشُهُودٍ مِنْكُمْ، أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ عِنْدَنَا وَمَا بَايَعْتُمْ بِهِ كَافِرًا مِنْكُمْ، أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ لَمْ نَتَّبِعْكُمْ فِيهِ، وَلَمْ نَسْأَلْكُمْ عَنْهُ مَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ. وَإِذَا أَرَادَ الْبَائِعُ مِنْكُمْ، أَوْ الْمُبْتَاعُ نَقْضَ الْبَيْعِ وَأَتَانَا طَالِبًا لَهُ فَإِنْ كَانَ مُنْتَقِضًا عِنْدَنَا نَقَضْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا أَجَزْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ وَفَاتَ لَمْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بَيْنَ مُشْرِكَيْنِ مَضَى وَمَنْ جَاءَنَا مِنْكُمْ، أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ يُحَاكِمُكُمْ أَجْرَيْنَاكُمْ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ لَمْ يَأْتِنَا لَمْ نَعْرِضْ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، وَإِذَا قَتَلْتُمْ مُسْلِمًا، أَوْ مُعَاهِدًا مِنْكُمْ، أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِكُمْ كَمَا تَكُونُ عَلَى عَوَاقِلِ الْمُسْلِمِينَ وَعَوَاقِلُكُمْ قَرَابَاتُكُمْ مِنْ قِبَلِ آبَائِكُمْ، وَإِنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَا قَرَابَةَ لَهُ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَإِذَا قَتَلَهُ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ دِيَةٌ فَيَأْخُذُونَهَا حَالَّةً، وَمَنْ سَرَقَ مِنْكُمْ فَرَفَعَهُ الْمَسْرُوقُ إلَى الْحَاكِمِ قَطَعَهُ إذَا سَرَقَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَغَرِمَ، وَمَنْ قَذَفَ فَكَانَ لِلْمَقْذُوفِ حَدٌّ حُدَّ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَدٌّ عُزِّرَ حَتَّى تَكُونَ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ جَارِيَةً عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْمَعَانِي فِيمَا سَمَّيْنَا، وَلَمْ نُسَمِّ. وَعَلَى أَنْ لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تُظْهِرُوا فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ الصَّلِيبَ، وَلَا تُعْلِنُوا بِالشِّرْكِ، وَلَا تَبْنُوا كَنِيسَةً، وَلَا مَوْضِعَ مُجْتَمَعٍ لِصَلَاتِكُمْ، وَلَا تَضْرِبُوا بِنَاقُوسٍ، وَلَا تُظْهِرُوا قَوْلَكُمْ بِالشِّرْكِ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَتَلْبَسُوا الزَّنَانِيرَ مِنْ فَوْقِ جَمِيعِ الثِّيَابِ الْأَرْدِيَةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى لَا تَخْفَى الزَّنَانِيرُ وَتُخَالِفُوا بِسُرُوجِكُمْ وَرُكُوبِكُمْ وَتُبَايِنُوا بَيْنَ قَلَانِسِكُمْ وَقَلَانِسِهِمْ بِعَلَمٍ تَجْعَلُونَهُ بِقَلَانِسِكُمْ وَأَنْ لَا تَأْخُذُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَرَوَاتِ الطُّرُقِ، وَلَا الْمَجَالِسِ فِي الْأَسْوَاقِ وَأَنْ يُؤَدِّيَ كُلُّ بَالِغٍ مِنْ أَحْرَارِ رِجَالِكُمْ غَيْرُ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ جِزْيَةَ رَأْسِهِ دِينَارًا مِثْقَالًا جَيِّدًا فِي رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَغِيبَ عَنْ بَلَدِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ، أَوْ يُقِيمَ بِهِ مَنْ يُؤَدِّيهِ عَنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ جِزْيَةِ رَقَبَتِهِ إلَى رَأْسِ السَّنَةِ وَمَنْ افْتَقَرَ مِنْكُمْ فَجِزْيَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى تُؤَدَّى عَنْهُ وَلَيْسَ الْفَقْرُ بِدَافِعٍ عَنْكُمْ شَيْئًا، وَلَا نَاقِضٍ لِذِمَّتِكُمْ عَنْ مَا بِهِ فَمَتَى وَجَدْنَا عِنْدَكُمْ شَيْئًا أُخِذْتُمْ بِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ سِوَى جِزْيَتِكُمْ مَا أَقَمْتُمْ فِي بِلَادِكُمْ وَاخْتَلَفْتُمْ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرَ تُجَّارٍ وَلَيْسَ لَكُمْ دُخُولُ مَكَّةَ بِحَالٍ، وَإِنْ اخْتَلَفْتُمْ بِتِجَارَةٍ عَلَى أَنْ تُؤَدُّوا مِنْ جَمِيعِ تِجَارَاتِكُمْ الْعُشْرَ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَكُمْ دُخُولُ جَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَكَّةَ وَالْمُقَامُ بِجَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا شِئْتُمْ إلَّا الْحِجَازَ فَلَيْسَ لَكُمْ الْمُقَامُ بِبَلَدٍ مِنْهَا إلَّا ثَلَاثَ لَيَالٍ حَتَّى تَظْعَنُوا مِنْهُ، وَعَلَى أَنَّ مَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرُ تَحْتَ ثِيَابِهِ، أَوْ احْتَلَمَ، أَوْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَبْلَ ذَلِكَ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ لَازِمَةٌ لَهُ إنْ رَضِيَهَا فَإِنْ لَمْ يَرْضَهَا فَلَا عَقْدَ لَهُ، وَلَا جِزْيَةَ عَلَى أَبْنَائِكُمْ الصِّغَارِ، وَلَا صَبِيٍّ غَيْرِ بَالِغٍ وَمَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ، وَلَا مَمْلُوكٍ، فَإِذَا أَفَاقَ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْمَمْلُوكُ مِنْكُمْ فَدَانَ دِينَكُمْ فَعَلَيْهِ جِزْيَتُكُمْ وَالشَّرْطُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ رَضِيَهُ وَمَنْ سَخِطَهُ مِنْكُمْ نَبَذْنَا إلَيْهِ وَلَكُمْ أَنْ نَمْنَعَكُمْ وَمَا يَحِلُّ مِلْكُهُ عِنْدَنَا لَكُمْ مِمَّنْ أَرَادَكُمْ مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ غَيْرِهِ بِظُلْمٍ بِمَا نَمْنَعُ بِهِ أَنْفُسَنَا وَأَمْوَالَنَا وَنَحْكُمُ لَكُمْ فِيهِ عَلَى مَنْ جَرَى حُكْمُنَا عَلَيْهِ بِمَا نَحْكُمُ بِهِ فِي أَمْوَالِنَا وَمَا يَلْزَمُ الْمَحْكُومَ فِي أَنْفُسِكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نَمْنَعَ لَكُمْ شَيْئًا مَلَكْتُمُوهُ مُحَرَّمًا مِنْ دَمٍ، وَلَا مَيْتَةٍ، وَلَا خَمْرٍ، وَلَا خِنْزِيرٍ كَمَا نَمْنَعُ مَا يَحِلُّ مِلْكُهُ، وَلَا نَعْرِضُ لَكُمْ فِيهِ إلَّا أَنَّا لَا نَدَعَكُمْ تُظْهِرُونَهُ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ فَمَا نَالَهُ مِنْهُ مُسْلِمٌ، أَوْ غَيْرُهُ لَمْ نُغَرِّمْهُ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وَلَا ثَمَنَ لِمُحَرَّمٍ وَنَزْجُرُهُ عَنْ الْعَرْضِ لَكُمْ فِيهِ فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ بِغَيْرِ غَرَامَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. وَعَلَيْكُمْ الْوَفَاءُ بِجَمِيعِ مَا أَخَذْنَا عَلَيْكُمْ وَأَنْ لَا تَغْشَوْا مُسْلِمًا، وَلَا تُظَاهِرُوا عَدُوَّهُمْ عَلَيْهِمْ بِقَوْلٍ، وَلَا فِعْلٍ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَأَعْظَمُ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ الْوَفَاءِ بِالْمِيثَاقِ وَلَكُمْ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَذِمَّةُ فُلَانٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ بِالْوَفَاءِ لَكُمْ، وَعَلَى مَنْ بَلَغَ مِنْ أَبْنَائِكُمْ مَا عَلَيْكُمْ بِمَا أَعْطَيْنَاكُمْ مَا وَفَّيْتُمْ بِجَمِيعِ مَا شَرَطْنَا عَلَيْكُمْ فَإِنْ غَيَّرْتُمْ أَوْ بَدَّلْتُمْ فَذِمَّةُ اللَّهِ ثُمَّ ذِمَّةُ فُلَانٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ بَرِيئَةٌ مِنْكُمْ وَمَنْ غَابَ عَنْ كِتَابِنَا مِمَّنْ أَعْطَيْنَاهُ مَا فِيهِ فَرَضِيَهُ إذَا بَلَغَهُ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ لَازِمَةٌ لَهُ وَلَنَا فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ نَبَذْنَا إلَيْهِ. شُهِدَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةً، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْجِزْيَةِ كَتَبَ فِي أَثَرِ قَوْلِهِ: وَلَا شَيْءَ عَلَيْكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ غَيْرَ الدِّينَارِ فِي السَّنَةِ وَالضِّيَافَةِ عَلَى مَا سَمَّيْنَا فَكُلُّ مَنْ مَرَّ بِهِ مُسْلِمٌ، أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُنْزِلَهُ فِي فَضْلِ مَنَازِلِهِ فِيمَا يُمْكِنُهُ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ لَيْلَةً وَيَوْمًا، أَوْ ثَلَاثًا إنْ شَرَطُوا ثَلَاثًا وَيُطْعِمُهُ مِنْ نَفَقَةِ عَامَّةِ أَهْلِهِ مِثْلَ الْخُبْزِ وَالْخَلِّ وَالْجُبْنِ وَاللَّبَنِ وَالْحِيتَانِ وَاللَّحْمِ وَالْبُقُولِ الْمَطْبُوخَةِ وَيَعْلِفُهُ دَابَّةً وَاحِدَةً تِبْنًا، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي مَكَانِهِ فَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضِيَافَةٌ، وَلَا عَلَفُ دَابَّةٍ وَعَلَى الْوَسَطِ أَنْ يُنْزِلَ كُلَّ مَنْ مَرَّ بِهِ رَجُلَيْنِ وَثَلَاثَةً لَا يَزِيدُ عَلَيْهِمْ وَيَصْنَعُ لَهُمْ مَا وَصَفْت وَعَلَى الْمُوسِعِ أَنْ يُنْزِلَ كُلَّ مَنْ مَرَّ بِهِ مَا بَيْنَ ثَلَاثَةٍ إلَى سِتَّةٍ لَا يَزِيدُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَصْنَعُونَ بِدَوَابِّهِمْ إلَّا مَا وَصَفْت إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُوا لَهُمْ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ قَلَّتْ الْمَارَّةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُفَرِّقُهُمْ وَعَدَلُوا فِي تَفْرِيقِهِمْ. فَإِنْ كَثُرَ الْجَيْشُ حَتَّى لَا يَحْتَمِلَهُمْ مَنَازِلُ أَهْلِ الْغِنَى، وَلَا يَجِدُونَ مَنْزِلًا أَنْزَلَهُمْ أَهْلُ الْحَاجَةِ فِي فَضْلِ مَنَازِلِهِمْ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا فَضْلًا مِنْ مَنَازِلِ أَهْلِ الْحَاجَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ وَيَنْزِلُوا مَنَازِلَهُمْ وَإِذَا كَثُرُوا وَقَلَّ مَنْ يُضَيِّفُهُمْ فَأَيُّهُمْ سَبَقَ إلَى النُّزُولِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ جَاءُوا مَعًا أَقْرَعُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا وَغَلَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ضُيِّفَ الْغَالِبُ، وَلَا ضِيَافَةَ عَلَى أَحَدٍ أَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت، فَإِذَا نَزَلُوا بِقَوْمٍ آخَرِينَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَحْبَبْت أَنْ يَدَعَ الَّذِينَ قَرَوْا الْقِرَى وَيُقْرِيَ الَّذِينَ لَمْ يُقْرُوا، فَإِذَا ضَاقَ عَلَيْهِمْ الْأَمْرُ فَإِنْ لَمْ يُقْرِهِمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ ثَمَنًا لِلْقِرَى، فَإِذَا مَضَى الْقِرَى لَمْ يُؤْخَذُوا بِهِ إذَا سَأَلَهُمْ الْمُسْلِمُونَ، وَلَا يَأْخُذُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ثِمَارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَا أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا عَلَيْهِمْ ضِيَافَةً فَلَا ضِيَافَةَ عَلَيْهِمْ وَأَيُّهُمْ قَالَ أَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا وَصَفْته نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَأَسْلَمَ لَمْ يُقْتَلْ إذَا كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فِعْلًا لَمْ يُقْتَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ إنْ فَعَلَهُ قُتِلَ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا فَيُقْتَلُ بِحَدٍّ، أَوْ قِصَاصٍ لَا نَقْضَ عَهْدٍ، وَإِنْ فَعَلَ مَا وَصَفْنَا وَشَرَطَ أَنَّهُ نَقَضَ لِعَهْدِ الذِّمَّةِ فَلَمْ يُسْلِمْ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: أَتُوبُ وَأُعْطِي الْجِزْيَةَ كَمَا كُنْت أُعْطِيهَا، أَوْ عَلَى صُلْحٍ أُجَدِّدُهُ عُوقِبَ، وَلَمْ يُقْتَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَعَلَ فِعْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِقَتْلٍ، أَوْ قَوَدٍ فَأَمَّا مَا دُونَ هَذَا مِنْ الْفِعْلِ، أَوْ الْقَوْلِ وَكُلُّ قَوْلٍ فَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ، وَلَا يُقْتَلُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ فَعَلَ، أَوْ قَالَ مَا وَصَفْنَا وَشَرَطَ أَنَّهُ يَحِلُّ دَمُهُ فَظَفِرْنَا بِهِ فَامْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَقُولَ أَسْلَمَ، أَوْ أَعْطَى جِزْيَةً قُتِلَ وَأُخِذَ مَالُهُ فَيْئًا. [الصُّلْحُ عَلَى أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] قَالَ: فَكَانَ مَعْقُولًا فِي الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ الْجِزْيَةُ غَيْرَ جَائِزَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا مَعْلُومًا ثُمَّ دَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مِثْلِ مَعْنَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهَا مَعْلُومٌ فَأَمَّا مَا لَمْ يُعْلَمْ أَقَلُّهُ، وَلَا أَكْثَرُهُ، وَلَا كَيْفَ أَخَذَ مَنْ أَخَذَهُ مِنْ الْوُلَاةِ لَهُ، وَلَا مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ فَلَيْسَ فِي مَعْنَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نُوقَفُ عَلَى حَدِّهِ. أَلَا تَرَى إنْ قَالَ: أَهْلُ الْجِزْيَةِ نُعْطِيكُمْ فِي كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ دِرْهَمًا وَقَالَ: الْوَالِي بَلْ آخُذُ مِنْكُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِينَارًا لَمْ يَقُمْ عَلَى أَحَدٍ هَذَا، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَسْتَنَّ فِيهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَأْخُذُ بِأَقَلَّ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَكُونُ لِوَالٍ أَنْ يَقْبَلَ أَقَلَّ مِنْهُ، وَلَا يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مَعْلُومَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَخَذَهَا دِينَارًا وَازْدَادَ فِيهَا ضِيَافَةً فَأَخَذَ مِنْ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا وَمِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ مِثْلَهُ وَأَخَذَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كِسْوَةً وَأَعْلَمَنِي عُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِهَا أَنَّهَا تَتَجَاوَزُ قِيمَةُ دِينَارٍ، وَلَمْ يَجُزْ فِي الْآيَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى كُلِّ بَالِغٍ لَا عَلَى بَعْضِ الْبَالِغِينَ دُونَ بَعْضٍ مِنْ أَهْلِ دِينٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ قَوْمٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى مَعْنَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ بِلَا ثَنْيٍ عَلَيْهِمْ فِيهَا وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ جَازَ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَا مَالَ لَهُ تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ مِنْ عُرُوضٍ وَدُورٍ كَغَلَّةٍ وَغَيْرِهَا فَيَكُونُونَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا مُقِرِّينَ عَلَى دِينِهِمْ بِلَا جِزْيَةٍ، وَلَمْ يُبَحْ هَذَا لَنَا، وَلَا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ رِجَالِهِمْ خَلِيًّا مِنْ الْجِزْيَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْجِزْيَةِ عَلَى مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ تَضْعِيفَ صَدَقَةٍ، أَوْ عُشْرٍ أَوْ رُبْعٍ، أَوْ نِصْفٍ، أَوْ نِصْفِ أَمْوَالِهِمْ أَوْ أَثْلَاثِهَا، أَوْ ثِنْيٍ أَنْ يُقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ مِنْكُمْ مَالٌ أَخَذَ مِنْهُ مَا شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ وَشَرَطُوا لَهُ مَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي السَّنَةِ تَكُونُ قِيمَتُهُ دِينَارًا أَوْ أَكْثَرَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَجِبُ فِيهِ مَا شَرَطَ، أَوْ هُوَ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ دِينَارٍ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ، أَوْ تَمَامُ دِينَارٍ، وَإِنَّمَا اخْتَرْت هَذَا أَنَّهَا جِزْيَةٌ مَعْلُومَةُ الْأَقَلِّ وَأَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ خَلِيٌّ مِنْهَا قَالَ: وَلَا يَفْسُدُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَتَرَاضَيَانِ بِهِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَيَفْسُدُ بِمَا تَفْسُدُ بِهِ الْبُيُوعُ كَمَا لَمْ يَفْسُدْ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ الضِّيَافَةَ، وَقَدْ تَتَابَعَ عَلَيْهِمْ فَتَلْزَمُهُمْ وَتَغِبُّ فَلَا تَلْزَمُهُمْ بِإِغْبَابِهَا شَيْءٌ. قَالَ وَلَعَلَّ عُمَرَ أَنْ يَكُونَ صَالَحَ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ عَلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ وَأَدْخَلَ هَذَا الشَّرْطَ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَ عَنْهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَبَى أَنْ يُقِرَّ الْعَرَبُ إلَّا عَلَى الْجِزْيَةِ فَأَنِفُوا مِنْهَا، وَقَالُوا تَأْخُذُهَا مِنَّا عَلَى مَعْنَى الصَّدَقَةِ مُضَعَّفَةً كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْعَرَبِ الْمُسْلِمِينَ فَأَبَى فَلَحِقَتْ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ بِالرُّومِ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَأَجَابَهُمْ إلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ فَصَالَحَهُ مَنْ بَقِيَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت مِنْ الثَّنِيِّ. [كِتَابُ الْجِزْيَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ] ْ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ كِتَابًا عَلَى الْجِزْيَةِ بِشَرْطِ مَعْنَى الصَّدَقَةِ كَتَبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ عَبْدُ اللَّهِ فُلَانٌ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ النَّصْرَانِيِّ مِنْ بَنِي فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ كَذَا وَأَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ كَذَا أَنَّك سَأَلْتنِي لِنَفْسِك وَأَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ كَذَا أَنْ أَعْقِدَ لَك وَلَهُمْ عَلَيَّ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا يُعْقَدُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ عَلَى مَا شَرَطْت عَلَيْك وَعَلَيْهِمْ وَلَك وَلَهُمْ فَأَجَبْتُك إلَى مَا سَأَلْت لَكُمْ وَلِمَنْ رَضِيَ مَا عَقَدْت مِنْ أَهْلِ بَلَدِ كَذَا عَلَى مَا شَرَطْنَا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَذَلِكَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا حُكْمُ خِلَافِهِ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ الِامْتِنَاعُ مِمَّا رَأَيْنَاهُ لَازِمًا لَهُ فِيهِ وَلَا مُجَاوَزًا بِهِ ثُمَّ يُجْرِي الْكِتَابَ عَلَى مِثْلِ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ لِأَهْلِ الْجِزْيَةِ الَّتِي هِيَ ضَرِيبَةٌ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ فَإِذَا انْتَهَى إلَى مَوْضِعِ الْجِزْيَةِ كَتَبَ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ مِنْكُمْ إبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ أَوْ كَانَ ذَا زَرْعٍ أَوْ عَيْنِ مَالٍ أَوْ تَمْرٍ يَرَى فِيهِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ مِنْهُمْ فِيهِ الصَّدَقَةُ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ مِنْهُ الصَّدَقَةُ مُضَعَّفَةً وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ غَنَمُهُ أَرْبَعِينَ فَتُؤْخَذَ مِنْهُ فِيهَا شَاتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً أُخِذَتْ فِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَإِذَا زَادَتْ شَاةٌ عَلَى مِائَتَيْنِ أُخِذَتْ فِيهَا سِتُّ شِيَاهٍ إلَى أَنْ تَبْلُغَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ أُخِذَ فِيهَا ثَمَانُ شِيَاهٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً ثُمَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مِائَةٍ مِنْهَا شَاتَانِ وَمِنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا بَقَرٍ فَبَلَغَتْ بَقَرُهُ ثَلَاثِينَ فَعَلَيْهِ فِيهَا تَبِيعَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَعَلَيْهِ فِيهَا مُسِنَّتَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا إلَى ثَمَانِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ مُسِنَّاتٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعِينَ. فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا سِتَّةُ أَتْبِعَةٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فِيهَا مُسِنَّتَانِ وَأَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فِيهَا أَرْبَعُ مُسِنَّاتٍ وَتَبِيعَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فِيهَا سِتُّ مُسِنَّاتٍ ثُمَّ يُجْرِي الْكِتَابَ بِصَدَقَةِ الْبَقَرِ مُضَعَّفَةً ثُمَّ يَكْتُبُ فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ إبِلٌ فَلَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فِيهَا شَاتَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فِيهَا سِتُّ شِيَاهٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فِيهَا ثَمَانُ شِيَاهٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فِيهَا ابْنَتَا مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ابْنَتَا مَخَاضٍ فَابْنَا لَبُونٍ ذَكَرَانِ. وَإِنْ كَانَتْ لَهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ وَاحِدَةٌ وَابْنُ لَبُونٍ وَاحِدٌ أُخِذَتْ بِنْتُ الْمَخَاضِ وَابْنُ اللَّبُونِ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ إحْدَى وَسِتِّينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا جَذَعَتَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ سِتًّا وَسَبْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ إحْدَى وَتِسْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ حَقَائِقَ ثُمَّ ذَلِكَ فَرْضُهَا حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ طَرَحَ هَذَا وَعُدَّتْ فَكَانَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنْهَا ابْنَتَا لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ مُبَاحًا وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي مَالِ مَنْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ مِنْ الْإِبِلِ السِّنُّ الَّتِي شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ تُؤْخَذَ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَصَاعِدًا فَجَاءَ بِهَا قُبِلَتْ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا فَالْخِيَارُ إلَى الْإِمَامِ بِأَنْ يَأْخُذَ السِّنَّ الَّتِي دُونَهَا وَيُغَرِّمُهُ فِي كُلِّ بَعِيرٍ لَزِمَهُ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَيَّهُمَا شَاءَ الْإِمَامُ أَخَذَهُ بِهِ وَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ أَخَذَ السِّنَّ الَّتِي فَوْقَهَا وَرَدَّ إلَيْهِ فِي كُلِّ بَعِيرٍ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَيَّهُمَا شَاءَ الْإِمَامُ فَعَلَ وَأَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَإِذَا اخْتَارَ الْإِمَامُ أَنْ يَأْخُذَ السِّنَّ الْعُلْيَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْإِمَامُ الْفَضْلَ أَعْطَاهُ الْإِمَامُ أَيَّهُمَا كَانَ أَيْسَرَ نَقْدًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا اخْتَارَ أَنْ يَأْخُذَ السِّنَّ الْأَدْنَى وَيَغْرَمَ لَهُ صَاحِبُ الْإِبِلِ فَالْخِيَارُ إلَى صَاحِبِ الْإِبِلِ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ شَاتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ ذَا زَرْعٍ يَقْتَاتُ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ ذُرَةٍ أَوْ دُخْنٍ أَوْ أَرُزٍّ أَوْ قُطْنِيَّةٍ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ فِيهِ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ زَرْعُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ يَصِفُ الْوَسْقَ فِي كِتَابِهِ بِمِكْيَالٍ يَعْرِفُونَهُ فَإِذَا بَلَغَهَا زَرْعُهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْقَى بِغَرْبٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْقَى بِنَهْرٍ أَوْ سَيْحٍ أَوْ عَيْنِ مَاءٍ أَوْ نِيلٍ فَفِيهِ الْخُمُسُ. وَمِنْ كَانَ مِنْهُمْ ذَا ذَهَبٍ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ ذَهَبُهُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَعَلَيْهِ فِيهَا دِينَارٌ نِصْفُ الْعُشْرِ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ. وَمَنْ كَانَ ذَا وَرِقٍ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فِي وَرِقِهِ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَزْنَ سَبْعَةٍ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ فِيهَا نِصْفُ الْعُشْرِ ثُمَّ مَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ، وَعَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ رِكَازًا فَعَلَيْهِ خُمُسَاهُ، وَعَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ بَالِغًا مِنْكُمْ دَاخِلًا فِي الصُّلْحِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عِنْدَ الْحَوْلِ يَجِبُ عَلَى مُسْلِمٍ لَوْ كَانَ لَهُ فِيهِ زَكَاةٌ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَجِبُ فِيهِ عَلَى مُسْلِمٍ لَوْ كَانَ لَهُ الزَّكَاةُ فَأَخَذْنَا مِنْهُ مَا شَرَطْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ قِيمَةَ مَا أَخَذْنَا مِنْهُ دِينَارًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْنَا دِينَارًا إنْ لَمْ نَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا وَتَمَامَ دِينَارٍ إنْ نَقَصَ مَا أَخَذْنَا مِنْهُ عَنْ قِيمَةِ دِينَارٍ وَعَلَى أَنَّ مَا صَالَحْتُمُونَا عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ مَنْ بَلَغَ غَيْرَ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْكُمْ عَلَى بَالِغٍ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ. قَالَ: ثُمَّ يُجْرِي الْكِتَابَ كَمَا أَجْرَيْت الْكِتَابَ قَبْلَهُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى آخِرِهِ وَإِنْ شَرَطْت عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ قِيمَةَ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ كَتَبْتَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ كَانَ أَوْ أَكْثَرَ وَإِذَا شَرَطْتَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةً كَتَبْتهَا عَلَى مَا وَصَفْت عَلَيْهِمْ فِي الْكِتَابِ قَبْلَهُ وَإِنْ أَجَابُوك إلَى أَكْثَرَ مِنْهَا فَاجْعَلْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا بَأْسَ فِيهِمْ وَفِيمَنْ وَقَّتَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى الْفَقِيرِ مِنْهُمْ كَذَا وَلَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ وَمَنْ جَاوَزَ الْفَقْرَ كَذَا لِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْهُ وَمَنْ دَخَلَ فِي الْغِنَى كَذَا لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَيَسْتَوُونَ إذَا أُخِذَتْ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ هُمْ وَجَمِيعُ مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ فِيمَا شُرِطَتْ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ وَمَا يَجْرِي مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ عَلَى كُلٍّ، وَإِذَا شَرَطَ عَلَى قَوْمٍ أَنَّ عَلَى فَقِيركُمْ دِينَارًا وَعَلَى مَنْ جَاوَزَ الْفَقْرَ وَلَمْ يُلْحِقْ بِغَنِيٍّ مَشْهُورٍ دِينَارَيْنِ وَعَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغِنَى الْمَشْهُورِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ جَازَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنُهُ فَيَقُولَ وَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْفَقْرِ وَالْغِنَى يَوْمَ تَحِلُّ الْجِزْيَةُ لَا يَوْمَ عَقْدِ الْكِتَابِ، فَإِذَا صَالَحَهُمْ عَلَى هَذَا فَاخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَمَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ فَقَالَ الْإِمَامُ لِأَحَدِهِمْ أَنْتَ غَنِيٌّ مَشْهُورُ الْغِنَى وَقَالَ بَلْ أَنَا فَقِيرٌ أَوْ وَسَطٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ غَيْرُ مَا قَالَ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَنِيٌّ لِأَنَّهُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ، وَإِذَا صَالَحَهُمْ عَلَى هَذَا فَجَاءَ الْحَوْلُ وَرَجُلٌ فَقِيرٌ فَلَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ جِزْيَتُهُ حَتَّى يُوسِرَ يُسْرًا مَشْهُورًا أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ دِينَارًا عَلَى الْفَقْرِ لِأَنَّ الْفَقْرَ حَالُهُ يَوْمَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ مَشْهُورُ الْغِنَى فَلَمْ تُؤْخَذْ جِزْيَتُهُ حَتَّى افْتَقَرَ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ عَلَى حَالِهِ يَوْمَ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ لَهُ إلَّا تِلْكَ الْأَرْبَعَةُ الدَّنَانِيرِ فَإِنْ أَعْسَرَ بِبَعْضِهَا أُخِذَ مِنْهُ مَا وُجِدَ لَهُ مِنْهَا وَاتُّبِعَ بِمَا بَقِيَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَأُخِذَتْ جِزْيَتُهُ مَا كَانَ فَقِيرًا فِيمَا اسْتَأْنَفَ دِينَارًا لِكُلِّ سَنَةٍ عَلَى الْفَقْرِ وَلَوْ كَانَ فِي الْحَوْلِ مَشْهُورَ الْغِنَى حَتَّى إذَا كَانَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ افْتَقَرَ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ فِي عَامِهِ ذَلِكَ جِزْيَةَ فَقِيرٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي حَوْلِهِ فَقِيرًا فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ صَارَ مَشْهُورًا بِالْغِنَى أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ جِزْيَةَ غَنِيٍّ. [الضِّيَافَةُ مَعَ الْجِزْيَةِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : لَسْت أُثْبِتُ مَنْ جَعَلَ عُمَرَ عَلَيْهِ الضِّيَافَةَ ثَلَاثًا وَلَا مَنْ جَعَلَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَا مَنْ جَعَلَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ وَلَمْ يُسَمِّ عَلَيْهِ ضِيَافَةً بِخَبَرِ عَامَّةٍ وَلَا خَاصَّةٍ يَثْبُتُ وَلَا أَحَدِ الَّذِينَ وَلُوا الصُّلْحَ عَلَيْهَا بِأَعْيَانِهِمْ لِأَنَّهُمْ قَدْ مَاتُوا كُلُّهُمْ وَأَيُّ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْيَوْمَ أَقَرُّوا أَوْ قَامَتْ عَلَى أَسْلَافِهِمْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ صُلْحَهُمْ كَانَ عَلَى ضِيَافَةٍ مَعْلُومَةٍ وَأَنَّهُمْ رَضُوهَا بِأَعْيَانِهِمْ أُلْزِمُوهَا وَلَا يَكُونُ رِضَاهُمْ الَّذِي أُلْزِمُوهُ إلَّا بِأَنْ يَقُولُوا صَالَحَنَا عَلَى أَنْ نُعْطِيَ كَذَا وَنُضَيِّفَ كَذَا وَإِنْ قَالُوا أَضَفْنَا تَطَوُّعًا بِلَا صُلْحٍ لَمْ أُلْزِمْهُمُوهُ وَأُحَلِّفْهُمْ مَا ضَيَّفُوا عَلَى إقْرَارٍ بِصُلْحٍ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَوْا كَثِيرًا أَحَلَفْتهمْ مَا أَعْطَوْهُ عَلَى إقْرَارٍ بِصُلْحٍ فَإِذَا حَلَفُوا جَعَلْتُهُمْ كَقَوْمٍ ابْتَدَأْت أَمْرَهُمْ الْآنَ فَإِنْ أَعْطَوْا أَقَلَّ الْجِزْيَةِ وَهُوَ دِينَارٌ قَبِلْته وَإِنْ أَبَوْا نَبَذْت إلَيْهِمْ وَحَارَبْتهمْ وَأَيُّهُمْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فِي صُلْحِهِ وَأَنْكَرَهُ مِنْهُمْ غَيْرُهُ أَلْزَمْته مَا أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ أَجْعَلْ إقْرَارَهُ لَازِمًا لِغَيْرِهِ إلَّا بِأَنْ يَقُولُوا صَلَحْنَا عَلَى أَنْ نُعْطِيَ كَذَا وَنُضَيِّفَ كَذَا فَأَمَّا إذَا قَالُوا أَضَفْنَا تَطَوُّعًا بِلَا صُلْحٍ فَلَا أُلْزِمُهُمُوهُ قَالَ وَيَأْخُذُهُمْ الْإِمَامُ بِعِلْمِهِ وَإِقْرَارِهِمْ وَبِالْبَيِّنَةِ إنْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا نُجِيزُ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَكَذَلِكَ نَصْنَعُ فِي كُلِّ أَمْرٍ غَيْرِ مُؤَقَّتٍ مِمَّا صَالَحُوا عَلَيْهِ وَفِي كُلِّ مُؤَقَّتٍ لَمْ يَعْرِفْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ وَإِذَا أَقَرَّ قَوْمٌ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ يَجُوزُ لِلْوَالِي أَخْذُهُ أُلْزِمُهُمُوهُ مَا حَيُوا وَأَقَامُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِذَا صَالَحُوا عَلَى شَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَمْتَنِعُوا إلَّا مِنْ أَدَاءِ دِينَارٍ أَلْزَمَهُمْ مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ كَامِلًا فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْهُ حَارَبَهُمْ فَإِنْ دَعَوْا قَبْلَ أَنْ يُظْهَرَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ إلَى أَنْ يُعْطُوا الْإِمَامَ الْجِزْيَةَ دِينَارًا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُمْ وَجَعَلَهُمْ كَقَوْمٍ ابْتَدَأَ مُحَارَبَتَهُمْ فَدَعَوْهُ إلَى الْجِزْيَةِ أَوْ قَوْمٍ دَعَوْهُ إلَى الْجِزْيَةِ بِلَا حَرْبٍ فَإِذَا أَقَرَّ مِنْهُمْ قَرْنٌ بِشَيْءٍ صَالَحُوا عَلَيْهِ أَلْزَمَهُمُوهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ غَائِبٌ لَمْ يَحْضُرْ لَمْ يُلْزِمْهُ وَإِذَا حَضَرَ أَلْزَمَ مَا أَقَرَّ بِهِ مِمَّا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ وَإِذَا نَشَأَ أَبْنَاؤُهُمْ فَبَلَغُوا الْحُلُمَ أَوْ اسْتَكْمَلُوا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُقِرُّوا بِمَا أَقَرَّ بِهِ آبَاؤُهُمْ قِيلَ إنْ أَدَّيْتُمْ الْجِزْيَةَ وَإِلَّا حَارَبْنَاكُمْ فَإِنْ عَرَضُوا أَقَلَّ الْجِزْيَةِ وَقَدْ أَعْطَى آبَاؤُهُمْ أَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نُقَاتِلَهُمْ إذَا أَعْطَوْا أَقَلَّ الْجِزْيَةِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا أَنْ يُعْطُونَا أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِينَا آبَاؤُهُمْ وَلَا يَكُونُ صُلْحُ الْآبَاءِ صُلْحًا عَلَى الْأَبْنَاءِ إلَّا مَا كَانُوا صِغَارًا لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ أَوْ نِسَاءً لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِنَّ أَوْ مَعْتُوهِينَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَجُزْ لَنَا إقْرَارُهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَّا عَلَى أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ صُلْحُ أَبِيهِ وَلَا غَيْرِهِ صُلْحًا عَنْهُ إلَّا بِرِضَاهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَمَنْ كَانَ سَفِيهًا بَالِغًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ مِنْهُمْ صَالَحَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَمْرِ وَلِيِّهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَلِيُّهُ وَهُوَ مَعًا حُورِبَ فَإِنْ غَابَ وَلِيُّهُ جَعَلَ لَهُ السُّلْطَانُ وَلِيًّا يُصَالِحُ عَنْهُ فَإِنْ أَبَى الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ الصُّلْحَ حَارَبَهُ وَإِنْ أَبَى وَلِيُّهُ وَقَبِلَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ جُبِرَ وَلِيُّهُ أَنْ يَدْفَعَ الْجِزْيَةَ عَنْهُ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ إذَا أَقَرَّ بِهَا لِأَنَّهَا مِنْ مَعْنَى النَّظَرِ لَهُ لِئَلَّا يُقْتَلَ وَيُؤْخَذَ مَالُهُ فَيْئًا وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا وَكَانَ مَنْ صَالَحَهُمْ مِمَّنْ مَضَى الْأَئِمَّةُ بِأَعْيَانِهِمْ قَدْ مَاتُوا فَحَقُّ الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ أُمَنَاءَ فَيَجْمَعُونَ الْبَالِغِينَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي كُلِّ بَلَدٍ ثُمَّ يَسْأَلُونَهُمْ عَنْ صُلْحِهِمْ فَمَا أَقَرُّوا بِهِ مِمَّا هُوَ أَزْيَدُ مِنْ أَقَلِّ الْجِزْيَةِ قَبْلَهُ مِنْهُمْ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِمْ بَيِّنَةٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ مَا لَمْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ فَيُلْزِمُهُ مِنْهُمْ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَيُسْأَلُ عَمَّنْ نَشَأَ مِنْهُمْ فَمَنْ بَلَغَ عَرَضَ عَلَيْهِ قَبُولَ مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ قَبِلَهُ مِنْهُ وَإِنْ امْتَنَعَ إلَّا مِنْ أَقَلِّ الْجِزْيَةِ قَبِلَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يَجْتَهِدَ بِالْكَلَامِ عَلَى اسْتِزَادَتِهِ وَيَقُولُ هَذَا صُلْحُ أَصْحَابِك فَلَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ وَيَسْتَظْهِرُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِأَصْحَابِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَبَى إلَّا أَقَلَّ الْجِزْيَةِ قَبِلَهُ مِنْهُ فَإِنْ اُتُّهِمَ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَلَغَ وَلَمْ يُقِرَّ عِنْدَهُ بِأَنْ قَدْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ قَدْ احْتَلَمَ وَلَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ مُسْلِمُونَ أَقَلُّ مَنْ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ كَشَفَهُ كَمَا «كَشَفَ رَسُولُ اللَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي قُرَيْظَةَ فَمَنْ أَنْبَتَ قَتَلَهُ» فَإِذَا أَنْبَتَ قَالَ لَهُ إنْ أَدَّيْت الْجِزْيَةَ وَإِلَّا حَارَبْنَاك فَإِنْ قَالَ أَنْبَتَ مِنْ أَنِّي تَعَالَجْت بِشَيْءٍ تَعَجَّلَ إنْبَاتَ الشَّعْرِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَقُومَ شَاهِدَانِ مُسْلِمَانِ عَلَى مِيلَادِهِ فَيَكُونَ لَمْ يَسْتَكْمِلْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَيَدَعْهُ، وَلَا يَقْبَلُ لَهُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ شَهَادَةَ غَيْرِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَحِلَاهُمْ فِي الدِّيوَانِ وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمْ وَيُحَلَّفُ عُرَفَاؤُهُمْ لَا يَبْلُغُ مِنْهُمْ مَوْلُودٌ إلَّا رَفَعَهُ إلَى وَالِيهِ عَلَيْهِمْ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ إلَّا رَفَعُوا إلَيْهِ فَكُلَّمَا دَخَلَ فِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صُلْحٌ وَكَانَ مِمَّنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ فَعَلَ بِهِ كَمَا وَصَفْت فِيمَنْ فَعَلَ وَكُلَّمَا بَلَغَ مِنْهُمْ بَالِغٌ فَعَلَ بِهِ مَا وَصَفْت. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِنْ دَخَلَ مَنْ لَهُ صُلْحٌ أَلْزَمْته صُلْحَهُ وَمَتَى أُخِذَ مِنْهُ صُلْحُهُ رَفَعَ عَنْهُ أَنْ تُؤْخَذَ عَنْهُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ فَإِنْ كَانَ صَالَحَ عَلَى دِينَارٍ وَقَدْ كَانَ لَهُ صُلْحٌ قَبْلَهُ عَلَى أَكْثَرَ أُخِذَ مِنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْفَضْلِ عَلَى الدِّينَارِ لِأَنَّهُ صَالَحَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ صُلْحُهُ الْأُوَلُ عَلَى دِينَارٍ بِبَلَدِهِ ثُمَّ صَالَحَ بِبَلَدِ غَيْرِهِ عَلَى دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ قِيلَ لَهُ إنْ شِئْت رَدَدْنَا عَلَيْك الْفَضْلَ عَمَّا صَالَحْت عَلَيْهِ أَوَّلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقَضَ الْعَهْدَ ثُمَّ أَحْدَثَ صُلْحًا فَيَكُونَ صُلْحُهُ الْآخَرُ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الصُّلْحِ الْأَوَّلِ وَمَتَى مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ أُخِذَتْ مِنْ مَالِهِ الْجِزْيَةُ بِقَدْرِ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ سَنَتِهِ كَأَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ نِصْفُهَا لَمْ يُؤَدِّهَا يُؤْخَذُ نِصْفُ جِزْيَتِهِ وَإِنْ عَتَهَ رُفِعَ عَنْهُ الْجِزْيَةُ مَا كَانَ مَعْتُوهًا فَإِذَا أَفَاقَ أَخَذْتهَا مِنْهُ مِنْ يَوْمِ أَفَاقَ فَإِنْ جُنَّ فَكَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ وَلَمْ تُرْفَعْ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ هَذَا مِمَّنْ تَجْرِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَكَذَلِكَ إنْ مَرِضَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَيَّامًا ثُمَّ عَادَ إنَّمَا تُرْفَعُ عَنْهُ الْجِزْيَةُ إذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ فَلَمْ يَعُدْ وَأَيُّهُمْ أَسْلَمَ رُفِعَتْ عَنْهُ الْجِزْيَةُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَأُخِذَتْ لِمَا مَضَى وَإِنْ غَابَ فَأَسْلَمَ فَقَالَ أَسْلَمْت مِنْ وَقْتِ كَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِ مَا قَالَ. (قَالَ الرَّبِيعُ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ مِنْ حِينِ غَابَ إلَى أَنْ قَدِمَ فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ مُسْلِمٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ إسْلَامَهُ قَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْنَا بِوَقْتٍ فَيُؤْخَذَ بِالْبَيِّنَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا أَسْلَمَ ثُمَّ تَنَصَّرَ لَمْ يُؤْخَذْ الْجِزْيَةُ وَإِنْ أُخِذَتْ رُدَّتْ وَقِيلَ إنْ أَسْلَمْت وَإِلَّا قُتِلْت وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ قَالَ وَيُبَيِّنُ وَزْنَ الدِّينَارِ وَالدَّنَانِيرُ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَكَذَلِكَ صِفَةُ كُلِّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُهُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ فَمَرَّتْ بِهِ نِصْفُ سَنَةٍ ثُمَّ عَتِهَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ لَمْ يُفِقْ أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةُ نِصْفِ السَّنَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا صَحِيحًا وَمَتَى أَفَاقَ اُسْتُقْبِلَ بِهِ مِنْ يَوْمِ أَفَاقَ سَنَةً ثُمَّ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ صَالَحَ فَلَزِمَهُ الْجِزْيَةُ ثُمَّ عَتِهَ فَسَقَطَتْ عَنْهُ وَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا سَاعَةَ أَفَاقَ قُبِلَتْ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَطِبْ لَمْ يَلْزَمْهَا إلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ وَإِذَا عَتَقَ الْعَبْدُ الْبَالِغُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ أَوْ نُبِذَ إلَيْهِ وَسَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ. [الضِّيَافَةُ فِي الصُّلْحِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا أَقَرَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِضِيَافَةٍ فِي صُلْحِهِمْ وَرَضُوا بِهَا فَعَلَى الْإِمَامِ مَسْأَلَتُهُمْ عَنْهَا وَقَبُولُ مَا قَالُوا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُ مِنْهَا إذَا كَانَتْ زِيَادَةً عَلَى أَقَلِّ الْجِزْيَةِ وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَيْهَا بِحَالٍ حَتَّى تَكُونَ زِيَادَةً عَلَى أَقَلِّ الْجِزْيَةِ فَإِنْ أَقَرُّوا بِأَنْ يُضَيِّفُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ وَقَالُوا مَا حَدَّدْنَا فِي هَذَا حَدًّا أُلْزِمُوا أَنْ يُضَيِّفُوا مِنْ وَسَطِ مَا يَأْكُلُونَ خُبْزًا وَعَصِيدَةً وَإِدَامًا مِنْ زَيْتٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ بُقُولٍ مَطْبُوخَةٍ أَوْ حِيتَانٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِهِ أَيُّ هَذَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ وَإِذَا أَقَرُّوا بِعَلَفِ دَوَابَّ وَلَمْ يُحَدِّدُوا شَيْئًا عَلَفُوا التِّبْنَ وَالْحَشِيشَ مِمَّا تَحُشَّاهُ الدَّوَابُّ وَلَا يُبَيِّنُ أَنْ يُلْزَمُوا حَبًّا لِدَوَابَّ وَلَا مَا جَاوَزَ أَقَلَّ مَا تَعْلِفُهُ الدَّوَابُّ إلَّا بِإِقْرَارِهِمْ وَلَا يَجُوزُ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الرَّجُلِ مِنْهُمْ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ضِيَافَةٌ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ احْتَمَلَ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَإِنْ أَيْسَرَ إلَّا بِإِقْرَارِهِمْ وَيُؤْخَذُ بِأَنْ يُنَزِّلَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُضَيِّفُهُمْ حَيْثُ يَشَاءُ مِنْ مَنَازِلِهِ الَّتِي يَنْزِلُهَا السُّفَرُ الَّتِي تَكُنْ مِنْ مَطَرٍ وَبَرْدٍ وَحَرٍّ وَإِنْ لَمْ يُقِرُّوا بِهَذَا فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُبَيِّنَ إذَا صَالَحَهُمْ كَيْفَ يُضَيِّفُ الْمُوسِرَ الَّذِي بَلَغَ يُسْرُهُ كَذَا وَيَصِفُ مَا يُضَيِّفُ مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ وَعَدَدِ مَنْ يُضَيِّفُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى الْوَسَطِ الَّذِي يَبْلُغُ مَالُهُ عَدَدَ كَذَا مِنْ الْأَصْنَافِ وَعَلَى مَنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ عَنْ نَفْعِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ عَدَدَ كَذَا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَمَنَازِلُهُمْ وَمَا يُقْرِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِيَكُونَ ذَلِكَ مَعْلُومًا إذَا نَزَلَ بِهِمْ الْجُمُوعُ وَمَرَّتْ الْجُيُوشُ فَيُؤْخَذُونَ بِهِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ كُلُّهُ مُدَوَّنًا مَشْهُودًا عَلَيْهِ بِهِ لِيَأْخُذَهُ مَنْ وَلِيَهُمْ مِنْ وُلَاتِهِ بَعْدَهُ وَيَكْتُبُ فِي كِتَابِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مُعْسِرًا فَرَجَعَ إلَى مَالِهِ حَتَّى يَكُونَ مُوسِرًا نُقِلَ إلَى ضِيَافَةِ الْمَيَاسِيرِ. [الصُّلْحُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَدَعَ الْوَالِي أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي صُلْحٍ إلَّا مَكْشُوفًا مَشْهُودًا عَلَيْهِ وَأُحِبُّ أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَمَّا صَالَحُوا عَلَيْهِ مِمَّا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إذَا اخْتَلَفُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَنْكَرَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ أَنْ تَكُونَ صَالَحَتْ عَلَى شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْهَا سِوَى الْجِزْيَةِ لَمْ يُلْزِمْهَا مَا أَنْكَرَتْ وَعَرَضَ عَلَيْهَا إحْدَى خَصْلَتَيْنِ أَنْ لَا تَأْتِيَ الْحِجَازَ بِحَالٍ أَوْ تَأْتِيَ الْحِجَازَ عَلَى أَنَّهَا مَتَى أَتَتْ الْحِجَازَ أَخَذَ مِنْهَا مَا صَالَحَهَا عَلَيْهِ عُمَرُ وَزِيَادَةً إنْ رَضِيَتْ بِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا تَأْتِي الْحِجَازَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْلَاهَا مِنْ الْحِجَازِ وَقُلْنَا تَأْتِيهِ عَلَى مَا أَخَذَ عُمَرُ أَنْ لَيْسَ فِي إجْلَائِهَا مِنْ الْحِجَازِ أَمْرٌ يُبَيِّنُ أَنْ يَحْرُمَ أَنْ تَأْتِيَ الْحِجَازَ مُنْتَابَةً وَإِنْ رَضِيَتْ بِإِتْيَانِ الْحِجَازِ عَلَى شَيْءٍ مِثْلِ مَا أَخَذَ عُمَرُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَأْتِيَهُ مُنْتَابَةً لَا تُقِيمُ بِبَلَدٍ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فَإِنْ لَمْ تَرْضَ مَنَعَهَا مِنْهُ وَإِنْ دَخَلَتْهُ بِلَا إذْنٍ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ مَالِهَا شَيْءٌ وَأَخْرَجَهَا مِنْهُ وَعَاقَبَهَا إنْ عَلِمَتْ مَنْعَهُ إيَّاهَا وَلَمْ يُعَاقِبْهَا إنْ لَمْ تَعْلَمْ مَنْعَهُ إيَّاهَا وَتَقَدَّمَ إلَيْهَا فَإِنْ عَادَتْ عَاقَبَهَا وَيَقْدَمُ إلَى وُلَاتِهِ أَنْ لَا يُجِيزُوا بِلَادَ الْحِجَازِ إلَّا بِالرِّضَا وَالْإِقْرَارِ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ مَا أَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنْ زَادُوهُ عَلَيْهَا شَيْئًا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ فَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ عَرَضُوا عَلَيْهِ أَقَلَّ مِنْهُ لَمْ أُحِبَّ أَنْ يَقْبَلَهُ. وَإِنْ قَبِلَهُ لِخَلَّةٍ بِالْمُسْلِمِينَ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْرُمْ أَنْ يَأْتُوا الْحِجَازَ مُجْتَازِينَ لَمْ يَحِلَّ إتْيَانُهُمْ الْحِجَازَ كَثِيرٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَيُحَرِّمُهُ قَلِيلٌ وَإِذَا قَالُوا نَأْتِيهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلْوَالِي وَلَا لَهُمْ وَيَجْتَهِدُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ بَلَدٍ انْتَابُوهُ فَإِنْ مُنِعُوا مِنْهُ فِي الْبُلْدَانِ فَلَا يَبِينُ لِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُمْ بَلَدًا غَيْرَ الْحِجَازِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَإِنْ اتَّجَرُوا فِي بَلَدٍ غَيْرِ الْحِجَازِ شَيْئًا وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ فِي مَكَّةَ بِحَالٍ وَإِنْ أَتَوْهَا عَلَى الْحِجَازِ أَخَذَ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ جَاءُوهَا عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ شَيْئًا وَعَاقَبَهُمْ إنْ عَلِمُوا نَهْيَهُ عَنْ إتْيَانِ مَكَّةَ وَلَمْ يُعَاقِبْهُمْ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْتَدِئَ صُلْحَهُمْ عَلَى الْبَيَانِ مِنْ جَمِيعِ مَا وَصَفْت ثُمَّ يُلْزِمَهُمْ مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَإِنْ أَغْفَلَهُمْ مَنَعَهُمْ الْحِجَازَ كُلَّهُ فَإِنْ دَخَلُوهُ بِغَيْرِ صُلْحٍ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ شَيْئًا وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ يَمْنَعَهُمْ غَيْرَ الْحِجَازِ مِنْ الْبُلْدَانِ قَالَ وَلَا أَحْسَبُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَلَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُمْ إلَّا عَنْ رِضًا مِنْهُمْ بِمَا أَخَذَ مِنْهُمْ فَأَخَذَهُ مِنْهُمْ كَمَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَلْزَمَهُمُوهُ بِغَيْرِ رِضًا مِنْهُمْ فَلَا أَحْسَبُهُ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْحَرْبِ يَمْنَعُونَ الْإِتْيَانَ إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ بِتِجَارَةٍ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا بِصُلْحٍ فَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ جَازَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَإِنْ دَخَلُوا بِأَمَانٍ وَغَيْرِ صُلْحٍ مُقِرِّينَ بِهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَرُدُّوا إلَى مَأْمَنِهِمْ إلَّا أَنْ يَقُولُوا إنَّمَا دَخَلْنَا عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنَّا، فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَإِنْ دَخَلُوا بِغَيْرِ أَمَانٍ غَنِمُوا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ دَعْوَى أَمَانٍ وَلَا رِسَالَةٍ كَانُوا فَيْئًا وَقُتِلَ رِجَالُهُمْ إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ قَبْلَ أَنْ نَظْفَرَ بِهِمْ إنْ كَانُوا مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَإِنْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَلَدًا أَوْ دَخَلَهَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ فَأَدَّى عَنْ مَالِهِ شَيْئًا ثُمَّ دَخَلَ بَعْدُ لَمْ يُؤْخَذْ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا بِأَنْ يُصَالِحَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ يَرْضَى بِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَأَمَّا الرُّسُلُ وَمَنْ ارْتَادَ الْإِسْلَامَ فَلَا يُمْنَعُونَ الْحِجَازَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] وَإِنْ أَرَادَ أَحَدٌ مِنْ الرُّسُلِ الْإِمَامَ وَهُوَ بِالْحَرَمِ فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ وَلَا يُدْخِلْهُ الْحَرَمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُغْنِي الْإِمَامَ فِيهِ الرِّسَالَةُ وَالْجَوَابُ فَيَكْتَفِيَ بِهِمَا، فَلَا يُتْرَكُ يَدْخُلُ الْحَرَمَ بِحَالٍ. [ذِكْرُ مَا أَخَذَ عُمَرُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ] ذِكْرُ مَا أَخَذَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَأْخُذُ مِنْ النَّبَطِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ نِصْفَ الْعُشْرِ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُكْثِرَ الْحِمْلَ إلَى الْمَدِينَةِ وَيَأْخُذُ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ الْعُشْرَ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ كُنْت عَامِلًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ النَّبَطِ الْعُشْرَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : لَعَلَّ السَّائِبَ حَكَى أَمْرَ عُمَرَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ النَّبَطِ الْعُشْرَ فِي الْقُطْنِيَّةِ كَمَا حَكَى سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ فَلَا يَكُونَانِ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ يَكُونُ السَّائِبُ حَكَى الْعُشْرَ فِي وَقْتٍ فَيَكُونُ أَخَذَ مِنْهُمْ مَرَّةً فِي الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ عُشْرًا وَمَرَّةً نِصْفَ الْعُشْرِ وَلَعَلَّهُ كُلَّهُ بِصُلْحٍ يُحْدِثُهُ فِي وَقْتٍ بِرِضَاهُ وَرِضَاهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : لَسْت أَحْسَبُ عُمَرَ أَخَذَ مَا أَخَذَ مِنْ النَّبَطِ إلَّا عَنْ شَرْطٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كَشَرْطِ الْجِزْيَةِ وَكَذَلِكَ أَحْسَبُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَرَ بِالْأَخْذِ مِنْهُمْ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ شَيْئًا إلَّا عَنْ صُلْحٍ وَلَا يُتْرَكُونَ يَدْخُلُونَ الْحِجَازَ إلَّا بِصُلْحٍ وَيُحَدِّدُ الْإِمَامُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي تِجَارَاتِهِمْ وَجَمِيعِ مَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَمْرًا يُبَيِّنُ لَهُمْ وَلِلْعَامَّةِ لِيَأْخُذَهُمْ بِهِ الْوُلَاةُ غَيْرُهُ، وَلَا يُتْرَكُ أَهْلُ الْحَرْبِ يَدْخُلُونَ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ تُجَّارًا فَإِنْ دَخَلُوا بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلَا رِسَالَةٍ غَنِمُوا وَإِنْ دَخَلُوا بِأَمَانٍ وَشَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ عُشْرًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ أَخَذَ مِنْهُمْ فَإِنْ دَخَلُوا بِلَا أَمَانٍ وَلَا شَرْطٍ رُدُّوا إلَى مَأْمَنِهِمْ وَلَمْ يُتْرَكُوا يَمْضُونَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ وَقَدْ عَقَدَ لَهُمْ الْأَمَانَ إلَّا عَنْ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ عَقَدَ لَهُمْ الْأَمَانَ عَلَى دِمَائِهِمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْءٌ إنْ دَخَلُوا بِأَمْوَالٍ إلَّا بِشَرْطٍ عَلَى أَمْوَالِهِمْ أَوْ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَسَوَاءٌ كَانَ أَهْلُ الْحَرْبِ بَيْنَ قَوْمٍ يَعْشُرُونَ الْمُسْلِمِينَ إنْ دَخَلُوا بِلَادَهُمْ أَوْ يَخْمِسُونَهُمْ لَا يَعْرِضُونَ لَهُمْ فِي أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَّا عَنْ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ أَوْ صُلْحٍ يَتَقَدَّمُ مِنْهُمْ أَوْ يُؤْخَذُ غَنِيمَةً أَوْ فَيْئًا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَا يَأْمَنُونَ بِهِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذِنَ بِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ غَنِيمَةً وَفَيْئًا وَكَذَلِكَ الْجِزْيَةُ فِيمَا أَعْطَوْهَا أَيْضًا طَائِعِينَ وَحَرَّمَ أَمْوَالَهُمْ بِعَقْدِ الْأَمَانِ لَهُمْ وَلَا يُؤْخَذُ إذَا أَمِنُوا إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ بِالشَّرْطِ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ بِهِ وَغَيْرِهِ فَيَحِلُّ بِهِ أَمْوَالُهُمْ. [تَحْدِيدُ الْإِمَامِ مَا يَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْأَمْصَارِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُحَدِّدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَمِيعَ مَا يُعْطِيهِمْ وَيَأْخُذَ مِنْهُمْ وَيَرَى أَنَّهُ يَنُوبُهُ وَيَنُوبُ النَّاسِ مِنْهُمْ فَيُسَمِّي الْجِزْيَةَ وَأَنْ يُؤَدِّيَهَا عَلَى مَا وَصَفْت وَيُسَمِّيَ شَهْرًا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِيهِ وَعَلَى أَنْ يُجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمَ الْإِسْلَامِ إذَا طَلَبَهُمْ بِهِ طَالِبٌ أَوْ أَظْهَرُوا ظُلْمًا لِأَحَدٍ وَعَلَى أَنْ لَا يَذْكُرُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَلَا يَطْعَنُوا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَعِيبُوا مِنْ حُكْمِهِ شَيْئًا فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَيَأْخُذُوا عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُسْمِعُوا الْمُسْلِمِينَ شِرْكَهُمْ وَقَوْلَهُمْ فِي عُزَيْرٍ وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَإِنْ وَجَدُوهُمْ فَعَلُوا بَعْدَ التَّقَدُّمِ فِي عُزَيْرٍ وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - إلَيْهِمْ عَاقَبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ عُقُوبَةً لَا يَبْلُغُ بِهَا حَدًّا لِأَنَّهُمْ قَدْ أَذِنَ بِإِقْرَارِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ مَعَ عِلْمِ مَا يَقُولُونَ وَلَا يَشْتُمُوا الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى أَنْ لَا يَغُشُّوا مُسْلِمًا وَعَلَى أَنْ لَا يَكُونُوا عَيْنًا لِعَدُوِّهِمْ وَلَا يَضُرُّوا بِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي حَالِ وَعَلَى أَنْ نُقِرَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَأَنْ لَا يُكْرِهُوا أَحَدًا عَلَى دِينِهِمْ إذَا لَمْ يَرُدَّهُ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَلَا رَقِيقِهِمْ وَلَا غَيْرِهِمْ وَعَلَى أَنْ لَا يُحْدِثُوا فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ كَنِيسَةً وَلَا مُجْتَمَعًا لِضَلَالَاتِهِمْ وَلَا صَوْتَ نَاقُوسٍ وَلَا حَمْلَ خَمْرٍ وَلَا إدْخَالَ خِنْزِيرٍ وَلَا يُعَذِّبُوا بَهِيمَةً وَلَا يَقْتُلُوهَا بِغَيْرِ الذَّبْحِ وَلَا يُحْدِثُوا بِنَاءً يُطِيلُونَهُ عَلَى بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ هَيْئَاتِهِمْ فِي اللِّبَاسِ وَالْمَرْكَبِ وَبَيْنَ هَيْئَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يَعْقِدُوا الزَّنَانِيرَ فِي أَوْسَاطِهِمْ فَإِنَّهَا مِنْ أَبْيَنِ فَرْقٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَيْئَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَدْخُلُوا مَسْجِدًا وَلَا يُبَايِعُوا مُسْلِمًا بَيْعًا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ فِي الْإِسْلَامِ وَأَنْ لَا يُزَوِّجُوا مُسْلِمًا مَحْجُورًا إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَلَا يَمْنَعُوا مَنْ أَنْ يُزَوِّجُوهُ حُرَّةً إذَا كَانَ حُرًّا مَا كَانَ بِنَفْسِهِ أَوْ مَحْجُورًا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ بِشُهُودِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَسْقُوا مُسْلِمًا خَمْرًا وَلَا يُطْعِمُوهُ مُحَرَّمًا مِنْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يُقَاتِلُوا مُسْلِمًا وَلَا غَيْرَهُ وَلَا يُظْهِرُوا الصَّلِيبَ وَلَا الْجَمَاعَةَ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا فِي قَرْيَةٍ يَمْلِكُونَهَا مُنْفَرِدِينَ لَمْ يَمْنَعْهُمْ إحْدَاثَ كَنِيسَةٍ وَلَا رَفْعَ بِنَاءٍ وَلَا يَعْرِضُ لَهُمْ فِي خَنَازِيرِهِمْ وَخَمْرِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ وَجَمَاعَاتِهِمْ وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَسْقُوا مُسْلِمًا أَتَاهُمْ خَمْرًا وَلَا يُبَايِعُوهُ مُحَرَّمًا وَلَا يُطْعِمُوهُ وَلَا يَغُشُّوا مُسْلِمًا وَمَا وَصَفْت سِوَى مَا أُبِيحَ لَهُمْ إذَا مَا انْفَرَدُوا قَالَ وَإِذَا كَانُوا بِمِصْرٍ لِلْمُسْلِمِينَ لَهُمْ فِيهِ كَنِيسَةٌ أَوْ بِنَاءٌ طَائِلٌ كَبِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ هَدْمُهَا وَلَا هَدْمُ بِنَائِهِمْ وَتَرَكَ كُلًّا عَلَى مَا وَجَدَهُ عَلَيْهِ وَمَنَعَ مِنْ إحْدَاثِ الْكَنِيسَةِ وَقَدْ قِيلَ يَمْنَعُ مِنْ الْبِنَاءِ الَّذِي يُطَاوِلُ بِهِ بِنَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قِيلَ إذَا مَلَكَ دَارًا لَمْ يُمْنَعْ مِمَّا لَا يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْعَلُوا بِنَاءَهُمْ دُونَ بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِشَيْءٍ وَكَذَلِكَ إنْ أَظْهَرُوا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْجَمَاعَاتِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمِصْرُ لِلْمُسْلِمِينَ أَحَبُّوهُ أَوْ فَتَحُوهُ عَنْوَةً وَشَرَطُوا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ هَذَا فَإِنْ كَانُوا فَتَحُوهُ عَلَى صُلْحٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ تَرْكِ إظْهَارِ الْخَنَازِيرِ وَالْخَمْرِ وَإِحْدَاثِ الْكَنَائِسِ فِيمَا مَلَكُوا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَإِظْهَارُ الشِّرْكِ أَكْثَرُ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَالِحَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى أَنْ يُنْزِلَهُ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَنْزِلًا يُظْهِرُ فِيهِ جَمَاعَةً وَلَا كَنِيسَةً وَلَا نَاقُوسًا إنَّمَا يُصَالِحُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي بِلَادِهِمْ الَّتِي وُجِدُوا فِيهَا فَنَفْتَحُهَا عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا فَأَمَّا بِلَادٌ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فَلَا يَجُوزُ هَذَا لَهُ فِيهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ فِي بِلَادٍ بِمِلْكِهِ مَنَعَهُ الْإِمَامُ مِنْهُ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَدَعَهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا بَلَدًا لَا يُظْهِرُونَ هَذَا فِيهِ وَيُصَلُّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ بِلَا جَمَاعَاتٍ تَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ وَلَا نَوَاقِيسَ وَلَا نَكُفَّهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ظَاهِرًا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَسَادٌ لِمُسْلِمٍ وَلَا مَظْلَمَةٌ لِأَحَدٍ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا نَهَاهُ عَنْهُ مِثْلَ الْغِشِّ لِمُسْلِمٍ أَوْ بَيْعِهِ حَرَامًا أَوْ سَقْيِهِ مُحَرَّمًا أَوْ الضَّرْبِ لِأَحَدٍ أَوْ الْفَسَادِ عَلَيْهِ عَاقَبَهُ فِي ذَلِكَ بِقَدْرِ ذَنْبِهِ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ حَدًّا وَإِنْ أَظْهَرُوا نَاقُوسًا أَوْ اجْتَمَعَتْ لَهُمْ جَمَاعَاتٌ أَوْ تَهَيَّئُوا بِهَيْئَةٍ نَهَاهُمْ عَنْهَا تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَإِنْ عَادُوا عَاقَبَهُمْ وَإِنْ فَعَلَ هَذَا مِنْهُمْ فَاعِلٌ أَوْ بَاعَ مُسْلِمًا بَيْعًا حَرَامًا فَقَالَ مَا عَلِمْت تَقَدَّمَ إلَيْهِ الْوَالِي وَأَحْلَفَهُ وَأَقَالَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ عَادَ عَاقَبَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْهُمْ مَظْلِمَةً لِأَحَدٍ فِيهَا حَدٌّ مِثْلَ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْفِرْيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أُقِيمَ عَلَيْهِ وَإِنْ غَشَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَكْتُبَ إلَى الْعَدُوِّ لَهُمْ بِعَوْرَةٍ أَوْ يُحَدِّثَهُمْ شَيْئًا أَرَادُوهُ بِهِمْ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا عُوقِبَ وَحُبِسَ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا وَلَا قَطْعَ الطَّرِيقِ نَقْضًا لِلْعَهْدِ مَا أَدَّوْا الْجِزْيَةَ عَلَى أَنْ يُجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمَ. [مَا يُعْطِيهِمْ الْإِمَامُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ الْعَدُوِّ] ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَوْ بَيْنَ أَظْهُرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مُنْفَرِدِينَ أَوْ مُجْتَمَعِينَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ أَنْ يَسْبِيَهُمْ الْعَدُوُّ أَوْ يَقْتُلَهُمْ مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنْ كَانَتْ دَارُهُمْ وَسَطَ دَارِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ فَلَمْ يَكُنْ فِي صُلْحِهِمْ أَنْ يَمْنَعَهُمْ فَعَلَيْهِ مَنْعُهُمْ لِأَنَّ مَنْعُهُمْ مَنَعَ دَارَ الْإِسْلَامِ دُونَهُمْ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَا يُوصَلُ إلَى مَوْضِعٍ هُمْ فِيهِ مُنْفَرِدُونَ إلَّا بِأَنْ تُوطَأَ مِنْ بِلَادِهِمْ شَيْءٌ كَانَ عَلَيْهِ مَنْعُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ بِلَادُهُمْ دَاخِلَةً بِبِلَادِ الشِّرْكِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ شِرْكُ حَرْبٍ فَإِذَا أَتَاهَا الْعَدُوُّ لَمْ يَطَأْ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ شَيْئًا وَمَعَهُمْ مُسْلِمٌ فَأَكْثَرُ كَانَ عَلَيْهِ مَنْعُهُمْ. وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَهُمْ لِأَنَّ مَنْعَ دَارِهِمْ مِنْهُ مُسَلَّمٌ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مُسْلِمٌ وَكَانَ مَعَهُمْ مَالٌ لِمُسْلِمٍ فَإِنْ كَانَتْ دَارُهُمْ كَمَا وَصَفْت مُتَّصِلَةً بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَبِلَادِ الشِّرْكِ إذَا غَشِيَهَا الْمُشْرِكُونَ لَمْ يَنَالُوا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ شَيْئًا وَأَخَذَ الْإِمَامُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُمْ مَنْعَهُمْ فَعَلَيْهِ مَنْعُهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ فِي أَصْلِ صُلْحِهِمْ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُمْ فَيَرْضَوْنَ بِذَلِكَ وَأُكْرِهَ لَهُ إذَا اتَّصَلُوا كَمَا وَصَفْت بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَمْنَعَهُمْ وَأَنْ يَدَعَ مَنْعَهُمْ وَلَا يُبَيِّنُ أَنَّ عَلَيْهِ مَنْعَهُمْ. فَإِنْ كَانَ أَصْلُ صُلْحِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَمْنَعْنَا وَنَحْنُ نُصَالِحُ الْمُشْرِكِينَ بِمَا شِئْنَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ عَلَى هَذَا وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ صَالَحَهُمْ عَلَى مَنْعِهِمْ لِئَلَّا يَنَالُوا أَحَدًا يَتَّصِلُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانُوا قَوْمًا مِنْ الْعَدُوِّ دُونَهُمْ عَدُوٌّ فَسَأَلُوا أَنْ يُصَالِحُوا عَلَى جِزْيَةٍ وَلَا يَمْنَعُوا جَازَ لِلْوَالِي أَخْذُهَا مِنْهُمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا بِحَالٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا غَيْرِهِمْ إلَّا عَلَى أَنْ يُجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَأْذَنْ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ إلَّا بِأَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَالصَّغَارُ أَنْ يُجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فَمَتَى صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يُجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ وَلَهُ أَخْذُ مَا صَالَحُوهُ عَلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَفَّ فِيهَا عَنْهُمْ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ حَتَّى تَصَالَحُوا عَلَى أَنْ يُجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمَ أَوْ يُقَاتِلَهُمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى هَذَا إلَّا أَنْ تَكُونَ بِهِمْ قُوَّةٌ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ آخُذُ مِنْكُمْ الْجِزْيَةَ إذَا اسْتَغْنَيْتُمْ وَأَدَعُهَا إذَا افْتَقَرْتُمْ وَلَا أَنْ يُصَالِحَهُمْ إلَّا عَلَى جِزْيَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ وَلَا أَنْ يَقُولَ مَتَى اُفْتُقِرَ مِنْكُمْ مُفْتَقِرٌ أَنْفَقْت عَلَيْهِ مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَمَتَى صَالَحَهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا زَعَمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ جِزْيَةً أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ فِي السَّنَةِ رَدَّ الْفَضْلَ عَلَى الدِّينَارِ وَدَعَاهُمْ إلَى أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَلَى مَا يَصْلُحُ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا نَبَذَ إلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ وَمَتَى أَخَذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ عَلَى أَنْ يَمْنَعَهُمْ فَلَمْ يَمْنَعْهُمْ إمَّا بِغَلَبَةِ عَدُوٍّ لَهُ حَتَّى هَرَبَ عَنْ بِلَادِهِمْ وَأَسْلَمَهُمْ وَإِمَّا تَحَصَّنَ مِنْهُ حَتَّى نَالَهُمْ الْعَدُوُّ فَإِنْ كَانَ تَسَلَّفَ مِنْهُمْ جِزْيَةَ سَنَةٍ أَصَابَهُمْ فِيهَا مَا وَصَفْت رَدَّ عَلَيْهِمْ جِزْيَةَ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَنَظَرَ فَإِنْ كَانَ مَا مَضَى مِنْ السَّنَةِ نِصْفَهَا أَخَذَ مِنْهُ مَا صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصُّلْحَ كَانَ تَامًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ حَتَّى أَسْلَمَهُمْ فَيَوْمَئِذٍ انْتَقَضَ صُلْحُهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَسَلَّفْ مِنْهُمْ شَيْئًا وَإِنَّمَا أَخَذَ مِنْهُمْ جِزْيَةَ سَنَةٍ قَدْ مَضَتْ وَأَسْلَمَهُمْ فِي غَيْرِهَا لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا وَلَا يَسَعُهُ إسْلَامُهُمْ فَإِنْ غَلَبَ غَلَبَةً فَعَلَى مَا وَصَفْت وَإِنْ أَسْلَمَهُمْ غَلَبَةً فَهُوَ آثِمٌ فِي إسْلَامِهِمْ وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ آذَاهُمْ وَإِذَا أَخَذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ أَخَذَهَا بِإِجْمَالٍ وَلَمْ يَضْرِبْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ قَبِيحٌ وَالصَّغَارُ أَنْ يُجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمَ لَا أَنْ يُضْرَبُوا وَلَا يُؤْذُوا وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَحْيَوْا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ شَيْئًا وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِيهِ بِحَالٍ وَإِنْ أَقْطَعَهُ رَجُلًا مُسْلِمًا فَغَمَرَهُ ثُمَّ بَاعَهُمُوهُ لَمْ يُنْقَضْ الْبَيْعُ وَتَرَكَهُمْ حَيَاءَهُ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ بِأَمْوَالِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُمْ الصَّيْدَ فِي بَرٍّ وَلَا بَحْرٍ لِأَنَّ الصَّيْدَ لَيْسَ بِإِحْيَاءِ أَمْوَاتٍ وَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُمْ الْحَطْبَ وَلَا الرَّعْيَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ. [تَفْرِيعُ مَا يُمْنَعُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ] ِ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إذَا كَانَ عَلَيْنَا أَنْ نَمْنَعَ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا كَانُوا مَعَنَا فِي الدَّارِ وَأَمْوَالُهُمْ الَّتِي يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يتمولوها مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَمْوَالَنَا مِنْ عَدُوِّهِمْ إنْ أَرَادَهُمْ أَوْ ظُلْمِ ظَالِمٍ لَهُمْ وَأَنْ نَسْتَنْقِذَهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ لَوْ أَصَابَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ الَّتِي تَحِلُّ لَهُمْ لَوْ قَدَرْنَا، فَإِذَا قَدَرْنَا اسْتَنْقَذْنَاهُمْ وَمَا حَلَّ لَهُمْ مِلْكُهُ وَلَمْ نَأْخُذْ لَهُمْ خَمْرًا وَلَا خِنْزِيرًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ تَسْتَنْقِذُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ الَّتِي يَحِلُّ لَهُمْ مِلْكُهَا وَلَا تَسْتَنْقِذُ لَهُمْ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَأَنْتَ تُقِرُّهُمْ عَلَى مِلْكِهَا؟ قُلْت إنَّمَا مَنَعْتهمْ بِتَحْرِيمِ دِمَائِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ فِي دِمَائِهِمْ دِيَةً وَكَفَّارَةً، وَأَمَّا مَنْعِي مَا يَحِلُّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَبِذِمَّتِهِمْ وَأَمَّا مَا أَقْرَرْتُهُمْ عَلَيْهِ فَمُبَاحٌ لِي بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذِنَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ دِمَائِهِمْ بَعْدَ مَا أَعْطَوْهَا وَهُمْ صَاغِرُونَ وَلَمْ يَكُنْ فِي إقْرَارِي لَهُمْ عَلَيْهَا مَعُونَةٌ عَلَيْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ عَبْدٌ أَوْ وَلَدٌ مِنْ الشِّرْكِ فَأَرَادُوا إكْرَاهَهُمْ لَمْ أَقِرَّهُمْ عَلَى إكْرَاهِهِ بَلْ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُ وَكَمَا لَمْ أَكُنْ بِإِقْرَارِهِمْ عَلَى الشِّرْكِ مُعِينًا لَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ عَلَيْهِ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ مُعِينًا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُمْ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عَوْنًا لَهُمْ عَلَيْهِ وَلَا أَكُونُ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى أَخْذِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَإِنْ أَقْرَرْتُهُمْ عَلَى مِلْكِهِ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ لَمْ تَحْكُمْ لَهُمْ بِقِيمَتِهِ عَلَى مَنْ اسْتَهْلَكَهُ قُلْت أَمَرَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ الْمُبَيَّنُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحَرَّمِ ثَمَنٌ، فَمَنْ حَكَمَ لَهُمْ بِثَمَنٍ مُحَرَّمٍ حَكَمَ بِخِلَافِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَأَنَا مَسْئُولٌ عَمَّا حَكَمْت بِهِ وَلَسْت مَسْئُولًا عَمَّا عَمِلُوا مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِمَّا لَمْ أُكَلِّفْ مَنْعَهُ مِنْهُمْ، وَمَنْ سَرَقَ لَهُمْ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَهْلُ الذِّمَّةِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ قَطَعْته وَإِذَا سَرَقُوا فَجَاءَنِي الْمَسْرُوقُ قَطَعْتهمْ وَكَذَلِكَ أَحَدُهُمْ إنْ قَذَفُوا وُحْدَانًا لَهُمْ مَنْ قَذَفَهُمْ وَأُؤَدِّبُ لَهُمْ مَنْ ظَلَمَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَآخُذُ لَهُمْ مِنْهُ جَمِيعَ مَا يَجِبُ لَهُمْ مِمَّا يَحِلُّ أَخْذُهُ وَأَنْهَاهُ عَنْ الْعَرْضِ لَهُ وَإِذَا عَرَضَ لَهُمْ بِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ أَوْ بَدَنِهِ شَيْئًا أَخَذْته مِنْهُ إذَا عَرَضَ لَهُمْ بِأَذًى لَا يُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ زَجَرْته عَنْهُ فَإِنْ عَادَ حَبَسْته أَوْ عَاقَبْته عَلَيْهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُهْرِيقَ خَمْرَهُمْ أَوْ يَقْتُلَ خَنَازِيرَهُمْ وَمَا أَشْبَهُ هَذَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ لَا تُجِيزُ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَفِي ذَلِكَ إبْطَالُ الْحُكْمِ عَنْهُمْ؟ قِيلَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَقَالَ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] فَلَمْ يَكُونُوا مِنْ رِجَالِنَا وَلَا مِمَّنْ نَرْضَى مِنْ الشُّهَدَاءِ فَلَمَّا وَصَفَ الشُّهُودَ مِنَّا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْضَى بِشَهَادَةِ شُهُودٍ مِنْ غَيْرِنَا لَمْ يَجُزْ أَنْ نَقْبَلَ شَهَادَةَ غَيْرِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا إبْطَالُ حُقُوقِهِمْ فَلَمْ نُبْطِلْهَا إلَّا إذَا لَمْ يَأْتِنَا مَا يَجُوزُ فِيهِ وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ بِأَهْلِ الْبَادِيَةِ وَالشَّجَرِ وَالْبَحْرِ وَالصِّنَاعَاتِ لَا يَكُونُ مِنْهُمْ مَنْ يُعْرَفُ عَدْلُهُ وَهُمْ مُسْلِمُونَ فَلَا يَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَقَدْ تَجْرِي بَيْنَهُمْ الْمَظَالِمُ وَالتَّدَاعِي وَالتِّبَاعَاتُ كَمَا تَجْرِي بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَسْنَا آثِمِينَ فِيمَا جَنَى جَانِيهِمْ وَمَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِإِجَازَةِ شَهَادَتِهِ أَثِمَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَمَلٌ نُهِيَ عَنْ عَمَلِهِ فَإِنْ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106] قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] فَمَا مَعْنَاهُ؟ قِيلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُعَاذُ بْنُ مُوسَى الْجَعْفَرِيُّ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حِبَّانَ قَالَ بُكَيْر قَالَ مُقَاتِلٌ أَخَذْت هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 106] الْآيَةَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ أَحَدُهُمَا تَمِيمِيٌّ وَالْآخَرُ يَمَانِيٌّ صَحِبَهُمَا مَوْلًى لِقُرَيْشٍ فِي تِجَارَةٍ فَرَكِبُوا الْبَحْرَ وَمَعَ الْقُرَشِيِّ مَالٌ مَعْلُومٌ قَدْ عَلِمَهُ أَوْلِيَاؤُهُ مِنْ بَيْنِ آنِيَةٍ وَبَزِّ وَرِقَةٍ فَمَرِضَ الْقُرَشِيُّ فَجَعَلَ وَصِيَّتَهُ إلَى الدَّارِيَيْنِ فَمَاتَ وَقَبَضَ الدَّارِيَانِ الْمَالَ وَالْوَصِيَّةَ فَدَفَعَاهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ وَجَاءَ بِبَعْضِ مَالِهِ وَأَنْكَرَ الْقَوْمُ قِلَّةَ الْمَالِ فَقَالُوا لِلدَّارِيَيْنِ إنَّ صَاحِبَنَا قَدْ خَرَجَ وَمَعَهُ مَالٌ أَكْثَرُ مِمَّا أَتَيْتُمَانَا بِهِ فَهَلْ بَاعَ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَوَضَعَ فِيهِ؟ أَوْ هَلْ طَالَ مَرَضُهُ فَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ؟ قَالَا: لَا قَالُوا فَإِنَّكُمَا خُنْتُمَانَا فَقَبَضُوا الْمَالَ وَرَفَعُوا أَمْرَهُمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106] إلَى آخِرِ الْآيَةِ فَلَمَّا نَزَلَتْ أَنْ يُحْبَسَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَحَلَفَا بِاَللَّهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ مَا تَرَكَ مَوْلَاكُمْ مِنْ الْمَالِ إلَّا مَا أَتَيْنَاكُمْ بِهِ وَأَنَّا لَا نَشْتَرِي بِإِيمَانِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا مِنْ الدُّنْيَا {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ} [المائدة: 106] فَلَمَّا حَلَفَا خَلَّى سَبِيلَهُمَا ثُمَّ إنَّهُمْ وَجَدُوا بَعْدَ ذَلِكَ إنَاءً مِنْ آنِيَةِ الْمَيِّتِ فَأَخَذُوا الدَّارِيَيْنِ فَقَالَا اشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ وَكَذَّبَا فَكُلِّفَا الْبَيِّنَةَ فَلَمْ يَقْدِرَا عَلَيْهَا فَرَفَعُوا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ عُثِرَ} [المائدة: 107] يَقُولُ فَإِنْ اطَّلَعَ {عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} [المائدة: 107] يَعْنِي الدَّارِيَيْنِ أَيْ كَتَمَا حَقًّا {فَآخَرَانِ} [المائدة: 107] مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ {يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 107] فَيَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ إنَّ مَالَ صَاحِبِنَا كَانَ كَذَا وَكَذَا وَإِنَّ الَّذِي نَطْلُبُ قَبْلَ الدَّارِيَيْنِ لَحَقٌّ {وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 107] هَذَا قَوْلُ الشَّاهِدَيْنِ أَوْلِيَاءَ الْمَيِّتِ {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة: 108] يَعْنِي الدَّارِيَيْنِ وَالنَّاسَ أَنْ يَعُودُوا لِمِثْلِ ذَلِكَ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : يَعْنِي مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِ الدَّارِيَيْنِ مِنْ النَّاسِ وَلَا أَعْلَمُ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ مَعْنًى غَيْرَ حَمْلِهِ عَلَى مَا قَالَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُوَضَّحْ بَعْضُهُ لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَشَاهِدَيْ الْوَصِيَّةِ كَانَا أَمِينَيْ الْمَيِّتِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إذَا كَانَ شَاهِدَانِ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ أَمِينِينَ عَلَى مَا شَهِدَا عَلَيْهِ فَطَلَبَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ أَيْمَانَهُمَا أُحْلِفَا بِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ لَا فِي الشُّهُودِ فَإِنْ قَالَ فَكَيْفَ تُسَمَّى فِي هَذَا الْوَضْعِ شَهَادَةً؟ قِيلَ كَمَا سُمِّيَتْ أَيْمَانُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ شَهَادَةً وَإِنَّمَا مَعْنَى شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ أَيْمَانُ بَيْنِكُمْ إذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ لَمْ تَحْتَمِلْ الشَّهَادَةَ؟ قِيلَ وَلَا نَعْلَمُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَاهِدٍ يَمِينٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ أَوْ رُدَّتْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعُهُمَا خِلَافًا لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُشْبِهُ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} [المائدة: 107] يُوجَدُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَمْ يَذْكُرَا قَبْلَ وُجُودِهِ أَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمَا فَلَمَّا وُجِدَ ادَّعَيَا ابْتِيَاعَهُ فَأُحْلِفَ أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ عَلَى مَالِ الْمَيِّتِ فَصَارَ مَالًا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بِإِقْرَارِهِمَا وَادَّعَيَا لِأَنْفُسِهِمَا شِرَاءَهُ فَلَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُمَا بِلَا بَيِّنَةٍ فَأُحْلِفَ وَارِثَاهُ عَلَى مَا ادَّعَيَا وَإِنْ كَانَ أَبُو سَعِيدٍ لَمْ يُبَيِّنْهُ فِي حَدِيثِهِ هَذَا التَّبْيِينَ فَقَدْ جَاءَ بِمَعْنَاهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَيْسَ فِي هَذَا رَدُّ الْيَمِينِ إنَّمَا كَانَتْ يَمِينُ الدَّارِيَيْنِ عَلَى ادِّعَاءِ الْوَرَثَةِ مِنْ الْخِيَانَةِ وَيَمِينُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا ادَّعَى الدَّارِيَانِ مِمَّا وُجِدَ فِي أَيْدِيهِمَا وَأَقَرَّا أَنَّهُ لِلْمَيِّتِ وَأَنَّهُ صَارَ لَهُمَا مِنْ قِبَلِهِ وَإِنَّمَا أَجَزْنَا رَدَّ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة: 108] فَذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الْأَيْمَانَ كَانَتْ عَلَيْهِمْ بِدَعْوَى الْوَرَثَةِ أَنَّهُمْ اخْتَانُوا ثُمَّ صَارَ الْوَرَثَةُ حَالِفِينَ بِإِقْرَارِهِمْ أَنَّ هَذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَادِّعَائِهِمْ شِرَاءَهُ مِنْهُ فَجَازَ أَنْ يُقَالَ أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ تُثْنَى عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إنْ صَارَتْ لَهُمْ الْأَيْمَانُ كَمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ حَلَفَ لَهُمْ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ {يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} [المائدة: 107] يَحْلِفَانِ كَمَا أَحَلَفَا وَإِذَا كَانَ هَذَا كَمَا وَصَفْت فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِنَاسِخَةٍ وَلَا مَنْسُوخَةٍ لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِإِشْهَادِ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَمَنْ نَرْضَى مِنْ الشُّهَدَاءِ. [الْحُكْمُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَادَعَ يَهُودَ كَافَّةً عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ وَأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ الْمُوَادِعِينَ الَّذِينَ لَمْ يُعْطُوا جِزْيَةً وَلَمْ يُقِرُّوا بِأَنْ يَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ وَقَالَ بَعْضٌ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَاَلَّذِي قَالُوا يُشْبِهُ مَا قَالُوا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ} [المائدة: 43] وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ} [المائدة: 49] الْآيَةَ يَعْنِيَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إنْ تَوَلَّوْا عَنْ حُكْمِك بِغَيْرِ رِضَاهُمْ وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أَتَى حَاكِمًا غَيْرَ مَقْهُورٍ عَلَى الْحُكْمِ وَاَلَّذِينَ حَاكَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي امْرَأَةٍ مِنْهُمْ وَرَجُلٍ زَنَيَا مُوَادِعُونَ وَكَانَ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمُ وَرَجَوْا أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجْمُ فَجَاءُوا بِهَا فَرَجَمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَإِذَا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يُجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمَ ثُمَّ جَاءُوهُ مُتَحَاكِمِينَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَوْ يَدَعَ الْحُكْمَ، فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حُكْمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] وَالْقِسْطُ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ فِي أَحَدٍ مِنْ الْمُعَاهَدِينَ الَّذِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ إذَا جَاءُوهُ فِي حَدِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ وَلَا يُفَارِقُونَ الْمُوَادِعِينَ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، ثُمَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْمُوَادِعِينَ حُكْمَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذَا جَاءُوهُ فَإِنْ امْتَنَعُوا بَعْدَ رِضَاهُمْ بِحُكْمِهِ حَارَبَهُمْ، وَسَوَاءٌ فِي أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي الْمُوَادِعِينَ إذَا أَصَابُوا حَدًّا لِلَّهِ أَوْ حَدًّا فِيمَا بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْمُصَابَ مِنْهُ الْحَدُّ لَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يُقِرَّ بِأَنْ يُجْرَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ. [الْحُكْمُ بَيْنَ أَهْلِ الْجِزْيَةِ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَكَانَ الصَّغَارُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يُجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمَ الْإِسْلَامِ وَأَذِنَ اللَّهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ قَدْ عَلِمَ شِرْكَهُمْ بِهِ وَاسْتِحْلَالَهُمْ لِمَحَارِمِهِ فَلَا يَكْشِفُوا عَنْ شَيْءٍ مِمَّا اسْتَحَلُّوا بَيْنَهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ أَوْ مُسْتَأْمَنِ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ لَمْ يَطْلُبْهُ لَمْ يَكْشِفُوا عَنْهُ فَإِذَا أَبَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مَا فِيهِ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَأَتَى طَالِبُ الْحَقِّ إلَى الْإِمَامِ يَطْلُبُ حَقَّهُ فَحَقٌّ لَازِمٌ لِلْإِمَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ الْمَطْلُوبُ رَاضِيًا بِحُكْمِهِ وَكَذَلِكَ إنْ أَظْهَرَ السَّخْطَةَ لِحُكْمِهِ لِمَا وَصَفْت مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ مُقَامٍ لِمَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ الْحُكْمِ فِي حَالٍ وَيُقَالُ نَزَلَتْ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] فَكَانَ ظَاهِرُ مَا عَرَفْنَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِنْ جَاءَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ مِنْهُمْ تَسْتَعْدِي عَلَيْهِ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا حَكَمْت عَلَيْهِ حُكْمِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَلْزَمْته الطَّلَاقَ وَفَيْئِيَّةَ الْإِيلَاءِ فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا أَخَذْته بِأَنْ يُطَلِّقَ وَإِنْ قَالَتْ تَظَاهَرَ مِنِّي أَمَرْته أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَلَا يُجْزِئُهُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَكَذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ فِي الْقَتْلِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ يُكَفِّرُ الْكَافِرُ قِيلَ كَمَا يُؤَدِّي الْوَاجِبَ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْجَرُ عَلَى أَدَائِهِ مِنْ دِيَةٍ أَوْ أَرْشِ جُرْحٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَمَا يُحَدُّ وَإِنْ كَانَ لَا يُكَفِّرُ عَنْهُ بِالْحَدِّ لَشِرْكِهِ فَإِنْ قَالَ فَيُكَفِّرُ عَنْهُ خَطِيئَةَ الْحَدِّ؟ قِيلَ فَإِنْ جَازَ أَنْ يُكَفِّرَ خَطِيئَةَ الْحَدِّ جَازَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ خَطِيئَةَ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَإِنْ قِيلَ يُؤَدِّي وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْوَاجِبُ وَإِنْ لَمْ يُؤْجَرْ وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْهُ؟ قِيلَ وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْأَيْمَانُ وَالرَّقَبَةُ فِي الْقَتْلِ فَإِنْ جَاءَنَا يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ لَمْ نُزَوِّجْهُ إلَّا كَمَا يُزَوَّجُ الْمُسْلِمُ بِرِضًا مِنْ الزَّوْجَةِ وَمَهْرٍ وَشُهُودِ عُدُولٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ جَاءَتْنَا امْرَأَةٌ قَدْ نَكَحَهَا تُرِيدُ فَسَادَ نِكَاحِهَا بِأَنَّهُ نَكَحَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ مُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرِ وَلِيٍّ وَمَا يُرَدُّ بِهِ نِكَاحُ الْمُسْلِمِ مِمَّا لَا حَقَّ فِيهِ لِزَوْجٍ غَيْرِهِ لَمْ يُرَدَّ نِكَاحُهُ إذَا كَانَ اسْمُهُ عِنْدَهُمْ نِكَاحًا لِأَنَّ النِّكَاحَ مَاضٍ قَبْلَ حُكْمِنَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنْ أَيْنَ قُلْت هَذَا؟ قُلْت قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278] وَقَالَ {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279] فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ لَا يَأْخُذُوا مَا لَمْ يَقْبِضُوا مِنْهُ وَرَجَعُوا مِنْهُ إلَى رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِكَاحَ الْمُشْرِكِ بِمَا كَانَ قَبْلَ حُكْمِهِ وَإِسْلَامِهِمْ وَكَانَ مُقْتَضِيًا وَرَدَّ مَا جَاوَزَ أَرْبَعًا مِنْ النِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ بِوَاقٍ فَتَجَاوَزَ عَمَّا مَضَى كُلِّهِ فِي حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمِ رَسُولِهِ وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذِمَّةٌ وَأَهْلُ هُدْنَةٍ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَنْكِحُونَ نِكَاحَهُمْ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِأَنْ يَنْكِحُوا غَيْرَهُ وَلَمْ نَعْلَمْهُ أَفْسَدَ لَهُمْ نِكَاحًا وَلَا مَنَعَ أَحَدًا مِنْهُمْ أَسْلَمَ امْرَأَتَهُ وَامْرَأَتُهُ بِالْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الشِّرْكِ بَلْ أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ إذَا كَانَ مَاضِيًا وَهُمْ مُشْرِكُونَ وَإِنْ كَانُوا مُعَاهَدِينَ وَمُهَادَنِينَ وَهَكَذَا إنْ جَاءَنَا رَجُلَانِ مِنْهُمْ قَدْ تَبَايَعَا خَمْرًا وَلَمْ يتقابضاها أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ وَإِنْ تَقَابَضَاهَا لَمْ نَرُدَّهُ لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى، وَإِنْ تَبَايَعَاهَا فَقَبَضَ الْمُشْتَرِي بَعْضًا وَلَمْ يَقْبِضْ بَعْضًا لَمْ يَرُدَّ الْمَقْبُوضَ وَرَدَّ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَهَكَذَا بُيُوعُ الرِّبَا كُلُّهَا وَلَوْ جَاءَتْنَا نَصْرَانِيَّةٌ قَدْ نَكَحَهَا مُسْلِمٌ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ شُهُودٍ نَصَارَى أَفْسَدْنَا النِّكَاحَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَبَدًا غَيْرَ تَزْوِيجِ الْإِسْلَامِ، فَنُنَفِّذُ لَهُ وَلَوْ جَاءَنَا نَصْرَانِيٌّ بَاعَ مُسْلِمًا خَمْرًا أَوْ نَصْرَانِيٌّ ابْتَاعَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا تَقَابَضَاهَا أَوْ لَمْ يتقابضاها أَبْطَلْنَاهَا بِكُلِّ حَالٍ وَرَدَدْنَا الْمَالَ إلَى الْمُشْتَرِي وَأَبْطَلْنَا ثَمَنَ الْخَمْرِ عَنْهُ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُ الْمُشْتَرِي لَهَا لَمْ يَمْلِكْ خَمْرًا. وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ ثَمَنَ خَمْرٍ، وَلَا آمُرُ الذِّمِّيَّ أَنْ يَرُدَّ الْخَمْرَ عَلَى الْمُسْلِمِ وَأُهْرِيقَهَا عَلَى الذِّمِّيِّ إذَا كَانَ مَلَكَهَا عَلَى الْمُسْلِمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَمَالِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ الْقَابِضُ لِلْخَمْرِ يَرُدُّ ثَمَنَ الْخَمْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وأهريقت الْخَمْرُ لِأَنِّي لَا أَقْضِي عَلَى مُسْلِمٍ أَنْ يَرُدَّ خَمْرًا. وَيَجُوزُ أَنْ أُهْرِيقَهَا لِأَنَّ الذِّمِّيَّ عَصَى بِإِخْرَاجِهَا إلَى الْمُسْلِمِ مَعَ مَعْصِيَتِهِ بِمِلْكِهَا وَأَخْرَجَهَا طَائِعًا فَأَدَّبْته بِإِهْرَاقِهَا لَمْ أَكُنْ أُهْرِيقَهَا وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهَا إنَّمَا أُهْرِيقَهَا بَعْدَ مَا أَذِنَ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَإِنْ جَاءَتْنَا امْرَأَةُ الذِّمِّيِّ قَدْ نَكَحَتْهُ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجٍ غَيْرِهِ فَرَّقْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِحَقِّ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ هَذَا كَفَسَادِ عُقْدَةٍ نُجِيزُهَا لَهُ إذَا كَانَتْ جَائِزَةً عِنْدَهُ لَا ضَرَرَ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا تَجُوزُ فِي الْإِسْلَامِ بِحَالٍ وَإِنْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُ فَسَخْنَا النِّكَاحَ وَجَعَلْنَا لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا إنْ أَصَابَهَا وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ يُصِيبُهَا فَإِذَا نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَأَصَابَهَا حَلَّ لَهُ نِكَاحُهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَتَبْطُلُ بَيْنَهُمْ الْبُيُوعُ الَّتِي تَبْطُلُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كُلُّهَا فَإِذَا مَضَتْ وَاسْتُهْلِكَتْ لَمْ نُبْطِلْهَا إنَّمَا نُبْطِلُهَا مَا كَانَتْ قَائِمَةً وَإِنْ جَاءَنَا عَبْدُ أَحَدِهِمْ قَدْ أَعْتَقَهُ أَعْتَقْنَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَاتَبَهُ كِتَابَةً جَائِزَةً عِنْدَمَا أَجَزْنَاهَا لَهُ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ يُرِيدُ بَيْعَهَا لَمْ نَدَعْهُ يَبِيعُهَا فِي قَوْلِ مَنْ لَا يَبِيعُ أُمَّ الْوَلَدِ وَيَبِيعُهَا فِي قَوْلِ مَنْ يَبِيعُ أُمَّ الْوَلَدِ فَإِذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّيِّ بِيعَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الذِّمِّيُّ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَأَقْبَضَهُ فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ وَوَلَاؤُهُ لِلذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَلَا يَرِثُهُ إنْ مَاتَ بِالْوَلَاءِ لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ، فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ثُمَّ مَاتَ وَرِثَهُ بِالْوَلَاءِ وَهَكَذَا أَمَتُهُ فَإِنْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ عُزِلَ عَنْهَا وَأُخِذَ بِنَفَقَتِهَا وَكَانَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَإِنْ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَفِيهَا قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ كَمَا يُبَاعُ عَبْدُهُ لَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ إذَا دَخَلْت الدَّارَ أَوْ كَانَ غَدٌ أَوْ جَاءَ شَهْرُ كَذَا وَالْآخَرُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يَمُوتَ فَيَعْتِقَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ السَّيِّدُ بَيْعَهُ فَإِذَا شَاءَ جَازَ بَيْعُهُ وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ قِيلَ لِلْمُكَاتَبِ إنْ شِئْت فَاتْرُكْ الْكِتَابَةَ وَتُبَاعُ وَإِنْ شِئْت فَأَنْتَ عَلَى الْكِتَابَةِ فَإِذَا أَدَّيْت عَتَقْت وَمَتَى عَجَزْت أُبِعْتَ وَهَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ ثُمَّ كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ النَّصْرَانِيُّ أَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ دَبَّرَ أَوْ أَسْلَمَتْ أَمَتُهُ ثُمَّ وَطِئَهَا فَحَبِلَتْ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا، وَإِذَا جَنَى النَّصْرَانِيُّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ عَمْدًا فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ إنْ كَانَ جَنَى جِنَايَةً فِيهَا الْقَوَدُ فَإِذَا اخْتَارَ الْعَقْلَ فَهُوَ حَالٌّ فِي مَالِ الْجَانِي، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي كَمَا تَكُونُ عَلَى عَوَاقِلِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجَانِي عَاقِلَةٌ فَالْجِنَايَةُ فِي مَالِهِ دَيْنٌ يُتْبَعُ بِهَا وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ النَّصَارَى وَلَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَهُمْ لَا يَرِثُونَ وَلَا يَعْقِلُ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُ وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ مَا تَرَكَ إذَا مَاتَ مِيرَاثًا إنَّمَا يَأْخُذُونَهُ فَيْئًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَوُلَاةُ دِمَاءِ النَّصَارَى كَوُلَاةِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْنَهُمْ شَهَادَةٌ إلَّا شَهَادَةُ الْمُسْلِمِينَ وَيَجُوزُ إقْرَارُهُمْ بَيْنَهُمْ كَمَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَكُلُّ حَقٍّ بَيْنَهُمْ يُؤْخَذُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُؤْخَذُ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِذَا أَهَرَاقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِصَاحِبِهِ خَمْرًا أَوْ قَتَلَ لَهُ خِنْزِيرًا أَوْ حَرَقَ لَهُ مَيْتَةً أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا لِأَنَّ هَذَا حَرَامٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَرَامِ ثَمَنٌ وَلَوْ كَانَتْ الْخَمْرُ فِي زِقٍّ فَخَرَقَهُ أَوْ جَرَّةٍ فَكَسَرَهَا ضَمِنَ مَا نَقَصَ الْجَرَّ أَوْ أَحَلَفَهُ وَلَمْ يَضْمَنْ الْخَمْرَ لِأَنَّهُ يَحِلُّ مِلْكُ الزِّقِّ وَالْجَرَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزِّقُّ مِنْ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ أَوْ جِلْدِ خِنْزِيرٍ دُبِغَ أَوْ لَمْ يُدْبَغْ فَلَا يَكُونُ لَهُ ثَمَنٌ وَلَوْ كَسَرَ لَهُ صَلِيبًا مِنْ ذَهَبٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَوْ كَسَرَهُ مِنْ عُودٍ وَكَانَ الْعُودُ إذَا فُرِّقَ لَمْ يَكُنْ صَلِيبًا يَصْلُحُ لِغَيْرِ الصَّلِيبِ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ الْكَسْرُ الْعُودَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَسَرَ لَهُ تِمْثَالًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ خَشَبٍ يَعْبُدُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الذَّهَبِ شَيْءٌ وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا فِي الْخَشَبِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَشَبُ مَوْصُولًا فَإِذَا فُرِّقَ صَلُحَ لِغَيْرِ تِمْثَالٍ فَيَكُونَ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ كَسْرُ الْخَشَبِ لَا مَا نَقَصَ قِيمَةَ الصَّنَمِ وَلَوْ كَسَرَ لَهُ طُنْبُورًا أَوْ مِزْمَارًا أَوْ كَبَرًا فَإِنْ كَانَ فِي هَذَا شَيْءٌ يَصْلُحُ لِغَيْرِ الْمَلَاهِي فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ الْكَسْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَصْلُحُ إلَّا لِلْمَلَاهِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهَكَذَا لَوْ كَسَرَهَا نَصْرَانِيٌّ لِمُسْلِمٍ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ أَوْ كَسَرَهَا مُسْلِمٌ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَبْطَلْت ذَلِكَ كُلَّهُ قَالَ وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَفْسَدَ لِنَصْرَانِيٍّ مَا أَبْطَلَ عَنْهُ فَغَرِمَ الْمُفْسِدُ شَيْئًا بِحُكْمِ حَاكِمِهِمْ أَوْ شَيْئًا يَرَوْنَهُ حَقًّا يُلْزِمُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ شَيْئًا تَطَوَّعَ لَهُ بِهِ وَضَمِنَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمَضْمُونُ لَهُ حَتَّى جَاءَنَا الضَّامِنُ أَبْطَلْنَاهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ وَلَوْ لَمْ يَأْتِنَا حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ ثُمَّ سَأَلْنَا إبْطَالَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا نُبْطِلُهُ وَنَجْعَلُهُ كَمَا مَضَى مِنْ بُيُوعِ الرِّبَا وَالْآخَرُ أَنْ نُبْطِلَهُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ آخِذٌ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ بَيْعٍ إنَّمَا أُخِذَ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ لَا قِيمَةَ لَهَا. وَلَوْ كَانَ الَّذِي غَرِمَ لَهُ مَا أَبْطَلَ عَنْهُ فِي الْحُكْمِ مُسْلِمًا وَقَبَضَهُ مِنْهُ ثُمَّ جَاءَنِي رَدَدْته عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا لَوْ أَرْبَى عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ أَرْبَى عَلَيْهِ مُسْلِمٌ وَتَقَابَضَا رَدَدْت ذَلِكَ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَهَرَاقَ نَصْرَانِيٌّ لِمُسْلِمٍ خَمْرًا أَوْ أَفْسَدَ لَهُ شَيْئًا مِمَّا أَبْطَلَهُ عَنْهُ وَتَرَافَعَا إلَيَّ وَغَرِمَ لَهُ النَّصْرَانِيُّ قِيمَتَهُ مُتَطَوِّعًا أَوْ بِحُكْمِ ذِمِّيٍّ أَوْ بِأَمْرٍ رَآهُ النَّصْرَانِيُّ لَازِمًا لَهُ وَدَفَعَهُ إلَى الْمُسْلِمِ ثُمَّ جَاءَنِي أَبْطَلْته عَنْهُ وَرَدَدْت النَّصْرَانِيَّ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمُسْلِمٍ قَبْضُ حَرَامٍ وَمَا مَضَى مِنْ قَبْضِهِ الْحَرَامِ وَبَقِيَ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ يَرُدُّ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى حَرَامٍ جَهِلَهُ وَلَا عَرَفَهُ بِحَالٍ. وَيَجُوزُ لِلنَّصْرَانِيِّ أَنْ يُقَارِضَ الْمُسْلِمَ وَأَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقَارِضَ النَّصْرَانِيَّ أَوْ يُشَارِكَهُ خَوْفَ الرِّبَا وَاسْتِحْلَالَ الْبُيُوعِ الْحَرَامِ وَإِنْ فَعَلَ لَمْ أَفْسَخْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْمَلُ بِالْحَلَالِ وَلَا أَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ النَّصْرَانِيَّ وَأَكْرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ النَّصْرَانِيُّ الْمُسْلِمَ وَلَا أَفْسَخُ الْإِجَارَةَ إذَا وَقَعَتْ وَأَكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمُسْلِمُ مِنْ النَّصْرَانِيِّ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً وَإِنْ بَاعَهُ لَمْ يَبِنْ لِي أَنْ أَفْسَخَ الْبَيْعَ وَجَبَرْتُ النَّصْرَانِيَّ عَلَى بَيْعِهِ مَكَانَهُ إلَى أَنْ يَعْتِقَهُ أَوْ يَتَعَذَّرَ السُّوقُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ فَأُلْحِقُهُ بِالسُّوقِ وَيَتَأَنَّى بِهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ ثُمَّ أُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِهِ قَالَ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ، وَإِنْ بَاعَ مُسْلِمٌ مِنْ نَصْرَانِيٍّ مُصْحَفًا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ مِنْهُ دَفْتَرًا فِيهِ أَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ أَنَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ قَدْ يَعْتِقَانِ فَيَعْتِقَانِ بِعِتْقِ النَّصْرَانِيِّ وَهَذَا مَالٌ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ مَالِكِهِ إلَّا إلَى مَالِكٍ غَيْرِهِ وَإِنْ بَاعَهُ دَفَاتِرَ فِيهَا رَأْيٌ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ أَفْسَخْ الْبَيْعَ، وَإِنْ بَاعَهُ دَفَاتِرَ فِيهَا شِعْرٌ أَوْ نَحْوٌ لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ أَفْسَخْ الْبَيْعَ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ طِبًّا أَوْ عِبَارَةَ رُؤْيَا وَمَا أَشْبَهَهُمَا فِي كِتَابٍ قَالَ: وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا بَاعَ مُسْلِمًا مُصْحَفًا أَوْ أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا لَمْ أَفْسَخْ لَهُ الْبَيْعَ وَلَمْ أَكْرَهْهُ إلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَصْلَ مِلْكِ النَّصْرَانِيِّ فَإِذَا أَوْصَى الْمُسْلِمُ لِلنَّصْرَانِيِّ بِمُصْحَفٍ أَوْ دَفْتَرٍ فِيهِ أَحَادِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْطَلْت الْوَصِيَّةَ. وَلَوْ أَوْصَى بِهَا النَّصْرَانِيُّ لِمُسْلِمٍ لَمْ أُبْطِلْهَا وَلَوْ أَوْصَى الْمُسْلِمُ لِلنَّصْرَانِيِّ بِعَبْدٍ مُسْلِمٍ فَمَنْ قَالَ أَفْسَخُ بَيْعَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لَوْ اشْتَرَاهُ النَّصْرَانِيُّ أَبْطَلَ الْوَصِيَّةَ وَمَنْ قَالَ أُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِهِ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ، وَهَكَذَا هِبَةُ الْمُسْلِمِ لِلنَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْت، وَلَوْ أَوْصَى مُسْلِمٌ لِنَصْرَانِيٍّ بِعَبْدٍ نَصْرَانِيٍّ فَمَاتَ الْمُسْلِمُ ثُمَّ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْقَوْلَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَيُبَاعُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ النَّصْرَانِيُّ كَانَ كَوَصِيَّةٍ لَهُ بِعَبْدٍ لَا يَخْتَلِفَانِ، فَإِذَا أَوْصَى النَّصْرَانِيُّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فَجَاءَنَا وَرَثَتُهُ أَبْطَلْنَا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ كَمَا نُبْطِلُهُ إنْ شَاءَ وَرَثَةُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ يَبْنِي بِهِ كَنِيسَةً لِصَلَاةِ النَّصَارَى أَوْ يَسْتَأْجِرُ بِهِ خَدَمًا لِلْكَنِيسَةِ أَوْ يَعْمُرُ بِهِ الْكَنِيسَةَ أَوْ يَسْتَصْبِحُ بِهِ فِيهَا أَوْ يَشْتَرِي بِهِ أَرْضًا فَتَكُونُ صَدَقَةً عَلَى الْكَنِيسَةِ وَتَعْمُرُ بِهَا أَوْ مَا فِي هَذَا الْمَعْنَى كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ خَمْرًا أَوْ خَنَازِيرَ فَيَتَصَدَّقَ بِهَا أَوْ أَوْصَى بِخَنَازِيرِ لَهُ أَوْ خَمْرٍ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَلَوْ أَوْصَى أَنْ تُبْنَى كَنِيسَةٌ يَنْزِلُهَا مَارُّ الطَّرِيقِ أَوْ وَقَفَهَا عَلَى قَوْمٍ يَسْكُنُونَهَا أَوْ جَعَلَ كِرَاءَهَا لِلنَّصَارَى أَوْ لِلْمَسَاكِينِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَيْسَ فِي بُنْيَانِ الْكَنِيسَةِ مَعْصِيَةٌ إلَّا أَنْ تُتَّخَذَ لِمُصَلَّى النَّصَارَى الَّذِينَ اجْتِمَاعُهُمْ فِيهَا عَلَى الشِّرْكِ وَأَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَاءً أَوْ نِجَارَةً أَوْ غَيْرَهُ فِي كَنَائِسِهِمْ الَّتِي لِصَلَوَاتِهِمْ، وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْطِيَ الرُّهْبَانَ وَالشَّمَامِسَةَ ثُلُثَهُ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهُ قَدْ تَجُوزُ الصَّدَقَةُ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَكْتُبَ بِثُلُثِهِ الْإِنْجِيلَ وَالتَّوْرَاةَ لِدَرْسٍ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ ذَكَرَ تَبْدِيلَهُمْ مِنْهَا فَقَالَ {لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [البقرة: 79] وَقَالَ {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ} [آل عمران: 78] قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَكْتُبَ بِهِ كُتُبَ طِبٍّ فَتَكُونُ صَدَقَةً جَازَتْ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ تُكْتَبَ بِهِ كُتُبُ سِحْرٍ لَمْ يَجُزْ. وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِثُلُثِهِ سِلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ جَازَ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ سِلَاحًا لِلْعَدُوِّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِبَعْضِ أَهْلِ الْحَرْبِ جَازَ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْرُمْ أَنْ يُعْطَوْا مَالًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى أَنْ يُفْتَدَى مِنْهُ أَسِيرٌ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ قَالَ: وَمَنْ اسْتَعْدَى عَلَى ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ أَعْدَى عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ ذَلِكَ الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ إذَا اسْتَعْدَى عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ فِيهِ حَقٌّ لِلْمُسْتَعْدِي وَإِنْ جَاءَنَا مُحْتَسِبٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ يَذْكُرُ أَنَّ الذِّمِّيِّينَ يَعْمَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَعْمَالًا مِنْ رِبَاءٍ لَمْ نَكْشِفْهُمْ عَنْهَا لِأَنَّ مَا أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَيْهِ مِنْ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهَا طَالِبٌ يَسْتَحِقُّهَا وَكَذَلِكَ لَا يَكْشِفُونَ عَمَّا اسْتَحَلُّوا مِنْ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ فَإِنْ جَاءَتْنَا مَحْرَمٌ لِلرَّجُلِ قَدْ نَكَحَتْهُ فَسَخْنَا النِّكَاحَ فَإِنْ جَاءَتْنَا امْرَأَةٌ نَكَحَهَا عَلَى أَرْبَعٍ أَجْبَرْنَاهُ بِأَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا وَيُفَارِقَ سَائِرَهُنَّ وَإِنْ لَمْ تَأْتِنَا لَمْ نَكْشِفْهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ يُفَرِّقُ بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا أَوْ طَلَبَهُ الزَّوْجُ لِيُسْقِطَ عَنْهُ مَهْرَهَا وَتَرْكُنَا لَهُمْ عَلَى الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْ تَرْكِنَا لَهُمْ عَلَى نِكَاحِ ذَاتِ مَحْرَمٍ وَجَمْعُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ مَا لَمْ يَأْتُونَا فَإِنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ مَسْرُوقٌ بِسَارِقٍ قَطَعْنَاهُ لَهُ وَإِنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ سَارِقٌ قَدْ اسْتَعْبَدَهُ مَسْرُوقٌ بِحُكْمٍ لَهُ أَبْطَلْنَا الْعُبُودِيَّةَ عَنْهُ وَحَكَمْنَا عَلَيْهِ حُكْمَنَا عَلَى السَّارِقِ قَالَ: وَلِلنَّصْرَانِيِّ الشُّفْعَةُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلِلْمُسْلِمِ الشُّفْعَةُ عَلَيْهِ وَلَا يُمْنَعُ النَّصْرَانِيُّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مُسْلِمٍ مَاشِيَةً فِيهَا صَدَقَةٌ وَلَا أَرْضَ زَرْعٍ وَلَا نَخْلًا وَإِنْ أَبْطَلَ ذَلِكَ الصَّدَقَةَ فِيهَا كَمَا لَا يُمْنَعُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ مُفَرَّقًا مِنْ جَمَاعَةٍ فَتَسْقُطَ فِيهِ الصَّدَقَةُ قَالَ: وَلَا يَكُونُ لِذِمِّيٍّ أَنْ يُحْيِيَ مَوَاتًا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَحْيَاهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بِإِحْيَائِهَا وَقِيلَ لَهُ خُذْ عِمَارَتَهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِيهَا وَالْأَرْضُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لِمَنْ أَحْيَاهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلُ يُحْيِيهِ كَالْفَيْءِ وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْفَيْءَ وَمِلْكَ مَا لَا مَالِكَ لَهُ لِأَهْلِ دِينِهِ لَا لِغَيْرِهِمْ. [كِتَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَهْلِ الرِّدَّةِ] [بَابٌ فِيمَنْ يَجِبُ قِتَالُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ] كِتَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَهْلِ الرِّدَّةِ بَابٌ فِيمَنْ يَجِبُ قِتَالُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ) قَالَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اقْتِتَالَ الطَّائِفَتَيْنِ وَالطَّائِفَتَانِ الْمُمْتَنِعَتَانِ الْجَمَاعَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَمْتَنِعُ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ أَوْ أَضْعَفَ إذَا لَزِمَهَا اسْمُ الِامْتِنَاعِ وَسَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ إذَا افْتَرَقُوا وَأَرَادُوا الْقِتَالَ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا حَتَّى يَدْعُوا إلَى الصُّلْحِ وَبِذَلِكَ قُلْت لَا يَبِيتُ أَهْلُ الْبَغْيِ قَبْلَ دُعَائِهِمْ لِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ الدُّعَاءَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ الْقِتَالِ وَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ وَهِيَ مُسَمَّاةٌ بِاسْمِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ قِتَالُهَا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَذِنَ فِي قِتَالِهَا فِي مُدَّةِ الِامْتِنَاعِ بِالْبَغْيِ إلَى أَنْ تَفِيءَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْفَيْءُ الرَّجْعَةُ عَنْ الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ أَوْ التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا وَأَيُّ حَالٍ تَرَكَ بِهَا الْقِتَالَ فَقَدْ فَاءَ وَالْفَيْءُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْقِتَالِ الرُّجُوعُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَرَهُ إلَى طَاعَتِهِ فِي الْكَفِّ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ - يُعَيِّرُ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ انْهَزَمُوا عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهِ فِي وَقْعَةٍ فَقُتِلَ: لَا يَنْسَأُ اللَّهُ مِنَّا مَعْشَرًا شَهِدُوا ... يَوْمَ الْأُمَيْلِحِ لَا غَابُوا وَلَا جُرِحُوا عَقُّوا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَحَدٌ ... ثُمَّ اسْتَفَاءُوا وَقَالُوا حَبَّذَا الْوَضَحُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ فَاءُوا أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ تِبَاعَةً فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الصُّلْحَ آخِرًا كَمَا ذَكَرَ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمْ أَوَّلًا قَبْلَ الْإِذْنِ بِقِتَالِهِمْ فَأَشْبَهَ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ تَكُونَ التِّبَاعَاتُ فِي الْجِرَاحِ وَالدِّمَاءِ وَمَا فَاتَ مِنْ الْأَمْوَالِ سَاقِطَةً بَيْنَهُمْ قَالَ وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} [الحجرات: 9] أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ بِالْحُكْمِ إذَا كَانُوا قَدْ فَعَلُوا مَا فِيهِ حُكْمٌ فَيُعْطِي بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ مَا وَجَبَ لَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {بِالْعَدْلِ} [الحجرات: 9] أَخَذَ الْحَقَّ لِبَعْضِ النَّاسِ مِنْ بَعْضٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ الْقَوَدَ سَاقِطٌ وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَدْرَكَتْ الْفِتْنَةَ الْأُولَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَتْ فِيهَا دِمَاءٌ وَأَمْوَالٌ فَلَمْ يُقْتَصَّ فِيهَا مِنْ دَمٍ وَلَا مَالٍ وَلَا قُرْحٍ أُصِيبَ بِوَجْهِ التَّأْوِيلِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيُدْفَعَ إلَى صَاحِبِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ عِنْدَنَا قَدْ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ دِمَاءٌ يُعْرَفُ فِي بَعْضِهَا الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ وَأُتْلِفَتْ فِيهَا أَمْوَالٌ ثُمَّ صَارَ النَّاسُ إلَى أَنْ سَكَنَتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ وَجَرَى الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ فَمَا عَلِمْته اقْتَصَّ أَحَدٌ مِنْ أَحَدٍ وَلَا غَرِمَ لَهُ مَالًا أَتْلَفَهُ وَلَا عَلِمْتُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي أَنْ مَا حَوَوْا فِي الْبَغْيِ مِنْ مَالٍ فَوُجِدَ بِعَيْنِهِ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مِنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَمْنَعَ مَالَهُ وَإِذَا مَنَعَهُ بِالْقِتَالِ دُونَهُ فَهُوَ إحْلَالٌ لِلْقِتَالِ وَالْقِتَالُ سَبَبُ الْإِتْلَافِ لِمَنْ يُقَاتِلُ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا قَالَ وَلَا يَحْتَمِلُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُ وَلَوْ ذَهَبَ رَجُلٌ إلَى أَنْ يَحْمِلَ هَذَا الْقَوْلَ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ وَيُؤْخَذَ مَالُهُ كَانَ اللَّفْظُ فِي الْحَدِيثِ مَنْ قُتِلَ وَأُخِذَ مَالُهُ أَوْ قُتِلَ لِيُؤْخَذَ مَالُهُ وَلَا يُقَالُ لَهُ، قُتِلَ دُونَ مَالِهِ وَمَنْ قُتِلَ بِلَا أَنْ يُقَاتِلَ فَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ شَهِيدٌ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَهْلُ الرِّدَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرْبَانِ، مِنْهُمْ قَوْمٌ أُغْرُوا بَعْدَ الْإِسْلَامِ مِثْلُ طُلَيْحَةَ وَمُسَيْلِمَةَ وَالْعَنْسِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ وَمِنْهُمْ قَوْمٌ تَمَسَّكُوا بِالْإِسْلَامِ وَمَنَعُوا الصَّدَقَاتِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ وَالْعَامَّةُ تَقُولُ لَهُمْ أَهْلَ الرِّدَّةِ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَهُوَ لِسَانٌ عَرَبِيٌّ فَالرِّدَّةُ الِارْتِدَادُ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ وَالِارْتِدَادُ يَمْنَعُ الْحَقَّ قَالَ وَمَنْ رَجَعَ عَنْ شَيْءٍ جَازَ أَنْ يُقَالَ ارْتَدَّ عَنْ كَذَا وَقَوْلُ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا مِنْ حَقِّهَا لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ مَعْرِفَةٌ مِنْهُمَا مَعًا بِأَنَّ مِمَّنْ قَاتَلُوا مَنْ هُوَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْإِيمَانِ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا شَكَّ عُمَرُ فِي قِتَالِهِمْ وَلَقَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ تَرَكُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَصَارُوا مُشْرِكِينَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي مُخَاطَبَتِهِمْ جُيُوشَ أَبِي بَكْرٍ وَأَشْعَارِ مَنْ قَالَ الشِّعْرَ مِنْهُمْ وَمُخَاطَبَتِهِمْ لِأَبِي بَكْرٍ بَعْدَ الْإِسَارِ فَقَالَ شَاعِرُهُمْ: أَلَا أَصْبَحْنَا قَبْلَ نَائِرَةِ الْفَجْرِ ... لَعَلَّ مَنَايَانَا قَرِيبٌ وَمَا نَدْرِي أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ وَسَطَنَا ... فَيَا عَجَبًا مَا بَالُ مِلْكِ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّ الَّذِي يسألكمو فَمَنَعْتُمْ ... لَكَالتَّمْرِ أَوْ أَحْلَى إلَيْهِمْ مِنْ التَّمْرِ سَنَمْنَعُهُمْ مَا كَانَ فِينَا بَقِيَّةٌ ... كِرَامٌ عَلَى الْعَزَاءِ فِي سَاعَةِ الْعُسْرِ وَقَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ بَعْدَ الْإِسَارِ مَا كَفَرْنَا بَعْدَ إيمَانِنَا وَلَكِنْ شَحِحْنَا عَلَى أَمْوَالِنَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ يَعْنِي فِيمَا أَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّهُ مُجَاهِدُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ وَأَنَّ الزَّكَاةَ مِثْلُهَا وَلَعَلَّ مَذْهَبَهُ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْهِمْ شَهَادَةَ الْحَقِّ وَالصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَأَنَّهُ مَتَى مَنَعَ فَرْضًا قَدْ لَزِمَهُ لَمْ يُتْرَكْ وَمَنْعَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ أَوْ يُقْتَلَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَسَارَ إلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَقِيَ أَخَا بَنِي بَدْرٍ الْفَزَارِيّ فَقَاتَلَهُ مَعَهُ عُمَرُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَمْضَى أَبُو بَكْرٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي قِتَالِ مَنْ ارْتَدَّ وَمَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ مَعًا فَقَاتَلَهُمْ بِعَوَامَّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَفِي هَذَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنْ مَنْ مَنَعَ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْدِرْ الْإِمَامُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ بِامْتِنَاعِهِ قَاتَلَهُ وَإِنْ أَتَى الْقِتَالُ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى كُلُّ حَقٍّ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مَنَعَهُ قَالَ فَإِذَا امْتَنَعَ رَجُلٌ مِنْ تَأْدِيَةِ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ وَالسُّلْطَانُ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ أَخَذَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ وَذَلِكَ أَنْ يَقْتُلَ فَيَقْتُلَهُ أَوْ يَسْرِقَ فَيَقْطَعَهُ أَوْ يَمْنَعَ أَدَاءَ دَيْنٍ فَيُبَاعَ فِيهِ مَالُهُ أَوْ زَكَاةٍ فَتُؤْخَذَ مِنْهُ فَإِنْ امْتَنَعَ دُونَ هَذَا أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ بِجَمَاعَةٍ وَكَانَ إذَا قِيلَ لَهُ أَدِّ هَذَا قَالَ لَا أُؤَدِّيه وَلَا أَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ إلَّا أَنْ تُقَاتِلُونِي قُوتِلَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُقَاتِلُ عَلَى مَا مَنَعَ مِنْ حَقٍّ لَزِمَهُ وَهَكَذَا مَنْ مَنَعَ الصَّدَقَةَ مِمَّنْ نُسِبَ إلَى الرِّدَّةِ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَانِعُ الصَّدَقَةِ مُمْتَنِعٌ بِحَقٍّ نَاصِبٍ دُونَهُ فَإِذَا لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِتَالِهِ فَالْبَاغِي يُقَاتِلُ الْإِمَامَ الْعَادِلَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى فِي أَنَّهُ لَا يُعْطِي الْإِمَامَ الْعَادِلَ حَقًّا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَيَمْتَنِعُ مِنْ حُكْمِهِ وَيَزِيدُ عَلَى مَانِعِ الصَّدَقَةِ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَحْكُمَ هُوَ عَلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَيُقَاتِلَهُ فَيَحِلَّ قِتَالُهُ بِإِرَادَتِهِ قِتَالَهُ الْإِمَامَ قَالَ وَقَدْ قَاتَلَ أَهْلُ الِامْتِنَاعِ بِالصَّدَقَةِ وَقُتِلُوا ثُمَّ قُهِرُوا فَلَمْ يُقِدْ مِنْهُمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكِلَا هَذَيْنِ مُتَأَوِّلٌ أَمَّا أَهْلُ الِامْتِنَاعِ فَقَالُوا قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤَدِّيَهَا إلَى رَسُولِهِ كَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] وَقَالُوا لَا نَعْلَمُهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤَدِّيَهَا إلَى غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا أَهْلُ الْبَغْيِ فَشَهِدُوا عَلَى مَنْ بَغَوْا عَلَيْهِ بِالضَّلَالِ وَرَأَوْا أَنَّ جِهَادَهُ حَقٌّ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عِنْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ قِصَاصٌ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَاحِدًا قُتِلَ عَلَى التَّأْوِيلِ أَوْ جَمَاعَةً غَيْرَ مُمْتَنِعِينَ ثُمَّ كَانَتْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعُونَ أَوْ لَمْ تَكُنْ كَانَ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا يَكُونُ عَلَى غَيْرِ الْمُتَأَوِّلِينَ فَقَالَ لِي قَائِلٌ فَلِمَ قُلْت فِي الطَّائِفَةِ الْمُمْتَنِعَةِ الْغَاصِبَةِ الْمُتَأَوِّلَةِ تَقْتُلُ وَتُصِيبُ الْمَالَ أُزِيلُ عَنْهَا الْقِصَاصِ وَغُرْمَ الْمَالَ إذَا تَلِفَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَأَوَّلَ فَقَتَلَ أَوْ أَتْلَفَ مَالًا اقْتَصَصْت مِنْهُ وَأَغْرَمْته الْمَالَ؟ فَقُلْت لَهُ وَجَدْت اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يُحِلُّ دَمَ مُسْلِمٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ اعْتَبَطَ مُسْلِمًا بِقَتْلٍ فَهُوَ قَوَدُ يَدِهِ» وَوَجَدْت اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قِتَالَهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِصَاصَ بَيْنَهُمَا فَأَثْبَتْنَا الْقِصَاصَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقِصَاصِ وَأَزَلْنَاهُ فِي الْمُتَأَوِّلِينَ الْمُمْتَغِينَ وَرَأَيْنَا أَنَّ الْمَعْنَى بِالْقِصَاصِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هُوَ مَنْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا مُتَأَوِّلًا فَأَمْضَيْنَا الْحُكْمَيْنِ عَلَى مَا أَمْضَيَا عَلَيْهِ وَقُلْت لَهُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ وَلِيَ قِتَالَ الْمُتَأَوِّلِينَ فَلَمْ يَقْصُصْ مِنْ دَمٍ وَلَا مَالٍ أُصِيبَ فِي التَّأْوِيلِ وَقَتَلَهُ ابْنُ مُلْجِمٍ مُتَأَوِّلًا فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ وَقَالَ لِوَلَدِهِ إنْ قَتَلْتُمْ فَلَا تُمَثِّلُوا وَرَأَى لَهُ الْقَتْلَ وَقَتَلَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَفِي النَّاسِ بَقِيَّةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ قَتْلَهُ وَلَا عَابَهُ وَلَا خَالَفَهُ فِي أَنْ يُقْتَلَ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَمَاعَةٌ يَمْتَنِعُ بِمِثْلِهَا وَلَمْ يُقِدْ عَلِيٌّ وَأَبُو بَكْرٍ قَبْلَهُ وَلِيَّ مَنْ قَتَلَتْهُ الْجَمَاعَةُ الْمُمْتَنِعُ بِمِثْلِهَا عَلَى التَّأْوِيلِ كَمَا وَصَفْنَا وَلَا عَلَى الْكُفْرِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ قِتَالُهُمْ فِي حَالٍ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إبَاحَةُ أَمْوَالِهِمْ وَلَا شَيْءٍ مِنْهَا، وَأَمَّا قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَمَنْ قَتَلَ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلٍ فَسَوَاءٌ جَمَاعَةً كَانُوا أَوْ وُحْدَانًا يَقْتُلُونَ حَدًّا وَبِالْقِصَاصِ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقَتَلَةِ وَفِي الْمُحَارَبِينَ. [بَابُ السِّيرَةِ فِي أَهْلِ الْبَغْيِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) :: رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ دَخَلْت عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَكْرَمَ غَلَبَةً مِنْ أَبِيك مَا هُوَ إلَّا أَنْ وَلِيَنَا يَوْمَ الْجَمَلِ فَنَادَى مُنَادِيهِ لَا يُقْتَلُ مُدْبِرٌ وَلَا يَذْفِفْ عَلَى جَرِيحٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ لِلدَّرَاوَرْدِيِّ فَقَالَ مَا أَحْفَظُهُ يُرِيدُ يَعْجَبُ بِحِفْظِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ جَعْفَرٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. قَالَ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ لَا يَأْخُذُ سَلَبًا وَأَنَّهُ كَانَ يُبَاشِرُ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَذْفِفْ عَلَى جَرِيحٍ وَلَا يَقْتُلُ مُدْبِرًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ فِي ابْنُ مُلْجِمٍ بَعْدَ مَا ضَرَبَهُ أَطْعِمُوهُ وَاسْقُوهُ وَأَحْسِنُوا إسَارَهُ إنْ عِشْت فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي أَعْفُو إنْ شِئْت وَإِنْ شِئْت اسْتَقَدْت وَإِنْ مِتُّ فَقَتَلْتُمُوهُ فَلَا تُمَثِّلُوا. [بَابُ الْحَالِ الَّتِي لَا يَحِلُّ فِيهَا دِمَاءُ أَهْلِ الْبَغْيِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا أَظْهَرُوا رَأْيَ الْخَوَارِجِ وَتَجَنَّبُوا جَمَاعَاتِ النَّاسِ وَكَفَّرُوهُمْ لَمْ يَحْلِلْ بِذَلِكَ قِتَالُهُمْ لِأَنَّهُمْ عَلَى حُرْمَةِ الْإِيمَانِ لَمْ يَصِيرُوا إلَى الْحَالِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقِتَالِهِمْ فِيهَا بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ إذْ سَمِعَ تَحْكِيمًا مِنْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ لَا حَكَمَ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ لَا نَمْنَعَكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ وَلَا نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ مَا كَانَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَيْدِينَا وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَزْرَقِيُّ الْغَسَّانِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَدِيًّا كَتَبَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ الْخَوَارِجَ عِنْدَنَا يَسُبُّونَك فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنْ سَبُّونِي فَسُبُّوهُمْ أَوْ اُعْفُوَا عَنْهُمْ وَإِنْ أَشْهَرُوا السِّلَاحَ فَأَشْهِرُوا عَلَيْهِمْ وَإِنْ ضَرَبُوا فَاضْرِبُوهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ بِطَعْنِهِمْ دِمَاؤُهُمْ وَلَا أَنْ يُمْنَعُوا الْفَيْءَ مَا جَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَكَانُوا أُسْوَتَهُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ قَالَ وَلَوْ شَهِدُوا شَهَادَةَ الْحَقِّ وَهُمْ مُظْهِرُونَ لِهَذَا قَبْلَ الِاعْتِقَادِ أَوْ بَعْدَهُ وَكَانَتْ حَالُهُمْ فِي الْعَفَافِ وَالْعُقُولُ حَسَنَةٌ الْبَغْيُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحْصِيَهُمْ بِأَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ فَإِنْ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ أَنْ يَشْهَدُوا لِمَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُمْ بِتَصْدِيقِهِ عَلَى مَا لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُعَايِنُوا أَوْ يَسْتَحِلُّوا أَنْ يَنَالُوا مِنْ أَمْوَالِ مَنْ خَالَفَهُمْ أَوْ أَبْدَانِهِمْ شَيْئًا يَجْعَلُونَ الشَّهَادَةَ بِالْبَاطِلِ ذَرِيعَةً إلَيْهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ كَانُوا لَا يَسْتَحِلُّونَ ذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَهَكَذَا مَنْ بَغَى مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ فِيمَا يَجِبُ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ مِنْ أَخْذِ الْحَقَّ وَالْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ وَلَوْ أَصَابُوا فِي هَذِهِ الْحَالِ حَدًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ لِلنَّاسِ دَمًا أَوْ غَيْرَهُ ثُمَّ اعْتَقَدُوا وَنَصَبُوا إمَامًا وَامْتَنَعُوا ثُمَّ سَأَلُوا أَنْ يُؤْمِنُوا عَلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُمْ مَا أَصَابُوا قَبْلَ أَنْ يَعْتَقِدُوا أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُمْ مِنْهُ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَلَا لِلنَّاسِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَخْذُهُمْ بِهِ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَخْذُ مَنْ أَحْدَثَ حَدًّا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ لِلنَّاسِ ثُمَّ هَرَبَ وَلَمْ يَتَأَوَّلْ وَيَمْتَنِعُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا فِي مِصْرٍ أَوْ صَحْرَاءَ فَسَفَكُوا الدِّمَاءَ وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ كَانَ حُكْمُهُمْ كَحُكْمِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَسَوَاءٌ الْمُكَابَرَةُ فِي الْمِصْرِ أَوْ الصَّحْرَاءِ وَلَوْ افْتَرَقَا كَانَتْ الْمُكَابَرَةُ فِي الْمِصْرِ أَعْظَمَهُمَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا كَابَرُوا فَقَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا أُقِيمَ عَلَيْهِمْ الْحَقُّ فِي جَمِيعِ مَا أَخَذُوا وَكَذَلِكَ لَوْ امْتَنَعُوا فَأَصَابُوا دَمًا وَأَمْوَالًا عَلَى غَيْرِ التَّأْوِيلِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِمْ أَخَذَ مِنْهُمْ الْحَقَّ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَكُلِّ مَا أَتَوْا مِنْ حَدٍّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا مُتَأَوِّلِينَ كَثِيرًا كَانُوا أَوْ قَلِيلًا اعْتَزَلُوا جَمَاعَةَ النَّاسِ فَكَانَ عَلَيْهِمْ وَالٍ لِأَهْلِ الْعَدْلِ يُجْرِي حُكْمَهُ فَقَتَلُوهُ وَغَيْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْصِبُوا إمَامًا وَيَعْتَقِدُوا وَيُظْهِرُوا حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِهِ كَانَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ وَهَكَذَا كَانَ شَأْنُ الَّذِينَ اعْتَزَلُوا عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَنَقَمُوا عَلَيْهِ الْحُكُومَةَ فَقَالُوا لَا نُسَاكِنُك فِي بَلَدٍ فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَامِلًا فَسَمِعُوا لَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَتَلُوهُ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَنْ ادْفَعُوا إلَيْنَا قَاتِلَهُ نَقْتُلْهُ بِهِ قَالُوا: كُلُّنَا قَاتِلُهُ قَالَ فَاسْتَسْلِمُوا نَحْكُمُ عَلَيْكُمْ قَالُوا لَا فَسَارَ إلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ فَأَصَابَ أَكْثَرَهُمْ قَالَ وَكُلُّ مَا أَصَابُوهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ حَدٍّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ لِلنَّاسِ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَبْدَءُوا بِقِتَالٍ حَتَّى يَمْتَنِعُوا مِنْ الْحُكْمِ وَيَنْتَصِبُوا قَالَ وَهَكَذَا لَوْ خَرَجَ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ أَوْ نَفَرٌ يَسِيرٌ قَلِيلُو الْعَدَدِ يُعْرَفُ أَنَّ مِثْلَهُمْ لَا يَمْتَنِعُ إذَا أُرِيدَ فَأَظْهَرُوا رَأْيَهُمْ وَنَابَذُوا إمَامَهُمْ الْعَادِلَ وَقَالُوا نَمْتَنِعُ مِنْ الْحُكْمِ فَأَصَابُوا دَمًا وَأَمْوَالًا وَحُدُودًا فِي هَذِهِ الْحَالِ مُتَأَوِّلِينَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ وَأُخِذَتْ مِنْهُمْ الْحُقُوقُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلنَّاسِ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَأَوِّلِينَ فَإِنْ كَانَتْ لِأَهْلِ الْبَغْيِ جَمَاعَةٌ تَكْثُرُ وَيَمْتَنِعُ مِثْلُهَا بِمَوْضِعِهَا الَّذِي هِيَ بِهِ بَعْضُ الِامْتِنَاعِ حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّ مِثْلَهَا لَا يُنَالُ حَتَّى تَكْثُرَ نِكَايَتُهُ وَاعْتَقَدَتْ وَنَصَبُوا إمَامًا وَأَظْهَرُوا حُكْمًا وَامْتَنَعُوا مِنْ حُكْمِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ فَهَذِهِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ الَّتِي تُفَارِقُ حُكْمَ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلَهَا فَيَنْبَغِي إذَا فَعَلُوا هَذَا أَنْ نَسْأَلَهُمْ مَا نَقَمُوا فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً بَيِّنَةً رُدَّتْ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهَا بَيِّنَةً قِيلَ لَهُمْ عُودُوا لِمَا فَارَقْتُمْ مِنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَتُكُمْ وَكَلِمَةُ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَاحِدَةً وَأَنْ لَا تَمْتَنِعُوا مِنْ الْحُكْمِ فَإِنْ فَعَلُوا قُبِلَ مِنْهُمْ وَإِنْ امْتَنَعُوا قِيلَ إنَّا مُؤْذِنُوكُمْ بِحَرْبٍ فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا قُوتِلُوا وَلَا يُقَاتَلُونَ حَتَّى يُدْعَوْا وَيُنَاظَرُوا إلَّا أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ الْمُنَاظَرَةِ فَيُقَاتَلُوا قَالَ وَإِذَا امْتَنَعُوا مِنْ الْإِجَابَةِ وَحُكِمَ عَلَيْهِمْ بِحُكْمٍ فَلَمْ يُسَلِّمُوا أَوْ حَلَّتْ عَلَيْهِمْ صَدَقَةٌ فَمَنَعُوهَا وَحَالُوا دُونَهَا وَقَالُوا لَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ قُوتِلُوا حَتَّى يُقِرُّوا بِالْحُكْمِ وَيَعُودُوا لِمَا امْتَنَعُوا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَا أَصَابُوا فِي هَذِهِ الْحَالِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا أَصَابُوا مِنْ دَمٍ وَمَالٍ وَفَرْجٍ عَلَى التَّأْوِيلِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ بَعْدُ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِمْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيُؤْخَذَ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَا أَصَابُوا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّأْوِيلِ مِنْ حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلنَّاسِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَأَيْت أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُقَامُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ هَرَبَ مِنْ حَدٍّ أَوْ أَصَابَهُ وَهُوَ فِي بِلَادٍ لَا وَالِيَ لَهَا ثُمَّ جَاءَ لَهَا وَالٍ وَهَكَذَا غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ دَارٍ غَلَبُوا الْإِمَامَ عَلَيْهَا فَصَارَ لَا يَجْرِي لَهُ بِهَا حُكْمٌ فَمَتَى قَدَرَ عَلَيْهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْحُدُودُ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ مَا أَصَابُوا بِالِامْتِنَاعِ وَلَا يَمْنَعُ الِامْتِنَاعُ حَقًّا يُقَامُ إنَّمَا يَمْنَعُهُ التَّأْوِيلُ وَالِامْتِنَاعُ مَعًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَنْتَ تُسْقِطُ مَا أَصَابَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا أَسْلَمُوا فَكَذَلِكَ أُسْقِطَ عَنْ حَرْبِيٍّ لَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَقْتُلُ الْحَرْبِيَّ بَدِيئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُتَأَوِّلِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِذَا دُعِيَ أَهْلُ الْبَغْيِ فَامْتَنَعُوا مِنْ الْإِجَابَةِ فَقُوتِلُوا فَالسِّيرَةُ فِيهِمْ مُخَالِفَةٌ لِلسِّيرَةِ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ ثُمَّ رَسُولَهُ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّمَا أُبِيحَ قِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ مَا كَانُوا يُقَاتِلُونَ وَهُمْ لَا يَكُونُونَ مُقَاتِلِينَ أَبَدًا إلَّا مُقْبِلِينَ مُمْتَنِعِينَ مَرِيدِينَ فَمَتَى زَايَلُوا هَذِهِ الْمَعَانِي فَقَدْ خَرَجُوا مِنْ الْحَالِ الَّتِي أُبِيحَ بِهَا قِتَالُهُمْ وَهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا إلَّا إلَى أَنْ تَكُونَ دِمَاؤُهُمْ مُحَرَّمَةً كَهِيَ قَبْلُ يُحْدِثُونَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ عِنْدِي فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَمْ يَسْتَثْنِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْفَيْئَةِ فَسَوَاءٌ كَانَ لِلَّذِي فَاءَ فِئَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ فَمَتَى فَاءَ وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ حُرِّمَ دَمُهُ وَلَا يُقْتَلُ مِنْهُمْ مُدْبِرٌ أَبَدًا وَلَا أَسِيرٌ وَلَا جَرِيحٌ بِحَالٍ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ صَارُوا فِي غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي حَلَّتْ بِهِ دِمَاؤُهُمْ وَكَذَلِكَ لَا يُسْتَمْتَعُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِدَابَّةٍ تُرْكَبُ وَلَا مَتَاعٍ وَلَا سِلَاحٍ يُقَاتَلُ بِهِ فِي حَرْبِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَلَا بَعْدَ تَقَضِّيهَا وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَمَا صَارَ إلَيْهِمْ مِنْ دَابَّةٍ فَحَبَسُوهَا أَوْ سِلَاحٍ فَعَلَيْهِمْ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ فِي الْقِتَالِ إنَّمَا تَحِلُّ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ يَتَخَوَّلُونَ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ فَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ فَحُدَّ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَالزِّنَا وَالْقَتْلِ فَهُوَ لَا يُؤْخَذُ مَالُهُ فَهُوَ إذَا قُوتِلَ فِي الْبَغْيِ كَانَ أَخَفَّ حَالًا لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ عَنْ الْقِتَالِ لَمْ يُقْتَلْ فَلَا يُسْتَمْتَعُ مِنْ مَالِهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ عَلَى مَالِهِ بِدَلَالَةٍ تُوجِبُ فِي مَالِهِ شَيْئًا قَالَ وَمَتَى أَلْقَى أَهْلُ الْبَغْيِ السِّلَاحَ لَمْ يُقَاتَلُوا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا قَاتَلَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الْعَبْدُ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْغُلَامُ الْمُرَاهِقُ فَهُمْ مِثْلُهُمْ يُقَاتَلُونَ مُقْبِلِينَ وَيُتْرَكُونَ مُوَلِّينَ قَالَ وَيَخْتَلِفُونَ فِي الْأُسَارَى فَلَوْ أُسِرَ الْبَالِغُ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ فَحُبِسَ لِيُبَايِعَ رَجَوْت أَنْ يَسَعَ وَلَا يُحْبَسَ مَمْلُوكٌ وَلَا غَيْرُ بَالِغٍ مِنْ الْأَحْرَارِ وَلَا امْرَأَةٌ لِتُبَايِعَ وَإِنَّمَا يُبَايِعُ النِّسَاءُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَمَّا عَلَى الطَّاعَةِ فَهُنَّ لَا جِهَادَ عَلَيْهِنَّ وَكَيْفَ يُبَايِعْنَ وَالْبَيْعَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمَوْلُودِينَ فِي الْإِسْلَامِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْجِهَادِ وَأَمَّا إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ فَلَا أَرَى أَنْ يُحْبَسَ أَسِيرُهُمْ وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْبَغْيِ أَنْظِرُونَا نَنْظُرْ فِي أَمْرِنَا لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يُنْظَرُوا قَالَ وَلَوْ قَالُوا أَنْظِرُونَا مُدَّةً رَأَيْت أَنْ يَجْتَهِدَ الْإِمَامُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ يَرْجُو فَيْئَتَهُمْ أَحْبَبْت الِاسْتِينَاءُ بِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ ذَلِكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ جِهَادَهُمْ وَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَى الْفِئَةِ الْعَادِلَةِ الضَّعْفَ عَنْهُمْ رَجَوْتُ تَأْخِيرَهُمْ إلَى أَنْ يَرْجِعُوا أَوْ تُمْكِنُهُ الْقُوَّةُ عَلَيْهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ سَأَلُوا أَنْ يُتْرَكُوا بِجُعْلٍ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ مُسْلِمٍ جَعْلٌ عَلَى تَرْكِ حَقٍّ قَبِلَهُ وَلَا يَتْرُكُ جِهَادَهُ لِيَرْجِعَ إلَى حَقٍّ مَنَعَهُ أَوْ عَنْ بَاطِلٍ رَكِبَهُ وَالْأَخْذُ مِنْهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي مَعْنَى الصَّغَارِ وَالذِّلَّةِ وَالصَّغَارُ لَا يَجْرِي عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ وَلَوْ سَأَلُوا أَنْ يُتْرَكُوا أَبَدًا مُمْتَنِعِينَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ إذَا قَوِيَ عَلَى قِتَالِهِمْ وَإِذَا تَحَصَّنُوا فَقَدْ قِيلَ يُقَاتَلُونَ بِالْمَجَانِيقِ وَالنِّيرَانِ وَغَيْرِهَا وَيَبِيتُونَ إنْ شَاءَ مَنْ يُقَاتِلُهُمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَأَنَا أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَقَّى ذَلِكَ فِيهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ بِالْإِمَامِ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ وَالضَّرُورَةُ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ قَوْمٍ مُتَحَصِّنًا فَيَغْزُونَهُ أَوْ يُحَرِّقُونَ عَلَيْهِ أَوْ يَرْمُونَهُ بِمَجَانِيقَ أَوْ عَرَّادَاتٍ أَوْ يُحِيطُونَ بِهِ فَيَخَافُ الِاصْطِلَامَ عَلَى مَنْ مَعَهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا أَوْ بَعْضُهُ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ رَمْيُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَالنَّارِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مُعَاقَبَةً بِمِثْلِ مَا فَعَلَ بِهِ قَالَ وَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْعَدْلِ عِنْدِي أَنْ يَسْتَعِينُوا عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَحَدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ذِمِّيٍّ وَلَا حَرْبِيٍّ وَلَوْ كَانَ حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ الظَّاهِرُ، وَلَا أَجْعَلُ لِمَنْ خَالَفَ دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الذَّرِيعَةَ إلَى قَتْلِ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ قَالَ وَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرُ أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ وَنِيَامًا وَكَيْفَمَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ إذَا بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ وَأَهْلُ الْبَغْيِ إنَّمَا يَحِلُّ قِتَالُهُمْ دَفْعًا لَهُمْ عَمَّا أَرَادُوا مِنْ قِتَالٍ أَوْ امْتِنَاعٍ مِنْ الْحُكْمِ فَإِذَا فَارَقُوا تِلْكَ الْحَالَ حَرُمَتْ دِمَاؤُهُمْ قَالَ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ أَيْضًا بِأَحَدٍ يَسْتَحِلُّ قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ وَجَرْحَى وَأَسْرَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْمَلَ فِيهِمْ بِخِلَافِ الْحَقِّ وَهَكَذَا مَنْ وَلِيَ شَيْئًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوَلَّاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِخِلَافِ الْحَقِّ فِيهِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ مَا وَصَفْت يُضْبَطُونَ بِقُوَّةِ الْإِمَامِ وَكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ حَتَّى لَا يَتَقَدَّمُوا عَلَى خِلَافِهِ وَإِنْ رَأَوْهُ حَقًّا لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ يَكْفِي كِفَايَتَهُمْ وَكَانُوا أَجْزَأَ فِي قِتَالِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ تَفَرَّقَ أَهْلُ الْبَغْيِ فَنَصَبَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَسَأَلَتْ الطَّائِفَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا إمَامَ أَهْلِ الْعَدْلِ مَعُونَتَهَا عَلَى الطَّائِفَةِ الْمُفَارِقَةِ لَهَا بِلَا رُجُوعٍ إلَى جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَكَانَتْ بِالْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ قُوَّةٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُمْ لَوْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ لَمْ أَرَ أَنْ يُعِينَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَذَلِكَ أَنَّ قِتَالَ إحْدَاهُمَا لَيْسَ بِأَوْجَبَ مِنْ قِتَالِ الْأُخْرَى وَأَنَّ قِتَالَهُ مَعَ إحْدَاهُمَا كَالْأَمَانِ لِلَّتِي تُقَاتِلُ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَضْعُفُ فَذَلِكَ أَسْهَلُ فِي أَنْ يَجُوزَ مُعَاوَنَةُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فَإِنْ انْقَضَى حَرْبُ الْإِمَامِ الْأُخْرَى لَمْ يَكُنْ لَهُ جِهَادُ الَّتِي أَعَانَ حَتَّى يَدْعُوَهَا وَيُعْذِرَ إلَيْهَا فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ الرُّجُوعِ نَبَذَ إلَيْهَا ثُمَّ جَاهَدَهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي شُغْلِ الْحَرْبِ وَعَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَالَ: أَخْطَأْت بِهِ ظَنَنْته مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أُحْلِفَ وَضَمِنَ دِيَتَهُ وَلَوْ قَالَ عَمَدْته أُقِيدُ مِنْهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكَذَلِكَ لَوْ صَارَ إلَى أَهْلِ الْعَدْلِ بَعْضُ أَهْلِ الْبَغْيِ تَائِبًا مُجَاهِدًا أَهْلَ الْبَغْيِ أَوْ تَارِكًا لِلْحَرْبِ وَإِنْ لَمْ يُجَاهِدْ أَهْلَ الْبَغْيِ فَقَتَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَدْلِ وَقَالَ قَدْ عَرَفْته بِالْبَغْيِ وَكُنْت أَرَاهُ إنَّمَا صَارَ إلَيْنَا لِيَنَالَ مِنْ بَعْضِنَا غِرَّةً فَقَتَلْته أُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَضَمِنَ دِيَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ هَذِهِ الشُّبْهَةَ أُقِيدُ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ إلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ رَجَعَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ عَنْ رَأْيِهِمْ وَأَمَّنَهُمْ السُّلْطَانُ فَقَتَلَ رَجُلًا مِنْهُمْ رَجُلٌ فَادَّعَى مَعْرِفَتَهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَجَهَالَتُهُ بِأَمَانِ السُّلْطَانِ لَهُمْ وَرُجُوعُهُمْ عَنْ رَأْيِهِمْ دُرِئَ عَنْهُ الْقَوَدُ وَأُلْزِمَ الدِّيَةَ بَعْدَ مَا يَحْلِفُ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَامِدًا أَقِيدَ بِمَا نَالَ مِنْ دَمٍ وَجُرْحٍ يُسْتَطَاعُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَكَانَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ فِيمَا لَا يُسْتَطَاعُ فِيهِ الْقِصَاصُ مِنْ الْجِرَاحِ قَالَ وَلَوْ أَنَّ تُجَّارًا فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ أَوْ أَهْلِ مَدِينَةٍ غَلَبَ عَلَيْهَا أَهْلُ الْبَغْيِ أَوْ أَسْرَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي أَيْدِيهِمْ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ غَيْرُ دَاخِلٍ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ بِرَأْيٍ وَلَا مَعُونَةٍ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ أَتَى حَدًّا لِلَّهِ أَوْ لِلنَّاسِ عَارِفًا بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى إقَامَتِهِ عَلَيْهِ أُقِيم عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلُّهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا فِي بِلَادِ الْحَرْبِ فَأَتَوْا ذَلِكَ عَالَمِينَ بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَغَيْرَ مُكْرَهِينَ عَلَى إتْيَانِهِ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ كُلُّ حَدٍّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِلنَّاسِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَلَصَّصُوا فَكَانُوا بِطَرَفٍ مُمْتَنِعِينَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمٌ أَوْ لَا يَتَلَصَّصُونَ وَلَا مُتَأَوِّلِينَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا تَجْرِي عَلَيْهِمْ الْأَحْكَامُ وَكَانُوا مِمَّنْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ بِالْعِلْمِ مَعَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ الْحُقُوقُ. [حُكْمُ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا ظَهَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى بَلَدٍ مِنْ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَامَ إمَامُهُمْ عَلَى أَحَدٍ حَدًّا لِلَّهِ أَوْ لِلنَّاسِ فَأَصَابَ فِي إقَامَتِهِ أَوْ أَخَذَ صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَوْفَى مَا عَلَيْهِمْ أَوْ زَادَهُ مَعَ أَخْذِهِ مَا عَلَيْهِمْ مَا لَيْسَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ عَلَيْهِمْ لَمْ يَعُودُوا عَلَى مَنْ حَدَّهُ إمَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ بِحَدٍّ وَلَا عَلَى مَنْ أَخَذُوا صَدَقَتَهُ بِصَدَقَةٍ عَامَّةٍ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ صَدَقَةٌ فَأَخَذُوا بَعْضَهَا اسْتَوْفَى إمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ مَا بَقِيَ مِنْهَا وَحَسَبَ لَهُمْ مَا أَخَذَ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْهَا: قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ فَأَخَذُوا ذَلِكَ مِنْهُ. قَالَ وَإِنْ أَرَادَ إمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ أَخْذَ الصَّدَقَةِ مِنْهُمْ فَادَّعَوْا أَنَّ إمَامَ أَهْلِ الْبَغْيِ أَخَذَهَا مِنْهُمْ فَهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ وَإِنْ ارْتَابَ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَحْلَفَهُ فَإِذَا حَلَفَ لَمْ تُعَدَّ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَكَذَلِكَ مَا أَخَذُوا مِنْ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَجِزْيَةِ الرِّقَابِ لَمْ يُعَدَّ عَلَى مَنْ أَخَذُوهُ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ ظَاهِرُ حُكْمِهِمْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذُوا ذَلِكَ فِيهِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ خَرَاجٍ وَجِزْيَةِ رَقَبَةٍ وَحَقٍّ لَزِمَ فِي مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ: وَلَوْ اسْتَقْضَى إمَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ رَجُلًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَوِّمَ بِمَا يُقَوِّمُ بِهِ الْقَاضِي مِنْ أَخْذِ الْحَقِّ لِبَعْضِ النَّاسِ مِنْ بَعْضٍ فِي الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا إذَا جَعَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ: وَلَوْ ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ لَمْ يَرْدُدْ مِنْ قَضَاءِ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ إلَّا مَا يُرَدُّ مِنْ قَضَاءِ الْقُضَاةِ غَيْرُهُ. وَذَلِكَ خِلَافُ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ إجْمَاعِ النَّاسِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى هَذَا أَوْ عَمَدَ الْحَيْفَ بِرَدِّ شَهَادَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي الْحِينِ الَّذِي يَرُدُّهَا فِيهِ أَوْ إجَازَةِ شَهَادَةِ غَيْرِ الْعَدْلِ فِي الْحِينِ الَّذِي يُجِيزُهَا فِيهِ وَلَوْ كَتَبَ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ بِحَقٍّ ثَبَتَ عِنْدَهُ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَالْأَغْلَبُ مِنْ هَذَا خَوْفُ أَنْ يَكُونَ يَرُدَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْعَدْلِ بِخِلَافِ رَأْيِهِ وَيَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ لَا عَدْلَ لَهُ بِمُوَافَقَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ مَخُوفٌ أَنْ يَكُونَ يَسْتَحِلُّ بَعْضَ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِمَا أَمْكَنَهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَقْبَلَ كِتَابَهُ وَكِتَابُهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ نَفَذَ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ لِلْقَاضِي رَدُّهُ إلَّا بِجَوْرٍ تَبَيَّنَ لَهُ وَلَوْ كَانُوا مَأْمُونِينَ عَلَى مَا وَصَفْنَا بِرَاءٍ مِنْ كُلِّ خَصْلَةٍ مِنْهُ وَكَتَبَ مِنْ بِلَادٍ نَائِيَةٍ يَهْلِكُ حَقُّ الْمَشْهُودِ لَهُ إنْ رَدَّ كِتَابَهُ فَقَبِلَ الْقَاضِي كِتَابَهُ كَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: وَكَانَ كِتَابُ قَاضِيهِمْ إذَا كَانَ كَمَا وَصَفْت فِي فَوْتِ الْحَقِّ إنْ رَدَّ شَبِيهًا بِحُكْمِهِ. قَالَ وَمَنْ شَهِدَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ عِنْدَ قَاضٍ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي الْحَالِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا مُحَارِبًا أَوْ مِمَّنْ يَرَى رَأْيَهُمْ فِي غَيْرِ مُحَارَبَةٍ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ بِاسْتِحْلَالِ بَعْضِ مَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يَشْهَدَ لِمَنْ وَافَقَهُ بِالتَّصْدِيقِ لَهُ عَلَى مَا لَمْ يُعَايِنْ وَلَمْ يَسْمَعْ أَوْ بِاسْتِحْلَالٍ لِمَالِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ دَمِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يَطْلُبُ بِهَا الذَّرِيعَةَ إلَى مَنْفَعَةِ الْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ نِكَايَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اسْتِحْلَالًا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ وَمَنْ كَانَ مِنْ هَذَا بَرِيئًا مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ عَدْلًا جَازَتْ شَهَادَتُهُ. قَالَ: وَلَوْ وَقَعَ لِرَجُلٍ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ عَلَى رَجُلٍ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ حَقٌّ فِي دَمِ نَفْسٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ مَالٍ وَجَبَ عَلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ الْأَخْذُ لَهُ بِهِ لَا يَخْتَلِفُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيمَا يُؤْخَذُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ الْحَقِّ فِي الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ حَقٌّ عَلَى قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْبَاغِي لِغَيْرِ الْبَاغِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ حَقَّهُ، وَلَوْ امْتَنَعَ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ أَخْذِ الْحَقِّ مِنْهُمْ لِمَنْ خَالَفَهُمْ كَانَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا ظَالِمًا وَلَمْ يَكُنْ لِقَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَمْنَعَ أَهْلَ الْبَغْيِ حُقُوقَهُمْ قِبَلَ أَهْلِ الْعَدْلِ بِمَنْعِ قَاضِيهِمْ الْحَقَّ مِنْهُمْ قَالَ: وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ الْحَقَّ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالذِّمَّةِ وَإِنْ مَنَعَ أَهْلُ الْحَرْبِ الْحَقَّ يَقَعُ عَلَيْهِمْ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِالصَّبْرِ لِلْحَقِّ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ مَنْعُ رَئِيسِ الْمُشْرِكِينَ حَقًّا قِبَلَ مَنْ بِحَضْرَتِهِ لِمُسْلِمٍ بِاَلَّذِي يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَمْنَعَ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا حَقَّهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاَلَّذِي ظَلَمَهُ. فَيُحْبَسُ لَهُ مِثْلُ مَا أَخَذَ مِنْهُ وَلَا يَمْنَعُ رَجُلًا حَقًّا بِظُلْمِ غَيْرِهِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ الشَّافِعِيُّ. قَالَ: وَلَوْ ظَهَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى مِصْرٍ فَوَلَّوْا قَضَاءَهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلٍ مَعْرُوفًا بِخِلَافِ رَأْيِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَكَتَبَ إلَى قَاضٍ غَيْرِهِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا وَسَمَّى شُهُودًا شَهِدُوا عِنْدَهُ يُعَرِّفُهُمْ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ يُعَرِّفُهُمْ أَهْلُ الْعَدَالَةِ بِالْعَدْلِ وَخِلَافُ أَهْلِ الْبَغْيِ قَبْلَ الْكِتَابِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا فَكِتَابُهُ كَمَا وَصَفْت مِنْ كِتَابِ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ قَالَ: وَإِذَا غَزَا أَهْلُ الْبَغْيِ الْمُشْرِكِينَ مَعَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْتَقُوا فِي بِلَادِهِمْ فَاجْتَمَعُوا ثُمَّ قَاتَلُوا مَعًا فَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ إمَامٌ فَأَهْلُ الْبَغْيِ كَأَهْلِ الْعَدْلِ جَمَاعَتُهُمْ كَجَمَاعَتِهِمْ وَوَاحِدُهُمْ مِثْلُ وَاحِدِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ الْخُمُسُ قَالَ: فَإِنْ أَمَّنَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا أَوْ امْرَأَةً مِنْهُمْ جَازَ الْأَمَانُ وَإِنْ قَتَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي الْإِقْبَالِ كَانَ لَهُ السَّلَبُ. وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ فِي عَسْكَرٍ رِدْءًا لِأَهْلِ الْعَدْلِ فَسَرَّى أَهْلُ الْعَدْلِ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ أَوْ كَانَ أَهْلُ الْعَدْلِ رِدْءًا فَسَرَّى أَهْلُ الْبَغْيِ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ شَرِكَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ صَاحِبَتَهَا لَا يَفْتَرِقُونَ فِي حَالٍ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا دَفَعُوا الْخُمُسَ مِنْ الْغَنِيمَةِ كَانَ إمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ لِقَوْمٍ مُفْتَرِقِينَ فِي الْبُلْدَانِ يُؤَدِّيهِ إلَيْهِمْ لِأَنَّ حُكْمَهُ جَارٍ عَلَيْهِمْ دُونَ حُكْمِ إمَامِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِلُّ حَبْسَهُ اسْتِحْلَالَ الْبَاغِي. قَالَ: وَلَوْ وَادَعَ أَهْلُ الْبَغْيِ قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَزْوُهُمْ فَإِنْ غَزَاهُمْ فَأَصَابَ لَهُمْ شَيْئًا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ غَزَا أَهْلُ الْبَغْيِ قَوْمًا قَدْ وَادَعَهُمْ إمَامُ الْمُسْلِمِينَ فَسَبَاهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ فَإِنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ اسْتَخْرَجُوا ذَلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَرَدُّوهُ عَلَى أَهْلِهِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ: وَلَا يَحِلُّ شِرَاءُ أَحَدٍ مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ وَإِنْ اشْتَرَى فَشِرَاؤُهُ مَرْدُودٌ قَالَ: وَلَوْ اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ. وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْعَدْلِ وَادَعُوا أَهْلَ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ حَلَالٌ لِأَهْلِ الْعَدْلِ قِتَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَسَبْيُهُمْ وَلَيْسَ كَيْنُونَتُهُمْ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَمَانٍ إنَّمَا يَكُونُ لَهُمْ الْأَمَانُ عَلَى الْكَفِّ فَأَمَّا عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَلَوْ كَانَ لَهُمْ أَمَانٌ فَقَاتَلُوا أَهْلَ الْعَدْلِ كَانَ نَقْضًا لَهُ: وَقَدْ قِيلَ: لَوْ اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ هَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ لِأَنَّهُمْ مَعَ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَرَى إنْ كَانُوا مُكْرَهِينَ أَوْ ذَكَرُوا جَهَالَةً فَقَالُوا كُنَّا نَرَى عَلَيْنَا إذَا حَمَلَتْنَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُخْرَى أَنَّهَا إنَّمَا تَحْمِلُنَا عَلَى مَنْ يَحِلُّ دَمُهُ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ أَوْ قَالُوا لَمْ نَعْلَمُ أَنَّ مَنْ حَمَلُونَا عَلَى قِتَالِهِ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ هَذَا نَقْضًا لِعَهْدِهِمْ وَيُؤْخَذُونَ بِكُلِّ مَا أَصَابُوا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ مِنْ دَمٍ وَمَالٍ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَنَتَقَدَّمُ إلَيْهِمْ وَنُجَدِّدُ عَلَيْهِمْ شَرْطًا بِأَنَّهُمْ إنْ دَرَجُوا إلَى مِثْلِ هَذَا اُسْتُحِلَّ قَتْلُهُمْ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ قَالَ: فَإِنْ أَتَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ تَائِبًا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُحَرَّمُ الدَّمِ وَإِذَا قَاتَلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مَعَ أَهْلِ الْعَدْلِ أَهْلَ الْحَرْبِ لَمْ يُعْطَوْا سَلَبًا وَلَا خُمُسًا وَلَا سَهْمًا وَإِنَّمَا يُرْضَخُ لَهُمْ وَلَوْ رَهَنَ أَهْلُ الْبَغْيِ نَفَرًا مِنْهُمْ عِنْدَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَرَهَنَهُمْ أَهْلُ الْعَدْلِ رَهْنًا. وَقَالُوا احْبِسُوا رَهْنَنَا حَتَّى نَدْفَعَ إلَيْكُمْ رَهْنَكُمْ وَتَوَادَعُوا عَلَى ذَلِكَ إلَى مُدَّةٍ جَعَلُوهَا بَيْنَهُمْ فَعَدَا أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى رَهْنِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَتَلُوهُمْ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَقْتُلُوا رَهْنَ أَهْلِ الْبَغْيِ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ وَلَا أَنْ يَحْبِسُوهُمْ إذَا أَثْبَتُوا أَنْ قَدْ قُتِلَ أَصْحَابُهُمْ لِأَنَّ أَصْحَابَهُمْ لَا يَدْفَعُونَ إلَيْهِمْ أَبَدًا وَلَا يُقْتَلُ الرَّهْنُ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ رَهْنُ أَهْلِ الْبَغْيِ بِلَا رَهْنٍ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَوَادَعُوهُمْ إلَى مُدَّةٍ فَجَاءَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ وَقَدْ غَدَرَ الْبَغْيُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَبْسُ الرَّهْنِ بِغَدْرِ غَيْرِهِمْ. قَالَ: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ أَمَّنُوا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ جَاهِلٌ كَانَ فِيهِ الدِّيَةُ. وَإِذَا قَتَلَ الْعَدْلِيُّ الْبَاغِيَّ عَامِدًا وَالْقَاتِلُ وَارِثُ الْمَقْتُولِ أَوْ قَتَلَ الْبَاغِي الْعَدْلِيَّ وَهُوَ وَارِثُهُ لَمْ أَرَ أَنْ يَتَوَارَثَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَيَرِثُهُمَا مَعًا وَرَثَتُهُمَا غَيْرُ الْقَاتِلَيْنِ، وَإِذَا قُتِلَ أَهْلُ الْبَغْيِ فِي مَعْرَكَةٍ وَغَيْرِهَا صَلَّى عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الصَّلَاةَ سُنَّةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْبَغْيِ إذَا قُتِلُوا فِي الْمَعْرَكَةِ فَإِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُصْنَعُ بِهِمْ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْتَى وَلَا يُبْعَثُ بِرُءُوسِهِمْ إلَى مَوْضِعٍ وَلَا يُصْلَبُونَ وَلَا يُمْنَعُونَ الدَّفْنَ، وَإِذَا قَتَلَ أَهْلَ الْعَدْلِ أَهْلُ الْبَغْيِ فِي الْمَعْرَكَةِ فَفِيهِمْ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُدْفَنُوا بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَالثِّيَابِ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا إنْ شَاءُوا لِأَنَّهُمْ شُهَدَاءُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُصْنَعُ بِهِمْ كَمَا يُصْنَعُ بِمَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّهُمْ مَقْتُولُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَشُهَدَاءُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ لِأَنَّ أَصْلَ الْحُكْمِ فِي الْمُسْلِمِينَ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَوْتَى إلَّا حَيْثُ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا تَرَكَهَا فِيمَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَالصِّبْيَانُ وَالنِّسَاءُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا قُتِلُوا مَعَهُمْ فَهُمْ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مِثْلُ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ. قَالَ: وَأَكْرَهُ لِلْعَدْلِيِّ أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَ ذِي رَحِمِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَلَوْ كَفَّ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ أَوْ ذِي رَحِمِهِ أَوْ أَخِيهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ لَهُ بَلْ أُحِبُّهُ وَذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ وَأَبَا بَكْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ» ، وَإِذَا قَتَلَتْ الْجَمَاعَةُ الْمُمْتَنِعَةُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ غَيْرِ الْمُتَأَوِّلَةِ أَوْ أَخَذَتْ الْمَالَ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ. وَإِذَا ارْتَدَّ قَوْمٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فَاجْتَمَعُوا وَقَاتَلُوا فَقُتِلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَإِذَا تَابُوا لَمْ يُتْبَعُوا بِدَمٍ وَلَا مَالٍ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَ لَا يُتْبَعُونَ؟ قِيلَ هَؤُلَاءِ صَارُوا مُحَارَبِينَ حَلَالَ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَمَا أَصَابَ الْمُحَارِبُونَ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُمْ وَمَا أُصِيبَ لَهُمْ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِمْ وَقَدْ قَتَلَ طُلَيْحَةُ عُكَاشَةَ بْنَ مُحْصِنٍ وَثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ ثُمَّ أَسْلَمَ هُوَ فَلَمْ يَضْمَنْ عَقْلًا وَلَا قَوَدًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَالْحَدُّ فِي الْمُكَابَرَةِ فِي الْمِصْرِ وَالصَّحْرَاءِ سَوَاءٌ وَلَعَلَّ الْمُحَارِبَ فِي الْمِصْرِ أَعْظَمُ ذَنْبًا. (قَالَ الرَّبِيعُ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ: يُقَادُ مِنْهُمْ إذَا ارْتَدُّوا وَحَارَبُوا فَقَتَلُوا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الشِّرْكَ إنْ لَمْ يَزِدْهُمْ شَرًّا لَمْ يَزِدْهُمْ خَيْرًا بِأَنْ يَمْنَعَ الْقَوَدَ مِنْهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ ظَهَرُوا عَلَى مَدِينَةٍ فَأَرَادَ قَوْمٌ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ قِتَالَهُمْ لَمْ أَرَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَعَهُمْ، فَإِنْ قَالُوا نُقَاتِلُكُمْ مَعًا وَسِعَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قِتَالُهُمْ دَفْعًا لَهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَعِيَالِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَكَانُوا فِي مَعْنَى مَنْ قُتِلَ دُونَ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ سَبَى الْمُشْرِكُونَ أَهْلَ الْبَغْيِ وَكَانَتْ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَسَعْ الْمُسْلِمِينَ الْكَفُّ عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَسْتَنْقِذُوا أَهْلَ الْبَغْيِ. وَلَوْ غَزَا الْمُسْلِمُونَ فَمَاتَ عَامِلُهُمْ فَغَزَوْا مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقِينَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَدَّ لِصَاحِبِهِ شَرِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ فِي الْغَنِيمَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ لِي قَائِلٌ: فَمَا تَقُولُ فِيمَنْ أَرَادَ مَالَ رَجُلٍ أَوْ دَمَهُ أَوْ حُرْمَتَهُ؟ قُلْتُ لَهُ: فَلَهُ دَفْعُهُ عَنْهُ، قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُدْفَعُ عَنْهُ إلَّا بِقِتَالٍ؟ قُلْت فَيُقَاتِلُهُ، قَالَ وَإِنْ أَتَى الْقِتَالُ عَلَى نَفْسِهِ؟ قُلْت: نَعَمْ. إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إلَّا بِذَلِكَ. قَالَ: وَمَا مَعْنَى يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ؟ قُلْت: أَنْ يَكُونَ فَارِسًا وَالْعَارِضُ لَهُ رَاجِلٌ فَيُمْعِنَ عَلَى الْفَرَسِ، أَوْ يَكُونَ مُتَحَصِّنًا فَيُغْلِقَ الْحِصْنَ السَّاعَةَ فَيَمْضِيَ عَنْهُ. وَإِنْ أَبَى إلَّا حَصْرَهُ وَقِتَالَهُ قَاتَلَهُ أَيْضًا، قَالَ: أَفَلَيْسَ قَدْ ذَكَرَ حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ، أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» فَقُلْت لَهُ حَدِيثَ عُثْمَانَ كَمَا حَدَّثَ بِهِ وَقَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ دَمُ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ» كَمَا قَالَ وَهَذَا كَلَامٌ عَرَبِيٌّ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أَتَى وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ حَلَّ دَمُهُ. كَمَا قَالَ: فَكَانَ رَجُلٌ زَنَى ثُمَّ تَرَكَ الزِّنَا وَتَابَ مِنْهُ أَوْ هَرَبَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي زَنَى فِيهِ فَقُدِرَ عَلَيْهِ قُتِلَ رَجْمًا وَلَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا عَامِدًا ثُمَّ تَرَكَ الْقَتْلَ فَتَابَ وَهَرَبَ عَلَيْهِ قَتْلٌ قَوَدًا وَإِذَا كَفَرَ فَتَابَ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْكُفْرِ وَهَذَانِ لَا يُفَارِقُهُمَا اسْمُ الزِّنَا وَالْقَتْلِ وَلَوْ تَابَا وَهَرَبَا فَيُقْتَلَانِ بِالِاسْمِ اللَّازِمِ لَهُمَا، وَالْكَافِرُ بَعْدَ إيمَانِهِ لَوْ هَرَبَ وَلَمْ يَتْرُكْ الْقَوْلَ بِالْكُفْرِ بَعْدَ مَا أَظْهَرَهُ قُتِلَ إلَّا أَنَّهُ إذَا تَابَ مِنْ الْكُفْرِ وَعَادَ إلَى الْإِسْلَامِ حَقَنَ دَمَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ إذَا رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ اسْمُ الْكُفْرِ فَلَا يُقْتَلُ وَقَدْ عَادَ مُسْلِمًا وَمَتَى لَزِمَهُ اسْمُ الْكُفْرِ فَهُوَ كَالزَّانِي وَالْقَاتِلِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَالْبَاغِي خَارِجٌ مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهُ حَلَالُ الدَّمِ مُطْلَقًا غَيْرُ مُسْتَثْنًى فِيهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ إذَا بَغَى وَامْتَنَعَ أَوْ قَاتَلَ مَعَ أَهْلِ الِامْتِنَاعِ قُوتِلَ دَفْعًا عَنْ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ مُنَازَعَةً لِيَرْجِعَ أَوْ يَدْفَعَ حَقًّا إنْ مَنَعَهُ فَإِنْ أَتَى لَا قِتَالَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا عَقْلَ فِيهِ وَلَا قَوَدَ فَإِنَّا أَبَحْنَا قِتَالَهُ، وَلَوْ وَلَّى عَنْ الْقِتَالِ أَوْ اعْتَزَلَ أَوْ جُرِحَ أَوْ أُسِرَ أَوْ كَانَ مَرِيضًا لَا قِتَالَ بِهِ لَمْ يُقْتَلْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحَالَاتِ وَلَا يُقَالُ لِلْبَاغِي وَحَالُهُ هَكَذَا حَلَالُ الدَّمِ وَلَوْ حَلَّ دَمُهُ مَا حُقِنَ بِالتَّوْلِيَةِ وَالْإِسَارِ وَالْجُرْحِ وَعَزْلِهِ الْقِتَالَ، وَلَا يُحْقَنُ دَمُ الْكَافِرِ حَتَّى يُسْلِمَ وَحَالُهُ مَا وَصَفْت قَبْلَهُ مِنْ حَالِ مَنْ أَرَادَ دَمَ رَجُلٍ أَوْ مَالَهُ. [الْخِلَافُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : حَضَرَنِي بَعْضُ النَّاسِ الَّذِي حَكَيْت حُجَّتَهُ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ فَكَلَّمَنِي بِمَا وَصَفْتُ وَحَكَيْت لَهُ جُمْلَةَ مَا ذَكَرْتَ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَالَ هَذَا كَمَا قُلْت وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا احْتَجَّ فِي هَذَا بِشَبِيهِ بِمَا احْتَجَجْتَ بِهِ وَلَقَدْ خَالَفَك أَصْحَابُنَا مِنْهُ فِي مَوَاضِعَ. قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: قَالُوا إذَا كَانَتْ لِلْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ فِئَةٌ تَرْجِعُ إلَيْهَا وَانْهَزَمُوا قُتِلُوا مُنْهَزِمِينَ وَذُفِّفَ عَلَيْهِمْ جَرْحَى وَقُتِلُوا أَسْرَى فَإِنْ كَانَتْ حَرْبُهُمْ قَائِمَةً فَأُسِرَ مِنْهُمْ أَسِيرٌ قُتِلَ أَسِيرُهُمْ وَذُفِّفَ عَلَى جَرْحَاهُمْ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْبَغْيِ فِئَةٌ وَانْهَزَمَ عَسْكَرُهُمْ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقْتَلَ مُدْبِرُهُمْ وَلَا أَسِيرُهُمْ وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرْحَاهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَقُلْتَ لَهُ إذَا زَعَمْتَ أَنَّ مَا احْتَجَجْنَا بِهِ حُجَّةٌ فَكَيْفَ رَغِبْت عَنْ الْأَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْحُجَّةُ أَقُلْت بِهَذَا خَبَرًا أَوْ قِيَاسًا؟ قَالَ: بَلْ قُلْت بِهِ خَبَرًا. قُلْت: وَمَا الْخَبَرُ؟ قَالَ إنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ: لَا يُقْتَلُ مُدْبِرٌ وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَهْلِ الْجَمَلِ فِئَةٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَقُلْت لَهُ أَفَرَوَيْت عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهَا قَتَلْنَا مُدْبِرَهُمْ وَأَسِيرَهُمْ وَجَرِيحَهُمْ فَتَسْتَدِلُّ بِاخْتِلَافِ حُكْمِهِ عَلَى اخْتِلَافِ السِّيرَةِ فِي الطَّائِفَتَيْنِ عِنْدَهُ؟ قَالَ لَا وَلَكِنَّهُ عِنْدِي عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. قُلْت أَفَبِدَلَالَةٍ؟ فَأَوْجَدْنَاهَا. فَقَالَ فَكَيْفَ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ مُقْبِلِينَ وَلَا يَجُوزُ مُدْبِرِينَ؟ قُلْت بِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَذِنَ بِقِتَالِهِمْ إذَا كَانُوا بَاغِينَ. قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] وَإِنَّمَا يُقَاتَلُ مَنْ يُقَاتِلُ، فَأَمَّا مَنْ لَا يُقَاتِلُ فَإِنَّمَا يُقَالُ اُقْتُلُوهُ لَا فَقَاتِلُوهُ وَلَوْ كَانَ فِيمَا احْتَجَجْت بِهِ مِنْ هَذَا حُجَّةٌ كَانَتْ عَلَيْك لِأَنَّك تَقُولُ لَا تَقْتُلُونَ مُدْبِرًا وَلَا أَسِيرًا وَلَا جَرِيحًا إذَا انْهَزَمَ عَسْكَرُهُمْ وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ قَالَ قُلْته اتِّبَاعًا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مِثْلِ مَا اتَّبَعْته فِيهِ، وَقُلْت أَرَأَيْت إنْ احْتَجَّ عَلَيْك أَحَدٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك وَقَالَ نَقْتُلُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ انْهَزَمَ عَسْكَرُهُمْ لِأَنَّ عَلِيًّا قَدْ يَكُونُ تَرَكَ قَتْلَهُمْ عَلَى وَجْهِ الْمَنِّ لَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ احْتَمَلَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ قُلْت وَلَا لَك لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا يَحْتَمِلُهُ دَلَالَةً عَلَى قَتْلِ مَنْ كَانَتْ لَهُ فِئَةٌ مُوَلِّيًا وَأَسِيرًا أَوْ جَرِيحًا. (قَالَ) : وَقُلْت وَمَا أَلْفَيْته مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا هُوَ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ مَعْنَيَيْنِ، إمَّا مَا قُلْنَا بِالِاسْتِدْلَالِ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِعْلِ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ السَّلَفِ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ أَسَرَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِمَّنْ مَنَعَ الصَّدَقَةَ فَمَا ضَرَبَهُ وَلَا قَتَلَهُ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَدْ أَسَرَ وَقَدَرَ عَلَى مَنْ امْتَنَعَ فَمَا ضَرَبَهُ وَلَا قَتَلَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ إلَى هَذَا يُحِلُّ دِمَاءَهُمْ فَيُقْتَلُونَ فِي كُلِّ حَالٍ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ قَالَ لَا يُقْتَلُونَ فِي هَذِهِ الْحَالِ. قُلْت أَجَلٌ وَلَا فِي الْحَالِ الَّتِي أَبَحْت دِمَاءَهُمْ فِيهَا، وَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ فَكَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ فِئَةٌ كَانُوا كَثِيرًا وَانْصَرَفَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ فَكَانُوا يَحْتَمِلُونَ أَنْ تَكُونَ الْفِئَةُ الْمُنْصَرِفَةُ أَوَّلًا فِئَةً لِلْفِئَةِ الْمُنْصَرِفَةِ آخِرًا، وَقَدْ كَانَتْ فِي الْمُسْلِمِينَ هَزِيمَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَائِفَةٌ بِالشِّعْبِ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِئَةً لِمَنْ انْحَازَ إلَيْهِ وَهُمْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَقَدْ يَكُونُ لِلْقَوْمِ فِئَةٌ فَيَنْهَزِمُونَ وَلَا يُرِيدُونَهَا وَلَا يُرِيدُونَ الْعَوْدَةَ لِلْقِتَالِ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِئَةٌ فَيَنْهَزِمُونَ يُرِيدُونَ الرُّجُوعَ لِلْقِتَالِ وَقَدْ وَجَدْت الْقَوْمَ يُرِيدُونَ الْقِتَالَ وَيَشْحَذُونَ السِّلَاحَ فَتَزْعُمُ نَحْنُ وَأَنْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا قِتَالُهُمْ مَا لَمْ يَنْصِبُوا إمَامًا وَيَسِيرُوا وَنَحْنُ نَخَافُهُمْ عَلَى الْإِيقَاع بِنَا فَكَيْفَ أَبَحْت قِتَالَهُمْ بِإِرَادَةِ غَيْرِهِمْ الْقِتَالَ أَوْ بِتَرْكِ غَيْرِهِمْ الْهَزِيمَةَ وَقَدْ انْهَزَمُوا هُمْ وَجُرِحُوا وَأُسِرُوا وَلَا تُبِيحُ قِتَالَهُمْ بِإِرَادَتِهِمْ الْقِتَالَ؟ وَقُلْت لَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك فِي هَذَا حُجَّةٌ إلَّا فِعْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَوْلُهُ كُنْت مَحْجُوجًا بِفِعْلِ عَلِيٍّ وَقَوْلِهِ قَالَ وَمَا ذَاكَ؟ قُلْت أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي فَاخِتَةَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أُتِيَ بِأَسِيرٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَالَ لَا تَقْتُلْنِي صَبْرًا فَقَالَ عَلِيٌّ " لَا أَقْتُلُك صَبْرًا إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ " فَخَلَّى سَبِيلَهُ ثُمَّ قَالَ أَفِيك خَيْرٌ أَيُبَايِعُ؟ . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْحَرْبُ يَوْمَ صِفِّينَ قَائِمَةٌ وَمُعَاوِيَةُ يُقَاتِلُ جَادًّا فِي أَيَّامِهِ كُلِّهَا مُنْتَصِفًا أَوْ مُسْتَعْلِيًا وَعَلِيٌّ يَقُولُ لِأَسِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ لَا أَقْتُلُك صَبْرًا إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَأَنْتَ تَأْمُرُ بِقَتْلِ مِثْلِهِ؟ قَالَ فَلَعَلَّهُ مَنَّ عَلَيْهِ قُلْت هُوَ يَقُولُ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَالَ يَقُولُ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ فَأَطْلُبُ الْأَجْرَ بِالْمَنِّ عَلَيْك قُلْت أَفَيَجُوزُ إذْ قَالَ لَا يُقْتَلُ مُدْبِرٌ وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ لِمَنْ لَا فِئَةَ لَهُ مِثْلُ حُجَّتِك؟ قَالَ لَا لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَيْهِ قُلْت وَلَا دَلَالَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي فَاخِتَةَ عَلَى مَا قُلْت وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى خِلَافِك لِأَنَّهُ لَوْ قَالَهُ رَجَاءَ الْأَجْرِ قَالَ إنِّي لَأَرْجُو اللَّهَ. وَاسْمُ الرَّجَاءِ بِمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مُبَاحًا لَهُ أَوْلَى مِنْ اسْمِ الْخَوْفِ وَاسْمُ الْخَوْفِ بِمَنْ تَرَكَ شَيْئًا خَوْفَ الْمَأْثَمِ أَوْلَى وَإِنْ احْتَمَلَ اللِّسَانُ الْمَعْنَيَيْنِ قَالَ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ قَوْلَك لَا نَسْتَمْتِعُ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ بِشَيْءٍ إلَّا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ قُلْت وَمَا تِلْكَ الْحَالُ؟ قَالَ إذَا كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً اُسْتُمْتِعَ بِدَوَابِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ فَإِذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ رُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى وَرَثَتِهِمْ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ عَارَضَنَا وَإِيَّاكَ مُعَارِضٌ يَسْتَحِلُّ مَالَ مَنْ اُسْتُحِلَّ دَمُهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ؟ فَقَالَ الدَّمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ الْمَالِ فَإِذَا حَلَّ الدَّمُ كَانَ الْمَالُ لَهُ تَبَعًا هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا فِي رِجَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ خَالَفُوا دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَكَذَا وَتَحِلُّ أَمْوَالُهُمْ أَيْضًا بِمَا لَا تَحِلُّ بِهِ دِمَاؤُهُمْ وَذَلِكَ إنْ يُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ فَيُسْتَرَقُّونَ وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ وَالْحُكْمُ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ مُبَايِنٌ لِهَذَا قَدْ يَحِلُّ دَمُ الزَّانِي مِنْهُمْ وَالْقَاتِلُ وَلَا يَحِلُّ مِنْ مَالِهِمَا شَيْءٌ وَذَلِكَ لِجِنَايَتِهِمَا وَلَا جِنَايَةَ عَلَى أَمْوَالِهِمَا وَالْبَاغِي أَخَفُّ حَالًا مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يُقَالُ لِلزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْقَاتِلِ هَذَا مُبَاحُ الدَّمِ مُطْلَقًا لَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِ وَلَا يُقَالُ لِلْبَاغِي مُبَاحُ الدَّمِ إنَّمَا يُقَالُ عَلَى الْبَاغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْبَغْيِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُ بِالْكَلَامِ أَوْ كَانَ بَاغِيًا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مُقَاتِلٍ لَمْ يَحِلَّ قِتَالُهُ وَإِنْ يُقَاتِلْ فَلَمْ يَخْلُصْ إلَى دَمِهِ حَتَّى يَصِيرَ فِي غَيْرِ مَعْنَى قِتَالٍ بِتَوْلِيَةٍ أَوْ أَنْ يَصِيرَ جَرِيحًا أَوْ مُلْقِيًا لِلسِّلَاحِ أَوْ أَسِيرًا لَمْ يَحِلَّ دَمُهُ فَقَالَ هَذَا الَّذِي إذَا كَانَ هَكَذَا حُرِّمَ أَوْ مِثْلُ حَالِ الزَّانِي وَالْقَاتِلُ مُحَرَّمُ الْمَالِ قَالَ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا هَذَا وَمَا فَوْقَ هَذَا حُجَّةٌ؟ فَقُلْت هَلْ الَّذِي حَمِدْت حُجَّةً عَلَيْك؟ قَالَ إنِّي إنَّمَا آخُذُهُ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِي وَأَوْهَنُ لَهُمْ مَا كَانُوا يُقَاتِلُونَ فَقُلْت فَهَلْ يَعْدُو مَا أَخَذْت مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَنْ تَأْخُذَ مَالَ قَتِيلٍ قَدْ صَارَ مِلْكُهُ لِطِفْلٍ أَوْ كَبِيرٍ لَمْ يُقَاتِلْك قَطُّ فَتَقْوَى بِمَالِ غَائِبٍ عَنْك غَيْرِ بَاغٍ عَلَى بَاغٍ يُقَاتِلُك غَيْرُهُ أَوْ مَالِ جَرِيحٍ أَوْ أَسِيرٍ أَوْ مُوَلٍّ قَدْ صَارُوا فِي غَيْرِ مَعْنَى أَهْلِ الْبَغْيِ الَّذِينَ يَحِلُّ قِتَالُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ أَوْ مَالُ رَجُلٍ يُقَاتِلُك يَحِلُّ لَك دَفْعُهُ وَإِنْ أَتَى الدَّفْعُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا جِنَايَةَ عَلَى مَالِهِ أَوْ رَأَيْت لَوْ سَبَى أَهْلُ الْبَغْيِ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَأْخُذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا نَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ لِنَسْتَنْقِذَهُمْ فَنُعْطِيَهُمْ بِاسْتِنْقَاذِهِمْ خَيْرًا مِمَّا نَسْتَمْتِعُ بِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ؟ . قَالَ لَا قُلْت وَقَلِيلُ الِاسْتِمْتَاعِ بِأَمْوَالِ النَّاسِ مُحَرَّمٌ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا أَحَلَّ لَك الِاسْتِمْتَاعَ بِأَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ ثُمَّ اسْتَمْتَعْت بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ دُونَ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ، وَالْمَالُ غَيْرُهُمَا؟ قَالَ فَمَا فِيهِ قِيَاسٌ وَمَا الْقِيَاسُ فِيهِ إلَّا مَا قُلْت وَلَكِنِّي قُلْته خَبَرًا قُلْت وَمَا الْخَبَرُ؟ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - غَنِمَ مَا فِي عَسْكَرِ مَنْ قَاتَلَهُ فَقُلْت لَهُ قَدْ رَوَيْتُمْ أَنَّ عَلِيًّا عَرَّفَ وَرَثَةَ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ حَتَّى تَغَيُّبَ قِدْرٍ أَوْ مِرْجَلٍ أَفَسَارَ عَلَى عَلِيٍّ بِسِيرَتَيْنِ إحْدَاهُمَا غَنِمَ وَالْأُخْرَى لَمْ يَغْنَمْ فِيهَا؟ قَالَ لَا وَلَكِنَّ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ وَهْمٌ قُلْت فَأَيُّهُمَا الْوَهْمُ؟ قَالَ مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قُلْت مَا أَعْرِفُ مِنْهُمَا وَاحِدًا ثَابِتًا عَنْهُ فَإِنْ عَرَفْت الثَّابِتَ فَقُلْ بِمَا يَثْبُتُ عَنْهُ قَالَ مَالُهُ أَنْ يَغْنَمَ أَمْوَالَهُمْ قُلْت أَلِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مُحَبَّةٌ؟ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت فَقَدْ خَالَفْت الْحَدِيثَيْنِ عَنْهُ وَأَنْتَ لَا تَغْنَمُ وَقَدْ زَعَمْت أَنَّهُ غَنِمَ وَلَا تَتْرُكُ وَقَدْ زَعَمْت أَنَّهُ تَرَكَ قَالَ إنَّمَا اسْتَمْتَعَ بِهَا فِي حَالٍ قُلْت فَالْمَحْظُورُ يُسْتَمْتَعُ بِهِ فِيمَا سِوَى هَذَا؟ قَالَ لَا قُلْت أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْئَانِ مَحْظُورَانِ فَيُسْتَمْتَعُ بِأَحَدِهِمَا وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْآخَرِ بِلَا خَبَرٍ؟ قَالَ لَا قُلْت فَقَدْ أَجَزْته. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ وَجَدْت لَهُمْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ تُقَوِّيَك عَلَيْهِمْ أَتَأْخُذُهَا؟ قَالَ لَا قُلْت فَقَدْ تَرَكْت مَا هُوَ أَشَدُّ لَك عَلَيْهِمْ تَقْوِيَةً مِنْ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ قَالَ فَإِنَّ صَاحِبَنَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَى قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ فَقُلْت لَهُ وَلِمَ؟ وَصَاحِبُك يُصَلِّي عَلَى مَنْ قَتَلَهُ فِي حَدٍّ وَالْمَقْتُولُ فِي حَدٍّ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِك قَتْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ وَالْبَاغِي يَحْرُمُ عَلَى صَاحِبِك قَتْلُهُ مُوَلِّيًا وَرَاجِعًا عَنْ الْبَغْيِ فَإِذَا تَرَكَ صَاحِبُك الصَّلَاةَ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا قَتْلُهُ أَوْلَى أَنْ يَتْرُكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ؟ قَالَ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ ليتنكل غَيْرُهُ عَنْ مِثْلِ مَا صَنَعَ قُلْت أَوْ يُعَاقِبُهُ صَاحِبُك بِمَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ بِهِ؟ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فَلْيَصْلُبْهُ أَوْ لِيُحَرِّقْهُ فَهُوَ أَشَدُّ فِي الْعُقُوبَةِ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَوْ يَجُزَّ رَأْسَهُ فَيَبْعَثْ بِهِ؟ قَالَ لَا يَفْعَلُ بِهِ مِنْ هَذَا شَيْئًا قُلْت وَهَلْ يُبَالِي مَنْ قَاتَلَك عَلَى أَنَّك كَافِرٌ أَنْ لَا تُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرَى صَلَاتَك لَا تُقَرِّبُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ وَقُلْت صَاحِبُك لَوْ غَنِمَ مَالَ الْبَاغِي كَانَ أَبْلَغَ فِي تَنْكِيلِ النَّاسِ حَتَّى لَا يَصْنَعُوا مِثْلَ مَا صَنَعَ الْبَاغِي قَالَ مَا يُنَكِّلُ أَحَدٌ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنَكِّلَ بِهِ قُلْت فَقَدْ فَعَلْت وَقُلْتُ لَهُ أَتَمْنَعُ الْبَاغِيَ أَنْ تُجُوِّزَ شَهَادَتُهُ أَوْ يُنَاكِحَ أَوْ يُوَارِثُ أَوْ شَيْئًا مِمَّا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ لَا قُلْت قَالَ فَكَيْفَ مَنَعْته الصَّلَاةَ وَحْدَهَا؟ أَبِخَبَرٍ؟ لَا قُلْت فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ أُصَلِّي عَلَيْهِ وَأَمْنَعُهُ أَنْ يُنَاكِحَ أَوْ يُوَارِثُ قَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ شَيْئًا مِمَّا لَا يَمْنَعُهُ الْمُسْلِمَ إلَّا بِخَبَرٍ قُلْت فَقَدْ مَنَعَهُ الصَّلَاةَ بِلَا خَبَرٍ وَقَالَ إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ أَخَاهُ وَأَخُوهُ بَاغٍ وَرِثَهُ لِأَنَّ لَهُ قَتْلَهُ وَإِذَا قَتَلَهُ أَخُوهُ لَمْ يَرِثْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَتْلُهُ فَقُلْت لَهُ فَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَنْ قَتَلَ أَخَاهُ عَمْدًا لَمْ يَرِثْ مِنْ مَالِهِ وَلَا مِنْ دَيْنِهِ إنْ أَخَذْت مِنْهُ شَيْئًا وَمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً وَرِثَ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَرِثْ مِنْ دِيَتِهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ عَلَى أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ لِيَرِثَ مَالَهُ وَرَوَى هَذَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ يَرْفَعُهُ فَقُلْت حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ وَقُلْت إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ» هَذَا عَلَى مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ الْقَتْلِ أَيُّمَا كَانَ تَعَمَّدَ الْقَتْلَ أَوْ مَرْفُوعًا عَنْهُ الْإِثْمُ بِأَنْ عَمَدَ غَرَضًا فَأَصَابَ إنْسَانًا فَكَيْفَ لَمْ يَقُلْ بِهَذَا فِي الْقَتِيلِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْعَدْلِ فَيَقُولُ كُلُّ مَنْ يَلْزَمُهُ اسْمُ قَاتِلٍ فَلَا يَرِثُ كَمَا احْتَجَجْت عَلَيْنَا؟ وَأَنْتَ أَيْضًا تُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْقَتْلِ فَتَقُولُ لَا أُقِيدُ وَاحِدًا مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَالِمًا لِأَنَّ كُلًّا مُتَأَوِّلٌ قَالَ فَإِنَّ صَاحِبَنَا قَالَ نُقَاتِلُ أَهْلَ الْبَغْيِ وَلَا يُدْعَوْنَ لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مَا يُدْعَوْنَ إلَيْهِ وَقَالَ حُجَّتُنَا فِيهِ أَنَّ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ جَازَ أَنْ يُقَاتَلَ وَلَا يُدْعَى فَقُلْت لَهُ لَوْ قَاسَ غَيْرُك أَهْلَ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ كُنْت شَبِيهًا بِالْخُرُوجِ إلَى الْإِسْرَافِ فِي تَضْعِيفِهِ كَمَا رَأَيْتُك تَفْعَلُ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا قَالَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ؟ . قُلْت أَرَأَيْت أَهْلَ الْبَغْيِ إذَا أَظْهَرُوا إرَادَةَ الْخُرُوجِ عَلَيْنَا وَالْبَرَاءَةَ مِنَّا وَاعْتَزَلُوا جَمَاعَتَنَا أَتَقْتُلُهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ؟ قَالَ لَا فَقُلْت وَلَا نَأْخُذُ لَهُمْ مَالًا وَلَا نَسْبِي لَهُمْ ذُرِّيَّةً؟ قَالَ لَا قُلْت أَفَرَأَيْت أَهْلَ الْحَرْبِ إذَا كَانُوا فِي دِيَارِهِمْ لَا يَهُمُّونَ بِنَا وَلَا يُعَرِّضُونَ بِذِكْرِنَا أَهْلَ قُوَّةٍ عَلَى حَرْبِنَا فَتَرَكُوهَا أَوْ ضَعُفَ عَنْهَا فَلَمْ يَذْكُرُوهَا أَيَحِلُّ لَنَا أَنْ نُقَاتِلَهُمْ نِيَامًا كَانُوا أَوْ مُوَلِّينَ وَمَرْضَى وَنَأْخُذَ مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ وَسَبْيِ نِسَائِهِمْ وَأَطْفَالِهِمْ وَرِجَالِهِمْ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَمَا يَحِلُّ مِنْهُمْ مُقَاتِلِينَ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ مِثْلُ مَا يَحِلُّ مِنْهُمْ تَارِكِينَ لِلْحَرْبِ غَافِلِينَ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَأَهْلُ الْبَغْيِ مُقْبِلِينَ يُقَاتَلُونَ وَيُتْرَكُونَ مُوَلِّينَ فَلَا يُؤْخَذُ لَهُمْ مَالٌ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَرَاهُمْ يُشْبِهُونَهُمْ، قَالَ إنَّهُمْ لَيُفَارِقُونَهُمْ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ قُلْت بَلْ فِي أَكْثَرِهَا أَوْ كُلِّهَا قَالَ فَمَا مَعْنَى دَعْوَتِهِمْ؟ قُلْت قَدْ يَطْلُبُونَ الْأَمْرَ بِبَعْضِ الْخَوْفِ وَالْإِرْعَادِ فَيَجْتَمِعُونَ وَيَعْتَقِدُونَ وَيَسْأَلُونَ عَزْلَ الْعَامِلِ وَيَذْكُرُونَ جَوْرَهُ أَوْ رَدَّ مَظْلِمَتِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَيُنَاظِرُونَ فَإِنْ كَانَ مَا طَلَبُوا حَقًّا أُعْطُوهُ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا أُقِيمَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَإِنْ تَفَرَّقُوا قَبْلَ هَذَا تَفَرُّقًا لَا يَعُودُونَ لَهُ فَذَاكَ وَإِنْ أَبَوْا إلَّا الْقِتَالَ قُوتِلُوا وَقَدْ اجْتَمَعُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَلَّمَهُمْ فَتَفَرَّقُوا بِلَا حَرْبٍ وَقُلْت لَهُ وَإِذَا كَانُوا عِنْدَنَا وَعِنْدَك إذَا قَاتَلُوا فَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ ثُمَّ وَلَّوْا لَمْ يُقْتَلُوا مُوَلِّينَ لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ مَعَ عِظَمِ الْجِنَايَةِ فَكَيْفَ تُبَيِّتُهُمْ فَتَقْتُلُهُمْ قَبْلَ قِتَالِهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ وَقَدْ يُمْكِنُ فِيهِمْ الرُّجُوعُ بِلَا سَفْكِ دَمٍ وَلَا مُؤْنَةٍ أَكْثَرَ مِنْ الْكَلَامِ وَرَدِّ مَظْلِمَةٍ إنْ كَانَتْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ رَدُّهَا إذَا عَلِمَهَا قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا. [الْأَمَانُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَجُوزُ أَمَانُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فَإِنْ أَمَّنَ أَهْلَ بَغْيٍ أَوْ حَرْبٍ وَكَانَ يُقَاتِلُ أَجَزْنَا أَمَانَهُ كَمَا نُجِيزُ أَمَانَ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَ لَا يُقَاتِلُ لَمْ نُجِزْ أَمَانَهُ، فَقُلْت لَهُ لِمَ فَرَّقْت بَيْنَ الْعَبْدِ يُقَاتِلُ وَلَا يُقَاتِلُ؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» فَقُلْت لَهُ هَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْك، قَالَ وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت إنْ زَعَمْت أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» عَلَى الْأَحْرَارِ دُونَ الْمَمَالِيكِ فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ الْمَمْلُوكَ يُؤَمِّنُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْحَدِيثِ، قَالَ مَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ الْحَدِيثِ وَإِنَّهُ لَيَلْزَمُهُ اسْمُ الْإِيمَانِ، فَقُلْت لَهُ فَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْحَدِيثِ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَمَانُهُ إذَا لَمْ يُقَاتِلْ؟ قَالَ إنَّمَا يُؤَمِّنُ الْمُقَاتِلِينَ مُقَاتِلٌ، قُلْت وَرَأَيْت ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً فِي الْحَدِيثِ أَوْ وَجَدْت عَلَيْهِ دَلَالَةً مِنْهُ؟ قَالَ كَانَ الْعَقْلُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا قُلْت لَيْسَ كَمَا تَقُولُ الْحَدِيثُ وَالْعَقْلُ مَعًا يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَمَانُ الْمُؤْمِنِ بِالْإِيمَانِ لَا بِالْقِتَالِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قُلْتَ كُنْتَ قَدْ خَالَفْت أَصْلَ مَذْهَبِك قَالَ وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت زَعَمْت أَنَّ الْمَرْأَةَ تُؤَمِّنُ، فَيَجُوزُ أَمَانُهَا وَالزَّمِنُ لَا يُقَاتِلُ يُؤَمِّنُ فَيَجُوزُ أَمَانُهُ وَكَانَ يَلْزَمُك فِي هَذَيْنِ عَلَى أَصْلِ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ أَنْ لَا يَجُوزُ أَمَانُهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يُقَاتِلَانِ قَالَ فَإِنِّي أَتْرُكُ هَذَا كُلَّهُ فَأَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ فَدِيَةُ الْعَبْدِ أَقَلُّ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَلَيْسَ بِكُفْءٍ بِدَمِهِ لِدَمِهِ، فَقُلْت لَهُ الْقَوْلُ الَّذِي صِرْت إلَيْهِ أَبْعَدُ مِنْ الصَّوَابِ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي بَانَ لَك تَنَاقُضُ قَوْلِك فِيهِ، قَالَ وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت أَتَنْظُرُ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ " إلَى الْقَوَدِ أَمْ إلَى الدِّيَةِ؟ قَالَ إلَى الدِّيَةِ، قُلْت فَدِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَأَنْتَ تُجِيزُ أَمَانَهَا، وَدِيَةُ بَعْضِ الْعَبِيدِ عِنْدَك أَكْثَرُ مِنْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ فَلَا تُجِيزُ أَمَانَهُ؟ . وَقَدْ يَكُونُ الْعَبْدُ لَا يُقَاتِلُ أَكْثَرَ دِيَةً مِنْ الْعَبْدِ يُقَاتِلُ وَلَا تُجِيزُ أَمَانَهُ وَيَكُونُ الْعَبْدُ يُقَاتِلُ عَنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَتُجِيزُ أَمَانَهُ فَقَدْ تَرَكْت أَصْلَ مَذْهَبِك فِي إجَازَةِ أَمَانِ الْعَبْدِ الْمُقَاتِلِ يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ وَفِي الْمَرْأَةِ، قَالَ: فَإِنْ قُلْت إنَّمَا عَنَى " تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ " فِي الْقَوَدِ، قُلْت فَقُلْهُ قَالَ فَقَدْ قُلْت فَأَنْتَ تُقِيدُ بِالْعَبْدِ الَّذِي لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ الْحُرَّ دِيَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ كَانَ الْعَبْدُ مِمَّنْ يُحْسِنُ قِتَالًا أَوْ لَا يُحْسِنُهُ، قَالَ إنِّي لَأَفْعَلُ وَمَا هَذَا عَلَى الْقَوَدِ قُلْت أَجَلْ وَلَا عَلَى الدِّيَةِ وَلَا عَلَى الْقِتَالِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُنْت قَدْ تَرَكْته كُلَّهُ، قَالَ فَعَلَامَ هُوَ؟ قُلْت عَلَى اسْمِ الْإِيمَانِ قَالَ وَإِذَا أَسَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ أَهْلَ الْعَدْلِ وَكَانَ أَهْلُ الْعَدْلِ فِيهِمْ تُجَّارٌ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ اسْتَهْلَكَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَالًا لَمْ يُقْتَصَّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَلْزَمْ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا فِي دَارِ حَرْبٍ، فَقُلْت لَهُ أَتَعْنِي أَنَّهُمْ فِي حَالِ شُبْهَةٍ بِجُهَّالِهِمْ وَتَنَحِّيهِمْ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجَهَالَةِ مَنْ هُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ مِمَّنْ أَهْلُ بَغْيٍ أَوْ مُشْرِكِينَ؟ قَالَ لَا وَلَوْ كَانُوا فُقَهَاءَ يَعْرِفُونَ أَنَّ مَا أَتَوْا وَمَا هُوَ دُونَهُ مُحَرَّمٌ أَسْقَطْت ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ الدَّارَ لَا يَجْرِي عَلَيْهَا الْحُكْمُ فَقُلْت لَهُ إنَّمَا يَحْتَمِلُ قَوْلُك لَا يَجْرِي عَلَيْهَا الْحُكْم مَعْنَيَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنْ تَقُولَ لَيْسَ عَلَى أَهْلِهَا أَنْ يُعْطُوا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ جَارِيًا، وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَغْلِبَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَيَمْنَعُوهَا مِنْ الْحُكْمِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُصِيبُ فِيهِ هَؤُلَاءِ الْحُدُودِ فَأَيَّهُمَا عَنَيْت؟ قَالَ أَمَّا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ فَلَا أَقُولُ بِهِ عَلَى أَهْلِهَا أَنْ يَصِيرُوا إلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَسْتَسْلِمُوا لِلْحُكْمِ وَهُمْ بِمَنْعِهِ ظَالِمُونَ مُسْلِمُونَ كَانُوا أَوْ مُشْرِكِينَ وَلَكِنْ إذَا مَنَعُوا دَارَهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا طَاعَةٌ يَجْرِي فِيهَا الْحُكْمُ كَانُوا قَبْلَ الْمَنْعِ مُطِيعِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ أَوْ لَمْ يَكُونُوا مُطِيعِينَ قَبْلَهُ فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ فِي هَذِهِ الدَّارِ حُدُودًا بَيْنَهُمْ أَوْ لِلَّهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُمْ الْحُدُودُ وَلَا الْحُقُوقُ بِالْحُكْمِ وَعَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَأْدِيَتُهَا فَقُلْت لَهُ نَحْنُ وَأَنْتَ تُزْعَمُ أَنَّ الْقَوْلَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا أَوْ قِيَاسًا مَعْقُولًا فَأَخْبِرْنَا فِي أَيِّ الْمَعْنَيَيْنِ قَوْلُك؟ قَالَ قَوْلِي قِيَاسٌ لَا خَبَرٌ قُلْنَا فَعَلَامَ قِسْتَهُ؟ قَالَ عَلَى أَهْلِ دَارِ الْمُحَارَبِينَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَلَا نُقِيدُ مِنْهُمْ، قُلْت أَتَعْنِي مِنْ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقُلْت لَهُ أَهْلُ الدَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُخَالِفُونَ التُّجَّارَ وَالْأُسَارَى فِيهِمْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ خِلَافًا بَيِّنًا. قَالَ فَأَوْجَدَنِيهِ قُلْت أَرَأَيْت الْمُشْرِكِينَ الْمُحَارَبِينَ لَوْ سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ أَسْلَمُوا أَتَدَعُ السَّابِيَ يَتَخَوَّلُ الْمَسْبِيَّ مَوْقُوفًا لَهُ؟ قَالَ نَعَمْ: قُلْت فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ الْأُسَارَى أَوْ التُّجَّارُ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ، قَالَ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَسْتَرِقَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قُلْت أَفَرَأَيْت أَهْلَ الْحَرْبِ لَوْ غَزَوْنَا فَقَتَلُوا فِينَا ثُمَّ رَجَعُوا إلَى دَارِهِمْ فَأَسْلَمُوا أَوْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الرُّجُوعِ أَيَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ مِنْهُمْ قَوَدٌ؟ قَالَ: لَا. قُلْت فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ الْأُسَارَى أَوْ التُّجَّارُ غَيْرَ مُكْرَهِينَ وَلَا مُشْتَبَهٍ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: يُقْتَلُونَ قُلْت أَفَرَأَيْت الْمُسْلِمِينَ أَيَسَعُهُمْ أَنْ يَقْصِدُوا قَصْدَ الْأُسَارَى وَالتُّجَّارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ فَيَقْتُلُونَهُمْ؟ قَالَ لَا بَلْ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ، قُلْت أَفَيَسَعُهُمْ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت أَرَأَيْت الْأُسَارَى وَالتُّجَّارَ لَوْ تَرَكُوا صَلَوَاتٍ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَيَكُونُ عَلَيْهِمْ قَضَاؤُهَا أَوْ زَكَاةً كَانَ عَلَيْهِمْ أَدَاؤُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَّا مَا يَحِلُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لَا تُغَيِّرُ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَيَكُونُ أَسْقَطْت عَنْهُمْ حَقَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحَقَّ الْآدَمِيِّينَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا أَتَوْا فِي الدَّارِ الَّتِي لَا تُغَيِّرُ عِنْدَك شَيْئًا. ثُمَّ قُلْت وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ حَبْسُ حَقٍّ قِبَلَهُمْ فِي دَمٍ وَلَا غَيْرِهِ؟ وَمَا كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ حَبْسُهُ كَانَ عَلَى السُّلْطَانِ اسْتِخْرَاجُهُ مِنْهُمْ عِنْدَك فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ فَإِنِّي أَقِيسُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ الَّذِينَ أَبْطَلَ مَا أَصَابُوا إذَا كَانَ الْحُكْمُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ، قُلْت وَلَوْ قِسْتَهُمْ بِأَهْلِ الْبَغْيِ كُنْت قَدْ أَخْطَأْت الْقِيَاسَ، قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ مَا لَمْ يَنْصِبُوا إمَامًا وَيُظْهِرُوا حُكْمَهُمْ يُقَادُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ مَا أَصَابُوا وَتُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ وَالْأُسَارَى وَالتُّجَّارُ لَا إمَامَ لَهُمْ وَلَا امْتِنَاعَ فَلَوْ قِسْتَهُمْ بِأَهْلِ الْبَغْيِ كَانَ الَّذِي تُقِيمُ عَلَيْهِ الْحُدُودَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أَشْبَهُ بِهِمْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بِنَفْسِهِ وَهُمْ غَيْرُ مُمْتَنِعِينَ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَهْلُ الْبَغْيِ عِنْدَك إذَا قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِلَا شُبْهَةٍ ثُمَّ ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ أَقَدْتهمْ وَأَخَذْت لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَا ذَهَبَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ، فَقَالَ وَلَكِنَّ الدَّارَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ أَنْ يُجْرَى عَلَيْهَا الْحُكْمُ بِغَيْرِهِمْ فَإِنَّمَا مَنَعْتَهُمْ بِأَنَّ الدَّارَ لَا يُجْرَى عَلَيْهَا الْحُكْمُ، فَقُلْت لَهُ فَأَنْتَ إنْ قِسْتَهُمْ بِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ مُخْطِئٌ وَإِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَبْتَدِئَ بِاَلَّذِي رَجَعْت إلَيْهِ، قَالَ فَيَدْخُلُ عَلَيَّ فِي الَّذِي رَجَعْت إلَيْهِ شَيْءٌ؟ قُلْت نَعَمْ قَالَ وَمَا هُوَ؟ قُلْت أَرَأَيْت الْجَمَاعَةَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ يُحَارِبُونَ فَيَمْتَنِعُونَ فِي مَدِينَةٍ أَوْ صَحْرَاءَ فَيَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ وَيَأْخُذُونَ الْأَمْوَالَ وَيَأْتُونَ الْحُدُودَ؟ قَالَ يُقَامُ هَذَا كُلُّهُ عَلَيْهِمْ قُلْت وَلِمَ وَقَدْ مَنَعُوا هُمْ بِأَنْفُسِهِمْ دَارَهُمْ وَمَوَاضِعَهُمْ حَتَّى صَارُوا لَا تَجْرِي الْأَحْكَامُ عَلَيْهِمْ؟ وَإِنْ كُنْت إنَّمَا ذَهَبْت إلَى أَنَّهُ أَسْقَطَ الْحُكْمَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ امْتِنَاعُ الدَّارِ فَهَؤُلَاءِ مَنَعُوا الدَّارَ بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ أَنْ يُجْرَى عَلَيْهَا حُكْمٌ وَقَدْ أَجْرَيْت عَلَيْهِمْ الْحُكْمَ فَلِمَ أَجْرَيْته عَلَى قَوْمٍ فِي دَارٍ مَمْنُوعَةٍ مِنْ الْقَوْمِ وَأَسْقَطْته عَنْ آخَرِينَ؟ وَإِنْ كُنْت قُلْت يَسْقُطُ عَنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَأُولَئِكَ قَوْمٌ مُتَأَوِّلُونَ مَعَ الْمَنْعِيَّةِ مُشْبَهٌ عَلَيْهِمْ يَرَوْنَ أَنَّ مَا صَنَعُوا مُبَاحٌ لَهُمْ وَالْأُسَارَى وَالتُّجَّارُ الَّذِينَ أَسْقَطْت عَنْهُمْ الْحُدُودَ يَرَوْنَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ؟ فَإِنَّمَا قُلْت هَذَا فِي الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقْتَلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تَقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ قُلْت لَهُ أَفَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ إنْ كَانُوا غَيْرَ مُمْتَنِعِينَ؟ قَالَ نَعَمْ وَيُحْتَمَلُ وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا وَهُوَ يُحْتَمَلُ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ وَالْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا حَتَّى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ عَلَى بَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قُلْت لَهُ وَمَنْ قَالَ بِبَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ بِلَا دَلَالَةٍ لَهُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ مُخَالِفٌ لِلْآيَةِ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت لَهُ فَأَنْتَ إذًا تُخَالِفُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فَزَعَمْت فِي هَذَا وَغَيْرِهِ أَنَّك تَطْرَحُهُ عَنْ الْأُسَارَى وَالتُّجَّارِ بِأَنْ يَكُونُوا فِي دَارٍ مُمْتَنِعَةٍ وَلَمْ تَجِدْ دَلَالَةً عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا إجْمَاعٍ فَتُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِلَا دَلَالَةٍ وَتَخُصُّهُمْ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَنْبَغِي لِقَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ أَنْ يَحْكُمَ فِي الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ وَحُقُوقِ النَّاسِ وَإِذَا ظَهَرَ الْإِمَامُ عَلَى الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ قَاضٍ لِأَهْلِ الْبَغْيِ لَمْ يَرُدَّ مِنْ حُكْمِهِ إلَّا مَا يَرُدُّ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ مِنْ قُضَاةِ غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَإِنْ حَكَمَ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُجِيزَ كِتَابَهُ خَوْفَ اسْتِحْلَالِهِ أَمْوَالَ النَّاسِ بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ بِرَأْيِهِ عَلَى اسْتِحْلَالِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ مَالِ امْرِئٍ أَوْ دَمِهِ لَمْ يَحِلَّ قَبُولُ كِتَابِهِ وَلَا إنْفَاذُ حُكْمِهِ، وَحُكْمُهُ أَكْثَرُ مِنْ كِتَابِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنَفَّذَ حُكْمُهُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَيُرَدَّ كِتَابُهُ وَهُوَ الْأَقَلُّ؟ وَقَالَ مَنْ خَالَفَنَا إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ أَبَاهُ وَرِثَهُ وَإِذَا قَتَلَ الْبَاغِي لَمْ يَرِثْهُ وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ هُمَا سَوَاءٌ يَتَوَارَثَانِ لِأَنَّهُمَا مُتَأَوِّلَانِ وَخَالَفَهُ آخَرُ فَقَالَ لَا يَتَوَارَثَانِ لِأَنَّهُمَا قَاتِلَانِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : الَّذِي هُوَ أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لَا يَتَوَارَثَانِ وَيَرِثُهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ وَرَثَتِهِمَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَالَ مَنْ خَالَفَنَا يَسْتَعِينُ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ بِالْمُشْرِكِينَ إذَا كَانَ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ ظَاهِرًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَقُلْت لَهُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعَزَّ بِالْإِسْلَامِ أَهْلَهُ فَخَوَّلَهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ بِخِلَافِ دِينِهِ فَجَعَلَهُمْ صِنْفَيْنِ صِنْفًا مَرْقُوقِينَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَصِنْفًا مَأْخُوذًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا فِيهِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمَنْفَعَةُ صَغَارًا غَيْرَ مَأْجُورِينَ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُمْ مِنْ أَنْ يَنَالُوا نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ وَأَبَاحَ نِسَاءَ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلْمُسْلِمِينَ ثُمَّ زَعَمْت أَنْ لَا يَذْبَحَ النُّسُكَ إذَا كَانَ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَيْفَ أَجَزْت أَنْ تَجْعَلَ الْمُشْرِكَ فِي مَنْزِلَةٍ يَنَالُ بِهَا مُسْلِمًا حَتَّى يَسْفِكَ بِهَا دَمَهُ وَأَنْتَ تَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ تُسَلِّطَهُ عَلَى شَاتِه الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى رَبِّهِ؟ قَالَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ هُوَ الظَّاهِرُ قُلْت: وَالْمُشْرِكُ هُوَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ قَدْ مَضَى عَنْهُ الْحُكْمُ وَصَيَّرْتَ حَتْفَهُ بِيَدَيْ مَنْ خَالَفَ دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَعَلَّهُ يَقْتُلُهُ بِعَدَاوَةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا تَسْتَحِلُّ أَنْتَ فِيهَا قَتْلَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت قَاضِيًا إنْ اسْتَقْضَى تَحْتَ يَدِهِ قَاضِيًا هَلْ يُوَلِّي ذِمِّيًّا مَأْمُونًا أَنْ يَقْضِيَ فِي حُزْمَةِ بَقْلٍ وَهُوَ يَسْمَعُ قَضَاءَهُ فَإِنْ أَخْطَأَ الْحَقَّ رَدَّهُ؟ قَالَ: لَا قُلْت وَلِمَ؟ وَحُكْمُ الْقَاضِي الظَّاهِرُ؟ قَالَ وَإِنْ. فَإِنْ عَظِيمًا أَنْ يَنْفُذَ عَلَى مُسْلِمٍ شَيْءٌ بِقَوْلِ ذِمِّيٍّ قُلْت: إنَّهُ بِأَمْرِ مُسْلِمٍ، قَالَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالذِّمِّيُّ مَوْضِعُ حَاكِمٍ فَقُلْت لَهُ أَفَتَجِدُ الذِّمِّيَّ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ قَاتِلًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَصِلُ الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَتْلٍ إنْ رَآهُ وَلَا كَفَّ؟ قَالَ إنَّ هَذَا كَمَا وَصَفْت وَلَكِنَّ أَصْحَابُنَا احْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قُلْت: وَنَحْنُ نَقُولُ لَك اسْتَعِنْ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُشْرِكِينَ عِزٌّ مُحَرَّمٌ أَنْ نُذِلَّهُ وَلَا حُرْمَةٌ حُرِّمَتْ إلَّا أَنْ نَسْتَبْقِيَهَا كَمَا يَكُونُ فِي أَهْلِ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي الْحَرْبِ كَانَ أَنْ يَمْضُوا حُكْمًا فِي حُزْمَةِ بَقْلٍ أَجْوَزْ وَقُلْت لَهُ: مَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَ أَقَاوِيلِك قَالَ فِي أَيِّ شَيْءٍ؟ قُلْت أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ إذَا تَدَاعَيَا وَلَذَا جَعَلْت الْوَلَدَ لِلْمُسْلِمِ وَحُجَّتُهُمَا فِيهِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَوْلَى بِالْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ يَصِفَ الْوَلَدَ الْإِسْلَامُ. وَزَعَمْتَ أَنَّ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ إذَا أَسْلَمَ كَانَ الْوَلَدُ مَعَ أَيِّهِمَا أَسْلَمَ تَعْزِيرًا لِلْإِسْلَامِ فَأَنْتَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَقُولُ هَذَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا تُسَلِّطُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى قَتْلِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. [كِتَابُ السَّبْقِ وَالنِّضَالِ] ِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: جِمَاعُ مَا يَحِلُّ أَنْ يَأْخُذَهُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ أَحَدُهَا مَا وَجَبَ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ مِمَّا لَيْسَ لَهُمْ دَفْعُهُ مِنْ جِنَايَاتِهِمْ وَجِنَايَاتِ مَنْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ، وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ بِالزَّكَاةِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَمَا أَوْجَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِمَّا أَخَذُوا بِهِ الْعِوَضَ مِنْ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْهِبَاتِ لِلثَّوَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا أَعْطَوْا مُتَطَوِّعِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الْتِمَاسَ وَاحِدٍ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا طَلَبُ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْآخَرُ طَلَبُ الِاسْتِحْمَادِ مِمَّنْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ وَكِلَاهُمَا مَعْرُوفٌ حَسَنٌ وَنَحْنُ نَرْجُو عَلَيْهِ الثَّوَابَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ مَا أَعْطَى النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَاحِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا حَقٌّ وَالْآخَرُ بَاطِلٌ فَمَا أَعْطَوْا مِنْ الْبَاطِلِ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُمْ وَلَا لِمَنْ أَعْطَوْهُ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] فَالْحَقُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ خَارِجٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي وَصَفْت يَدُلُّ عَلَى الْحَقِّ فِي نَفْسِهِ وَعَلَى الْبَاطِلِ فِيمَا خَالَفَهُ، وَأَصْلُ ذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا نَدَبَ إلَيْهِ أَهْلَ دِينِهِ {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] فَزَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ أَنَّ الْقُوَّةَ هِيَ الرَّمْيُ، وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: 6] . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا سَبَقَ إلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ أَوْ خُفٍّ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا سَبَقَ إلَّا فِي حَافِرٍ أَوْ خُفٍّ» قَالَ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ فِي النَّصْلِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالدَّوَابِّ حَلَالٌ: قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ» يَجْمَعُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ كُلَّ نَصْلٍ رُمِيَ بِهِ مِنْ سَهْمٍ أَوْ نُشَّابَةٍ أَوْ مَا يَنْكَأُ الْعَدُوُّ نِكَايَتَهُمَا وَكُلَّ حَافِرٍ مِنْ خَيْلٍ وَحَمِيرٍ وَبِغَالٍ وَكُلَّ خُفٍّ مِنْ إبِلٍ بُخْتٍ أَوْ عِرَابٍ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ السَّبَقُ. وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّهُ يَحْرُمُ أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ إلَّا فِي هَذَا: وَهَذَا دَاخِلٌ فِي مَعْنَى مَا نَدَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ وَحَمِدَ عَلَيْهِ أَهْلَ دِينِهِ مِنْ الْإِعْدَادِ لِعَدُوِّهِ الْقُوَّةَ وَرِبَاطَ الْخَيْلِ وَالْآيَةُ الْأُخْرَى {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: 6] لِأَنَّ هَذِهِ الرِّكَابَ لَمَّا كَانَ السَّبَقُ عَلَيْهَا يُرَغِّبُ أَهْلَهَا فِي اتِّخَاذِهَا لِآمَالِهِمْ إدْرَاكَ السَّبَقِ فِيهَا وَالْغَنِيمَةِ عَلَيْهَا كَانَتْ مِنْ الْعَطَايَا الْجَائِزَةِ بِمَا وَصَفْتهَا فَالِاسْتِبَاقُ فِيهَا حَلَالٌ وَفِيمَا سِوَاهَا مُحَرَّمٌ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَابَقَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَتَسَابَقَا عَلَى أَقْدَامِهِمَا أَوْ سَابَقَهُ عَلَى أَنْ يَعْدُوَ إلَى رَأْسِ جَبَلٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَعْدُوَ فَيَسْبِقَ طَائِرًا، أَوْ عَلَى أَنْ يُصِيبَ مَا فِي يَدَيْهِ، أَوْ عَلَى أَنْ يُمْسِكَ فِي يَدِهِ شَيْئًا فَيَقُولَ لَهُ ارْكِنْ فَيَرْكَنُ فَيُصِيبُهُ، أَوْ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَى قَدَمَيْهِ سَاعَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا، أَوْ عَلَى أَنْ يُصَارِعَ رَجُلًا، أَوْ عَلَى أَنْ يُدَاحِيَ رَجُلًا بِالْحِجَارَةِ فَيَغْلِبَهُ كَانَ هَذَا كُلُّهُ غَيْرَ جَائِزٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ مَعَانِي الْحَقِّ الَّذِي حَمِدَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَخَصَّتْهُ السُّنَّةُ بِمَا يَحِلُّ فِيهِ السَّبَقُ وَدَاخِلٌ فِي مَعْنَى مَا حَظَرَتْهُ السُّنَّةُ إذْ نَفَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ وَدَاخِلٍ فِي مَعْنَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا أَخَذَ الْمُعْطِي عَلَيْهِ عِوَضًا وَلَا لَزِمَهُ بِأَصْلِ حَقٍّ وَلَا أَعْطَاهُ طَلَبًا لِثَوَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا لِمَحْمَدَةِ صَاحِبِهِ بَلْ صَاحِبُهُ يَأْخُذُهُ غَيْرَ حَامِدٍ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لَهُ فَعَلَى هَذَا عَطَايَا النَّاسِ وَقِيَاسُهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَالْأَسْبَاقُ ثَلَاثَةٌ سَبَقٌ يُعْطِيه الْوَالِي أَوْ الرَّجُلُ غَيْرُ الْوَالِي مِنْ مَالٍ مُتَطَوِّعًا بِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُسَبِّقَ بَيْنَ الْخَيْلِ مِنْ غَايَةٍ إلَى غَايَةٍ فَيَجْعَلَ لِلسَّابِقِ شَيْئًا مَعْلُومًا وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ لِلْمُصَلِّي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِقَدْرِ مَا أَرَى فَمَا جَعَلَ لَهُمْ كَانَ لَهُمْ عَلَى مَا جَعَلَ لَهُمْ وَكَانَ مَأْجُورًا، عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ فِيهِ وَحَلَالًا لِمَنْ أَخَذَهُ. وَهَذَا وَجْهٌ لَيْسَتْ فِيهِ عِلَّةٌ. وَالثَّانِي يَجْمَعُ وَجْهَيْنِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلَانِ يُرِيدَانِ يَسْتَبِقَانِ بِفَرَسَيْهِمَا وَلَا يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْبِقَ صَاحِبَهُ وَيُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَا سَبَقَيْنِ مِنْ عِنْدِهِمَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا، وَالْمُحَلِّلُ فَارِسٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ فَارِسٍ وَلَا يَجُوزُ الْمُحَلِّلُ حَتَّى يَكُونَ كُفُؤًا لِلْفَارِسَيْنِ لَا يَأْمَنَانِ أَنْ يَسْبِقَهُمَا فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِائَةً مِائَةً أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَيَتَوَاضَعَانِهَا عَلَى يَدَيْ مَنْ يَثِقَانِ بِهِ أَوْ يَضْمَنَانِهَا وَيَجْرِي بَيْنَهُمَا الْمُحَلِّلُ فَإِنْ سَبَقَهُمَا الْمُحَلِّلُ كَانَ مَا أَخْرَجَا جَمِيعًا لَهُ وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْمُحَلِّلَ أَحْرَزَ السَّابِقُ مَالَهُ وَأَخَذَ مَالَ صَاحِبِهِ وَإِنْ أَتَيَا مُسْتَوِيَيْنِ لَمْ يَأْخُذْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا وَأَقَلُّ السَّبَقِ أَنْ يَفُوتَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالْهَادِي أَوْ بَعْضِهِ أَوْ بِالْكَتَدِ أَوْ بَعْضِهِ. (قَالَ الرَّبِيعُ) الْهَادِي عُنُقُ الْفَرَسِ وَالْكَتَدُ كَتِفُ الْفَرَسِ وَالْمُصَلِّي هُوَ الثَّانِي وَالْمُحَلِّلُ هُوَ الَّذِي يَرْمِي مَعِي وَمَعَك وَيَكُونُ كُفُؤًا لِلْفَارِسَيْنِ فَإِنْ سَبَقَنَا الْمُحَلِّلُ أَخَذَ مِنَّا جَمِيعًا وَإِنْ سَبَقْنَاهُ لَمْ نَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ مُحَلِّلٌ وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ وَسَبَقَهُ الْمُحَلِّلُ أَخَذَ الْمُحَلِّلُ مِنْهُ السَّبَقَ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنِّي لِأَنِّي قَدْ أَخَذْت سَبَقِي. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الِاثْنَيْنِ هَكَذَا فَسَوَاءٌ لَوْ كَانُوا مِائَةً أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلَ مَا يُخْرِجُ صَاحِبُهُ وَأَدْخَلُوا بَيْنَهُمْ مُحَلِّلًا إنْ سَبَقَ كَانَ لَهُ جَمِيعُ ذَلِكَ وَإِنْ سُبِقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ فِي السَّبَقِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَمَا يَجْرِي فَإِنْ سَبَقَ غَنِمَ وَإِنْ سُبِقَ لَمْ يَغْرَمْ وَهَكَذَا هَذَا فِي الرَّمْيِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُ الْفَارِسَيْنِ صَاحِبَهُ فَيَكُونَ السَّبَقُ مِنْهُ دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنْ سَبَقَهُ صَاحِبُهُ كَانَ لَهُ السَّبَقُ وَإِنْ سَبَقَ صَاحِبُهُ لَمْ يَغْرَمْ صَاحِبُهُ شَيْئًا وَأَحْرَزَ هُوَ مَالَهُ وَسَوَاءٌ لَوْ أَدْخَلَ مَعَهُ عَشَرَةً هَكَذَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْرِيَ الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ يُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَبَقًا وَيُدْخِلَانِ بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا إلَّا وَالْغَايَةُ الَّتِي يَجْرِيَانِ مِنْهَا وَالْغَايَةُ الَّتِي يَنْتَهِيَانِ إلَيْهَا وَاحِدَةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِخُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ. [مَا ذُكِرَ فِي النِّضَالِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالنِّضَالُ فِيمَا بَيْنَ الِاثْنَيْنِ يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَالثَّالِثُ بَيْنَهُمَا الْمُحَلِّلُ كَهُوَ فِي الْخَيْلِ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْأَصْلِ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا جَازَ فِي الْآخَرِ وَيَرِدُ فِيهِمَا مَا يَرِدُ فِي الْآخَرِ ثُمَّ يَتَفَرَّعَانِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ عِلَلُهُمَا اخْتَلَفَا، وَإِذَا سَبَقَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ الْآخَرَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَا بَيْنَهُمَا قَرَعًا مَعْرُوفًا خَوَاسِقَ أَوْ حَوَابِي فَهُوَ جَائِزٌ إذَا سَمَّيَا الْغَرَضَ الَّذِي يَرْمِيَانِهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَتَشَارَطَا ذَلِكَ مُحَاطَّةٌ أَوْ مُبَادَرَةً فَإِذَا تَشَارَطَاهُ مُحَاطَّةٌ فَكُلَّمَا أَصَابَ أَحَدُهُمَا بِعَدَدٍ وَأَصَابَ الْآخَرُ بِمِثْلِهِ سَقَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدَدَيْنِ وَاسْتَأْنَفَا عَدَدًا كَأَنَّهُمَا أَصَابَا بِعَشَرَةِ أَسْهُمٍ عَشَرَةً سَقَطَتْ الْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا يَعْتَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا بِالْفَضْلِ مِنْ إصَابَتِهِ عَلَى إصَابَةِ صَاحِبِهِ وَهَذَا مِنْ حِينِ يَبْتَدِئَانِ السَّبْقَ إلَى أَنْ يَفْرُغَا مِنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ لِأَحَدِهِمَا فَضْلُ عِشْرِينَ سَهْمًا ثُمَّ أَصَابَ مَعَهُ صَاحِبُهُ بِسَهْمٍ حُطَّ مِنْهُمَا سَهْمٌ ثُمَّ كُلَّمَا أَصَابَ حَطَّهُ حَتَّى يَخْلُصَ لَهُ فَضْلُ الْعَدَدِ الَّذِي شَرَطَ فَيَنْضُلَهُ وَإِنْ وَقَفَ وَقَرَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ عِشْرِينَ خَاسِقًا وَلَهُ فَضْلُ تِسْعَةَ عَشْرَ فَأَصَابَ بِسَهْمٍ وَقَّفْنَا الْمَفْلُوجَ وَأَمَرْنَا الْآخَرَ بِالرَّمْيِ حَتَّى يُنَفِّذَ مَا فِي أَيْدِيهِمَا فِي رَشْقِهَا فَإِنْ حَطَّهُ الْمَفْلُوجُ عَلَيْهِ بَطَلَ فَلْجُهُ وَإِنْ أَنْفَدَ مَا فِي يَدَيْهِ وَلِلْآخِرِ فِي ذَلِكَ الرَّشْقِ عِشْرُونَ لَمْ يُكَلَّفْ أَنْ يَرْمِيَ مَعَهُ وَكَانَ قَدْ فَلَجَ عَلَيْهِ. وَإِنْ تَشَارَطَا أَنَّ الْقَرَعَ بَيْنَهُمَا حَوَابٍ كَانَ الْحَابِي قُرْعَةً وَالْخَاسِقُ قُرْعَتَيْنِ وَيَتَقَايَسَانِ إذَا أَخْطَآ فِي الْوَجْهِ مَعًا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ مِنْ صَاحِبِهِ بِسَهْمٍ فَأَكْثَرُ عَدَدِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ بِسَهْمٍ ثُمَّ الْآخَرُ أَقْرَبُ بِأَسْهُمٍ بَطَلَتْ أَسْهُمُهُ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ بِهِ لَا يُعَدُّ الْقُرْبُ لِوَاحِدٍ وَلَا أَكْثَرَ وَثُمَّ وَاحِدٌ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ بِسَهْمٍ حَسَبْنَاهُ لَهُ وَالْآخَرُ أَقْرَبَ بِخَمْسَةٍ أَسْهُمٍ بَعْدَ ذَلِكَ السَّهْمِ لَمْ نَحْسُبْهَا لَهُ إنَّمَا نَحْسُبُ لَهُ الْأَقْرَبَ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَقْرَبَ بِوَاحِدٍ حَسَبْنَاهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ بِأَكْثَرَ وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ بِوَاحِدٍ ثُمَّ الْآخَرُ بَعْدَهُ أَقْرَبُ بِوَاحِدٍ ثُمَّ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُهُمَا أَقْرَبُ بِخَمْسَةِ أَسْهُمٍ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ مِنْ الْخَمْسَةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ لِمُنَاضِلِهِ سَهْمًا أَقْرَبَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ بِأَسْهُمٍ فَأَصَابَ صَاحِبُهُ بَطَلَ الْقُرْبُ لِأَنَّ الْمُصِيبَ أَوْلَى مِنْ الْقَرِيبِ إنَّمَا يُحْسَبُ الْقَرِيبُ لِقُرْبِهِ مِنْ الْمُصِيبِ وَلَكِنْ إنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا وَأَخْلَى الْآخَرُ حُسِبَ لِلْمُصِيبِ صَوَابُهُ ثُمَّ نَظَرَ فِي حوابيهما فَإِنْ كَانَ الَّذِي لَمْ يُصِبْ أَقْرَبَ بَطَلَ قُرْبُهُ بِمُصِيبِ مُنَاضِلِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُصِيبُ أَقْرَبَ حُسِبَ لَهُ مِنْ نَبْلِهِ مَا كَانَ أَقْرَبَ مَعَ مُصِيبِهِ لِأَنَّا إذَا حَسَبْنَا لَهُ مَا قَرُبَ مِنْ نَبْلِهِ مَعَ غَيْرِ مُصِيبِهِ كَانَتْ مَحْسُوبَةً مَعَ مُصِيبِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَهْلِ الرَّمْيِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَقَايَسُونَ فِي الْقُرْبِ إلَى مَوْضِعِ الْعَظْمِ، وَمَوْضِعُ الْعَظْمِ وَسَطُ الشَّنِّ وَالْأَرْضِ وَلَسْتُ أَرَى هَذَا يَسْتَقِيمُ فِي الْقِيَاسِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَتَقَارَبُوا إلَى الشَّنِّ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الشَّنَّ مَوْضِعُ الصَّوَابِ وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَنْ يُقَايِسُ بَيْنَ النَّبْلِ فِي الْوَجْهِ والعواضد يَمِينًا وَشِمَالًا مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْهَدَفَ فَإِذَا جَاوَزَ الْهَدَفَ أَوْ الشَّنَّ أَوْ كَانَ مَنْصُوبًا أَلْغَوْهَا فَلَمْ يُقَايِسُوا بِهَا مَا كَانَ عَضُدًا أَوْ كَانَ فِي الْوَجْهِ وَلَا يَجُوزُ هَذَا فِي الْقِيَاسُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُقَاسَ بِهِ خَارِجًا أَوْ سَاقِطًا أَوْ عَاضِدًا أَوْ كَانَ فِي الْوَجْهِ وَهَذَا فِي الْمُبَادَرَةِ مِثْلُهُ فِي الْمُحَاطَّةِ لَا يَخْتَلِفَانِ، وَالْمُبَادَرَةُ أَنْ يُسَمِّيَا قُرَعًا ثُمَّ يُحْسَبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوَابُهُ إنْ تَشَارَطُوا الصَّوَابَ وحوابيه إنْ تَشَارَطُوا الحوابي مَعَ الصَّوَابِ ثُمَّ أَيُّهُمَا سَبَقَ إلَى ذَلِكَ الْعَدَدِ كَانَ لَهُ الْفَضْلُ (قَالَ الرَّبِيعُ: الْحَابِي الَّذِي يُصِيبُ الْهَدَفَ وَلَا يُصِيبُ الشَّنَّ) فَإِذَا تَقَايَسَا بالحوابي فَاسْتَوَى حَابَيَاهُمَا تباطلا فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ فَلَمْ يَتَعَادَّا لِأَنَّا إنَّمَا نُعَاد مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا كَانَ أَقْرَبَ بِهِ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِأَقْرَبَ مِنْ صَاحِبِهِ، وَإِذَا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ مَعَهُ أَوْ سَبَقَ رَجُلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ الرُّمَاةِ مَنْ يَقُولُ صَاحِبُ السَّبَقِ أَوْلَى أَنْ يَبْدَأ وَالْمُسْبَقُ يُبْدِئُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَا يَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَتَشَارَطَا أَيُّهُمَا يَبْدَأُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا اقْتَرَعَا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْمِيَا إلَّا عَنْ شَرْطٍ وَإِذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا مِنْ وَجْهٍ بَدَأَ الْآخَرُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيهِ وَيَرْمِي الْبَادِئُ بِسَهْمٍ ثُمَّ الْآخَرُ بِسَهْمٍ حَتَّى يَنْفَدَ نَبْلُهُمَا وَإِذَا عَرِقَ أَحَدُهُمَا فَخَرَجَ السَّهْمُ مِنْ يَدِهِ فَلَمْ يَبْلُغْ الْغَرَضَ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ فَيَرْمِيَ بِهِ مِنْ قِبَلِ الْعَارِضِ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ زَهَقَ مِنْ قِبَلِ الْعَارِضِ فِيهِ أَعَادَهُ فَرَمَى بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ انْقَطَعَ وَتَرُهُ فَلَمْ يَبْلُغْ أَوْ انْكَسَرَ قَوْسُهُ فَلَمْ يَبْلُغْ كَانَ لَهُ أَنْ يُعِيدَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَهُ فَعَرَضَ دُونَهُ دَابَّةٌ أَوْ إنْسَانٌ فَأَصَابَهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُعِيدَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ كُلِّهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ اضْطَرَبَتْ بِهِ يَدَاهُ أَوْ عَرَضَ لَهُ فِي يَدَيْهِ مَا لَا يَمْضِي مَعَهُ السَّهْمُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ، فَأَمَّا إنْ جَازَ وَأَخْطَأَ الْقَصْدَ فَرَمَى فَأَصَابَ النَّاسَ أَوْ أَجَازَ مِنْ وَرَائِهِمْ فَهَذَا سُوءُ رَمْيٍ مِنْهُ لَيْسَ بِعَارِضٍ غَلَبَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَهُ، وَإِذَا كَانَ رَمْيُهُمَا مُبَادَرَةً فَبَدَأَ أَحَدُهُمَا فَبَلَغَ تِسْعَةَ عَشْرَ مِنْ عِشْرِينَ رَمَى صَاحِبُهُ بِالسَّهْمِ الَّذِي يُرَاسَلُهُ بِهِ ثُمَّ رَمَى الْبَادِئُ فَإِنْ أَصَابَ بِسَهْمِهِ ذَلِكَ فَلَجَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْمِ الْآخَرُ بِالسَّهْمِ لِأَنَّ أَصْلَ السَّبَقِ مُبَادَرَةٌ وَالْمُبَادَرَةُ أَنْ يَفُوتَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَيْسَتْ كَالْمُحَاطَةِ. وَإِذَا تَشَارَطَا الخواسق فَلَا يُحْسَبْ لِرَجُلٍ خَاسِقٌ حَتَّى يَخْرِقَ الْجِلْدَ وَيَكُونَ مُتَعَلِّقًا مِثْلَهُ، وَإِنْ تَشَارَطَا الْمُصِيبَ فَلَوْ أَصَابَ الشَّنَّ وَلَمْ يَخْرِقْهُ حُسِبَ لَهُ لِأَنَّهُ مُصِيبٌ، وَإِذَا تَشَارَطَا الخواسق وَالشَّنُّ مُلْصَقٌ بِهَدَفٍ فَأَصَابَ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَثْبُتْ فَزَعَمَ الرَّامِي أَنَّهُ خَسَقَ ثُمَّ رَجَعَ لِغِلَظٍ لَقِيَهُ مِنْ حَصَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَزَعَمَ الْمُصَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَخْسِقْ وَأَنَّهُ إنَّمَا قَرَعَ ثُمَّ رَجَعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَيُؤْخَذَ بِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الشَّنُّ بَالِيًا فِيهِ خُرُوقٌ فَأَصَابَ مَوْضِعَ الْخُرُوقِ فَغَابَ فِي الْهَدَفِ فَهُوَ مُصِيبٌ، وَإِنْ لَمْ يَغِبْ فِي الْهَدَفِ وَلَمْ يَسْتَمْسِكْ بِشَيْءٍ مِنْ الشَّنِّ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُصَابِ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينه فَإِنْ أَصَابَ طَرَفًا مِنْ الشَّنِّ فَخَرَمَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ خَاسِقًا إذَا كَانَ شَرْطُهُمَا الخواسق إلَّا أَنْ يَكُونَ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الشَّنِّ طَغْيَةٌ أَوْ خَيْطٌ أَوْ جِلْدٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الشَّنِّ يُحِيطُ بِالسَّهْمِ فَيَكُونُ يُسَمَّى بِذَلِكَ خَاسِقًا لِأَنَّ الْخَاسِقَ مَا كَانَ ثَابِتًا فِي الشَّنِّ وَقَلِيلُ ثُبُوتِهِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ، وَلَا يَعْرِفُ النَّاسُ إذَا وَجَّهُوا بِأَنْ يُقَالَ هَذَا خَاسِقٌ إلَّا أَنَّ الْخَاسِقَ مَا أَحَاطَ بِهِ الْمَخْسُوقُ فِيهِ، وَيُقَالُ لِلْآخَرِ خَارِمٌ لَا خَاسِقٌ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْخَاسِقُ قَدْ يَقَعَ بِالِاسْمِ عَلَى مَا أَوْهَى الصَّحِيحَ فَخَرَقَهُ فَإِذَا خَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا - قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِبَعْضِ النَّصْلِ - فَهُوَ خَاسِقٌ لِأَنَّ الْخَسْقَ الثَّقْبُ وَهَذَا قَدْ ثَقَبَ وَإِنْ خَرَمَ. وَإِنْ كَانَ السَّهْمُ ثَابِتًا فِي الْهَدَفِ وَعَلَيْهِ جِلْدَةٌ مِنْ الشَّنِّ أَوْ طَغْيَةٌ لَيْسَتْ بِمُحِيطَةٍ فَقَالَ الرَّامِي خَرَقَ هَذِهِ الْجِلْدَةَ فَانْخَرَمَتْ أَوْ هَذِهِ الطَّغْيَةُ فَانْخَرَمَتْ، وَقَالَ الْمَخْسُوقُ عَلَيْهِ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْهَدَفِ مُتَغَلْغِلًا تَحْتَ هَذِهِ الْجِلْدَةِ أَوْ الطَّغْيَةِ اللَّتَيْنِ هُمَا طَائِرَتَانِ عَمَّا سِوَاهُمَا مِنْ الشَّنِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يُحْسَبُ هَذَا خَاسِقًا بِحَالٍ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَلَوْ كَانَ فِي الشَّنِّ خَرْقٌ فَأَثْبَتَ السَّهْمَ فِي الْخَرْقِ ثُمَّ ثَبَتَ فِي الْهَدَفِ كَانَ خَاسِقًا لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ فِي الْهَدَفِ فَالشَّنُّ أَضْعَفُ مِنْهُ. وَلَوْ كَانَ الشَّنُّ مَنْصُوبًا فَرَمَى فَأَصَابَ ثُمَّ مَرَقَ السَّهْمُ فَلَمْ يَثْبُتْ كَانَ عِنْدِي خَاسِقًا، وَمِنْ الرُّمَاةِ مَنْ لَا يَعُدَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ الرَّامِي أَصَابَ وَمَارَ فَخَرَجَ وَقَالَ الْمُرْمَى عَلَيْهِ لَمْ يُصِبْ أَوْ أَصَابَ حَرْفَ الشَّنِّ بِالْقِدْحِ ثُمَّ مَضَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَوْ أَصَابَ الْأَرْضَ ثُمَّ ازْدَلَفَ فَخَرَقَ الشَّنَّ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرُّمَاةُ فَمِنْهُمْ مِنْ أَنْبَتَهُ خَاسِقًا وَقَالَ بِالرَّمْيَةِ أَصَابَ وَإِنْ عَرَضَ لَهُ دُونَهَا شَيْءٌ فَقَدْ مَضَى بِالنَّزْعَةِ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا لَا يُحْسَبُ لَهُ لِأَنَّهُ اسْتَحْدَثَ بِضَرْبَتِهِ الْأَرْضَ شَيْئًا أَحْمَاهُ فَهُوَ غَيْرُ رَمْيِ الرَّامِي وَلَوْ أَصَابَ وَهُوَ مُزْدَلِفٌ فَلَمْ يَخْسِقْ وَشَرْطُهُمْ الخواسق لَمْ يُحْسَبْ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ خَاسِقًا، وَلَوْ كَانَ شَرْطُهُمَا الْمُصِيبَ حُسِبَ فِي قَوْلِ مَنْ يَحْسُبُ الْمُزْدَلِفَ وَسَقَطَ فِي قَوْلِ مَنْ يُسْقِطُهُ. (قَالَ الرَّبِيعُ) الْمُزْدَلِفُ الَّذِي يُصِيبُ الْأَرْضَ ثُمَّ يَرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ فَيُصِيبُ الشَّنَّ، وَلَوْ كَانَ شَرْطُهُمْ الْمُصِيبَ فَأَصَابَ السَّهْمُ حِينَ تَفَلَّتَ غَيْرَ مُزْدَلَفِ الشَّنِّ بِقِدْحِهِ دُونَ نَصْلِهِ لَمْ يُحْسَبْ لِأَنَّ الصَّوَابَ إنَّمَا هُوَ بِالنَّصْلِ دُونَ الْقِدْحِ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ مُفَارِقًا لِلشَّنِّ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَصَرَفَتْهُ فَأَصَابَ حُسِبَ لَهُ مُصِيبًا، وَكَذَلِكَ لَوْ صَرَفْته عَنْ الشَّنِّ وَقَدْ أَرْسَلَهُ مُصِيبًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْرَعْت بِهِ وَهُوَ يَرَاهُ قَاصِرًا فَأَصَابَ حُسِبَ مُصِيبًا، وَلَوْ أَسْرَعْت بِهِ وَهُوَ يَرَاهُ مُصِيبًا فَأَخْطَأَ كَانَ مُخْطِئًا وَلَا حُكْمَ لِلرِّيحِ يُبْطِلُ شَيْئًا وَلَا يَحِقُّهُ لَيْسَتْ كَالْأَرْضِ وَلَا كَالدَّابَّةِ يُصِيبُهَا ثُمَّ يَزْدَلِفُ عَنْهَا فَيُصِيبُ، وَلَوْ كَانَ دُونَ الشَّنِّ شَيْءٌ مَا كَانَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ شَيْئًا غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ فَهَتَكَهُ ثُمَّ مَرَّ بِحَمْوَتِهِ حَتَّى يُصِيبَ الشَّنَّ حُسِبَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ إصَابَتَهُ وَهَتْكَهُ لَمْ يُحْدِثْ لَهُ قُوَّةً غَيْرَ النَّزْعِ إنَّمَا أَحْدَثَ فِيهِ ضَعْفًا. وَلَوْ رَمَى وَالشَّنُّ مَنْصُوبٌ فَطَرَحَتْ الرِّيحُ الشَّنَّ أَوْ أَزَالَهُ إنْسَانٌ قَبْلَ يَقَعُ سَهْمَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ فَيَرْمِيَ بِذَلِكَ السَّهْمَ لِأَنَّ الرَّمْيَةَ زَالَتْ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَالَ الشَّنُّ عَنْ مَوْضِعِهِ بِرِيحٍ أَوْ إزَالَةِ إنْسَانٍ بَعْدَ مَا أَرْسَلَ السَّهْمَ فَأَصَابَ الشَّنَّ حَيْثُ زَالَ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ، وَلَكِنَّهُ لَوْ أُزِيلَ فَتَرَاضَيَا أَنْ يَرْمِيَاهُ حَيْثُ أُزِيلَ حُسِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوَابُهُ، وَلَوْ أَصَابَ الشَّنَّ ثُمَّ سَقَطَ فَانْكَسَرَ سَهْمُهُ أَوْ خَرَجَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ حُسِبَ لَهُ خَاسِقًا لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ وَهَذَا كَنَزْعِ الْإِنْسَانِ إيَّاهُ بَعْدَ مَا يُصِيبُ. وَلَوْ تَشَارَطَا أَنَّ الصَّوَابَ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّنِّ خَاصَّةً فَكَانَ لِلشَّنِّ وَتَرٌ يُعَلَّقُ بِهِ أَوْ جَرِيدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ فَأَثْبَتَ السَّهْمَ فِي الْوَتَرِ أَوْ فِي الْجَرِيدِ لَمْ يُحْسَبْ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ بِهِ الشَّنُّ فَهُوَ غَيْرُ الشَّنِّ، وَلَوْ لَمْ يَتَشَارَطَا فَأَثْبَتَ فِي الْجَرِيدِ أَوْ فِي الْوَتَرِ كَانَ فِيهِمَا قُولَانِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ اسْمَ الشَّنِّ وَالصَّوَابُ لَا يَقَع عَلَى الْمِعْلَاقِ لِأَنَّهُ يُزَايِلُ الشَّنَّ فَلَا يَضُرُّ بِهِ وَإِنَّمَا يُتَّخَذُ لِيُرْبَطَ بِهِ كَمَا يُتَّخَذُ الْجِدَارُ لِيُسْنَدَ إلَيْهِ وَقَدْ يُزَايِلُهُ فَتَكُونُ مُزَايَلَتُهُ غَيْرَ إخْرَابٍ لَهُ وَيُحْسَبُ مَا ثَبَتَ فِي الْجَرِيدِ إذَا كَانَ الْجَرِيدُ مَخِيطًا عَلَيْهِ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْجَرِيدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِضَرَرٍ عَلَى الشَّنِّ، وَيُحْسَبُ مَا ثُبِّتَ فِي عُرَى الشَّنِّ الْمَخْرُوزَةِ عَلَيْهِ وَالْعَلَّاقَةُ مُخَالِفَةٌ لِهَذَا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يُحْسَبَ أَيْضًا مَا يُثَبَّتُ فِي الْعَلَّاقَةِ مِنْ الخواسق لِأَنَّهَا تَزُولُ بِزَوَالِهِ فِي حَالِهَا تِلْكَ قَالَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُنَاضِلَ أَهْلُ النُّشَّابِ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَهْلَ الْحُسْبَانِ لِأَنَّ كُلَّهَا نَبْلٌ وَكَذَلِكَ الْقِسِيُّ الدُّودانِيَّةُ وَالْهِنْدِيَّةُ وَكُلُّ قَوْسٍ يُرْمَى عَنْهَا بِسَهْمٍ ذِي نَصْلٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاضَلَ رَجُلَانِ عَلَى أَنَّ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مِنْ النَّبْلِ أَكْثَرَ مِمَّا فِي يَدِ الْآخَرِ وَلَا عَلَى أَنَّهُ إذَا خَسَقَ أَحَدُهُمَا حُسِبَ خَاسِقُهُ خَاسِقَيْنِ وَخَاسِقُ الْآخَرِ وَلَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا خَاسِقًا ثَابِتًا لَمْ يَرْمِ بِهِ يُحْسَبُ مَعَ خواسقه وَلَا عَلَى أَنَّهُ يُطْرَحُ مِنْ خَوَاسِقُ أَحَدِهِمَا خَاسِقٌ وَلَا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا يَرْمِي مِنْ عَرْضٍ وَالْآخَرَ مِنْ أَقْرَبَ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَا إلَّا مِنْ عَرْضٍ وَاحِدٍ وَبِعَدَدِ نَبْلٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يَسْتَبِقَا إلَى عَدَدِ قُرَعٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا أُسَابِقُك عَلَى أَنْ آتِيَ بِوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ خَاسِقًا فَأَكُونُ نَاضِلًا إنْ لَمْ تَأْتِ بِعِشْرِينَ وَلَا تَكُونُ نَاضِلًا إنْ جِئْت بِعِشْرِينَ قَبْلَ أَنْ آتِيَ بِوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى يَكُونَا مُسْتَوِيَيْنِ مَعًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنْ لَا يَرْمِيَ إلَّا بِنَبْلٍ بِأَعْيَانِهَا إنْ تَغَيَّرَتْ لَمْ يُبَدِّلْهَا وَلَا إنْ أَنْفَذَ سَهْمًا أَنْ لَا يُبَدِّلَهُ وَلَا عَلَى أَنْ يَرْمِيَ بِقَوْسٍ بِعَيْنِهَا لَا يُبَدِّلُهَا وَلَكِنْ يَكُونُ ذَلِكَ إلَى الرَّامِي يُبَدِّلُ مَا شَاءَ مِنْ نَبْلِهِ وَقَوْسِهِ مَا كَانَ عَدَدُ النَّبْلِ وَالْغَرَضِ وَالْقَرَعِ وَاحِدًا، وَإِنْ انْتَضَلَا فَانْكَسَرَتْ نَبْلُ أَحَدِهِمَا أَوْ قَوْسُهُ أُبْدِلَ نَبْلًا وَقَوْسًا، وَإِنْ انْقَطَعَ وَتَرُهُ أُبْدِلَ وَتَرًا مَكَانَ وَتَرِهِ، وَمِنْ الرُّمَاةِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسْبَقَ إذَا سَمَّى قُرَعًا يَسْتَبِقَانِ إلَيْهِ أَوْ يتحاطانه فَكَانَا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ بَيْنَهُمَا زِيَادَةُ سَهْمٍ كَانَ لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَزِيدَ فِي عَدَدِ الْقُرَعِ مَا شَاءَ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي عَدَدِ الْقُرَعِ مَا لَمْ يَكُونَا سَوَاءً وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا إذَا رَمَيَا عَلَى عَدَدِ قُرَعٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ بِغَيْرِ رِضَا الْمُسْبَقِ وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُجْعَلَ خَاسِقٌ فِي السَّوَادِ بِخَاسِقَيْنِ فِي الْبَيَاضِ إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا أَنَّ الخواسق لَا تَكُونُ إلَّا فِي السَّوَادِ، فَيَكُونُ بَيَاضُ الشَّنِّ كَالْهَدَفِ لَا يُحْسَبُ خَاسِقًا وَإِنَّمَا يُحْسَبُ حَابِيًا وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُسَمِّيَا قُرَعًا مَعْلُومًا فَلَا يَبْلُغَانِهِ وَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ إنْ أَصَبْت بِهَذَا السَّهْمِ الَّذِي فِي يَدِك فَقَدْ نَضَلْت إلَّا أَنْ يَتَنَاقَضَا السَّبَقَ الْأَوَّلَ ثُمَّ يَجْعَلَ لَهُ جُعْلًا مَعْرُوفًا عَلَى أَنْ يُصِيبَ بِسَهْمٍ وَلَا بَأْسَ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ فَيَقُولَ إنْ أَصَبْت بِسَهْمٍ فَلَكَ كَذَا وَإِنْ أَصَبْت بِأَسْهُمٍ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ أَصَابَ بِهَا فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّ هَذَا سَبَقٌ عَلَى غَيْرِ نِضَالٍ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ لَهُ ارْمِ عَشَرَةَ أَرْشَاقٍ فَنَاضِلِ الْخَطَأَ بِالصَّوَابِ فَإِنْ كَانَ صَوَابُك أَكْثَرَ فَلَكَ سَبَقُ كَذَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا خَيْرٌ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُنَاضِلَ نَفْسَهُ وَإِذَا رَمَى بِسَهْمٍ فَانْكَسَرَ فَأَصَابَ النَّصْلَ حُسِبَ خَاسِقًا وَإِنْ سَقَطَ الشِّقُّ الَّذِي فِيهِ النَّصْلُ دُونَ الشَّنِّ وَأَصَابَ بِالْقِدْحِ الَّذِي لَا نَصْلَ فِيهِ لَمْ يُحْسَبْ وَلَوْ انْقَطَعَ بِاثْنَيْنِ فَأَصَابَ بِهِمَا مَعًا حُسِبَ لَهُ الَّذِي فِيهِ النَّصْلُ وَأُلْغِيَ عَنْهُ الْآخَرُ. وَلَوْ كَانَ فِي الشَّنِّ نَبْلٌ فَأَصَابَ بِسَهْمِهِ فَوْقَ سَهْمٍ مِنْ النَّبْلِ وَلَمْ يَمْضِ سَهْمُهُ إلَى الشَّنِّ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُصِبْ الشَّنَّ وَأُعِيد عَلَيْهِ فَرَمَى بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَضَ لَهُ دُونَ الشَّنِّ عَارِضٌ كَمَا تَعْرِضُ لَهُ الدَّابَّةُ فَيُصِيبُهَا فَيُعَادُ عَلَيْهِ وَإِذَا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ مَعَهُ فَرَمَى مَعَهُ ثُمَّ أَرَادَ الْمُسْبَقُ أَنْ يَجْلِسَ فَلَا يَرْمِي مَعَهُ وَلِلْمُسْبَقِ فَضْلٌ أَوْ لَا فَضْلَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ فَضْلٌ فَسَوَاءٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ الْفَضْلُ ثُمَّ يَنْضُلُ وَيَكُونُ لَهُ الْفَضْلُ ثُمَّ يَنْضُلُ، وَالرُّمَاةُ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ مَا لَمْ يَنْضُلْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُول هُوَ شَيْءٌ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِغَيْرِ غَايَةٍ تُعْرَفُ وَقَدْ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَيَكُونُ مَنْضُولًا وَلَيْسَ بِإِجَارَةٍ فَيَكُونُ لَهُ حِصَّتُهُ مِمَّا عَمِلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ بِهِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَأَحْسَبُ الْعُذْرَ عِنْدَهُمْ أَنْ يَمُوتَ أَوْ يَمْرَضَ الْمَرَضَ الَّذِي يَضُرُّ بِالرَّمْيِ أَوْ يُصِيبُهُ بَعْضَ ذَلِكَ فِي إحْدَى يَدَيْهِ أَوْ بَصَرِهِ وَيَنْبَغِي إذَا قَالُوا لَهُ هَذَا أَنْ يَقُولُوا فَمَتَى تَرَاضَيَا عَلَى أَصْلِ الرَّمْيِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُسْبَقَ أَنَّ الْمُسْبَقَ إذَا جَلَسَ بِهِ كَانَ السَّبَقُ لَهُ بِهِ لِأَنَّ السَّبَقَ عَلَى النَّضْلِ وَالنَّضْلُ غَيْرُ الْجُلُوسِ وَهَذَانِ شَرْطَانِ وَكَذَلِكَ لَوْ سَبَقَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ هَذَا عَلَيْهِ ثُمَّ شَرَطَ هَذَا بَعْدَ السَّبَقِ سَقَطَ الشَّرْطُ وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَقُولَ لَهُ أَرْمِي مَعَك بِلَا عَدَدِ قُرَعٍ يَسْتَبِقَانِ إلَيْهِ أَوْ يتحاطانه، وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَسْبِقَهُ عَلَى أَنَّهُمَا إذَا تفالجا أَعَادَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَبَقَهُ وَنِيَّتُهُمَا أَنْ يُعِيدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فَالسَّبَقُ غَيْرُ فَاسِدٍ وَأَكْرَهَ لَهُمَا النِّيَّةُ إنَّمَا أَنْظُرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَى ظَاهِرِ الْعَقْدِ فَإِذَا كَانَ صَحِيحًا أَجَزْته فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ نِيَّةٌ لَوْ شُرِطَتْ أَفْسَدَتْ الْعَقْدَ لَمْ أُفْسِدْهُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ حَدِيثُ نَفْسٍ وَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ عَنْ النَّاسِ حَدِيثَ أَنْفُسِهِمْ وَكَتَبَ عَلَيْهِمْ مَا قَالُوا وَمَا عَمِلُوا. وَإِذَا سَبَقَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ الْآخَرَ عَلَى أَنْ لَا يَرْمِيَ مَعَهُ إلَّا بِنَبْلٍ مَعْرُوفٍ أَوْ قَوْسٍ مَعْرُوفَةٍ فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ السَّبَقُ مُطْلَقًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْقَوْسَ قَدْ تَنْكَسِرُ وَتَعْتَلُّ فَيَفْسُدُ عَنْهَا الرَّمْيُ فَإِنْ تَشَارَطَا عَلَى هَذَا فَالشَّرْطُ يُبْطِلُ السَّبَقَ بَيْنَهُمَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْمِيَ النَّاشِبُ مَعَ صَاحِبِ الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ سَابَقَهُ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ مَعَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ رَمَى بِأَيِّ قَوْسٍ شَاءَ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْمِيَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ الْفَارِسِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْرُوفًا أَنَّ الصَّوَابَ عَنْ الْفَارِسِيَّةِ أَكْثَرَ مِنْهُ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ قَوْسٍ اخْتَلَفَتْ. وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَ أَنْ لَا نُجِيزَ أَنْ يَشْتَرِطَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ لَا يَرْمِيَ إلَّا بِقَوْسٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نَبْلٍ وَأَجَزْنَا ذَلِكَ فِي الْفَرَسِ إنْ سَابَقَهُ بِفَرَسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي السَّبَقِ فِي الرَّمْيِ إنَّمَا هُوَ لِلرَّامِي وَالْقَوْسُ وَالنَّبْلُ أَدَاةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الرَّمْيَ بِمِثْلِ الْقَوْسِ وَالنَّبْلِ الَّذِي شَرَطَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا فَيُدْخِلَ عَلَيْهِ الضَّرَرَ بِمَنْعِ مَا هُوَ أَرْفَقُ بِهِ مِنْ أَدَاتِهِ الَّتِي تُصْلِحُ رَمْيَهُ وَالْفَرَسُ نَفْسُهُ هُوَ الْجَارِي الْمُسْبِقُ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُبَدِّلَهُ صَاحِبُهُ وَإِنَّمَا فَارِسُهُ أَدَاةٌ فَوْقَهُ وَلَكِنَّهُ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُجَرِّيَهُ إلَّا إنْسَانٌ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَلَوْ أَجَزْنَا أَنْ يُرَاهِنَ رَجُلٌ رَجُلًا بِفَرَسٍ بِعَيْنِهِ فَيَأْتِيَ بِغَيْرِهِ أَجَزْنَا أَنْ يَسْبِقَ رَجُلٌ رَجُلًا ثُمَّ يُبَدِّلُ مَكَانَهُ رَجُلًا يُنَاضِلُهُ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ إلَّا عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلَا يُبَدِّلُهُ بِغَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ عَنْ فَرَسٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يُبَدَّلُ غَيْرُهُ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُمْنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَرْمِيَ بِأَيِّ نَبْلٍ أَوْ قَوْسٍ شَاءَ إذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفِ الْقَوْسِ الَّتِي سَابَقَ عَلَيْهَا وَلَا أَرَى أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبُ الْفَرَسِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى فَرَسِهِ مَنْ شَاءَ لِأَنَّ الْفَارِسَ كَالْأَدَاةِ لِلْفَرَسِ وَالْقَوْسُ وَالنَّبْلُ كَالْأَدَاةِ لِلرَّامِي. وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُتَنَاضَلَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ السَّبَقِ وَلَا أَنْ يَفْتَرِشَ فِرَاشًا. وَكَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَقُولَ الْمُتَسَابِقَانِ بِالْفَرَسِ لَا يَعْلِفُ حَتَّى يَفْرُغَ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ لِأَنَّ هَذَا شَرْطُ تَحْرِيمِ الْمُبَاحِ وَالضَّرَرُ عَلَى الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ النِّضَالِ الْمُبَاحِ. وَإِذَا نَهَى الرَّجُلُ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ لِغَيْرِ تَقَرُّبٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِصَوْمٍ كَانَ أَوْ يَشْرِطُ ذَلِكَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَشْتَرِطَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَرْمِيَ مَعَهُ بِقُرَعٍ مَعْلُومٍ عَلَى أَنْ لِلْمُسْبِقِ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا شَاءَ النَّاضِلُ أَوْ مَا شَاءَ الْمَنْضُولُ وَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مِمَّا يَحِلُّ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَاتِ. وَلَوْ سَبَقَهُ شَيْئًا مَعْلُومًا عَلَى أَنَّهُ إنْ نَضَلَهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْمِيَ أَبَدًا أَوْ إلَى مُدَّةٍ مِنْ الْمَدَدِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْمُبَاحِ لَهُ. وَلَوْ سَبَقَهُ دِينَارًا عَلَى أَنَّهُ إنْ نَضَلَهُ كَانَ ذَلِكَ الدِّينَارُ لَهُ وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ صَاعَ حِنْطَةٍ بَعْدَ شَهْرٍ كَانَ هَذَا سَبَقًا جَائِزًا إذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ مَالِ الْمَنْضُولِ وَلَكِنَّهُ لَوْ سَبَقَهُ دِينَارًا عَلَى أَنَّهُ إنْ نَضَلَهُ أَعْطَاهُ الْمَنْضُولُ دِينَارَهُ وَأَعْطَى النَّاضِلُ الْمَنْضُولَ مُدَّ حِنْطَةٍ أَوْ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ هَذَا جَائِزًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ عَلَى شَيْئَيْنِ شَيْءٌ يُخْرِجُهُ الْمَنْضُولُ جَائِزًا فِي السُّنَّةِ لِلنَّاضِلِ وَشَيْءُ يُخْرِجُهُ النَّاضِلُ فَيَفْسُدُ مَنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَتَرَاهَنَا عَلَى النِّضَالِ لَا مُحَلِّلَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ التَّرَاهُنَ مِنْ الْقِمَارِ وَلَا يَصْلُحُ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُدَّ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَلَا سَبَقٍ فَيَفْسُدَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَوْ كَانَ عَلَيَّ لَك دِينَارٌ فَسَبَقْتَنِي دِينَارًا فَنَضَلْتُك فَإِنْ كَانَ دِينَارُك حَالًّا فَلَكَ أَنْ تُقَاصَّنِي وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ فَعَلَيْك أَنْ تُعْطِيَنِي الدِّينَارَ وَعَلَيَّ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَنْ أُعْطِيَك دِينَارَك وَلَوْ سَبَقَهُ دِينَارًا فَنَضَلَهُ إيَّاهُ ثُمَّ أَفْلَسَ كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ حَلَّ فِي مَالِهِ بِحَقٍّ أَجَازَتْهُ السُّنَّةُ فَهُوَ كَالْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ رَجُلًا دِينَارًا إلَّا دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا إلَّا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ كَانَ السَّبَقُ غَيْرَ جَائِزٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ الدِّينَارَ وَحِصَّةُ الدِّرْهَمِ مِنْ الدِّينَارِ عَشْرٌ وَلَعَلَّ حِصَّتَهُ يَوْمَ سَبَقَهُ نِصْفُ عُشْرِهِ وَكَذَلِكَ الْمُدُّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ أَسْبِقَك وَلَا أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْك وَلَا أَنْ أَسْتَأْجِرَ مِنْك إلَى أَجَلٍ بِشَيْءٍ إلَّا شَيْئًا يُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ وَلَا أَنْ أَسْبِقَك بِمُدِّ تَمْرٍ إلَّا رُبْعَ حِنْطَةٍ وَلَا دِرْهَمَ إلَّا عَشَرَةُ أَفْلُسٍ وَلَكِنْ إنْ اسْتَثْنَيْت شَيْئًا مِنْ الشَّيْءِ الَّذِي سَبَقْته فَلَا بَأْسَ إذَا سَبَقْتُك دِينَارًا إلَّا سُدُسًا فَإِنَّمَا سَبَقْتُك خَمْسَةَ أَسْدَاسِ دِينَارٍ وَإِنْ سَبَقْتُك صَاعًا إلَّا مُدًّا فَإِنَّمَا سَبَقْتُك ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ فَعَلَى هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ، قَالَ: وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ أَسْبِقَك دِينَارًا عَلَى أَنَّك إنْ نضلتنيه أَطْعَمْت بِهِ أَحَدًا بِعَيْنِهِ وَلَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَا تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ أَبِيعَك شَيْئًا بِدِينَارٍ عَلَى أَنْ تَفْعَلَ هَذَا فِيهِ وَلَا يَجُوزُ إذَا مَلَّكْتُك شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِلْكُك فِيهِ تَامًّا تَفْعَلُ فِيهِ مَا شِئْت دُونِي وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَنَاضِلَانِ مِنْ حَيْثُ يُرْسِلَانِ وَهُمَا يَرْمِيَانِ فِي الْمِائَتَيْنِ يَعْنِي ذِرَاعًا فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الرَّمْيِ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ رَمَى فِي هَدَفٍ يُقَدَّمُ أَمَامَ الْهَدَفِ الَّذِي يَرْمِي مِنْ عِنْدِهِ ذِرَاعًا أَوْ أَكْثَرَ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا فِي الْأَصْلِ أَنْ يَرْمِيَا مِنْ مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ فَيَكُونَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَرْمِيَا مِنْ مَوْضِعِ شَرْطِهِمَا وَإِنْ تَشَارَطَا أَنْ يَرْمِيَا فِي شَيْئَيْنِ مَوْضُوعِينَ أَوْ شَيْئَيْنِ يَرَيَانِهِمَا أَوْ يَذْكُرَانِ سَيْرَهُمَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُعَلِّقَ مَا تَشَارَطَا عَلَى أَنْ يَضَعَاهُ أَوْ يَضَعَ مَا تَشَارَطَا عَلَى أَنْ يُعَلِّقَاهُ أَوْ يُبَدَّلَ الشَّنُّ بِشَنٍّ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ عَلَى شَرْطِهِ وَإِذَا سَبَقَهُ وَلَمْ يُسَمِّ الْغَرَضَ فَأَكْرَهُ السَّبَقَ حَتَّى يَسْبِقَهُ عَلَى غَرَضٍ مَعْلُومٍ وَإِذَا سَبَقَهُ عَلَى غَرَضٍ مَعْلُومٍ كَرِهْت أَنْ يَرْفَعَهُ أَوْ يَخْفِضَهُ دُونَهُ وَقَدْ أَجَازَ الرُّمَاةُ لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَرْفَعَ الْمُسْبِقَ وَيَخْفِضَهُ فَيَرْمِيَ مَعَهُ رَشْقًا وَأَكْثَرَ فِي الْمِائَتَيْنِ وَرَشْقًا وَأَكْثَرَ فِي الْخَمْسِينَ وَالْمِائَتَيْنِ وَرَشْقًا وَأَكْثَرَ فِي الثَّلَاثِمِائَةِ وَمَنْ أَجَازَ هَذَا أَجَازَ لَهُ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ فِي الرُّقْعَةِ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ وَمَنْ أَجَازَ هَذَا أَجَازَ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَ الشَّنَّ وَجَعَلَ هَذَا كُلَّهُ إلَى الْمُسْبَقِ مَا لَمْ يَكُونَا تَشَارَطَا شَرْطًا، وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ إذَا كَانَا رَمَيَا أَوَّلَ يَوْمٍ بِعَشَرَةٍ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْبَقِ أَنْ يَزِيدَ فِي عَدَدِ النَّبْلِ وَيُنْقِصَ مِنْهَا إذَا اسْتَوَيَا فِي حَالٍ أَبَدًا جَعَلُوا ذَلِكَ إلَيْهِ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَشَارَطَا أَنْ يَرْمِيَا أَرْشَاقًا مَعْلُومَةً كُلُّ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَوْ آخِرِهِ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يَفْرُغَا مِنْهَا إلَّا مِنْ عُذْرٍ بِمَرَضٍ لِأَحَدِهِمَا أَوْ حَائِلٍ يَحُولُ دُونَ الرَّمْيِ وَالْمَطَرِ عُذْرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْسِدُ النَّبْلَ وَالْقِسِيَّ وَيَقْطَعُ الْأَوْتَارَ وَلَا يَكُونُ الْحَرُّ عُذْرًا لِأَنَّ الْحَرَّ كَائِنٌ كَالشَّمْسِ وَلَا الرِّيحُ الْخَفِيفَةُ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَصْرِفُ النَّبْلَ بَعْضَ الصَّرْفِ وَلَكِنْ إنْ كَانَتْ الرِّيحُ عَاصِفًا كَانَ لِأَيِّهِمَا شَاءَ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ الرَّمْيِ حَتَّى تَسْكُنَ أَوْ تَخِفَّ، وَإِنْ غَرَبَتْ لَهُمَا الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَا مِنْ أَرْشَاقِهِمَا الَّتِي تَشَارَطَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا أَنْ يَرْمِيَا فِي اللَّيْلِ. وَإِنْ انْكَسَرَتْ قَوْسُ أَحَدِهِمَا أَوْ نَبْلُهُ أَبْدَلَ مَكَانَ الْقَوْسِ وَالنَّبْلِ وَالْوَتَرِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى بَدْلِ الْقَوْسِ وَلَا الْوَتَرِ فَهَذَا عُذْرٌ، وَكَذَلِكَ إنْ ذَهَبَتْ نَبْلُهُ كُلُّهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى بَدَلِهَا فَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ نَبْلِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى بَدَلِهِ قِيلَ لِصَاحِبِهِ إنْ شِئْت فَاتْرُكْهُ حَتَّى يَجِدَ الْبَدَلَ وَإِنْ شِئْت فَارْمِ مَعَهُ بِعَدَدِ مَا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ مِنْ النَّبْلِ وَإِنْ شِئْت فَارْدُدْ عَلَيْهِ مِمَّا رَمَى بِهِ مِنْ نَبْلِهِ مَا يُعِيدُ الرَّمْيَ بِهِ حَتَّى يُكْمِلَ الْعَدَدَ وَإِذَا رَمَوْا اثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ الْعَدَدِ فَاعْتَلَّ وَاحِدٌ مِنْ الْحِزْبَيْنِ عِلَّةً ظَاهِرَةً قِيلَ لِلْحِزْبِ الَّذِينَ يُنَاضِلُونَهُ: إنْ اصْطَلَحْتُمْ عَلَى أَنْ تُجْلِسُوا مَكَانَهُ رَجُلًا مَنْ كَانَ فَذَلِكَ وَإِنْ تَشَاحَحْتُمْ لَمْ نُخْبِرْكُمْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ رَضِيَ أَحَدُ الْحِزْبَيْنِ وَلَمْ يَرْضَ الْآخَرُ لَمْ يُجْبَرْ الَّذِينَ لَمْ يَرْضَوْا وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَنَاضِلَانِ فِي مَوْضِعِ شَنٍّ مُعَلَّقٍ فَأَرَادَ الْمُسْبَقُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ عَيْنَ الشَّمْسِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُسْبِقُ كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ فِي اللَّيْلِ أَوْ الْمَطَرِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ الْمُسْبِقُ وَعَيْنُ الشَّمْسِ تَمْنَعُ الْبَصَرَ مِنْ السَّهْمِ كَمَا تَمْنَعُهُ الظُّلْمَةُ. (قَالَ الرَّبِيعُ) الْمُسْبِقُ أَبَدًا هُوَ الَّذِي يَغْرَمُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِرْسَالِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُطَوِّلُ بِالْإِرْسَالِ الْتِمَاسَ أَنْ تَبْرُدَ يَدُ الرَّامِي أَوْ يَنْسَى صَنِيعَهُ فِي السَّهْمِ الَّذِي رَمَى بِهِ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ فَيَلْزَمُ طَرِيقَ الصَّوَابِ وَيُسْتَعْتَبُ مِنْ طَرِيقِ الْخَطَأِ أَوْ قَالَ هُوَ لَمْ أَنْوِ هَذَا وَهَذَا يَدْخُلُ عَلَى الرَّامِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَقِيلَ لَهُ ارْمِ كَمَا يَرْمِي النَّاسُ لَا مُعَجِّلًا عَنْ أَنْ تَثْبُتَ فِي مَقَامِك وَفِي إرْسَالِك وَنَزْعِك وَلَا مُبْطِئًا لِغَيْرِ هَذَا الْإِدْخَالِ الْحَبْسِ عَلَى صَاحِبِك وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الَّذِي يُوَطِّنُ لَهُ فَكَانَ يُرِيدُ الْحَبْسَ أَوْ قَالَ لَا أُرِيدُهُ وَالْمُوَطِّنُ يُطِيلُ الْكَلَامَ قِيلَ لِلْمَوَاطِنِ وَطِّنْ لَهُ بِأَقَلِّ مَا يَفْهَمُ بِهِ وَلَا تَعْجَلْ عَنْ أَقَلِّ مَا يَفْهَمُ بِهِ، وَلَوْ حَضَرَهُمَا مَنْ يَحْبِسُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ يَغْلَطُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُضِرًّا بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ. (قَالَ الرَّبِيعُ) الْمُوَطِّنُ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الْهَدَفِ فَإِذَا رَمَى الرَّامِي قَالَ دُونَ ذَا قَلِيلٌ أَرْفَعُ مِنْ ذَا قَلِيلٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا اخْتَلَفَ الرَّامِيَانِ فِي الْمَوْقِفِ فَخَرَجَتْ قُرْعَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى أَنْ يَبْدَأَ فَبَدَأَ مِنْ عَرْضٍ وَقَفَ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْمُقَامِ ثُمَّ كَانَ لِلْآخَرِ مِنْ الْعَرْضِ الْآخَرِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ أَنْ يَقِفَ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْمُقَامِ وَإِذَا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ سَبَقًا مَعْلُومًا فَنَضَلَهُ الْمُسْبِقُ كَانَ السَّبَقُ فِي ذِمَّةِ الْمَنْضُولِ حَالًّا يَأْخُذُهُ بِهِ كَمَا يَأْخُذُ بِالدَّيْنِ فَإِنْ أَرَادَ النَّاضِلُ أَنْ يُسَلِّفَهُ الْمَنْضُولُ أَوْ يَشْتَرِيَ بِهِ النَّاضِلُ مَا شَاءَ فَلَا بَأْسَ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِإِطْعَامِهِ إيَّاهُ وَمَا نَضَلَهُ فَلَهُ أَنْ يُحْرِزَهُ ويتموله وَيَمْنَعَهُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ عِنْدِي كَرَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دِينَارٌ فَأَسْلَفَهُ الدِّينَارَ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ أَوْ أَطْعَمَهُ بِهِ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ كَمَا هُوَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ رَأَيْته مِمَّنْ يُبْصِرُ الرَّمْيَ أَنْ يَسْبِقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ بِعَشْرٍ وَيَجْعَلَ الْقُرَعَ مِنْ تِسْعٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْهَبُ إلَى أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يُجْعَلَ الْقُرَعُ مِنْ عَشْرٍ وَلَا يُجِيزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقُرَعُ لَا يُؤْتِي بِهِ بِحَالٍ إلَّا فِي أَكْثَرَ مِنْ رَشْقٍ فَإِذَا كَانَ لَا يُؤْتِي بِهِ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ الرَّشْقِ فَسَوَاءٌ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ جَائِزٌ. فَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ بِالسَّهْمِ فَخَسَقَ وَثَبَتَ قَلِيلًا ثُمَّ سَقَطَ بِأَيِّ وَجْهٍ سَقَطَ بِهِ حُسِبَ لِصَاحِبِهِ وَلَوْ وَقَفَ رَجُلٌ عَلَى أَنْ يَفْلُجَ فَرَمَى بِسَهْمٍ فَقَالَ إنْ أَصَبْت فَقَدْ فَلَجْت وَإِنْ لَمْ أُصِبْ فَالْفَلْجُ لَكُمْ وَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ إنْ أَصَبْت بِهَذَا السَّهْمِ فَلَكَ بِهِ الْفُلُوجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَبْلُغْهُ بِهِ إذَا أَصَابَهُ وَإِنْ أَخْطَأْت بِهِ فَقَدْ أَنَضَلْتَنِي نَفْسَك فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ وَهُمَا عَلَى أَصْلِ رَمْيِهِمَا لَا يَفْلُجُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْفُلُوجَ وَلَوْ طَابَتْ نَفْسُ الْمُسْبَقِ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ السَّبَقَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْلُغَهُ كَانَ هَذَا شَيْئًا تَطَوَّعَ بِهِ مِنْ مَالِهِ كَمَا وَهَبَ لَهُ. وَإِذَا كَانُوا فِي السَّبَقِ اثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ فَبَدَأَ رَجُلَانِ فَانْقَطَعَ أَوْتَارُهُمَا أَوْ وَتَرُ أَحَدِهِمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقِفَ مَنْ بَقِيَ حَتَّى يُرَكِّبَ وَتَرًا وَيُنْفِدَ نَبْلَهُ. وَقَدْ رَأَيْت مَنْ يَقُولُ هَذَا إذَا رَجَا أَنْ يتفالجا وَيَقُولُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمَا وَالْحَرْبُ كُلُّهُ لَا يتفالجون لَوْ أَصَابُوا بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَارِبُوا عَدَدَ الْغَايَةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ يَرْمِي مَنْ بَقِيَ ثُمَّ يُتِمُّ هَذَانِ. وَإِذَا اقْتَسَمُوا ثَلَاثَةً وَثَلَاثَةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَرِعُوا وَلْيَقْتَسِمُوا قِسْمًا مَعْرُوفًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ أَخْتَار عَلَى أَنْ أَسْبِقَ وَلَا يَخْتَارُ عَلَى أَنْ يَسْبِقَ وَلَا أَنْ يَقْتَرِعَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ سَبَقَهُ صَاحِبُهُ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَسِمَا قَسْمًا مَعْرُوفًا وَيَسْبِقُ أَيُّهَا شَاءَ مُتَطَوِّعًا لَا مُخَاطَرَةً بِالْقُرْعَةِ وَلَا بِغَيْرِهَا مِنْ أَنْ يَقُولَ أَرْمِي أَنَا وَأَنْتَ هَذَا الْوَجْهُ فَأَيُّنَا أَفْضَلَ عَلَى صَاحِبِهِ سَبَقَهُ الْمَفْضُولُ وَالسَّبَقُ عَلَى مَنْ بَذَلَهُ دُونَ حِزْبِهِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَ حِزْبُهُ أَنْفُسَهُمْ مَعَهُ فِي ضَمَانِ السَّبَقِ أَوْ يَأْمُرُوهُ أَنْ يَسْبِقَ عَنْهُمْ فَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّتُهُ عَلَى قَدْرِ عَدَدِ الرِّجَالِ لَا عَلَى قَدْرِ جَوْدَةِ الرَّمْيِ. وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إنْ أَصَبْت بِهَذَا السَّهْمِ فَلَكَ سَبَقٌ فَهَذَا جَائِزٌ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ وَجْهِ النِّضَالِ، فَإِنْ قَالَ إنْ أَخْطَأْت بِهَذَا السَّهْمِ فَلَكَ سَبَقٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ. وَإِنْ حَضَرَ الْغَرِيبُ أَهْلُ الْغَرَضِ فَقَسَمُوهُ فَقَالَ مَنْ مَعَهُ كُنَّا نَرَاهُ رَامِيًا، وَلَسْنَا نَرَاهُ رَامِيًا أَوْ قَالَ أَهْلُ الْحَرْبِ الَّذِينَ يَرْمِي عَلَيْهِمْ كُنَّا نَرَاهُ غَيْرَ رَامٍ وَهُوَ الْآنَ رَامٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ إخْرَاجِهِ إلَّا مَا لَهُمْ مِنْ إخْرَاجِ مَنْ عَرَفُوا رَمْيَهُ مِمَّنْ قَسَمُوهُ وَهُمْ يَعْرِفُونَهُ بِالرَّمْيِ فَسَقَطَ أَوْ بِغَيْرِ الرَّمْيِ فَوَافَقَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ سَبَقَ فُلَانًا دِينَارَيْنِ عَلَى أَنِّي شَرِيكٌ فِي الدِّينَارَيْنِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَنْ يَهَبَ لَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا بَعْدَ مَا يَنْضُلُ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَطَارَدَ ثَلَاثَةٌ فَأَخْرَجَ اثْنَانِ سَبَقَيْنِ وَأَدْخَلَا مُحَلِّلًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْعَلَ رَجُلًا لَا يَرْمِي عَلَيْهِ نِصْفَ سَبَقِ أَحَدِهِمَا عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ الْفَضْلِ إنْ أَحْرَزَ عَلَى صَاحِبِهِ وَإِذَا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ عَلَيْهِ رِشْقَيْنِ فَأَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَا إذَا أَعْطَيْنَاهُ ذَلِكَ أَعْطَيْنَاهُ فَضْلَ سَهْمٍ أَوْ أَكْثَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ رَمَيَا بِعَشْرٍ ثُمَّ ابْتَدَأَ الَّذِي بَدَأَ كَانَ لَوْ فَلَجَ بِذَلِكَ السَّهْمِ الْحَادِيَ عَشْرَ كُنَّا أَعْطَيْنَاهُ أَنْ يَرْمِيَ بِسَهْمٍ يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَضْلًا عَلَى مُرَاسِلِهِ عَنْ غَيْرِ مُرَاسَلَةٍ وَإِنَّمَا نُجِيزُ هَذَا لَهُ إذَا تَكَافَأَ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَبْدَأُ فِي وَجْهٍ وَالْآخَرُ فِي آخَرَ. وَإِذَا سَبَقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَجَائِزٌ أَنْ يُعْطِيَهُ السَّبَقَ مَوْضُوعًا عَلَى يَدَيْهِ أَوْ رَهْنًا بِهِ أَوْ حَمِيلًا أَوْ رَهْنًا وَحَمِيلًا أَوْ يَأْمَنَهُ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَإِذَا رَمَيَا إلَى خَمْسِينَ مُبَادَرَةً فَأَفْضَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ خَمْسًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَقَالَ الَّذِي أَفْضَلَ عَلَيْهِ اطْرَحْ فَضْلَك عَلَى أَنْ أُعْطِيَك بِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُتَفَاسَخَا هَذَا السَّبَقَ بِرِضَاهُمَا وَيَتَسَابَقَانِ سَبَقًا آخَرَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَضْرَبَةِ وَالْأَصَابِعِ إذَا كَانَ جِلْدُهُمَا ذَكِيًّا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مَدْبُوغًا مِنْ جِلْدِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مَا عَدَا جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَظْهَرُ بِالدَّبَّاغِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، فَإِنْ صَلَّى الرَّجُلُ وَالضَّرْبَةُ وَالْأَصَابِعُ عَلَيْهِ فَصَلَاتُهُ مُجْزِئَةٌ عَنْهُ غَيْرَ أَنِّي أَكْرَهُهُ لِمَعْنًى وَاحِدٍ إنِّي آمُرُهُ أَنْ يُفْضِيَ بِبُطُونِ كَفَّيْهِ إلَى الْأَرْضِ وَإِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْمَضْرَبَةِ وَالْأَصَابِعُ مَنَعَتَاهُ أَنْ يَقْضِيَ بِجَمِيعِ بُطُونِ كَفِيهِ لَا مَعْنَى غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَنَكِّبًا الْقَوْسَ وَالْقَرْنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَتَحَرَّكَانِ عَلَيْهِ حَرَكَةً تَشْغَلُهُ فَأَكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ صَلَّى أَجْزَأَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ مَعَهُ، وَيَخْتَارُ الْمُسْبِقُ ثَلَاثَةً وَلَا يُسَمِّيهِمْ لِلْمُسْبَقِ وَلَا الْمُسْبِقُ ثَلَاثَةً وَلَا يُسَمِّيهِمْ لِلْمُسْبِقِ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ السَّبَقُ حَتَّى يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَنَاضَلِينَ مَنْ يَرْمِي مَعَهُ وَعَلَيْهِ بِأَنْ يَكُون حَاضِرًا يَرَاهُ أَوْ غَائِبًا يَعْرِفُهُ. وَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ الْمُتَنَاضِلُونَ ثَلَاثَةً وَثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ كَانَ لِمَنْ لَهُ الْإِرْسَالُ وَحِزْبُهُ وَلِمُنَاضِلِيهِمْ أَنْ يُقَدِّمُوا أَيَّهُمْ شَاءُوا كَمَا شَاءُوا وَيُقَدِّمُ الْآخَرُونَ كَذَلِكَ، وَلَوْ عَقَدُوا السَّبَقَ عَلَى أَنَّ فُلَانًا يَكُونُ مُقَدَّمًا وَفُلَانٌ مَعَهُ وَفُلَانٌ ثَانٍ وَفُلَانٌ مَعَهُ كَانَ السَّبَقُ مَفْسُوخًا وَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ الْقَوْمُ يُقَدِّمُونَ مَنْ رَأَوْا تَقْدِيمَهُ، وَإِذَا كَانَ الْبَدْءُ لِأَحَدٍ الْمُتَنَاضِلِينَ فَبَدَأَ الْمُبْدَأُ عَلَيْهِ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ رُدَّ ذَلِكَ السَّهْمُ خَاصَّةً، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا حَتَّى يَفْرُغَا مِنْ رَمْيِهِمَا رُدَّ عَلَيْهِ السَّهْمُ الْأَوَّلُ فَرَمَى بِهِ فَإِنْ كَانَ أَصَابَ بِهِ بَطَلَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ أَخْطَأَ بِهِ رَمَى بِهِ فَإِنْ أَصَابَ بِهِ حُسِبَ لَهُ لِأَنَّهُ رَمَى بِهِ فِي الْبَدْءِ وَلَيْسَ لَهُ الرَّمْيُ بِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ مُصِيبًا كَانَ أَوْ مُخْطِئًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِهِ. [مَسَائِل فِي الْجِهَاد وَالْجِزْيَة] [كِتَابُ الْحُكْمِ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَمَسْأَلَةُ مَالِ الْحَرْبِيِّ] ِّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: الْحُكْمُ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حُكْمَانِ فَمَنْ غَزَا مِنْهُمْ أَهْلَ الْأَوْثَانِ وَمَنْ عَبَدَ مَا اسْتَحْسَنَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ كَانُوا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ، وَيُقَاتِلُهُمْ إذَا قَوِيَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقْتُلَهُمْ أَوْ يُسْلِمُوا وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: 5] الْآيَتَيْنِ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْمُحَارَبِينَ قُوتِلُوا حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، فَإِذَا أَعْطَوْهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ قَتْلُهُمْ وَلَا إكْرَاهُهُمْ عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] الْآيَةَ وَإِذَا قُوتِلَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَأَهْلُ الْكِتَابِ قُتِلُوا وَسُبِيَتْ ذَرَارِيُّهُمْ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ وَالْمَحِيضَ مِنْهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ الْبَوَالِغُ وَغَيْرُ البوالغ ثُمَّ كَانُوا جَمِيعًا فَيْئًا يُرْفَعُ مِنْهُمْ الْخُمُسُ وَيُقَسَّمُ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ عَلَى مَنْ أَوْجَفَ عَلَيْهِمْ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَإِنْ أَثْخَنُوا فِيهِمْ وَقَهَرُوا مَنْ قَاتَلُوهُ مِنْهُمْ حَتَّى تَغَلَّبُوا عَلَى بِلَادِهِمْ قُسِّمَتْ الدُّورُ وَالْأَرَضُونَ قَسْمَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ تُخَمَّسُ وَتَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِمَنْ حَضَرَ، وَإِذَا أُسِرَ الْبَالِغُونَ مِنْ الرِّجَالِ فَالْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ إنْ لَمْ يُسْلِمَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ أَوْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ أَهْلَ الْكِتَابِ، أَوْ يَمُنُّ عَلَيْهِمْ أَوْ يُفَادِيَهُمْ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ أَوْ بِأَسْرَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُطْلِقُونَ لَهُمْ أَوْ يَسْتَرِقُّهُمْ فَإِنْ اسْتَرَقَّهُمْ أَوْ أَخَذَ مِنْهُمْ مَالًا فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْغَنِيمَةِ يُخَمَّسُ وَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِأَهْلِ الْغَنِيمَةِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ حَكَمْت فِي الْمَالِ وَالْوِلْدَانِ وَالنِّسَاءِ حُكْمًا وَاحِدًا وَحَكَمْت فِي الرِّجَالِ أَحْكَامًا مُتَفَرِّقَةً، قِيلَ «ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قُرَيْظَةَ وَخَيْبَرَ فَقَسَّمَ عَقَارَهُمَا مِنْ الْأَرَضِينَ وَالنَّخْلِ قِسْمَةَ الْأَمْوَالِ وَسَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وِلْدَانَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ وَنِسَاءَهُمْ فَقَسَّمَهُمْ قِسْمَةَ الْأَمْوَالِ وَأَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ بَدْرٍ فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَّ عَلَيْهِ بِلَا شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ فِدْيَةً وَمِنْهُمْ مَنْ قَتَلَهُ، وَكَانَ الْمَقْتُولَانِ بَعْدَ الْإِسَارِ يَوْمَ بَدْرٍ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَكَانَ مِنْ الْمَمْنُونِ عَلَيْهِمْ بِلَا فِدْيَةٍ أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ تَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَنَاتِهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ عَهْدًا أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ فَأَخْفَرَهُ وَقَاتَلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَفْلِتَ فَمَا أُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ رَجُلًا غَيْرَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اُمْنُنْ عَلَيَّ وَدَعْنِي لِبَنَاتِي وَأُعْطِيك عَهْدًا أَنْ لَا أَعُودَ لِقِتَالِك فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَمْسَحْ عَلَى عَارِضَيْك بِمَكَّةَ تَقُولُ قَدْ خَدَعْت مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، ثُمَّ أَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ الْحَنَفِيَّ بَعْدُ فَمَنَّ عَلَيْهِ ثُمَّ عَادَ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ» أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَى رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِهِمْ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى الَّذِينَ بَعَثَ إلَى ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : لَا يَعْمِدُونَ بِقَتْلٍ وَلِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَشُنُّوا عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ لَيْلًا وَنَهَارًا فَإِنْ أَصَابُوا مِنْ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ أَحَدًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ وَلَا كَفَّارَةٌ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا؟ قِيلَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُمْ مِنْهُمْ» وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ فِي الْحَدِيثِ «هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِنْ قَالَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ» قِيلَ لَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ، فَإِنْ قَالَ فَلِمَ لَا يَعْمِدُونَ بِالْقَتْلِ؟ قِيلَ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْمِدُوا بِهِ فَإِنْ قَالَ فَلَعَلَّ الْحَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَانِ؟ قِيلَ: لَا وَلَكِنْ مَعْنَاهُمَا مَا وَصَفْت فَإِنْ قَالَ مَا دَلَّ عَلَى مَا قُلْت؟ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا لَمْ يَنْهَ عَنْ الْإِغَارَةِ لَيْلًا فَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ الْقَتْلَ قَدْ يَقَعُ عَلَى الْوِلْدَانِ وَعَلَى النِّسَاءِ. فَإِنْ قَالَ فَهَلْ أَغَارَ عَلَى قَوْمٍ بِبَلَدٍ غَارَيْنِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا؟ قِيلَ نَعَمْ أَخْبَرْنَا عُمَرُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ أَنَّ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ كَتَبَ إلَيْهِ يُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونِ فِي نِعَمِهِمْ بالمريسيع فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَفِي «أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ بِقَتْلِ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ غَارًّا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْغَارَّ يُقْتَلُ وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِقَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَقُتِلَ غَارًّا» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ قَالَ أَنَسٌ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نَزَلَ بِقَوْمٍ لَيْلًا لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ» قِيلَ لَهُ إذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي سُنَّتِهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِمَا وَصَفْنَا مَنْ قَتْلِ الْغَارِّينَ وَأَغَارَ عَلَى الْغَارِّينَ وَلَمْ يَنْهَ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ عَنْ الْبَيَاتِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلَكِنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الْغَارَةَ لَيْلًا لَأَنْ يَعْرِفَ الرَّجُلُ مَنْ يُقَاتِلُ أَوْ أَنْ لَا يَقْتُلَ النَّاسَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَا يَقْتُلُونَ بَيْنَ الْحِصْنِ وَلَا فِي الْآكَامِ حَيْثُ لَا يُبْصِرُونَ مَنْ قِبَلَهُمْ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ حَرُمَ ذَلِكَ وَفِيمَا وَصَفْنَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ لِلْمُشْرِكِينَ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ إلَى الْجِزْيَةِ إنَّمَا هُوَ وَاجِبٌ لِمَنْ تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ فَأَمَّا مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَلِلْمُسْلِمِينَ قَتْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى وَإِنْ دَعَوْهُ فَذَلِكَ لَهُمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ إذَا كَانَ لَهُمْ تَرْكُ قِتَالِهِ بِمُدَّةٍ تَطُولُ فَتَرْكُ قِتَالِهِ إلَى أَنْ يُدْعَى أَقْرَبُ فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلُوا حَتَّى يُدْعَوْا إلَى الْإِيمَانِ إنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ إلَى الْإِيمَانِ أَوْ إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ إنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ وَرَاءِ عَدُوِّنَا الَّذِينَ يُقَاتِلُونَا أُمَّةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَعَلَّ أُولَئِكَ أَنْ لَا تَكُونَ الدَّعْوَةُ بَلَغَتْهُمْ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونُوا خَلْفَ الرُّومِ أَوْ التُّرْكِ أَوْ الْخَزَرِ أُمَّةً لَا نَعْرِفُهُمْ فَإِنْ قَتَلَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَدًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَدَاهُ إنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا دِيَةَ نَصْرَانِيٍّ أَوْ يَهُودِيٍّ وَإِنْ كَانَ وَثَنِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ وَإِنَّمَا تَرَكْنَا قَتْلَ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يُقَاتِلُ فَإِنْ قَاتَلَ النِّسَاءَ أَوْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ لَمْ يَتَوَقَّ ضَرْبَهُمْ بِالسِّلَاحِ وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَوَقَّ مِنْ الْمُسْلِمِ إذَا أَرَادَ دَمَ الْمُسْلِمِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ مِنْهُمْ أَوْلَى أَنْ لَا يَتَوَقَّى وَكَانُوا قَدْ زَايَلُوا الْحَالَ الَّتِي نَهَى عَنْ قَتْلِهِمْ فِيهَا وَإِذَا أُسِرُوا أَوْ هَرَبُوا أَوْ جُرِحُوا وَكَانُوا مِمَّنْ لَا يُقَاتِلُ فَلَا يُقْتَلُونَ لِأَنَّهُمْ قَدْ زَايَلُوا الْحَالَ الَّتِي أُبِيحَتْ فِيهَا دِمَاؤُهُمْ وَعَادُوا إلَى أَصْلِ حُكْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ مَمْنُوعِينَ بِأَنْ يَقْصِدَ قَصْدَهُمْ بِالْقَتْلِ وَيَتْرُكَ قَتْلَ الرُّهْبَانِ وَسَوَاءٌ رُهْبَانُ الصَّوَامِعِ وَرُهْبَانُ الدِّيَارَاتِ وَالصَّحَارِي وَكُلُّ مَنْ يَحْبِسُ نَفْسَهُ بِالتَّرَهُّبِ تَرَكْنَا قَتْلَهُ اتِّبَاعًا لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَنَا أَنْ نَدَعَ قَتْلَ الرِّجَالِ الْمُقَاتِلِينَ بَعْدَ الْمَقْدِرَةِ وَقَتْلَ الرِّجَالِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ لَمْ نَكُنْ آثِمِينَ بِتَرْكِ الرُّهْبَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا تَبَعًا لَا قِيَاسًا وَلَوْ أَنَّا زَعَمْنَا أَنَّا تَرَكْنَا قَتْلَ الرُّهْبَانِ لِأَنَّهُمْ فِي مَعْنَى مَنْ لَا يُقَاتِلُ تَرَكْنَا قَتْلَ الْمَرْضَى حِينَ نُغِيرُ عَلَيْهِمْ وَالرُّهْبَانَ وَأَهْلَ الْجُبْنَ وَالْأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ وَأَهْلَ الصِّنَاعَاتِ الَّذِينَ لَا يُقَاتِلُونَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ لَا قِتَالَ مِنْهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ؟ قِيلَ قَتَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ وَهُوَ فِي شِجَارٍ مَطْرُوحٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُثْبِتَ جَالِسًا وَكَانَ قَدْ بَلَغَ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ فَلَمْ يَعِبْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتْلَهُ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَابَ أَنْ نَقْتُلَ مِنْ رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ مَنْ عَدَا الرُّهْبَانَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُعَابَ قَتْلُ مَنْ عَدَا الرُّهْبَانَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ لَمْ يُقْتَلْ الْأَسِيرُ وَلَا الْجَرِيحُ الْمُثْبَتُ وَقَدْ ذُفِّفَ عَلَى الْجَرْحَى بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ ذَفَّفَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِ قَتْلِ الرَّاهِبِ حُجَّةٌ إلَّا مَا وَصَفْنَا غَنِمْنَا كُلَّ مَالٍ لَهُ فِي صَوْمَعَتِهِ وَغَيْرِ صَوْمَعَتِهِ وَلَمْ نَدَعْ لَهُ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي أَنْ يُتْرَكَ ذَلِكَ لَهُ فَيُتْبَعَ، وَتُسْبَى أَوْلَادُ الرُّهْبَانِ وَنِسَاؤُهُمْ إنْ كَانُوا غَيْرَ مُتَرَهَّبِينَ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَاحَ أَمْوَالَ الْمُشْرِكِينَ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَا تَمْنَعُ مَالَهُ؟ قِيلَ كَمَا لَا أَمْنَعُ مَالَ الْمَوْلُودِ وَالْمَرْأَةِ وَأَمْنَعُ دِمَاءَهُمَا وَأُحِبُّ لَوْ تَرَهَّبَ النِّسَاءُ تَرْكَهُنَّ كَمَا أَتْرُكُ الرِّجَالَ فَإِنْ تَرَهَّبَ عَبْدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَوْ أَمَةٌ سَبَيْتهمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَسْلَمَ قَضَيْت لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُمَا وَيَمْنَعَهُمَا التَّرَهُّبَ لِأَنَّ الْمَمَالِيكَ لَا يَمْلِكُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَا يَمْلِكُ الْأَحْرَارُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ وَالْأَحْرَارِ. قِيلَ لَا يُمْنَعُ حُرٌّ مِنْ غَزْوٍ وَلَا حَجٍّ وَلَا تَشَاغُلٍ بِبِرٍّ عَنْ صَنْعَتِهِ بَلْ يُحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ الْحَجُّ وَالْغَزْوُ لَازِمِينَ لَهُ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ وَلِمَالِكِ الْعَبْدِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ يَلْزَمُ الْعَبْدَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ. [الْخِلَافُ فِيمَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَمَنْ لَا تُؤْخَذُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : الْمَجُوسِ وَالصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ أَهْلُ كِتَابٍ فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ: أَمَّا الصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمَا صِنْفَانِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَمَّا الْمَجُوسُ فَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ أَهْلِ كِتَابِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَنْكِحُونَ نِسَاءَهُمْ وَلَا يَأْكُلُونَ ذَبَائِحَهُمْ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ إذَا أُبِيحَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ فَكُلُّ مُشْرِكٍ عَابِدِ وَثَنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَحَرَامٌ إذَا أَعْطَى الْجِزْيَةَ أَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَحَالُهُمْ حَالُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَتُحْقَنَ دِمَاؤُهُمْ بِهَا إلَّا الْعَرَبَ خَاصَّةً فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ وَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ يَذْهَبُ هَذَا الْمَذْهَبَ مَا حُجَّتُك فِي أَنْ حَكَمْت فِي الْمَجُوسِ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَمْ تَحْكُمْ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَجُوسِ؟ فَقُلْت الْحُجَّةُ أَنَّ سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَأَلَ عَنْ الْمَجُوسِ فَقَالَ: " كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ " فَمَا قَوْلُهُ " سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ " قُلْت كَلَامٌ عَرَبِيٌّ وَالْكِتَابَانِ الْمَعْرُوفَانِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَلِلَّهِ كُتُبٌ سِوَاهُمَا قَالَ وَمَا دَلَّ عَلَى مَا قُلْت؟ قُلْت قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى - وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 36 - 37] فَالتَّوْرَاةُ كِتَابُ مُوسَى وَالْإِنْجِيلُ كِتَابُ عِيسَى وَالصُّحُفُ كِتَابُ إبْرَاهِيمِ مَا لَمْ تَعْرِفْهُ الْعَامَّةُ مِنْ الْعَرَبِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] قَالَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» قُلْنَا فِي أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ قَالَ فَمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ خَاصٌّ قُلْنَا لَوْ كَانَ عَامًّا أَكَلْنَا ذَبَائِحَهُمْ وَنَكَحْنَا نِسَاءَهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقَالَ فَفِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ حُكْمٌ وَاحِدٌ أَوْ حُكْمَانِ؟ قِيلَ بَلْ حُكْمَانِ قَالَ وَهَلْ يُشْبِهُ هَذَا شَيْءٌ؟ قُلْنَا نَعَمْ حَكَمَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيمَنْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ غَيْرَ الْمَجُوسِ مِمَّنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَلَا نِسَاؤُهُ قِيَاسًا عَلَى الْمَجُوسِ قُلْنَا فَأَيْنَ ذَهَبْت عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] إِلَى {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَإِنْ زَعَمْت أَنَّهَا وَالْحَدِيثَ مَنْسُوخَانِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» قُلْنَا فَإِذْ زَعَمْت ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْك أَنْ تَكُونَ الْعَرَبُ مِمَّنْ يُعْطُونَ الْجِزْيَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ قَالَ فَإِنْ قُلْت لَا يَصْلُحُ أَنْ تُعْطِيَ الْعَرَبُ الْجِزْيَةُ قُلْنَا أَوْ لَيْسُوا دَاخِلِينَ فِي اسْمِ الشِّرْكِ؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لَمْ أَعْلَمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنْهُمْ جِزْيَةً قُلْنَا أَفَعَلِمْت أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ جِزْيَةً مِنْ غَيْرِ كِتَابِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ؟ قَالَ لَا قُلْنَا فَكَيْفَ جَعَلْت غَيْرَ الْكِتَابِيِّينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قِيَاسًا عَلَى الْمَجُوسِ؟ أَرَأَيْتَ لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ بَلْ آخُذُهَا مِنْ الْعَرَبِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا تَقُولُ لَهُ؟ قَالَ أَفَتَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ عَرَبِيٍّ؟ قُلْنَا نَعَمْ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ يَأْخُذُوهَا حَتَّى السَّاعَةِ مِنْ الْعَرَبِ قَدْ صَالَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُكَيْدِرَ الْغَسَّانِيَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَصَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ وَالْيَمَنِ وَمِنْهُمْ عَرَبٌ وَعَجَمٌ. وَصَالَحَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَبَنِي نُمَيْرٍ إذْ كَانُوا كُلُّهُمْ يَدِينُونَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إلَى الْيَوْمِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ جَازَ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ إحْدَى الْآيَتَيْنِ وَالْحَدِيثَيْنِ نَاسِخٌ لِلْآخَرِ جَازَ أَنْ يُقَالَ الْأَمْرُ بِأَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْقُرْآنِ وَمِنْ الْمَجُوسِ فِي السُّنَّةِ مَنْسُوخٌ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُسْلِمُوا وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا نَاسِخٌ إلَّا بِخَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَمْضِيَانِ جَمِيعًا عَلَى وُجُوهِهِمَا مَا كَانَ إلَى إمْضَائِهِمَا سَبِيلٌ بِمَا وَصَفْنَا وَذَلِكَ إمْضَاءُ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمِ رَسُولِهِ مَعًا وَقَوْلُك خَارِجٌ مِنْ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ قَالَ فَقَالَ لِي أَفَعَلَيَّ أَيَّ شَيْءٍ الْجِزْيَةُ؟ قُلْنَا عَلَى الْأَدْيَانِ لَا عَلَى الْأَنْسَابِ وَلَوَدِدْنَا أَنَّ الَّذِي قُلْت عَلَى مَا قُلْت إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ سَخَطٌ وَمَا رَأَيْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَّقَ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَلَا عَجَمِيٍّ فِي شِرْكٍ وَلَا إيمَانٍ وَلَا الْمُسْلِمُونَ أَنَّا لَنَقْتُلُ كُلًّا بِالشِّرْكِ وَنَحْقِنُ دَمَ كُلِّ بِالْإِسْلَامِ وَنَحْكُمُ عَلَى كُلٍّ بِالْحُدُودِ فِيمَا أَصَابُوا وَغَيْرَهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى رِجَالٍ مِنْ الْعَدُوِّ فَأَسَرُوهُمْ فَأَسْلَمُوا بَعْدَ الْإِسَارِ فَهُمْ مَرْقُوقُونَ لَا تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ وَأَيُّ حَالٍ أَسْلَمُوا فِيهَا قَبْلَ الْإِسَارِ حَقَنُوا دِمَاءَهُمْ وَأَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ إلَّا مَا حَوَوْا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا وَكَانُوا أَحْرَارًا وَلَمْ يُسْبَ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ أَحَدٌ صَغِيرٌ فَأَمَّا نِسَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ الْبَالِغُونَ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ فِي الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ لَا حُكْمُ الْأَبِ وَالزَّوْجِ وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمُوا وَقَدْ حُصِرُوا فِي مَدِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ أَحَاطَتْ بِهِمْ الْخَيْلُ أَوْ غَرِقُوا فِي الْبَحْرِ فَكَانُوا لَا يَمْتَنِعُونَ مِمَّنْ أَرَادَ أَخْذُهُمْ أَوْ وَقَعُوا فِي نَارٍ أَوْ بِئْرٍ وَخَرَجُوا وَكَانُوا غَيْرَ مُمْتَنِعِينَ كَانُوا بِهَذَا كُلِّهِ مَحْقُونِي الدِّمَاءِ مَمْنُوعِينَ مِنْ أَنْ يُسْبَوْا وَلَكِنْ لَوْ سُبُوا فَرُبِطُوا أَوْ سُجِنُوا غَيْرَ مَرْبُوطِينَ أَوْ صَارُوا إلَى الِاسْتِسْلَامِ فَأَمَرَ بِهِمْ الْحَاكِمُ قَوْمًا يَحْفَظُونَهُمْ فَأَسْلَمُوا حُقِنَتْ دِمَاؤُهُمْ وَجَرَى السَّبْيُ عَلَيْهِمْ فَإِنْ قَالَ مَا فَرْقٌ بَيْنَ هَذِهِ الْحَالِ وَبَيْنَ الْمُحَاطِ بِهِمْ فِي صَحْرَاءَ أَوْ بَيْتٍ أَوْ مَدِينَةٍ؟ قِيلَ قَدْ يَمْتَنِعُ أُولَئِكَ حَتَّى يَغْلِبُوا مَنْ أَحَاطَ بِهِمْ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْمَدَدُ أَوْ يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُمْ فَيَهْرُبُوا وَلَيْسَ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْحَالِ مِمَّنْ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّبْيِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّبْيِ إذَا حَوَى غَيْرَ مُمْتَنِعٍ وَلَوْ أُسِرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَعَانَ بِهِمْ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مُشْرِكِينَ مِثْلِهِمْ لِيُقَاتِلُوهُمْ فَقَدْ قِيلَ يُقَاتِلُونَهُمْ وَقِيلَ قَاتَلَ الزُّبَيْرُ وَأَصْحَابٌ لَهُ بِبِلَادِ الْحَبَشَةِ مُشْرِكِينَ عَنْ مُشْرِكِينَ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ وَمَا يَحْرُمُ مِنْ الْقِتَالِ مَعَهُمْ وَدِمَاءُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ مُبَاحَةٌ بِالشِّرْكِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ قِتَالُهُمْ حَرَامٌ لِمَعَانٍ مِنْهَا أَنَّ وَاجِبًا عَلَى مَنْ ظَهَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَغَنِمَ فَالْخُمُسُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ فِي الْبُلْدَانِ وَهَذَا لَا يَجِدُ السَّبِيلَ إلَى أَنْ يَكُونَ الْخُمُسُ مِمَّا غَنِمَ لِأَهْلِ الْخُمُسِ لِيُؤَدِّيَهُ إلَى الْإِمَامِ فَيُفَرِّقَهُ وَوَاجِبٌ عَلَيْهِمْ إنْ قَاتَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ فَأَعْطَوْا الْجِزْيَةَ أَنْ يَحْقِنُوا دِمَاءَهُمْ وَهَذَا إنْ أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَمْنَعَهُمْ حَتَّى يَحْقِنُوا دِمَاءَهُمْ كَانَ مَذْهَبًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَكْرِهُوهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا وَلَا نَعْلَمُ خَبَرَ الزُّبَيْرِ يَثْبُت وَلَوْ ثَبَتَ كَانَ النَّجَاشِيُّ مُسْلِمًا كَانَ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِذَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ بِلَادَ الْحَرْبِ فَسَرَتْ سَرِيَّةٌ كَثِيرَةٌ أَوْ قَلِيلَةٌ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِ إذْنِهِ فَسَوَاءٌ وَلَكِنِّي أَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يَخْرُجُوا إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ لِخِصَالٍ مِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ يُغْنِي عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَيَأْتِيهِ مِنْ الْخَبَرِ مَا لَا تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ فَيَقْدَمُ بِالسَّرِيَّةِ حَيْثُ يَرْجُو قُوَّتَهَا وَيَكُفُّهَا حَيْثُ يَخَافُ هَلَكَتَهَا وَإِنْ أَجْمَعَ لِأَمْرِ النَّاسِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْإِمَامِ وَإِنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ مِنْ الضَّيْعَةِ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَسِيرُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، فَيَرْحَلُ وَلَا يُقِيمُ عَلَيْهِمْ فَيُتْلِفُونَ إذَا انْفَرَدُوا فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَيَسِيرُونَ وَلَا يَعْلَمُ فَيَرَى الْإِمَامُ الْغَارَّةَ فِي نَاحِيَتِهِمْ فَلَا يُعِينُهُمْ وَلَوْ عَلِمَ مَكَانَهُمْ أَعَانَهُمْ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ فَلَا أَعْلَمُهُ يَحْرُمُ، وَذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إنْ قُتِلْت صَابِرًا مُحْتَسِبًا؟ قَالَ فَلَكَ الْجَنَّةُ قَالَ فَانْغَمَسَ فِي جَمَاعَةِ الْعَدُوِّ فَقَتَلُوهُ وَأَلْقَى رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ دِرْعًا كَانَتْ عَلَيْهِ حِينَ ذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَنَّةَ ثُمَّ انْغَمَسَ فِي الْعَدُوِّ فَقَتَلُوهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ تَخَلَّفَ عَنْ أَصْحَابِهِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ فَرَأَى الطَّيْرَ عُكُوفًا عَلَى مُقْتَلَةِ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ سَأَتَقَدَّمُ إلَى هَؤُلَاءِ الْعَدُوِّ فَيَقْتُلُونِي وَلَا أَتَخَلَّفُ عَنْ مَشْهَدٍ قُتِلَ فِيهِ أَصْحَابُنَا فَفَعَلَ فَقُتِلَ فَرَجَعَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ فِيهِ قَوْلًا حَسَنًا وَيُقَالُ فَقَالَ لِعَمْرٍو فَهَلَّا تَقَدَّمْت فَقَاتَلْت حَتَّى تُقْتَلَ؟» فَإِذَا حَلَّ الرَّجُلُ الْمُنْفَرِدُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْجَمَاعَةِ، الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مَنْ رَآهُ أَنَّهَا سَتَقْتُلُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَآهُ حَيْثُ لَا يَرَى وَلَا يَأْمَنُ كَانَ هَذَا أَكْثَرَ مِمَّا فِي انْفِرَادِ الرَّجُلِ وَالرِّجَالُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] الْآيَةَ وَقَالَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] إلَى قَوْلِهِ {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66] أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَهَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُسْتَغْنٍ بِالتَّنْزِيلِ عَنْ التَّأْوِيلِ لَمَّا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنْ لَا يَفِرَّ الْعِشْرُونَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ فَكَانَ هَذَا الْوَاحِدُ مِنْ الْعَشَرَةِ ثُمَّ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَصَيَّرَ الْأَمْرَ إلَى أَنْ لَا تَفِرُّ الْمِائَةُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنْ لَا يَفِرَّ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلَيْنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرْنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يَفِرَّ وَمَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَهَذَا مِثْلُ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلِنَا وَهَؤُلَاءِ الْخَارِجُونَ مِنْ السَّخَطِ إنْ فَرُّوا مِنْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ حَتَّى يَكُونَ الْوَاحِدُ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا فِيمَا تَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْفَارِّينَ بِكُلِّ حَالٍ، أَمَّا الَّذِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ السَّخَطُ فَإِذَا فَرَّ الْوَاحِدُ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَقَلُّ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا وَالْمُتَحَرِّفُ لَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَمُدْبِرًا وَنِيَّتُهُ الْعَوْدَةُ لِلْقِتَالِ وَالْفَارُّ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قُلْت أَوْ كَثُرَتْ كَانَتْ بِحَضْرَتِهِ أَوْ مُنْتَئِيَةً عَنْهُ سَوَاءٌ إنَّمَا يَصِيرُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى نِيَّةِ الْمُتَحَرِّفِ وَالْمُتَحَيِّزُ فَإِنْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ إنَّهُ إنَّمَا تَحَرَّفَ لِيَعُودَ لِلْقِتَالِ أَوْ تَحَيَّزَ لِذَلِكَ فَهُوَ الَّذِي اسْتَثْنَى اللَّهُ فَأَخْرَجَهُ مِنْ سَخَطِهِ فِي التَّحَرُّفِ وَالتَّحَيُّزِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى خِفْت عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَإِذَا تَحَرَّفَ إلَى الْفِئَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفَرِدَ إلَى الْعَدُوِّ فَيُقَاتِلَهُمْ وَحْدَهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْآنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَوَّلًا أَنْ يَتَحَرَّفَ وَلَا بَأْسَ بِالْمُبَارَزَةِ وَقَدْ بَارَزَ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَلِيٌّ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَارَزَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مُرَحِّبًا يَوْمَ خَيْبَرَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَارَزَ يَوْمَئِذٍ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ يَاسِرًا وَبَارِز يَوْم الْخَنْدَقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ وَإِذَا بَارَزَ الرَّجُلُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِغَيْرِ أَنْ يَدْعُوَ أَوْ يُدْعَى إلَى الْمُبَارَزَةِ فَبَرَزَ لَهُ رَجُلٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعِينَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوهُ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ إلَّا وَاحِدٌ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُقَاتِلَهُ وَاحِدٌ فَقَدْ تَبَارَزَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ فَضَرَبَ عُبَيْدَةُ عُتْبَةَ فَأَرْخَى عَاتِقَهُ الْأَيْسَرَ وَضَرَبَهُ عَتَبَة فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَأَعَانَ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ فَقَتَلَا عُتْبَةَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَأَمَّا إنْ دَعَا مُسْلِمٌ مُشْرِكًا أَوْ مُشْرِكٌ مُسْلِمًا إلَى أَنْ يُبَارِزَهُ فَقَالَ لَهُ لَا يُقَاتِلُك غَيْرِي أَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ الدُّعَاءَ إلَى مُبَارَزَةِ الْوَاحِدِ كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مَعًا سِوَى الْمُبَارِزَيْنِ أَحْبَبْت أَنْ يَكُفَّ عَنْ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَإِنْ وَلَّى عَنْهُ الْمُسْلِمُ أَوْ جَرَحَهُ فَأَثْخَنَهُ فَحَمَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ تَبَارُزِهِمَا فَلَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ إنْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ قِتَالَهُمَا قَدْ انْقَضَى وَلَا أَمَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ أَنَّهُ آمَنَ مِنْهُمْ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَخْرَجِهِ مِنْ الصَّفِّ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ قَتْلُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَأْمَنِهِ وَلَوْ شَرَطُوا ذَلِكَ لَهُ فَخَافُوهُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَوْ يُجْرَحُ الْمُسْلِمُ فَلَهُمْ أَنْ يَسْتَنْقِذُوا الْمُسْلِمَ مِنْهُ بِلَا أَنْ يَقْتُلُوهُ فَإِنْ امْتَنَعَ أَنْ يُخَلِّيَهُمْ وَإِنْقَاذَ صَاحِبِهِمْ وَعَرَضَ دُونَهُ لِيُقَاتِلَهُمْ قَاتَلُوهُ لِأَنَّهُ نَقَضَ أَمَانَ نَفْسِهِ وَلَوْ عَرَضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَقَالَ أَنَا مِنْكُمْ فِي أَمَانٍ قَالُوا نَعَمْ إنْ خَلَّيْتنَا وَصَاحِبَنَا فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ تَقَدَّمْنَا لِأَخْذِ صَاحِبِنَا فَإِنْ قَاتَلْتنَا قَاتَلْنَاك وَكُنْت أَنْتَ نَقَضْت أَمَانَك فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَكَيْفَ لَا يُعَانُ الرَّجُلُ الْبَارِزُ عَلَى الْمُشْرِكِ قَاهِرًا لَهُ؟ قِيلَ إنَّ مَعُونَةَ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ عَلَى عُتْبَةَ إنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَبِيدِهِ قِتَالٌ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ لِعُتْبَةَ أَمَانٌ يَكُفُّونَ بِهِ عَنْهُ فَإِنْ تَشَارَطَا الْأَمَانَ فَأَعَانَ الْمُشْرِكُونَ صَاحِبَهُمْ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا صَاحِبَهُمْ وَيَقْتُلُوا مَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ الْمُبَارِزِ لَهُ وَلَا يَقْتُلُوا الْمُبَارِزَ مَا لَمْ يَكُنْ هُوَ اسْتَنْجَدَهُمْ عَلَيْهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا تَحَصَّنَ الْعَدُوُّ فِي جَبَلٍ أَوْ حِصْنٍ أَوْ خَنْدَقٍ أَوْ بِحَسَكٍ أَوْ بِمَا يُتَحَصَّنُ بِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْمُوا بِالْمَجَانِيقِ وَالْعَرَّادَاتِ وَالنِّيرَانِ وَالْعَقَارِبِ وَالْحَيَّاتِ وَكُلُّ مَا يَكْرَهُونَهُ وَأَنْ يَبْثُقُوا عَلَيْهِمْ الْمَاءَ لِيُغْرِقُوهُمْ أَوْ يُوحِلُوهُمْ فِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَهُمْ الْأَطْفَالُ وَالنِّسَاءُ وَالرُّهْبَانُ أَوْ لَمْ يَكُونُوا لِأَنَّ الدَّارَ غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ بِإِسْلَامٍ وَلَا عَهْدٍ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يُحَرِّقُوا شَجَرَهُمْ الْمُثْمِرَ وَغَيْرَ الْمُثْمِرِ وَيُخَرِّبُوا عَامِرَهُمْ وَكُلَّ مَا لَا رُوحَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْحُجَّةُ فِيمَا وَصَفْت وَفِيهِمْ الْوِلْدَانُ وَالنِّسَاءُ الْمُنْهَى عَنْ قَتْلِهِمْ؟ قِيلَ الْحُجَّةُ فِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ مَنْجَنِيقًا أَوْ عَرَّادَةً وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ النِّسَاءَ وَالْوِلْدَانَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَهَا» أَخْبَرَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ» فَقَالَ قَائِلٌ: وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ نَهَى بَعْدَ التَّحْرِيقِ فِي أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ؟ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا نَهَى عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَهُ بِهَا فَكَانَ تَحْرِيقُهُ إذْهَابًا مِنْهُ لِعَيْنِ مَالِهِ وَذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ حَرَّقَ أَوْ قَطَّعَ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قِيلَ نَعَمْ قَطَّعَ بِخَيْبَرَ وَهِيَ بَعْدَ بَنِي النَّضِيرِ وَبِالطَّائِفِ وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا لَقِيَ فِيهَا قِتَالًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ أَجَزْت الرَّمْيَ بِالْمَنْجَنِيقِ وَبِالنَّارِ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُشْرِكِينَ فِيهِمْ الْوِلْدَانُ وَالنِّسَاءُ وَهُمْ مَنْهِيٌّ عَنْ قَتْلِهِمْ؟ قِيلَ أَجَزْنَا بِمَا وَصَفْنَا «وَبِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَنَّ الْغَارَةَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ غَارِّينَ وَأَمَرَ بِالْبَيَاتِ وَبِالتَّحْرِيقِ» وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ فِيهِمْ الْوِلْدَانَ وَالنِّسَاءَ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ دَارُ شِرْكٍ غَيْرِ مَمْنُوعَةٍ وَإِنَّمَا نَهَى أَنْ تُقْصَدَ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ بِالْقَتْلِ إذَا كَانَ قَاتِلُهُمْ يَعْرِفُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ لِلْخَبَرِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَاهُمْ فَجَعَلَهُمْ مَالًا وَقَدْ كَتَبَ هَذَا قَبْلَ هَذَا فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ أُسَارَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ تُجَّارٌ مُسْتَأْمَنُونَ كَرِهْت النُّصْبَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَعُمُّ مِنْ التَّحْرِيقِ وَالتَّغْرِيقِ وَمَا أَشْبَهَهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ لَهُ تَحْرِيمًا بَيِّنًا وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ إذَا كَانَتْ مُبَاحَةً فَلَا يُبَيِّنُ أَنْ تَحْرُمَ بِأَنْ يَكُونَ فِيهَا مُسْلِمٌ يَحْرُمُ دَمُهُ وَإِنَّمَا كَرِهْت ذَلِكَ احْتِيَاطًا وَلِأَنَّ مُبَاحًا لَنَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ أَنْ تَجَاوَزَهَا فَلَا نُقَاتِلُهَا وَإِنْ قَاتَلْنَاهَا قَاتَلْنَاهَا بِغَيْرِ مَا يَعُمُّ مِنْ التَّحْرِيقِ وَالتَّغْرِيقِ وَلَكِنْ لَوْ الْتَحَمَ الْمُسْلِمُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ فَكَانَ الَّذِي يَرَوْنَ أَنَّهُ يَنْكَأُ مَنْ التحمهم يُغْرِقُوهُ أَوْ يُحَرِّقُوهُ كَانَ ذَلِكَ رَأَيْت لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَلَمْ أَكْرَهْهُ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ مَأْجُورُونَ أَجْرَيْنِ أَحَدُهُمَا الدَّفْعُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَالْآخَرُ نِكَايَةُ عَدُوِّهِمْ غَيْرَ مُلْتَحِمِينَ فَتَتَرَّسُوا بِأَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَقَدْ قِيلَ لَا يَتَوَقَّوْنَ وَيُضْرَبُ الْمُتَتَرِّسُ مِنْهُمْ وَلَا يَعْمِدُ الطِّفْلُ وَقَدْ قِيلَ يُكَفُّ عَنْ الْمُتَتَرِّسِ بِهِ وَلَوْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ رَأَيْت أَنْ يُكَفَّ عَمَّنْ تَتَرَّسُوا بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ مُلْتَحِمِينَ فَلَا يَكُفُّ عَنْ الْمُتَتَرِّسِ وَيُضْرَبُ الْمُشْرِكُ وَيَتَوَقَّى الْمُسْلِمُ جَهْدَهُ فَإِنْ أَصَابَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحَالَاتِ مُسْلِمًا أَعْتَقَ رَقَبَةً. وَإِذَا حَاصَرْنَا الْمُشْرِكِينَ فَظَفِرْنَا لَهُمْ بِخَيْلٍ أَحْرَزْنَاهَا أَوْ بِنَّا بِهَا عَنْهُمْ فَرَجَعَتْ عَلَيْنَا واستلحمنا وَهِيَ فِي أَيْدِينَا أَوْ خِفْنَا الدَّرْكَ وَهِيَ فِي أَيْدِينَا وَلَا حَاجَةَ لَنَا بِرُكُوبِهَا إنَّمَا نُرِيدُ غَنِيمَتَهَا أَوْ بِنَا حَاجَةٌ إلَى رُكُوبِهَا أَوْ كَانَتْ مَعَهَا مَاشِيَةٌ مَا كَانَتْ أَوْ نَحْلٌ أَوْ ذُو رُوحٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ اتِّخَاذُهُ لِمَأْكَلَةٍ فَلَا يَجُوزُ عُقْرُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا قَتْلُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا أَنْ نَذْبَحَهُ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ " لَا تَعْقِرُوا شَاةً وَلَا بَعِيرًا إلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَلَا تُغْرِقَنَّ نَخْلًا وَلَا تُحَرِّقَنَّهُ " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ " وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا فَقَطَعْته " قِيلَ فَإِنَّا قَطَعْنَاهُ بِالسُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ أَوْلَى بِي وَبِالْمُسْلِمِينَ وَلَمْ أَجِدْ لِأَبِي بَكْرٍ فِي ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مُخَالِفًا مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا مِثْلِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا حَفِظْت فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا اتِّبَاعُ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فِي اتِّبَاعِهِ حُجَّةٌ مَعَ أَنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا السُّنَّةُ؟ قُلْنَا أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ صُهَيْبٍ مَوْلَى بَنِي عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا سَأَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ قَتْلِهِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ أَنْ يَذْبَحَهَا فَيَأْكُلَهَا وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا» وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَصْبُورَة وَوَجَدْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَاحَ قَتْلَ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِنْ الْمَأْكُولِ بِوَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُذَكَّى فَتُؤْكَلَ إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا وَالْآخَرَانِ تُذَكَّى بِالرَّمْيِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا وَلَمْ أَجِدْهُ أَبَاحَ قَتْلَهَا لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَقَتْلُهَا لِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عِنْدِي مَحْظُورٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَفِي ذَلِكَ نِكَايَتُهُمْ وَتَوْهِينٌ وَغَيْظٌ قُلْنَا وَقَدْ يُغَاظُونَ بِمَا يَحِلُّ فَنَفْعَلُهُ وَبِمَا لَا يَحِلُّ فَنَتْرُكُهُ فَإِنْ قَالَ وَمِثْلُ مَا يُغَاظُونَ بِهِ فَنَتْرُكُهُ قُلْنَا قَتْلُ نِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ فَهُمْ لَوْ أَدْرَكُونَا وَهُمْ فِي أَيْدِينَا لَمْ نَقْتُلْهُمْ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ إلَى جَنْبِنَا رُهْبَانٌ يَغِيظُهُمْ قَتْلُهُمْ لَمْ نَقْتُلْهُمْ وَلَكِنْ إنْ قَاتَلُوا فُرْسَانًا لَمْ نَرَ بَأْسًا إذَا كُنَّا نَجِدُ السَّبِيلَ إلَى قَتْلِهِمْ بِأَرْجَالِهِمْ أَنْ نَعْقِرَ بِهِمْ كَمَا نَرْمِيهِمْ بِالْمَجَانِيقِ. وَإِنْ أَصَابَ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ وَقَدْ عَقَرَ حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّاهِبِ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ فَانْعَكَسَتْ بِهِ فَرَسُهُ فَسَقَطَ عَنْهَا فَجَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ لِيَذْبَحَهُ فَرَآهُ ابْنُ شَعُوبٍ فَرَجَعَ إلَيْهِ يَعْدُو كَأَنَّهُ سَبْعٌ فَقَتَلَهُ وَاسْتَنْقَذَ أَبَا سُفْيَانَ مِنْ تَحْتِهِ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بَعْدَ ذَلِكَ شِعْرًا: فَلَوْ شِئْت نَجَتْنِي كُمَيْتَ رَجِيلَةٍ ... وَلَمْ أَحْمِلْ النَّعْمَاءَ لِابْنِ شَعُوبِ وَمَا زَالَ مَهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ ... لَدُنْ غَدْوَةٍ حَتَّى دَنَتْ لِغُرُوبِ أُقَاتِلُهُمْ طُرًّا وَأَدْعُو لِغَالِبٍ ... وَأَدْفَعُهُمْ عَنِّي بِرُكْنٍ صَلِيبِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَقْرِ بِهِمْ وَعَقْرِ بَهَائِمِهِمْ؟ قِيلَ الْعَقْرُ بِهِمْ يَجْمَعُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا دَفْعٌ عَنْ الْعَاقِرِ الْمُسْلِمِ وَلِأَنَّ الْفَرَسَ أَدَاةٌ عَلَيْهِ يُقْبِلُ بِقُوَّتِهِ وَيَحْمِلُ عَلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ وَالْآخَرُ يَصِلُ بِهِ إلَى قَتْلِ الْمُشْرِكِ وَالدَّوَابِّ تُوجِفُ أَوْ يَخَافُ طَلَبَ الْعَدُوِّ لَهَا إذَا قُتِلَتْ لَيْسَتْ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ لَا أَنَّ قَتْلَهَا مَنْعُ الْعَدُوِّ لِلطَّلَبِ وَلَا أَنْ يَصِلَ الْمُسْلِمُ مِنْ قَتْلِ الْمُشْرِكِ إلَى مَا لَمْ يَكُنْ يَصِلُ إلَيْهِ قَبْلَ قَتْلِهَا وَإِذَا أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ فَأَرَادُوا قَتْلَهُمْ قَتَلُوهُمْ بِضَرْبِ الْأَعْنَاقِ وَلَمْ يُجَاوِزُوا ذَلِكَ إلَى أَنْ يُمَثِّلُوا بِقَطْعِ يَدٍ وَلَا رِجْلٍ وَلَا عُضْوٍ وَلَا مِفْصَلٍ وَلَا بَقَرِ بَطْنٍ وَلَا تَحْرِيقٍ وَلَا تَغْرِيقٍ وَلَا شَيْءٍ يَعْدُو مَا وَصَفْت لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ» وَقَتْلِ مَنْ قُتِلَ كَمَا وَصَفْت فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ قَطَعَ أَيْدِي الَّذِينَ اسْتَاقُوا لِقَاحَهُ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ فَإِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَرَجُلًا رَوَيَا هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَوَيَا فِيهِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخْطُبْ بَعْدَ ذَلِكَ خُطْبَةً إلَّا أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ وَنَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ «أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ كَانَ قَدْ أَصَابَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً فَقَالَ إنْ ظَفِرْتُمْ بِهَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ فَاجْعَلُوهُ بَيْنَ حُزْمَتَيْنِ مِنْ حَطَبٍ ثُمَّ أَحْرَقُوهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ فَاقْطَعُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ يُنْكِرُ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي أَصْحَابِ اللِّقَاحِ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ «وَاَللَّهِ مَا سَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيْنًا وَلَا زَادَ أَهْلَ اللِّقَاحِ عَلَى قَطْعِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فِي الْأُسَارَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ يَجْرَحُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ يَغْصِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ يَصِيرُونَ إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إنَّ الْحُدُودَ تُقَامُ عَلَيْهِمْ إذَا صَارُوا إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَمْنَعُ الدَّارُ حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُؤَدُّونَ كُلَّ زَكَاةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ لَا تَضَعُ الدَّارُ عَنْهُمْ شَيْئًا مِنْ الْفَرَائِضِ وَلَكِنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يَعْرِفُوا الْأَحْكَامَ وَأَصَابَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ شَيْئًا بِجِرَاحٍ أَوْ قَتْلٍ دَرَأْنَا عَنْهُمْ الْحَدَّ بِالْجَهَالَةِ وَأَلْزَمْنَاهُمْ الدِّيَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ كُلَّ مَا أَصَابَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ وَكَذَلِكَ لَوْ زَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِامْرَأَةٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الزِّنَا مُحَرَّمٌ دَرَأْنَا عَنْهُ الْحَدَّ بِأَنَّ الْحُجَّةَ لَمْ تَقُمْ وَتُطْرَحُ عَنْهُ حُقُوقُ اللَّهِ وَيَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً أُسِرَتْ أَوْ اُسْتُؤْمِنَتْ مِمَّنْ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا حُدَّثْ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَهْرٌ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ وَلَوْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحِ الْمُشْرِكِينَ فَسَخْنَا النِّكَاحَ وَأَلْحَقْنَا بِهِ الْوَلَدَ وَدَرَأْنَا عَنْهُ الْحَدَّ وَجَعَلْنَا لَهَا الْمَهْرَ وَلَوْ سَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ شَيْئًا دَرَأْنَا عَنْهُ الْقَطْعَ وَأَلْزَمْنَاهُ الْغَرَامَةَ وَلَوْ أَرْبَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ رَدَدْنَا الرِّبَا بَيْنَهُمْ لِأَنَّ هَذَا مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَقَالَ فِي الْقَوْمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَنْصِبُونَ الْمَجَانِيقَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ حَجَرُ الْمَنْجَنِيقِ فَيَقْتُلُ بَعْضَهُمْ فَهَذَا قَتْلُ خَطَأٍ فَدِيَةُ الْمَقْتُولِينَ عَلَى عَوَاقِلِ الْقَاتِلِينَ قَدْرَ حِصَّةِ الْمَقْتُولِينَ كَأَنَّهُ جَرَّ الْمَنْجَنِيقَ عَشَرَةٌ فَرَجَعَ الْحَجَرُ عَلَى خَمْسَةٍ مِنْهُمْ فَقَتَلَهُمْ فَأَنْصَافُ دِيَاتِهِمْ عَلَى عَوَاقِلِ الْقَاتِلِينَ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوا بِفِعْلِهِمْ وَفِعْلِ غَيْرِهِمْ وَلَا يُؤَدُّونَ حِصَّتَهُمْ مِنْ فِعْلِهِمْ فَهُمْ قَتَلُوا أَنْفُسَهُمْ مَعَ غَيْرِهِمْ وَلَوْ رَجَعَ حَجَرُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَجُرَّهُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَنْجَنِيقِ أَوْ بَعِيدًا مُعِينًا لِأَهْلِ الْمَنْجَنِيقِ بِغَيْرِ الْجَرِّ أَوْ غَيْرِ مُعِينٍ لَهُمْ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَوَاقِلِ الْجَارِّينَ كُلِّهِمْ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ يُمْسِكُ لَهُمْ مِنْ الْحِبَالِ الَّتِي يَجُرُّونَهَا بِشَيْءٍ وَلَا يَجُرُّ مَعَهُمْ فِي إمْسَاكِهِ لَهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَا عَاقِلَتَهُ شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّا لَمْ نُدَّ إلَّا بِفِعْلِ الْقَتْلِ فَأَمَّا بِفِعْلِ الصَّلَاحِ فَلَا وَلَوْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ الْحَجَرُ فَقَتَلَهُمْ كُلَّهُمْ أَوْ سَقَطَ الْمَنْجَنِيقُ عَلَيْهِمْ مِنْ جَرِّهِمْ فَقَتَلَ كُلَّهُمْ وَهُمْ عَشَرَةٌ وُدُوا كُلُّهُمْ وَرُفِعَ عَنْ عَوَاقِلِ مَنْ يَدِيهِمْ عُشْرُ دِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ قُتِلَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ تِسْعَةٍ مَعَهُ فَيُرْفَعُ عَنْهُ حِصَّةُ فِعْلِ نَفْسِهِ وَيُؤْخَذُ لَهُ حِصَّةُ فِعْلِ غَيْرِهِ ثُمَّ هَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ وَلَوْ رَمَى رَجُلٌ بِعَرَّادَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا أَوْ ضَرَبَ بِسَيْفٍ فَرَجَعَتْ الرَّمْيَةُ عَلَيْهِ كَأَنَّهَا أَصَابَتْ جِدَارًا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ أَوْ ضَرَبَ بِسَيْفٍ شَيْئًا فَرَجَعَ عَلَيْهِ السَّيْفُ فَلَا دِيَةَ لَهُ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا وَلَوْ رَمَى فِي بِلَادِ الْحَرْبِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا مُسْتَأْمَنًا أَوْ أَسِيرًا أَوْ كَافِرًا أَسْلَمَ فَلَمْ يَقْصِدْ قَصْدَهُ بِالرَّمْيَةِ وَلَمْ يَرَهُ فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَلَا دِيَةَ لَهُ وَإِنْ رَآهُ وَعَرَفَ مَكَانَهُ وَرَمَى وَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى الرَّمْيِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ وَإِنْ كَانَ عَمْدُهُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا رَمَاهُ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا خَطَأٍ وَعَمْدٍ قَتَلَهُ فَإِنْ تَتَرَّسَ بِهِ مُشْرِكٌ وَهُوَ يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا وَقَدْ الْتَحَمَ فَرَأَى أَنَّهُ لَا يُنَجِّيهِ إلَّا ضَرْبُهُ الْمُسْلِمَ فَضَرَبَهُ يُرِيدُ قَتْلَ الْمُشْرِكِ فَإِنْ أَصَابَهُ دَرَأْنَا عَنْهُ الْقِصَاصَ وَجَعَلْنَا عَلَيْهِ الدِّيَةَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ فِي بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ صَفِّهِمْ فَأَمَّا إذَا انْفَرَجَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ بَيْنَ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فَذَلِكَ مَوْضِعٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْمُشْرِكُ فَإِنْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا وَقَالَ ظَنَنْته مُشْرِكًا فَوَجَدْته مُسْلِمًا فَهَذَا مِنْ الْخَطَأِ وَفِيهِ الْعَقْلُ فَإِنْ اتَّهَمَهُ أَوْلِيَاؤُهُ أُحْلِفَ لَهُمْ مَا عَلِمَهُ مُسْلِمًا فَقَتَلَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ أَبْطَلْت دِيَةَ مُسْلِمٍ أُصِيبَ بِبِلَادِ الْمُشْرِكِينَ بِرَمْيٍ أَوْ غَارَةٍ لَا يُعْمَدُ فِيهَا بِقَتْلٍ؟ قِيلَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: 92] إلَى قَوْلِهِ {مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُؤْمِنِ يُقْتَلُ خَطَأً وَالذِّمِّيِّ يُقْتَلُ خَطَأً الدِّيَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ مَقْتُولَانِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ الْمَمْنُوعَةِ لَا بِلَادِ الْحَرْبِ الْمُبَاحَةِ وَذَكَرَ مِنْ حُكْمِهِمَا حُكْمَ الْمُؤْمِنِ مِنْ عَدُوٍّ لَنَا يُقْتَلُ فَجَعَلَ فِيهِ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ فَلَمْ تَحْتَمِلْ الْآيَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} [النساء: 92] يَعْنِي فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَذَلِكَ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَكُلُّ مُسْلِمٍ فَهُوَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مُسْلِمِي الْعَرَبِ هُمْ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ مُسْلِمُو الْعَجَمِ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ دِيَةٌ فِي مُسْلِمٍ خَرَجَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُشْرِكِينَ هُمْ عَدُوٌّ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ لَلَزِمَ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمٍ مُشْرِكِينَ فَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَقُتِلَ كَانَتْ فِيهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ دِيَةٌ وَهَذَا خِلَافُ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْآيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا قُلْنَا وَقَدْ سَمِعْت بَعْضَ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ ذَلِكَ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَتْلَيْنِ أَنْ يُقْتَلَ الْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرُ مَعْمُودٍ بِالْقَتْلِ فَيَكُونُ فِيهِ دِيَةٌ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أَوْ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِبِلَادِ الْحَرْبِ الَّتِي لَا إسْلَامَ فِيهَا ظَاهِرٌ غَيْرُ مَعْمُودٍ بِالْقَتْلِ فَفِي ذَلِكَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَلَا دِيَةَ. [مَسْأَلَةُ مَالِ الْحَرْبِيِّ] . مَسْأَلَةُ مَالِ الْحَرْبِيِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا دَخَلَ الذِّمِّيُّ أَوْ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا فَخَرَجَ بِمَالٍ مِنْ مَالِهِمْ يَشْتَرِي لَهُمْ شَيْئًا فَأَمَّا مَعَ الْمُسْلِمِ فَلَا نَعْرِضُ لَهُ وَيُرَدُّ إلَى أَهْلِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ الْمُسْلِمِ بِهِ أَمَانًا لِلْكَافِرِ فِيهِ وَأَمَّا مَعَ الذِّمِّيِّ قَالَ الرَّبِيعُ " فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّا نَغْنَمُهُ لِأَنَّهُ لَا تَكُونُ كَيْنُونَتُهُ مَعَهُ أَمَانًا لَهُ مِنَّا لِأَنَّهُ إنَّمَا رُوِيَ «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» فَلَا يَكُونُ مَا مَعَ الذِّمِّيِّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَمَانًا لِأَمْوَالِهِمْ وَإِنْ ظَنَّ الْحَرْبِيُّ الَّذِي بَعَثَ بِمَالِهِ مَعَهُ أَنَّ ذَلِكَ أَمَانٌ لَهُ كَمَا لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ بِتِجَارَةٍ إلَيْنَا بِلَا أَمَانٍ مِنَّا كَانَ لَنَا أَنْ نَسْبِيَهُ وَنَأْخُذَ مَالَهُ وَلَا يَكُونُ ظَنُّهُ بِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ تَاجِرًا أَنَّ ذَلِكَ أَمَانٌ لَهُ وَلِمَالِهِ بِاَلَّذِي يُزِيلُ عَنْهُ حُكْمًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّا لَا نَغْنَمُ مَا مَعَ الذِّمِّيِّ مِنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَعْرِضَ لِلذِّمِّيِّ فِي مَالِهِ كَانَ مَا مَعَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ لَهُ أَمَانٌ مِثْلُ مَالِهِ كَمَا لَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ وَكَانَ مَعَهُ مَالٌ لِنَفْسِهِ وَمَالٌ لِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ نَعْرِضْ لَهُ فِي مَالِهِ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ الْأَمَانِ وَلَا فِي الْمَالِ الَّذِي مَعَهُ لِغَيْرِهِ فَهَكَذَا لَمَّا كَانَ لِلذِّمِّيِّ أَمَانٌ مُتَقَدِّمٌ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ فِي مَالِهِ وَلَا فِي الْمَالِ الَّذِي مَعَهُ لِغَيْرِهِ مِثْلُ هَذَا سَوَاءٌ. وَاَللَّهَ نَسْأَلُ التَّوْفِيقَ بِرَحْمَتِهِ. وَكَانَ آخِرُ الْقَوْلَيْنِ أَشْبَهَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [الْأُسَارَى وَالْغُلُولُ] ُ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ إذَا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَكَانَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ أَسِيرًا مُوثَقًا أَوْ مَحْبُوسًا أَوْ مُخْلًى فِي مَوْضِعٍ يَرَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْبَرَاحِ مِنْهُ أَوْ مَوْضِعِ غَيْرِهِ وَلَمْ يُؤَمِّنُوهُ وَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَيْهِ أَنَّهُمْ أَمَّنُوا مِنْهُ فَلَهُ أَخْذُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ وِلْدَانِهِمْ وَنِسَائِهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِنْ أَمَّنُوهُ أَوْ بَعْضُهُمْ وَأَدْخَلُوهُ فِي بِلَادِهِمْ بِمَعْرُوفٍ عِنْدَهُمْ فِي أَمَانِهِمْ إيَّاهُ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا مِنْهُ آمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَقُولُوا قَدْ أَمَّنَاك وَلَا أَمَانَ لَنَا عَلَيْك لِأَنَّا لَا نَطْلُبُ مِنْك أَمَانًا فَإِذَا قَالُوا هَذَا هَكَذَا كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَحِلُّ لَهُ اغْتِيَالُهُمْ وَالذَّهَابُ بِأَمْوَالِهِمْ وَإِفْسَادُهَا وَالذَّهَابُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ أَمَّنُوهُ وَخَلَّوْهُ وَشَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبْرَحَ بِلَادَهُمْ أَوْ بَلَدًا سَمَّوْهُ وَأَخَذُوا عَلَيْهِ أَمَانًا أَوْ لَمْ يَأْخُذُوا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَهْرُبُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ وَقَالَ وَإِذَا أَسَرَ الْعَدُوُّ الرَّجُلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ وَأَمَّنُوهُ وَوَلَّوْهُ مِنْ ضَيَاعِهِمْ أَوْ لَمْ يُوَلُّوهُ فَأَمَانُهُمْ إيَّاهُ أَمَانٌ لَهُمْ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْتَالَهُمْ وَلَا يَخُونَهُمْ وَأَمَّا الْهَرَبُ بِنَفْسِهِ فَلَهُ الْهَرَبُ فَإِنْ أَدْرَكَ لِيُؤْخَذَ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ قَتَلَ الَّذِي أَدْرَكَهُ لِأَنَّ طَلَبَهُ غَيْرُ الْأَمَانِ فَيَقْتُلَهُ إنْ شَاءَ وَيَأْخُذُ مَالَهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْ طَلَبِهِ فَإِذَا أَسَرَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمَ فَخَلَّوْهُ عَلَى فِدَاءٍ يَدْفَعُهُ إلَى وَقْتٍ وَأَخَذُوا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَدْفَعْ الْفِدَاءَ أَنْ يَعُودَ فِي إسَارِهِمْ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعُودَ فِي إسَارِهِمْ وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَدَعَهُ إنْ أَرَادَ الْعَوْدَةَ فَإِنْ كَانُوا امْتَنَعُوا مِنْ تَخْلِيَتِهِ إلَّا عَلَى مَالٍ يُعْطِيهُمُوهُ فَلَا يُعْطِيهِمْ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ مَالٌ أَكْرَهُوهُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَإِنْ كَانَ أَعْطَاهُمُوهُ عَلَى شَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ لَمْ يَحِقَّ لَهُ إلَّا أَدَاؤُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَهَكَذَا لَوْ صَالَحَهُمْ مُبْتَدِئًا عَلَى شَيْءٍ انْبَغَى لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَيْهِمْ إنَّمَا أَطْرَحُ عَلَيْهِمْ مَا اُسْتُكْرِهَ عَلَيْهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فِي أَسِيرٍ فِي أَيْدِي الْعَدُوِّ وَأَرْسَلُوا مَعَهُ رُسُلًا لِيُعْطِيَهُمْ فِدَاءً أَوْ أَرْسَلُوهُ بِعَهْدٍ أَنْ يُعْطِيَهُمْ فِدَاءً سَمَّاهُ لَهُمْ وَشَرَطُوا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَى رَسُولِهِمْ أَوْ يُرْسِلَ بِهِ إلَيْهِمْ أَنْ يَعُودَ فِي إسَارِهِمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَعُودُ فِي إسَارِهِمْ وَيَفِي لَهُمْ بِالْمَالِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ أَرَادَ الْعَوْدَةَ مَنَعَهُ السُّلْطَانُ الْعَوْدَةَ وَقَالَ ابْنُ هُرْمُزَ يُحْبَسُ لَهُمْ بِالْمَالِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَفِي لَهُمْ وَلَا يَحْبِسُونَهُ وَلَا يَكُونُ كَدُيُونِ النَّاسِ وَرُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ يَعُودُ فِي إسَارِهِمْ إنْ لَمْ يُعْطِهِمْ الْمَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ رَبِيعَةَ وَعَنْ ابْنِ هُرْمُزَ خِلَافُ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَنْ قَالَ قَوْلَهُ فَإِنَّمَا يَحْتَجُّ فِيمَا أَرَاهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُرْوَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَهُ بَعْدَ الصُّلْحِ مُسْلِمًا فَجَاءَهُ أَبُو جُنْدَلٍ فَرَدَّهُ إلَى أَبِيهِ وَأَبُو بَصِيرٍ فَرَدَّهُ فَقَتَلَ أَبُو بَصِيرٍ الْمَرْدُودَ مَعَهُ ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قَدْ وَفَّيْتُ لَهُمْ وَنَجَّانِي اللَّهُ مِنْهُمْ فَلَمْ يَرُدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَتَرَكَهُ فَكَانَ بِطَرِيقِ الشَّامِ يَقْطَعُ عَلَى كُلِّ مَالِ قُرَيْشٍ حَتَّى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَضُمَّهُ إلَيْهِ لِمَا نَالُوهُ مِنْ أَذَاهُ» . (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَاهُ أَهْلُ الْمَغَازِي كَمَا وَصَفْت وَلَا يَحْضُرنِي ذِكْرُ إسْنَادِهِ فَأَعْرِفُ ثُبُوتَهُ مَنْ غَيْرِهِ قَالَ وَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ أُسَارَى أَوْ مُسْتَأْمَنِينَ أَوْ رُسُلًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضَهُمْ أَوْ قَذَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ زَنَوْا بِغَيْرِ حَرْبِيَّةٍ فَعَلَيْهِمْ فِي هَذَا كُلِّهِ الْحُكْمُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ فَعَلُوهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ لَوْ زَنَى أَحَدُهُمْ بِحَرْبِيَّةٍ إذَا ادَّعَى الشُّبْهَةَ وَلَا تُسْقِطُ دَارُ الْحَرْبِ عَنْهُمْ فَرْضًا كَمَا لَا تُسْقِطُ عَنْهُمْ صَوْمًا وَلَا صَلَاةً وَلَا زَكَاةً فَالْحُدُودُ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ حَدًّا وَهُوَ مُحَاصِرٌ لِلْعَدُوِّ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَمْنَعُنَا الْخَوْفُ عَلَيْهِ مِنْ اللُّحُوقِ بِالْمُشْرِكِينَ أَنْ نُقِيمَ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ فَعَلْنَا تَوَقِّيًا أَنْ يَغْضَبَ مَا أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ أَبَدًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُعَطَّلَ عَنْهُ حُكْمُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثُمَّ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدَّ بِالْمَدِينَةِ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهَا وَفِيهَا شِرْكٌ كَثِيرٌ مُوَادِعُونَ وَضَرَبَ الشَّارِبَ بِحُنَيْنٍ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِلَادَ الْحَرْبِ فَوَجَدَ فِي أَيْدِيهِمْ أَسِيرًا أَوْ أُسَارَى رِجَالًا وَنِسَاءً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاشْتَرَاهُمْ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ بِمَا أَعْطَى فِيهِمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالشِّرَاءِ وَزَائِدًا أَنْ اشْتَرَى مَا لَيْسَ يُبَاعُ مِنْ الْأَحْرَارِ فَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِمْ اشْتَرَاهُمْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِمَا أَعْطَى فِيهِمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ أَعْطَى بِأَمْرِهِمْ وَإِذَا أُسِرَتْ الْمَرْأَةُ فَنَكَحَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ وَطِئَهَا بِلَا نِكَاحٍ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ لَمْ تُسْتَرَقَّ هِيَ وَلَا أَوْلَادُهَا لِأَنَّ أَوْلَادَهَا مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهَا فَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ هَذَا الْوَلَدُ وَلَحِقُوا بِالنِّكَاحِ الْمُشْرِكَ وَإِنْ كَانَ نِكَاحُهُ فَاسِدًا لِأَنَّهُ نِكَاحُ شُبْهَةٍ وَإِذَا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَكَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا تُنْكَحُ امْرَأَتُهُ إلَّا بَعْدَ يَقِينِ وَفَاتِهِ عَرَفَ مَكَانَهُ أَوْ خَفِيَ مَكَانُهُ وَكَذَلِكَ لَا يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ وَمَا صَنَعَ الْأَسِيرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْمَسْجُونُ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي مَالِهِ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [الْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِ الْحَرْبِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إذَا دَخَلَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِلَادَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَالْعَدُوُّ مِنْهُمْ آمِنُونَ إلَى أَنْ يُفَارِقُوهُمْ أَوْ يَبْلُغُوا مُدَّةَ أَمَانِهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ ظُلْمُهُمْ وَلَا خِيَانَتُهُمْ وَإِنْ أَسَرَ الْعَدُوُّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَاءَهُمْ لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ لَهُمْ الْغَدْرَ بِالْعَدُوِّ وَلَكِنْ أُحِبُّ لَهُمْ لَوْ سَأَلُوهُمْ أَنْ يَرُدُّوا إلَيْهِمْ الْأَمَانَ وَيَنْبِذُوا إلَيْهِمْ فَإِذَا فَعَلُوا قَاتَلُوهُمْ عَنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَائِهِمْ. [مَا يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ فِي مَالِهِ إذَا أَرَادَ الْوَصِيَّةَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ مَا صَنَعَ فِي مَالِهِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ قَدِمَ لِيَقْتُلَ مَا لَمْ يَنَلْهُ مِنْهُ ضَرْبٌ يَكُونُ مَرَضًا وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ بَيْن الصَّفَّيْنِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ مَسْرُوقًا قَدِمَ بَيْنَ يَدَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ يَوْمَ الْحَرَّةِ لِيَضْرِبَ عُنُقَهُ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَسَأَلُوا أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَا مِيرَاثَ لَهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَامَّةَ صَدَقَاتِ الزُّبَيْرِ تَصَدَّقَ بِهَا وَفَعَلَ أُمُورًا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: عَطِيَّةُ الْحُبْلَى جَائِزَةٌ حَتَّى تَجْلِسَ بَيْنَ الْقَوَابِلَ وَبِهَذَا كُلُّهُ نَقُولُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَعَطِيَّةُ رَاكِبِ الْبَحْرِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْغَرَقِ أَوْ شِبْهِ الْغَرَقِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ: عَطِيَّةُ الْحَامِلِ جَائِزَةٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَا وَصَفْت مِنْ قَوْلِ مَنْ سَمَّيْت وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّهُ قَالَ: عَطِيَّةُ الْحَامِلِ مِنْ الثُّلُثِ وَعَطِيَّةُ الْأَسِيرِ مِنْ الثُّلُثِ وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَيْسَ يَجُوزُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ فِي الْحُبْلَى عَطِيَّتُهَا جَائِزَةٌ حَتَّى تُتِمَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ} [الأعراف: 189] وَلَيْسَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ} [الأعراف: 189] دَلَالَةٌ عَلَى مَرَضٍ وَلَوْ كَانَتْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَرَضٍ يُغَيِّرُ الْحُكْمَ قَدْ يَكُونُ مَرَضًا غَيْرَ ثَقِيلٍ وَثَقِيلًا وَحُكْمُهُ فِي أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ فِي مَالِهِ إلَّا الثُّلُثُ سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيهِ كَانَ الْإِثْقَالُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُضُورُ الْوِلَادِ حِينَ تَجْلِسُ بَيْنَ الْقَوَابِلِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ الَّذِي يَخْشَيَانِ فِيهِ قَضَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَسْأَلَانِهِ أَنْ يُؤْتِيَهُمَا صَالِحًا فَإِنْ قَالَ: قَدْ يَدْعُوَانِ اللَّهَ قَبْلُ؟ قِيلَ: نَعَمْ مَعَ أَوَّلِ الْحَمْلِ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ وَقَبْلِهِ وَالْحُبْلَى فِي أَوَّلِ حَمْلِهَا أَشْبَهُ بِالْمَرَضِ مِنْهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِلتَّغَيُّرِ وَالْكَسَلِ وَالنَّوْمِ وَالضَّعْفِ وَلَهِيَ فِي شَهْرِهَا أَخَفُّ مِنْهَا فِي شَهْرِ الْبَدْءِ مِنْ حَمْلِهَا وَمَا فِي هَذَا إلَّا أَنَّ الْحَبَلَ سُرُورٌ لَيْسَ بِمَرَضٍ حَتَّى تَحْضُرَ الْحَالُ الْمَخُوفَةُ لِلْأَوْلَادِ أَوْ يَكُونَ تَغَيُّرُهَا بِالْحَبَلِ مَرَضًا كُلُّهُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخَرَ فَيَكُونُ مَا قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، فَأَمَّا غَيْرُ هَذَا لَا يَجُوزُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَهَّمَهُ. [الْمُسْلِمُ يَدُلُّ الْمُشْرِكِينَ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ] َ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: أَرَأَيْت الْمُسْلِمَ يَكْتُبُ إلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُونَ غَزْوَهُمْ أَوْ بِالْعَوْرَةِ مِنْ عَوْرَاتِهِمْ هَلْ يُحِلُّ ذَلِكَ دَمَهُ وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى مُمَالَأَةِ الْمُشْرِكِينَ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : لَا يَحِلُّ دَمُ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَزْنِيَ بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ يَكْفُرَ كُفْرًا بَيِّنًا بَعْدَ إيمَانٍ ثُمَّ يَثْبُتُ عَلَى الْكُفْرِ وَلَيْسَ الدَّلَالَةُ عَلَى عَوْرَةِ مُسْلِمٍ وَلَا تَأْيِيدُ كَافِرٍ بِأَنْ يُحَذِّرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُونَ مِنْهُ غِرَّة لِيُحَذَّرَهَا أَوْ يَتَقَدَّمَ فِي نِكَايَةِ الْمُسْلِمِينَ بِكُفْرٍ بَيِّنٍ، فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: أَقَلْت هَذَا خَيْرٌ أَمْ قِيَاسًا؟ قَالَ قُلْتُهُ بِمَا لَا يَسَعُ مُسْلِمًا عَلِمَهُ عِنْدِي أَنْ يُخَالِفَهُ بِالسُّنَّةِ الْمَنْصُوصَةِ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ فَقِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: فَذِكْرُ السُّنَّةِ فِيهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: «سَمِعْت عَلِيًّا يَقُولُ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَالْمِقْدَادُ وَالزُّبَيْرُ فَقَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخَرَجْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا لَهَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟ قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَك مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَاتِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لِي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ فَأَحْبَبْت إذْ فَاتَنِي ذَلِكَ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا وَاَللَّهِ مَا فَعَلْتُهُ شَكًّا فِي دِينِي وَلَا رِضًا لَا كُفْرًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ قَدْ صَدَقَ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيَك لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ قَالَ فَنَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] » (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ مَا وَصَفْنَا لَك طَرْحُ الْحُكْمِ بِاسْتِعْمَالِ الظُّنُونِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْكِتَابُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ حَاطِبٌ كَمَا قَالَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ شَاكًّا فِي الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ فَعَلَهُ لِيَمْنَعَ أَهْلَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ زَلَّةً لَا رَغْبَةً عَنْ الْإِسْلَامِ وَاحْتَمَلَ الْمَعْنَى الْأَقْبَحَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا اُحْتُمِلَ فِعْلُهُ وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ بِأَنْ لَمْ يَقْتُلْهُ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ عَلَيْهِ الْأَغْلَبَ وَلَا أَحَدٌ أَتَى فِي مِثْلِ هَذَا أَعْظَمُ فِي الظَّاهِرِ مِنْ هَذِهِ لِأَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَايِنٌ فِي عَظَمَتِهِ لِجَمِيعِ الْآدَمِيِّينَ بَعْدَهُ فَإِذَا كَانَ مَنْ خَابَرَ الْمُشْرِكِينَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ غِرَّتَهُمْ فَصَدَّقَهُ مَا عَابَ عَلَيْهِ الْأَغْلَبَ مِمَّا يَقَعُ فِي النُّفُوسِ فَيَكُونُ لِذَلِكَ مَقْبُولًا كَانَ مِنْ بَعْدِهِ فِي أَقَلَّ مِنْ حَالِهِ وَأَوْلَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ مِثْلَ مَا قَبِلَ مِنْهُ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قَدْ صَدَقَ إنَّمَا تَرَكَهُ لِمَعْرِفَتِهِ بِصِدْقِهِ لَا بِأَنَّ فِعْلَهُ كَانَ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَغَيْرَهُ فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَاذِبُونَ وَحَقَنَ دِمَاءَهُمْ بِالظَّاهِرِ فَلَوْ كَانَ حُكْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاطِبٍ بِالْعِلْمِ بِصِدْقِهِ كَانَ حُكْمُهُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ الْقَتْلَ بِالْعِلْمِ بِكَذِبِهِمْ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ فِي كُلٍّ بِالظَّاهِرِ وَتَوَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ السَّرَائِرَ وَلِئَلَّا يَكُونَ لِحَاكِمٍ بَعْدَهُ أَنْ يَدَعَ حُكْمًا لَهُ مِثْلَ مَا وَصَفْت مِنْ عِلَلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَكُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ عَامٌّ حَتَّى يَأْتِيَ عَنْهُ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ خَاصًّا أَوْ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُ فِيهِمْ أَنْ يَجْعَلُوا لَهُ سُنَّةً أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَتَأْمُرُ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ مِثْلَ هَذَا بِعُقُوبَةِ مَنْ فَعَلَهُ أَمْ تَرْكُهُ كَمَا تَرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْعُقُوبَاتِ غَيْرُ الْحُدُودِ فَأَمَّا الْحُدُودُ فَلَا تُعَطَّلُ بِحَالٍ وَأَمَّا الْعُقُوبَاتُ فَلِلْإِمَامِ تَرْكُهَا عَلَى الِاجْتِهَادِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «تَجَافَوْا لِذَوِي الْهَيْئَاتِ» وَقَدْ قِيلَ فِي الْحَدِيثِ مَا لَمْ يَكُنْ حَدٌّ فَإِذَا كَانَ هَذَا مِنْ الرَّجُلِ ذِي الْهَيْئَةِ بِجَهَالَةٍ كَمَا كَانَ هَذَا مِنْ حَاطِبٍ بِجَهَالَةٍ وَكَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ أَحْبَبْت أَنْ يَتَجَافَى لَهُ وَإِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذِي الْهَيْئَةِ كَانَ لِلْإِمَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَعْزِيرُهُ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يُرَدِّدُ الْمُعْتَرِفَ بِالزِّنَا فَتَرَكَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَهَالَتِهِ يَعْنِي الْمُعْتَرِفُ بِمَا عَلَيْهِ وَقَدْ تَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُقُوبَةَ مَنْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: أَرَأَيْت الَّذِي يَكْتُبُ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يُخْبِرُ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْعَدُوِّ شَيْئًا لِيَحْذَرُوهُ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُوَادِعِ أَوْ يَمْضِي إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ مُخْبِرًا عَنْهُمْ قَالَ: يُعَزَّرُ هَؤُلَاءِ وَيُحْبَسُونَ عُقُوبَةً وَلَيْسَ هَذَا بِنَقْضٍ لِلْعَهْدِ يُحِلُّ سَبْيَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ وَإِذَا صَارَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ فَقَالُوا: لَمْ نَرَ بِهَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ فَلَيْسَ بِنَقْضٍ لِلْعَهْدِ وَيُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَرَأَيْت الرُّهْبَانَ إذَا دَلُّوا عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: يُعَاقَبُونَ وَيَنْزِلُونَ مِنْ الصَّوَامِعِ وَيَكُونُ مِنْ عُقُوبَتِهِمْ إخْرَاجُهُمْ مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَيُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَيُقِيمُوا بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ يُتْرَكُوا يَرْجِعُونَ فَإِنْ عَادُوا أَوْدَعَهُمْ السَّجْنَ وَعَاقَبَهُمْ مَعَ السَّجْنِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: أَفَرَأَيْت إنْ أَعَانُوهُمْ بِالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ أَوْ الْمَالِ أَهُوَ كَدَلَالَتِهِمْ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: إنْ كُنْت تُرِيدُ فِي أَنَّ هَذَا لَا يُحِلُّ دِمَاءَهُمْ فَنَعَمْ وَبَعْضُ هَذَا أَعْظَمُ مِنْ بَعْضٍ وَيُعَاقَبُونَ بِمَا وَصَفْت أَوْ أَكْثَرُ وَلَا يَبْلُغُ بِهِمْ قَتْلٌ وَلَا حَدٌّ وَلَا سَبْيٌ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَمَا الَّذِي يُحِلُّ دِمَاءَهُمْ؟ قَالَ: إنْ قَاتَلَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ رَاهِبٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ حَلَّ قَتْلُهُ وَسِبَاؤُهُ وَسَبْيُ ذُرِّيَّتِهِ وَأَخْذُ مَالِهِ فَأَمَّا مَا دُونَ الْقِتَالِ فَيُعَاقَبُونَ بِمَا وَصَفْت وَلَا يُقْتَلُونَ وَلَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ وَلَا يُسْبَوْنَ. [الْغُلُولُ مِنْ الْغَنِيمَة] الْغُلُولُ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: أَفَرَأَيْت الْمُسْلِمَ الْحُرَّ أَوْ الْعَبْدَ الْغَازِيَ أَوْ الذِّمِّيَّ أَوْ الْمُسْتَأْمَنَ يَغُلُّونَ مِنْ الْغَنَائِمِ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ تُقَسَّمَ؟ فَقَالَ: لَا يُقْطَعُ وَيَغْرَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ قِيمَةَ مَا سَرَقَ إنْ هَلَكَ الَّذِي أَخَذَهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ جَهَلَةً عُلِّمُوا وَلَمْ يُعَاقَبُوا فَإِنْ عَادُوا عُوقِبُوا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: أَفَيُرَجَّلُ عَنْ دَابَّتِهِ وَيُحْرَقُ سَرْجُهُ أَوْ يُحْرَقُ مَتَاعُهُ؟ فَقَالَ: لَا يُعَاقَبُ رَجُلٌ فِي مَالِهِ وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ فِي بَدَنِهِ وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الْحُدُودَ عَلَى الْأَبَدَانِ وَكَذَلِكَ الْعُقُوبَاتُ فَأَمَّا عَلَى الْأَمْوَالِ فَلَا عُقُوبَةَ عَلَيْهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) :: وَقَلِيلُ الْغُلُولِ وَكَثِيرُهُ مُحَرَّمٌ قُلْت فَمَا الْحُجَّةُ؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَابْنِ عَجْلَانَ كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَأَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَاصَرْنَا تُسْتَرَ فَنَزَلَ الْهُرْمُزَانُ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ فَقَدِمْت بِهِ عَلَى عُمَرَ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إلَيْهِ قَالَ لَهُ عُمَرُ: تَكَلَّمْ قَالَ: كَلَامُ حَيٍّ أَوْ كَلَامُ مَيِّتٍ؟ قَالَ: تَكَلَّمَ لَا بَأْسَ قَالَ: إنَّا وَإِيَّاكُمْ مَعَاشِرَ الْعَرَبِ مَا خَلَّى اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كُنَّا نَتَعَبَّدُكُمْ وَنَقْتُلُكُمْ وَنَغْصِبُكُمْ فَلَمَّا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَكُمْ لَمْ يَكُنْ لَنَا بِكُمْ يَدَانِ فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَقُولُ؟ فَقُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَرَكْت بَعْدِي عَدُوًّا كَثِيرًا وَشَوْكَةً شَدِيدَةً فَإِنْ تَقْتُلْهُ يَيْأَسْ الْقَوْمُ مِنْ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ أَشَدَّ لِشَوْكَتِهِمْ فَقَالَ عُمَرُ أَسْتَحْيِي قَاتِلَ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ ومجزأة بْنِ ثَوْرٍ؟ فَلَمَّا خَشِيت أَنْ يَقْتُلَهُ قُلْت لَيْسَ إلَى قَتْلِهِ سَبِيلٌ قَدْ قُلْت لَهُ تَكَلَّمْ لَا بَأْسَ فَقَالَ عُمَرُ: ارْتَشَيْت وَأَصَبْت مِنْهُ فَقُلْت: وَاَللَّهِ مَا ارْتَشَيْت وَلَا أَصَبْت مِنْهُ قَالَ: لِتَأْتِينِي عَلَى مَا شَهِدْت بِهِ بِغَيْرِك أَوْ لَأَبْدَأَنَّ بِعُقُوبَتِك قَالَ فَخَرَجْت فَلَقِيتُ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فَشَهِدَ مَعِي وَأَمْسَكَ عُمَرُ وَأَسْلَمَ وَفَرَضَ لَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَقَبُولُ مَنْ قَبِلَ مِنْ الْهُرْمُزَانِ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ يُوَافِقُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ حَصَرَهُمْ وَجَهِدَ بِهِمْ الْحَرْبُ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَ الْإِمَامُ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ عَقْلَهُ وَنَظَرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ قَبُولَ الْإِمَامِ إنَّمَا كَانَ لِمَنْ وَصَفْت مِنْ أَهْلِ الْقَنَاعَةِ وَالثِّقَةِ فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ عِنْدِي أَنْ يَقْبَلَ خِلَافَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْقَنَاعَةِ وَالثِّقَةِ وَالْعَقْلِ فَيَكُونُ قَبِلَ خِلَافَ مَا قَبِلُوا مِنْهُ وَلَوْ فَعَلَ كَانَ قَدْ تَرَكَ النَّظَرَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مَنْ لَعَلَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ؟ قِيلَ لَمَّا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَذِنَ بِالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ فِي الْأُسَارَى مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ أَبَدًا أَنْ يَمُنَّ أَوْ يُفَادِيَ أَوْ يَقْتُلَ أَوْ يَسْتَرِقَّ فَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَقَدْ جَاءَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقَدْ وَصَفْنَا أَنَّ لِلْإِمَامِ فِي الْأَسَارَى الْخِيَارُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى النَّظَرِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ فَيَقْتُلُ إنْ كَانَ ذَلِكَ أَوْهَنُ وَأَطْفَأُ لِلْحَرْبِ وَيَدْعُ إنْ كَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ لِنَشْرِ الْحَرْبِ وَأَطْلَبَ لِلْعَدُوِّ عَلَى نَحْوِ مَا أَشَارَ بِهِ أَنَسٌ عَلَى عُمَرَ وَمَتَى سَبَقَ مِنْ الْإِمَامِ قَوْلٌ فِيهِ أَمَانٌ ثُمَّ نَدِمَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُ الْأَمَانِ بَعْدَمَا سَبَقَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ قَوْلٍ يُشْبِهُ الْأَمَانَ مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ تَكَلَّمْ لَا بَأْسَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْهُرْمُزَانَ قَاتَلَ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ وَمَجْزَأَةَ بْنَ ثَوْرٍ فَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ عُمَرُ قَوَدًا وَقَوْلُ عُمَرَ فِي هَذَا مُوَافِقٌ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَاءَهُ قَاتِلُ حَمْزَةَ مُسْلِمًا فَلَمْ يَقْتُلْهُ بِهِ قَوَدًا وَجَاءَهُ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ قَاتِلٌ مَعْرُوفٌ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَوَدًا وَقَوْلُ عُمَرَ لِتَأْتِينِي بِمَنْ يَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَأَبْدَأَنَّ بِعُقُوبَتِك يَحْتَمِلُ أَنْ لَمْ يَذْكُرْ مَا قَالَ لِلْهُرْمُزَانِ مِنْ أَنْ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ احْتِيَاطًا كَمَا احْتَاطَ فِي الْأَخْبَارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي يَدَيْهِ فَجَعَلَ الشَّاهِدَ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ دَافِعٌ عَمَّنْ هُوَ بِيَدَيْهِ وَأَشْبَهَ ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ احْتِيَاطًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَأَلَهُ " إذَا حَاصَرْتُمْ الْمَدِينَةَ كَيْفَ تَصْنَعُونَ " قَالَ: نَبْعَثُ الرَّجُلَ إلَى الْمَدِينَةِ وَنَصْنَعُ لَهُ هَنَةً مِنْ جُلُودٍ قَالَ: " أَرَأَيْت إنْ رُمِيَ بِحَجَرٍ " قَالَ إذًا يُقْتَلُ قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَسُرّنِي أَنْ تَفْتَحُوا مَدِينَةً فِيهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ بِتَضْيِيعِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : مَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ هَذَا احْتِيَاطٌ وَحُسْنُ نَظَرٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنِّي أَسْتَحِبُّ لِلْإِمَامِ وَلِجَمِيعِ الْعُمَّالِ وَلِلنَّاسِ كُلِّهِمْ أَنْ لَا يَكُونُوا مُعْتَرِضِينَ لِمِثْلِ هَذَا وَلَا لِغَيْرِهِ مِمَّا الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ مِنْهُ التَّلَفُ وَلَيْسَ هَذَا بِمُحَرَّمٍ عَلَى مَنْ عَرَضَهُ وَالْمُبَارَزَةُ لَيْسَتْ هَكَذَا لِأَنَّ الْمُبَارَزَةَ إنَّمَا يَبْرُزُ لِوَاحِدٍ فَلَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ مُخَاطِرٌ إنَّمَا الْمُخَاطِرُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى جَمَاعَةِ أَهْلِ الْحِصْنِ فَيُرْمَى أَوْ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَحْدَهُ الْأَغْلَبُ أَنْ لَا يَدَانِ لَهُ بِهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى أَنْ لَا بَأْسَ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى الْجَمَاعَةِ؟ قِيلَ بَلَغَنَا «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَامَ يَضْحَكُ اللَّهُ مِنْ عَبْدِهِ؟ قَالَ غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوِّ حَاسِرًا فَأَلْقَى دِرْعًا كَانَتْ عَلَيْهِ وَحَمَلَ حَاسِرًا حَتَّى قُتِلَ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَتَحَرَّزَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَاهَرَ يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ دِرْعَيْنِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «سَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَى إلَيْهَا لَيْلًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا طَرَقَ قَوْمًا لَيْلًا لَمْ يُغِرْ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَ أَغَارَ عَلَيْهِمْ حِينَ يُصْبِحُ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَكِبَ وَرَكِبَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَخَرَجَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَمَعَهُمْ مَكَاتِلُهُمْ وَمَسَاحِيهُمْ فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرَ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ قَالَ أَنَسٌ وَإِنِّي لَرَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُغِيرُ حَتَّى يُصْبِحَ لَيْسَ بِتَحْرِيمٍ لِلْإِغَارَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا غَارِّينَ فِي حَالٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَلَكِنَّهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ يُبْصِرُ مَنْ مَعَهُ كَيْفَ يُغِيرُونَ احْتِيَاطًا مِنْ أَنْ يُؤْتَوْا مِنْ كَمِينٍ أَوْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ وَقَدْ تَخْتَلِطُ الْحَرْبُ إذَا أَغَارُوا لَيْلًا فَيَقْتُلُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضًا وَقَدْ أَصَابَهُمْ ذَلِكَ فِي قَتْلِ ابْنِ عَتِيكٍ فَقَطَعُوا رِجْلَ أَحَدِهِمْ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِتَحْرِيمٍ أَنْ يُغِيرَ أَحَدٌ لَيْلًا؟ قِيلَ: قَدْ أَمَرَ بِالْغَارَةِ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَتَلُوهُ. [الْفِدَاءُ بِالْأُسَارَى] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ «أَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ فَأَوْثَقُوهُ وَطَرَحُوهُ فِي الْحَرَّةِ فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ مَعَهُ أَوْ قَالَ أَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ وَتَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَنَادَاهُ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا شَأْنك قَالَ: فِيمَ أُخِذْت وَفِيمَ أَخَذْت سَابِقَةَ الْحَاجِّ؟ قَالَ أُخِذْت بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكُمْ ثَقِيفٍ وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَرَكَهُ وَمَضَى فَنَادَاهُ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَرَحِمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ مَا شَأْنُك قَالَ: إنِّي مُسْلِمٌ فَقَالَ لَوْ قُلْتهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ قَالَ فَتَرَكَهُ وَمَضَى فَنَادَاهُ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ: إنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي قَالَ. وَأَحْسَبُهُ قَالَ وَإِنِّي عَطْشَانُ فَاسْقِنِي قَالَ: هَذِهِ حَاجَتُك فَفَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْهُمَا ثَقِيفٌ وَأَخَذَ نَاقَتَهُ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُخِذْت بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكُمْ ثَقِيفٍ» إنَّمَا هُوَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مُشْرِكٌ مُبَاحُ الدَّمِ وَالْمَالِ لِشِرْكِهِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَالْعَفْوُ عَنْهُ مُبَاحٌ فَلَمَّا كَانَ هَكَذَا لَمْ يُنْكِرْ أَنْ يَقُولَ أُخِذْت أَيْ حُبِسْت بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكُمْ ثَقِيفٌ وَيَحْبِسُهُ بِذَلِكَ لِيَصِيرَ إلَى أَنْ يُخَلُّوا مَنْ أَرَادَ وَيَصِيرُوا إلَى مَا أَرَادَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَقَدْ غَلِطَ بِهَذَا بَعْضُ مَنْ يُشَدِّدُ الْوِلَايَةَ فَقَالَ: يُؤْخَذُ الْوَلِيُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مُشْرِكٌ يَحِلُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِكُلِّ جِهَةٍ وَقَدْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ هَذَا ابْنُك؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَمَّا إنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ وَقَضَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» وَلَمَّا كَانَ حَبْسُ هَذَا حَلَالًا بِغَيْرِ جِنَايَةِ غَيْرِهِ وَإِرْسَالُهُ مُبَاحًا كَانَ جَائِزًا أَنْ يُحْبَسَ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَيُخْلَى تَطَوُّعًا إذَا نَالَ بِهِ بَعْضَ مَا يُحِبُّ حَابِسُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : «وَأَسْلَمَ هَذَا الْأَسِيرُ فَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَسْلَمَ لَا بِنِيَّةٍ فَقَالَ لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ نَفْسَك أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ» وَحَقَنَ بِإِسْلَامِهِ دَمَهُ وَلَمْ يُخْلِهِ بِالْإِسْلَامِ إذْ كَانَ بَعْدَ إسَارِهِ وَهَكَذَا مَنْ أُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَسْلَمَ حَقَنَ لَهُ إسْلَامُهُ دَمَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ إسْلَامُهُ مِنْ الرِّقِّ إنْ رَأَى الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ اسْتِدْلَالًا بِمَا وَصَفْنَا مِنْ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلِهِ بِالرَّجُلَيْنِ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا فَهَذَا أَثْبَتَ عَلَيْهِ الرِّقَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَهَذَا رَدٌّ لِقَوْلِ مُجَاهِدٍ لِأَنَّ سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إذَا أَسْلَمَ أَهْلُ الْعَنْوَةِ فَهُمْ أَحْرَارٌ وَأَمْوَالُهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَرَكْنَا هَذَا اسْتِدْلَالًا بِالْخَبَرِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا فَادَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَإِنَّمَا فَادَاهُ بِهِمَا أَنَّهُ فَكَّ الرِّقَّ عَنْهُ بِأَنْ خَلَّوْا صَاحِبَيْهِ. وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ الرِّقُّ وَإِنْ أَسْلَمَ إذَا كَانَ مَنْ يَدْفَعُونَ إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَسْتَرْقِ وَهَذَا الْعُقَيْلِيِّ لَا يُسْتَرَقُّ لِمَوْضِعِهِ فِيهِمْ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَى بِلَادِ الشِّرْكِ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ الْمُسْلِمُ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَى بِلَادِ الشِّرْكِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا فَدَى صَاحِبَيْهِ فالعقيلي بَعْدَ إسْلَامِهِ وَبِلَادُهُ بِلَادُ شِرْكٍ فَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا وَصَفْت (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فِدَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا بالعقيلي وَرَدُّهُ إلَى بَلَدِهِ وَهِيَ أَرْضُ كُفْرٍ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ لَا يَضُرُّونَهُ وَلَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْهِ لِقَدْرِهِ فِيهِمْ وَشَرَفِهِ عِنْدَهُمْ وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ لَمْ يُرَدَّ إلَى قَوْمٍ يَقُومُونَ عَلَيْهِ أَنْ يَضُرُّوهُ إلَّا فِي مِثْلِ حَالِ الْعُقَيْلِيِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَفِدَاؤُهُ بالعقيلي والعقيلي لَا يُسْتَرَقُّ خِلَافُ أَنْ يُفْدَى بِمَنْ يُسْتَرَقُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفْدَى بِمَنْ يُسْتَرَقُّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْبَالِغِينَ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا جَازَ أَنْ يُفْدَى بِمِنْ يُسْتَرَقُّ جَازَ أَنْ يَبِيعَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ الْبَالِغِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ. [الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ يَأْبَقُ إلَى أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ] ِ سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الْعَدُوِّ يَأْبَقُ إلَيْهِمْ الْعَبْدُ أَوْ يَشْرُدُ الْبَعِيرُ أَوْ يُغِيرُونَ فَيَنَالُونَهُمَا أَوْ يَمْلِكُونَهُمَا أَسْهُمًا؟ قَالَ: لَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَمَا تَقُولُ فِيهِمَا إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَجَاءَ أَصْحَابُهُمَا قَبْلَ أَنْ يُقْتَسَمَا؟ فَقَالَ: هُمَا لِصَاحِبِهِمَا فَقُلْت أَرَأَيْت إنْ وَقَعَا فِي الْمَقَاسِمِ؟ فَقَالَ: اخْتَلَفَ فِيهِمَا الْمُفْتُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمَا قَبْلَ الْمَقَاسِمِ وَبَعْدَهَا سَوَاءٌ لِصَاحِبِهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمَا لِصَاحِبِهِمَا قَبْلَ الْمَقَاسِمِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْمَقَاسِمِ وَصَارَا فِي سَهْمِ رَجُلٍ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ صَاحِبُهُمَا أَحَقُّ بِهِمَا مَا لَمْ يُقْسَمَا فَإِذَا قُسِمَا فَصَاحِبُهُمَا أَحَقُّ بِهِمَا بِالْقِيمَةِ: قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَمَا اخْتَرْت مِنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ قُلْت فَمَعَ أَيِّ الْقَوْلَيْنِ الْآثَارُ وَالْقِيَاسُ؟ فَقَالَ: دَلَالَةُ السُّنَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَاذْكُرْ السُّنَّةَ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ «سُبِيَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَانَتْ النَّاقَةُ قَدْ أُصِيبَتْ قَبِلَهَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : كَأَنَّهُ يَعْنِي نَاقَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ آخِرَ حَدِيثِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: «فَكَانَتْ تَكُونُ فِيهِمْ وَكَانُوا يَجِيئُونَ بِالنَّعَمِ إلَيْهِمْ فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ الْوَثَاقِ فَأَتَتْ الْإِبِلَ فَجَعَلَتْ كُلَّمَا أَتَتْ بَعِيرًا مِنْهَا فَمَسَّتْهُ رَغَا فَتَرَكَتْهُ حَتَّى أَتَتْ تِلْكَ النَّاقَةَ فَمَسَّتْهَا فَلَمْ تَرْغُ وَهِيَ نَاقَةٌ هَدَرَةٌ فَقَعَدَتْ فِي عَجُزِهَا ثُمَّ صَاحَتْ بِهَا فَانْطَلَقَتْ وَطُلِبَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهَا فَجَعَلَتْ لِلَّهِ عَلَيْهَا إنْ اللَّهُ أَنْجَاهَا عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا فَلَمَّا قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ عَرَفُوا النَّاقَةَ وَقَالُوا: نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّهَا قَدْ جَعَلَتْ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا فَقَالُوا وَاَللَّهِ لَا تَنْحَرِيهَا حَتَّى نُؤْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ فُلَانَةَ قَدْ جَاءَتْ عَلَى نَاقَتِك وَأَنَّهَا قَدْ جَعَلَتْ لِلَّهِ عَلَيْهَا إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِئْسَ مَا جَزَتْهَا إنْ أَنْجَاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ أَوْ قَالَ ابْنُ آدَمَ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ أَحْرَزَ نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ الْأَنْصَارِيَّةَ انْفَلَتَتْ مِنْ إسَارِهِمْ عَلَيْهَا بَعْدَ إحرازهموها وَرَأَتْ أَنَّهَا لَهَا فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَدْ نَذَرَتْ فِيمَا لَا تَمْلِكُ وَلَا نَذْرَ لَهَا وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَتَهُ وَلَوْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَمْلِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَعُدَّ أَخْذَ الْأَنْصَارِيَّةِ النَّاقَةَ أَنْ تَكُونَ مِلْكَهَا بِأَنَّهَا أَخَذَتْهَا وَلَا خُمُسَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُوجِفْ عَلَيْهَا وَقَدْ قَالَ بِهَذَا غَيْرُنَا وَلَسْنَا نَقُولُ بِهِ أَوْ تَكُونُ مَلَكَتْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا وَخُمُسُهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ أَوْ تَكُونُ مِنْ الْفَيْءِ الَّذِي لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُمُسُهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَلَا أَحْفَظُ قَوْلًا لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَهَّمَهُ فِي هَذَا غَيْرَ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَقَاوِيلِ. قَالَ: فَلَمَّا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَتَهُ دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا أَوْجَفُوا عَلَيْهِ بِخَيْلِهِمْ فَأَحْرَزُوهُ فِي دِيَارِهِمْ أَشْبَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ مَا لَمْ يَمْلِكُوا هُمْ لِأَنْفُسِهِمْ قَبْلَ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَلَا بَعْدَهُ، قُلْت لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ اُخْتُلِفَ فِيهِ؟ فَقَالَ: قَدْ يَذْهَبُ بَعْضُ السُّنَنِ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَوْ عَلِمَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ بِهَا، قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: أَفَرَأَيْت مَنْ لَقِيت مِمَّنْ سَمِعَ هَذَا كَيْفَ تَرَكَهُ؟ فَقَالَ: لَمْ يَدَعْهُ كُلَّهُ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ كُلَّهُ، فَقُلْت: فَكَيْفَ كَانَ هَذَا؟ قَالَ: وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَا يَجُوزُ هَذَا لِأَحَدٍ، فَقُلْت فَهَلْ ذَهَبَ فِيهِ إلَى شَيْءٍ؟ فَقَالَ: كَلَّمَنِي بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ فَقَالَ: وَهَكَذَا يَقُولُ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَيَصِيرُ عَبْدُ رَجُلٍ فِي سَهْمِ رَجُلٍ فَيَكُونُ مَفْرُوزًا مِنْ حَقِّهِ وَبِتَفَرُّقِ الْجَيْشِ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَتْبَعُهُ بِسَهْمِهِ فَيَنْقَلِبُ لَا سَهْمَ لَهُ. فَقُلْت لَهُ: أَفَرَأَيْت لَوْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ حُرٌّ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ؟ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ وَيُعَوَّضُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَقُلْت لَهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحُرُّ الْحُرِّيَّةَ وَلَا مَالِكُ أُمِّ الْوَلَدِ إلَّا بَعْدَ تَفَرُّقِ الْجَيْشِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَيُعَوَّضُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. فَقُلْت لَهُ: وَمَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فِي عَبْدِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يَخْرُجُ مِنْ يَدَيْ مَنْ صَارَ سَهْمُهُ وَيُعَوَّضُ مِنْهُ قِيمَتُهُ. فَقَالَ مِنْ أَيْنَ يُعَوَّضُ؟ قُلْت: مِنْ الْخُمُسِ خَاصَّةً. قَالَ: وَمِنْ أَيِّ الْخُمُسِ؟ قُلْت سَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ يَضَعُهُ فِي الْأَنْفَالِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَقَالَ لِي قَائِلٌ: تَوَلَّ الْجَوَابَ عَمَّنْ قَالَ صَاحِبُ الْمَالِ أَحَقُّ بِهِ قَبْلَ الْمَقَاسِمِ وَبَعْدَهُ قُلْت فَاسْأَلْ فَقَالَ: مَا حُجَّتُك فِيهِ؟ قُلْت: مَا وَصَفْت مِنْ السُّنَّةِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالْخَبَرُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ السُّنَّةَ إذَا دَلَّتْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْلِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا بِحَالٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْلِكُوا عَلَيْهِمْ بِحَالٍ أُخْرَى إلَّا بِسُنَّةٍ مِثْلِهَا. فَقَالَ وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت: إنِّي إذَا أَعْطَيْت أَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ إذَا وَجَدَ عَبْدَهُ قَبْلَ مَا يُحْرِزُهُ الْعَدُوُّ ثُمَّ يُحْرِزُهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْعَدُوِّ قَبْلَ أَنْ يَقْسِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَقَدْ أَعْطَيْت أَنَّ الْعَدُوَّ لَمْ يَمْلِكُوهُ مِلْكًا يَتِمُّ لَهُمْ وَلَوْ مَلَكُوهُ مِلْكًا يَتِمُّ لَهُمْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ إذَا مَلَكَهُ الموجفون عَلَيْهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْقَسْمِ وَلَا بَعْدَهُ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ أَسْرُهُمْ إيَّاهُ وَغَلَبَتُهُمْ عَلَيْهِ كَبَيْعِ مَوْلَاهُ لَهُ مِنْهُمْ أَوْ هِبَتِهِ إيَّاهُ ثُمَّ أَوْجَفَ عَلَيْهِ أَلَّا يَكُونَ لِلْمُوجِفِينَ؟ قَالَ: بَلَى قُلْت: أَفَتَعْدُو غَلَبَةُ الْعَدُوِّ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ مِلْكًا فَيَكُونُ كَمَالٍ لَهُمْ سَوَاءٌ مِمَّا وُهِبَ لَهُمْ أَوْ اشْتَرَوْهُ أَوْ تَكُونُ غَصْبًا لَا يَمْلِكُونَهُ عَلَيْهِ؟ فَإِذَا كَانَتْ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَالْإِجْمَاعُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَالْغَصْبِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَمَا يُقْسَمُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مُسْلِمًا مُتَأَوِّلًا أَوْ غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ لَوْ أَوْجَفَ عَلَى عَبْدٍ ثُمَّ أُخِذَ مِنْ يَدِ مَنْ قَهَرَهُ عَلَيْهِ كَانَ لِمَالِكِهِ الْأَوَّلِ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ مُسْلِمٌ عَلَى مُسْلِمٍ بِغَصْبٍ كَانَ الْمُشْرِكُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مَالِكًا مَعَ أَنَّك لَمْ تَجْعَلْ الْمُشْرِكَ مَالِكًا وَلَا غَيْرَ مَالِكٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقَالَ: إنَّ هَذَا لَيَدْخُلُهُ وَلَكِنَّا قُلْنَا فِيهِ بِالْأَثَرِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَرَأَيْت إنْ قَالَ لَك قَائِلٌ: هَذِهِ السُّنَّةُ وَالْأَثَرُ تُجَامِعُ مَا قُلْنَا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ فَكَيْفَ صِرْت إلَى أَنْ تَأْخُذَ بِشَيْءٍ دُونَ السُّنَّةِ وَتَدَعَ السُّنَّةَ وَشَيْءٍ مِنْ الْأَثَرِ أَقَلَّ مِنْ الْآثَارِ وتدع الْأَكْثَرَ فَمَا حُجَّتُك فِيهِ؟ قَالَ: إنَّا قَدْ قُلْنَا بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ الَّتِي ذَهَبَتْ إلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَهُوَ قَبْلَهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قُلْت لَهُ: أَمَا فِيهَا بَيَانُ أَنَّ الْعَدُوَّ لَوْ مَلَكُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا أَحْرَزُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِلْكًا تَامًّا كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ مَلَكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ دُونَ مَالِكِهِ الْأَوَّلِ؟ قَالَ: بَلَى قُلْت: أَوَّلًا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِمَالِكِهِ الْأَوَّلِ بِكُلِّ حَالٍ أَوْ لِلْعَدُوِّ إذَا أَحْرَزُوهُ؟ فَقَالَ: إنَّ هَذَا لَيُدْخِلُ ذَلِكَ وَلَكِنْ صِرْنَا إلَى الْأَثَرِ وَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَقُلْت لَهُ فَهَذِهِ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَالْقِيَاسُ عَلَيْهَا فَقَالَ: قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ قَبْلَ مَا يُقْسَمُ حُكْمُهُ بَعْدَ مَا يُقْسَمُ حُكْمُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَقُلْت لَهُ: أَمَا فِي قِيَاسٍ أَوْ عَقْلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا لَوْ كَانَ إلَّا بِالْأَثَرِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ لَمْ يُرْوَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَيْءٌ وَيُرْوَى عَمَّنْ دُونَهُ فَلَيْسَ فِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ قَالَ: أَفَيَحْتَمِلُ مَنْ رَوَى عَنْهُ قَوْلُنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ عَلَيْهِ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقُلْت: أَفَيَحْتَمِلُ عِنْدَك؟ فَقَالَ: نَعَمْ فَقُلْت: فَمَا مَسْأَلَتُك عَنْ أَمْرٍ تَعْلَمُ أَنْ لَا مَسْأَلَةَ فِيهِ؟ قَالَ فَأَوْجِدْنِي مِثْلَ هَذَا فَقُلْت: نَعَمْ وَأَبْيَنُ قَالَ مِثْلُ مَاذَا؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السِّنِّ بِخَمْسٍ وَقَضَى عُمَرُ فِي الضِّرْسِ بِبَعِيرٍ فَكَانَ يَحْتَمِلُ لِذَاهِبٍ لَوْ ذَهَبَ مَذْهَبَ عُمَرَ أَنْ يَقُولَ السِّنُّ مَا أَقْبَلَ وَالضِّرْسُ مَا أَكَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَكُونُ هَذَا وَجْهًا مُحْتَمَلًا يَصِحُّ الْمَذْهَبُ فِيهِ؟ فَلَمَّا كَانَتْ السِّنُّ دَاخِلَةً فِي مَعْنَى الْأَسْنَانِ فِي حَالٍ فَإِنْ بَايَنَتْهَا بِاسْمٍ مُنْفَرِدٍ دُونَهَا كَمَا تَبَايَنَ الْأَسْنَانُ بِأَسْمَاءٍ تُعْرَفُ بِهَا صِرْنَا وَأَنْتَ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُمْلَةً وَجَعَلْنَا الْأَعَمَّ أَوْلَى بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَخَصِّ وَإِنْ احْتَمَلَ الْأَخَصَّ مِنْ حُكْمِ كَثِيرٍ غَيْرِ هَذَا نَقُولُ فِيهِ نَحْنُ وَأَنْتَ بِمِثْلِ هَذَا قَالَ: هَذَا فِي هَذَا وَغَيْرِهِ كَمَا تَقُولُ قُلْت فَمَا أَحْرَزَ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أُحْرِزَ عَنْهُمْ فَكَانَ لِمَالِكِهِ قَبْلَ الْقَسْمِ وَلَمْ يَأْتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ الْقَسْمِ أَثَرٌ غَيْرُ هَذَا فَأَحْرَى لَا يَحْتَمِلُ مَعْنًى إلَّا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يُحْرِزُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا قَالَ: فَإِنَّا نَأْخُذُ قَوْلَنَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ إذَا دَخَلَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَأَخْذُهُ مِنْ أَنَّا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» وَرَوَيْنَا عَنْهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ أَسْلَمَ عَلَى مَالِ قَوْمٍ قَدْ قَتَلَهُمْ وَأَخْفَاهُ فَكَانَ لَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَرَأَيْت مَا رَوَيْت عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ " أَيَثْبُتُ؟ قَالَ هُوَ مِنْ حَدِيثِكُمْ قُلْت نَعَمْ مُنْقَطِعٌ وَنَحْنُ نُكَلِّمُك عَلَى تَثْبِيتِهِ فَنَقُولُ لَك أَرَأَيْت إنْ كَانَ ثَابِتًا أَهُوَ عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ؟ قَالَ: فَإِنْ قُلْت هُوَ عَامٌّ؟ قُلْت: إذَا نَقُولُ لَك أَرَأَيْت عَدُوًّا أَحْرَزَ حُرًّا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ عَبْدًا مَرْهُونًا فَأَسْلَمَ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ حُرٌّ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ وَلَا شَيْءَ لَا يَجُوزُ مِلْكُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَقُلْت لَهُ فَتَرَكْت قَوْلَك: إنَّهُ عَامٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَقُولُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ يَجُوزُ مِلْكُهُ لِمَالِكِهِ الَّذِي غَصَبَهُ عَلَيْهِ قُلْنَا فَأُمُّ الْوَلَدِ يَجُوزُ مِلْكُهَا لِمَالِكِهَا إلَى أَنْ يَمُوتَ أَفَتَجْعَلُ لِلْعَدُوِّ مِلْكَهَا إلَى مَوْتِ سَيِّدِهَا؟ قَالَ: لَا لِأَنَّ فَرْجَهَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ قُلْت: إنْ أَحْلَلْت مِلْكَ رَقَبَتِهَا بِالْغَصْبِ حِينَ تُقِيمُ الْغَاصِبَ مَقَامَ سَيِّدِهَا إنَّك لَشَبِيهٌ أَنْ تُحِلَّ فَرْجَهَا أَوْ مِلْكَهَا وَإِنْ مَنَعْت فَرْجَهَا، أَوْ رَأَيْت إنْ جَعَلْت الْحَدِيثَ خَاصًّا وَأَخْرَجْتَهُ مِنْ الْعُمُومِ أَيَجُوزُ لَك فِيهِ أَنْ تَقُولَ فِيهِ بِالْخَاصِّ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقَالَ: فَأَسْتَدِلُّ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ عَلَى أَنَّ الْمُغِيرَةَ مَلَكَ مَا يَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهُ فَأَسْلَمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ يَدِهِ لَمْ يُخَمِّسْهُ قَالَ: فَقُلْت لَهُ الَّذِينَ قَتَلُوا الْمُغِيرَةَ مُشْرِكُونَ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ حُكْمَ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ كَلَّمْنَاك عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: مَا حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّهُ لَيَدْخُلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَا وَصَفْت، فَهَلْ تَجِدُ إنْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» مَخْرَجًا صَحِيحًا لَا يَدْخُلُ فِيهِ شَيْءٌ مِثْلُ مَا دَخَلَ هَذَا الْقَوْلُ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقُلْت لَهُ: نَعَمْ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ يَجُوزُ لَهُ مِلْكُهُ فَهُوَ لَهُ فَقَالَ هَذَا جُمْلَةٌ فَأَبِنْهُ فَقُلْت لَهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعَزَّ أَهْلَ دِينِهِ إلَّا بِحَقِّهَا فَهِيَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَمْنُوعَةً أَوْ أَقْوَى عَلَى مَنْعِهَا فَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُ لَوْ قَهَرَ مُسْلِمًا عَلَى عَبْدٍ ثُمَّ وَرِثَ عَنْ الْقَاهِرِ أَوْ غَلَبَهُ عَلَيْهِ مُتَأَوِّلٌ أَوْ لِصٌّ أَخَذَهُ الْمَقْهُورُ عَلَيْهِ بِأَصْلِ مِلْكِهِ الْأَوَّلِ وَكَانَ لَا يَمْلِكُهُ مُسْلِمٌ بِغَصْبٍ فَالْكَافِرُ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَهُ بِغَصْبٍ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ أَنْفُسَ الْكَافِرِينَ الْمُحَارِبِينَ وَأَمْوَالَهُمْ فَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْرِكُونَ إنْ كَانُوا إذَا قَدَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ خَوْلًا لِأَهْلِ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ شَيْئًا يُقْدَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَخَوِّلُ مُتَخَوِّلًا عَلَى مِمَّنْ يَتَخَوَّلُهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَالَ: فَمَا الَّذِي يُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ لَهُمْ؟ فَقُلْت مَا غَصَبَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ بَعْضًا ثُمَّ أَسْلَمَ عَلَيْهِ الْغَاصِبُ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ الْمُغِيرَةُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ الْغَاصِبِينَ وَالْمَغْصُوبِينَ لَمْ يَكُونُوا مَمْنُوعِي الْأَمْوَالِ بِدَيْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمَّا أَخَذَهَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَوْ سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ أَسْلَمَ السَّابِي الْآخِذُ لِلْمَالِ كَانَ لَهُ مَا أَسْلَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى مَا لَوْ ابْتَدَأَ أَخْذَهُ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ فِي الْإِسْلَامِ أَخْذَ شَيْءٍ لِمُسْلِمٍ فَقَالَ لِي: أَرَأَيْت مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ كَيْفَ زَعَمَ فِي الْمُشْرِكِينَ إذَا أَخَذُوا لِمُسْلِمٍ عَبْدًا أَوْ مَالًا غَيْرَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ أَمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ أَوْ مَرْهُونَهُ أَوْ أَمَةً جَانِيَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ثُمَّ أَحْرَزَهَا الْمُسْلِمُونَ؟ فَقُلْت هَذَا يَكُونُ كُلُّهُ لِمَالِكِهِ عَلَى الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَبِالْحَالِ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهَا الْعَدُوُّ وَتَكُونُ أُمُّ الْوَلَدِ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدُ وَالْمُدَبَّرَةُ مُدَبَّرَةً مَا لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا سَيِّدُهَا وَالْعَبْدُ الْجَانِي وَالْأَمَةُ الْجَانِيَةُ جَانِيَيْنِ فِي رِقَابِهِمَا الْجِنَايَةُ لَا يُغَيِّرُ السِّبَاءُ مِنْهُمَا شَيْئًا وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ وَغَيْرُهُ قَالَ: أَفَرَأَيْت إنْ أَحْرَزَ هَذَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَحْرَزَهُ عَلَيْهِمْ مُشْرِكُونَ غَيْرُهُمْ ثُمَّ أَحْرَزَهُ الْمُسْلِمُونَ ثُمَّ أَحْرَزَهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ؟ قُلْت: كَيْفَ كَانَ هَذَا وَتَطَاوَلَ؟ فَهَذَا قَوْلٌ لَا يَدْخُلُ بِحَالٍ هُوَ عَلَى الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَكُلُّ حَادِثٍ فِيهِ بَعْدَهُ لَا يُبْطِلُهُ وَيُدْفَعُونَ إلَى مَالِكِيهِمْ الْأَوَّلِينَ الْمُسْلِمِينَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فَأَجِبْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَرَأَيْت إنْ أَحْرَزَ الْعَدُوُّ جَارِيَةَ رَجُلٍ فَوَطِئَهَا الْمُحْرِزُ لَهَا فَوَلَدَتْ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ هِيَ وَأَوْلَادُهَا لِمَالِكِهَا؟ فَقُلْت: فَإِنْ أَسْلَمُوا عَلَيْهَا؟ قَالَ: تُدْفَعُ الْجَارِيَةُ إلَى مَالِكِهَا وَيَأْخُذُ مِمَّنْ وَطِئَهَا عَقْرُهَا وَقِيمَةُ أَوْلَادِهَا يَوْمَ سَقَطُوا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا حَاتِمٌ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلْهُ عَنْ خِلَالٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يُكَاتِبُ الْحَرُورِيَّةَ وَلَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا لَمْ أَكْتُبْ إلَيْهِ فَكَتَبَ نَجْدَةُ إلَيْهِ أَمَّا بَعْدُ أَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْزُو بِالنِّسَاءِ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ وَهَلْ كَانَ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ وَمَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ وَعَنْ الْخُمُسِ لِمَنْ هُوَ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ " إنَّك كَتَبْت تَسْأَلُنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْزُو بِالنِّسَاءِ وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ فَيُدَاوِينَ الْمَرْضَى وَيَحْذِينَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَأَمَّا السَّهْمُ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ بِسَهْمٍ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْتُلْ الْوِلْدَانَ فَلَا تَقْتُلْهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَعْلَمَ مِنْهُمْ مَا عَلِمَ الْخَضِرُ مِنْ الصَّبِيِّ الَّذِي قَتَلَهُ فَتُمَيِّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَتَقْتُلَ الْكَافِرَ وَتَدَعَ الْمُؤْمِنَ وَكَتَبْت مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ وَلَعَمْرِي إنَّ الرَّجُلَ لَتَشِيبُ لِحْيَتُهُ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْأَخْذِ ضَعِيفُ الْإِعْطَاءِ فَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْمُ وَكَتَبْت تَسْأَلُنِي عَنْ الْخُمُسِ وَإِنَّا كُنَّا نَقُولُ هُوَ لَنَا فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَصَبْرِنَا عَلَيْهِ. [الْخِلَافُ فِي التَّحْرِيقِ] سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا غَزَوْا أَهْلَ الْحَرْبِ هَلْ يُكْرَهُ لَهُمْ أَنْ يَقْطَعُوا الشَّجَرَ الْمُثْمِرَ وَيُخَرِّبُوا مَنَازِلَهُمْ وَمَدَائِنَهُمْ وَيُغْرِقُوهَا وَيُحَرِّقُوهَا وَيُخَرِّبُوا مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ ثِمَارِهِمْ وَشَجَرِهِمْ وَتُؤْخَذُ أَمْتِعَتُهُمْ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : كُلُّ مَا كَانَ مِمَّا يَمْلِكُوا لَا رُوحَ لَهُ فَإِتْلَافُهُ مُبَاحٌ بِكُلِّ وَجْهٍ وَكُلُّ مَا زَعَمْت أَنَّهُ مُبَاحٌ فَحَلَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ فِعْلُهُ وَغَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِمْ تَرْكُهُ وَأُحِبُّ إذَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ بِلَادَ دَارِ الْحَرْبِ وَكَانَتْ غُزَاتُهُمْ غَارَةً أَوْ كَانَ عَدُوُّهُمْ كَثِيرًا وَمُتَحَصِّنًا مُمْتَنِعًا لَا يُغْلَبُ عَلَيْهِمْ أَنْ تَصِيرَ دَارُهُمْ دَارَ الْإِسْلَامِ وَلَا دَارَ عَهْدٍ يَجْرِي عَلَيْهَا الْحُكْمُ أَنْ يَقْطَعُوا وَيُحَرِّقُوا وَيُخَرِّبُوا مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ ثِمَارِهِمْ وَشَجَرِهِمْ وَيُؤْخَذُ مَتَاعُهُمْ وَمَا كَانَ يُحْمَلُ مِنْ خَفِيفِ مَتَاعِهِمْ فَقَدَرُوا عَلَيْهِ اخْتَرْت أَنْ يَغْنَمُوهُ وَمَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ حَرَّقُوهُ وَغَرَّقُوهُ وَإِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِمْ أَنَّهَا سَتَصِيرُ دَارَ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارَ عَهْدٍ يَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ اخْتَرْت لَهُمْ الْكَفَّ عَنْ أَمْوَالِهِمْ لِيَغْنَمُوهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ تَحْرِيقُهَا وَلَا تَخْرِيبُهَا حَتَّى يَصِيرُوا مُسْلِمِينَ أَوْ ذِمَّةً أَوْ يَصِيرَ مِنْهَا فِي أَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِمَّا يُحْمَلُ فَيُنْقَلُ فَلَا يَحِلُّ تَحْرِيقُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَارَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيُحَرِّقُوا مَا سِوَاهُ مِمَّا لَا يُحْمَلُ وَإِنَّمَا زَعَمْت أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ تَحْرِيقُ شَجَرِهِمْ وَعَامِرِهِمْ وَإِنْ طَمِعَ بِهِمْ لِأَنَّهُ قَدْ يَطْمَعُ بِالْقَوْمِ ثُمَّ يَكُونُ الْأَمْرُ عَلَى غَيْرِ مَا عَلَيْهِ الطَّمَعُ وَإِنَّهَا حُرِّقَتْ وَلَمْ يُحْرِزْهَا الْمُسْلِمُونَ وَإِنَّمَا زَعَمْت أَنَّ لَهُمْ الْكَفَّ عَنْ تَحْرِيقِهَا لِأَنَّ هَكَذَا أَصْلُ الْمُبَاحِ وَقَدْ حَرَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْمٍ وَلَمْ يُحَرِّقْ عَلَى آخَرِينَ وَإِنْ حَمَلَ الْمُسْلِمُونَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَلَمْ يَقْتَسِمُوهُ حَتَّى أَدْرَكَهُمْ عَدُوٌّ وَخَافُوا غَلَبَتَهُمْ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحَرِّقُوهُ بِأَنْ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَسَمُوهُ لَمْ أَرَ بَأْسًا عَلَى أَحَدٍ صَارَ فِي يَدِهِ أَنْ يُحَرِّقَهُ وَإِنْ كَانُوا يَرْجُونَ مَنْعَهُ لَمْ أُحِبَّ أَنْ يُعَجِّلُوا بِتَحْرِيقِهِ وَالْبَيْضُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِرَاخٌ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ بِمَعْنَى الْكُفَّارِ وَمَا ذَبَحُوا مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ حَتَّى زَايَلَهُ الرُّوحُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَا رُوحَ لَهُ فَيُحْرَقُ كُلُّهُ إنْ أَدْرَكَهُمْ الْعَدُوُّ فِي بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا وَصَفْت إنْ شَاءُوا ذَلِكَ وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوهُ فَأَمَّا ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ مِنْ الْخَيْلِ وَالْبَقَرِ وَالنَّحْلِ وَغَيْرِهَا فَلَا تُحْرَقُ وَلَا تُعْقَرُ وَلَا تُغْرَقُ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ ذَبْحُهَا أَوْ فِي مَوْضِعِ ضَرُورَةٍ فَقُلْت كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ سُنَّةُ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي بَنِي النَّضِيرِ حِينَ حَارَبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [الحشر: 2] قَرَأَ إلَى {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر: 2] فَوَصَفَ إخْرَابَهُمْ مَنَازِلَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَإِخْرَابَ الْمُؤْمِنِينَ بُيُوتَهُمْ وَوَصَفَهُ إيَّاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ كَالرِّضَا بِهِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ نَخْلٍ مِنْ أَلْوَانِ نَخْلِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: رِضًا بِمَا صَنَعُوا مِنْ قَطْعِ نَخِيلِهِمْ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5] فَرَضِيَ الْقَطْعَ وَأَبَاحَ التَّرْكَ فَالْقَطْعُ وَالتَّرْكُ مَوْجُودَانِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَتَرَكَ وَقَطَعَ نَخْلَ غَيْرِهِمْ وَتَرَكَ وَمِمَّنْ غَزَا مَنْ لَمْ يَقْطَعْ نَخْلَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ فَقَالَ قَائِلٌ: وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ » فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّقَ مَالَ بَنِي النَّضِيرِ ثُمَّ تَرَكَ قِيلَ عَلَى مَعْنَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ قَطَعَ وَحَرَّقَ بِخَيْبَرَ وَهِيَ بَعْدَ النَّضِيرِ وَحَرَّقَ بِالطَّائِفِ وَهِيَ آخِرُ غُزَاةٍ قَاتَلَ بِهَا وَأَمَرَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَنْ يُحَرِّقَ عَلَى أَهْلِ أُبْنَى (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَزْهَرِيِّ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ شِهَابٍ يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَة بْنَ زَيْدٍ قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَغْزُوَ صَبَاحًا عَلَى أَهْلِ أُبْنَى وَأُحَرِّقَ.» الْخِلَافُ فِي التَّحْرِيقِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فَهَلْ خَالَفَ مَا قُلْت فِي هَذَا أَحَدٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ بَعْضُ إخْوَانِنَا مِنْ مُفْتِي الشَّامِيِّينَ فَقُلْت: إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبُوا؟ قَالَ: إلَى أَنَّهُمْ رَوَوْا عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُخَرَّبَ عَامِرٌ وَأَنْ يُقْطَعَ شَجَرٌ مُثْمِرٌ فِيهَا فِيمَا نَهَى عَنْهُ قُلْت: فَمَا الْحُجَّةِ عَلَيْهِ؟ قَالَ: مَا وَصَفْت مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَقُلْت: عَلَامَ تَعُدُّ نَهْيَ أَبِي بَكْرٍ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَمَّا الظَّنُّ بِهِ فَإِنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ فَتْحَ الشَّامِ فَكَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْهُ فَأَمَرَ بِتَرْكِ تَخْرِيبِ الْعَامِرِ وَقَطْعِ الْمُثْمِرِ لِيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لِأَنَّهُ رَآهُ مُحَرَّمًا لِأَنَّهُ قَدْ حَضَرَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْرِيقَهُ بِالنَّضِيرِ وَخَيْبَرَ وَالطَّائِفِ فَلَعَلَّهُمْ أَنْزَلُوهُ عَلَى غَيْرِ مَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ وَالْحُجَّةُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي صَنِيعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَكُلُّ شَيْءٍ فِي وَصِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ سِوَى هَذَا فِيهِ نَأْخُذُ. [ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ] ِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَفَرَأَيْت مَا ظَفِرَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْخَيْلِ وَالنَّحْلِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَاشِيَةِ فَقَدَرُوا عَلَى إتْلَافِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْنَمُوهُ أَوْ غَنِمُوهُ فَأَدْرَكَهُمْ الْعَدُوُّ فَخَافُوا أَنْ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُمْ وَيَقْوَوْا بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَيَجُوزُ لَهُمْ إتْلَافُهُ بِذَبْحٍ أَوْ عَقْرٍ أَوْ تَحْرِيقٍ أَوْ تَغْرِيقٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْوَالِ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : لَا يَحِلُّ عِنْدِي أَنْ يَقْصِدَ قَصْدَهُ بِشَيْءٍ يُتْلِفُهُ إذَا كَانَ لَا رَاكِبَ عَلَيْهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ وَلِمَ قُلْت وَإِنَّمَا هُوَ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَا يُقْصَدُ قَصْدُهُ بِالتَّلَفِ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : لِفِرَاقِهِ مَا سِوَاهُ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ ذُو رُوحٍ يَأْلَمُ بِالْعَذَابِ وَلَا ذَنْبَ لَهُ وَلَيْسَ كَمَا لَا رُوحَ لَهُ يَأْلَمُ بِالْعَذَابِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ أَنْ يُقْتَلَ مَا قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْهَا إلَّا بِالذَّبْحِ لِتُؤْكَلَ وَمَا امْتَنَعَ بِمَا نِيلَ مِنْ السِّلَاحِ لِتُؤْكَلَ وَمَا كَانَ مِنْهَا عَدَاءً وَضَارًّا لِلضَّرُورَةِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: اُذْكُرْ مَا وَصَفْت فَقَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ صُهَيْبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا سَأَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ قَتْلِهَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَلَمَّا كَانَ قَتْلُ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِنْ الْبَهَائِمِ مَحْظُورًا إلَّا بِمَا وَصَفْت كَانَ عَقْرُ الْخَيْلِ وَالدَّوَابِّ الَّتِي لَا رُكْبَانَ عَلَيْهَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ دَاخِلًا فِي مَعْنَى الْحَظْرِ خَارِجًا مِنْ مَعْنَى الْمُبَاحِ فَلَمْ يَجُزْ عِنْدِي أَنْ تَعْقِرَ ذَوَاتَ الْأَرْوَاحِ إلَّا عَلَى مَا وَصَفْت فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَفِي ذَلِكَ غَيْظُ الْمُشْرِكِينَ وَقَطْعٌ لِبَعْضِ قُوَّتِهِمْ قِيلَ لَهُ: إنَّمَا يُنَالُ مِنْ غَيْظِ الْمُشْرِكِينَ بِمَا كَانَ غَيْرَ مَمْنُوعٍ مِنْ أَنْ يُنَالَ فَأَمَّا الْمَمْنُوعُ فَلَا يُغَاظُ أَحَدٌ بِأَنْ يَأْتِيَ الْغَائِظُ لَهُ مَا نُهِيَ عَنْ إتْيَانِهِ أَلَا تَرَى أَنَّا لَوْ سَبَيْنَا نِسَاءَهُمْ وَوِلْدَانَهُمْ فَأَدْرَكُونَا فَلَمْ نَشُكَّ فِي اسْتِنْفَاذِهِمْ إيَّاهُمْ مِنَّا لَمْ يَجُزْ لَنَا قَتْلُهُمْ وَقَتْلُهُمْ أَغْيَظُ لَهُمْ وَأَنْكَى مِنْ قَتْلِ دَوَابِّهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَقَرَ عِنْدَ الْحَرْبِ؟ فَلَا أَحْفَظُ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَلَا أَعْلَمُهُ مَشْهُورًا عِنْدَ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَفَرَأَيْت الْفَارِسَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْقِرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ هَذِهِ مَنْزِلَةٌ يَجِدُ السَّبِيلُ بِهَا إلَى قَتْلِ مَنْ أُمِرَ بِقَتْلِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَاذْكُرْ مَا يُشْبِهُ هَذَا قِيلَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْمِيَ الْمُشْرِكَ بِالنَّبْلِ وَالنَّارِ وَالْمَنْجَنِيقِ فَإِذَا صَارَ أَسِيرًا فِي يَدَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ وَكَانَ لَهُ قَتْلُهُ بِالسَّيْفِ وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَرْمِيَ الصَّيْدَ فَيَقْتُلَهُ فَإِذَا صَارَ فِي يَدَيْهِ لَمْ يَقْتُلْهُ إلَّا بِالذَّكَاءِ الَّتِي هِيَ أَخَفُّ عَلَيْهِ وَقَدْ أُبِيحَ لَهُ دَمُ الْمُشْرِكِ بِالْمَنْجَنِيقِ وَإِنْ أَصَابَ ذَلِكَ بَعْضَ مَنْ مَعَهُمْ مِمَّنْ هُوَ مَحْظُورُ الدَّمِ لِلْمَرْءِ فِي دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ عَدُوَّهُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَإِنْ قَالَ: فَهَلْ فِي هَذَا خَبَرٌ؟ قِيلَ: نَعَمْ عَقَرَ حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّاهِبِ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ فَرَسَهُ فَانْعَكَسَتْ بِهِ وَصُرِعَ عَنْهَا فَجَلَسَ حَنْظَلَةُ عَلَى صَدْرِهِ وَعَطَفَ ابْنُ شُعُوبٍ عَلَى حَنْظَلَةَ فَقَتَلَهُ وَذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ نَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا نَهَاهُ وَلَا نَهَى غَيْرَهُ عَنْ مِثْلِ هَذَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَكِنَّهُ إذَا صَارَ إلَى أَنْ يُفَارِقَهُ فَارِسُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقْرُهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ لَا يُقَاتِلُ لَمْ يَعْقِرْ إنَّمَا يَعْقِرُ لِمَعْنَى أَنْ يُوَصِّلَ إلَى فَارِسِهِ لِيُقْتَلَ أَوْ لِيُؤْسَرَ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: فَهَلْ سَمِعْت فِي هَذَا حَدِيثًا عَمَّنْ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: إنَّمَا الْغَايَةُ أَنْ يُوجَدَ عَلَى شَيْءٍ دَلَالَةٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَقَدْ وَصَفْت لَك بَعْضَ مَا حَضَرَنِي مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَزِيدُهُ شَيْءٌ وَافَقَهُ قُوَّةً وَلَا يُوهِنُهُ شَيْءٌ خَالَفَهُ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّهُ أَوْصَى ابْنَهُ لَا يَعْقِرُ جَسَدًا وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ عَقْرِ الدَّابَّةِ إذَا هِيَ قَامَتْ وَعَنْ قَبِيصَةَ أَنَّ فَرَسًا قَامَ عَلَيْهِ بِأَرْضِ الرُّومِ فَتَرَكَهُ وَنَهَى عَنْ عَقْرِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ هِشَامَ بْنَ الْغَازِي يَرْوِي عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْهُ فَنَهَاهُ وَقَالَ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ» قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: أَفَرَأَيْت مَا أَدْرَكَ مَعَهُمْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ؟ قَالَ: لَا تَعْقِرُوا مِنْهُ شَيْئًا إلَّا أَنْ تَذْبَحُوهُ لِتَأْكُلُوا كَمَا وَصَفْت بِدَلَالَةِ السُّنَّةِ وَأَمَّا مَا فَارَقَ ذَوَاتَ الْأَرْوَاحِ فَيَصْنَعُونَ فِيمَا خَافُوا أَنْ يُسْتَنْقَذَ مِنْ أَيْدِيهِمْ فِيهِ مَا شَاءُوا مِنْ تَحْرِيقٍ وَكَسْرٍ وَتَغْرِيقٍ وَغَيْرِهِ قُلْت: أَوْ يَدَعُونَ أَوْلَادَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَدَوَابَّهُمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ مِنْهُمْ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ السَّبْيُ وَالْمَتَاعُ قُسِّمَ؟ قَالَ: كُلُّ رَجُلٍ صَارَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَهُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى مَالِهِ وَيَدَعُ ذَوَاتَ الْأَرْوَاحِ إنْ لَمْ يَقْوَ عَلَى سَوْقِهَا وَعَلَى مَنْعِهَا وَيَصْنَعُ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مَا شَاءَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: أَفَرَأَيْت الْإِمَامَ إذَا أَحْرَزَ مَا يُحْمَلُ مِنْ الْمَتَاعِ فَحَرَّقَهُ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ وَهُوَ يُقَاتِلُ أَوْ حَرَّقَهُ عِنْدَ إدْرَاكِ الْمُشْرِكِينَ لَهُ وَخَوَّفَهُ أَنْ يَسْتَنْقِذُوهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ وَبَعْدَمَا قُسِمَ؟ فَقَالَ: كُلُّ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ إنْ أَحْرَقَهُ بِإِذْنِ مَنْ مَعَهُ حَلَّ لَهُ وَلَمْ يَضْمَنْ لَهُمْ سِوَاهُ وَيُعْزَلُ الْخُمُسُ لِأَهْلِهِ فَإِنْ سَلَّمَ بِهِ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ خَاصَّةً وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ بِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَمَتَى حَرَّقَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ضَمِنَهُ لَهُمْ إنْ شَاءُوا وَكَذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنْ حَرَّقَهُ يَضْمَنُ مَا حَرَّقَ مِنْهُ إنْ حَرَّقَهُ بَعْدَ أَنْ يَحُوزَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَمَّا إذَا أَحْرَقَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. [السَّبْيُ يُقْتَلُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إذَا أُسِرَ الْمُشْرِكُونَ فَصَارُوا فِي يَدِ الْإِمَامِ فَفِيهِمْ حُكْمَانِ، أَمَّا الرِّجَالُ الْبَالِغُونَ فَلِلْإِمَامِ إنْ شَاءَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ أَوْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَسَرَتْهُمْ الْعَامَّةُ أَوْ أَحَدٌ أَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِمْ أَوْ وَالٍ هُوَ أَسَرَهُمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ إلَّا عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ تَقْوِيَةِ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَوْهِينِ عَدُوِّهِ وَغَيْظِهِمْ وَقَتْلِهِمْ بِكُلِّ حَالٍ مُبَاحٍ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ يَرَى لَهُ سَبَبًا مِمَّنْ مَنَّ عَلَيْهِ يَرْجُو إسْلَامَهُ أَوْ كَفَّهُ الْمُشْرِكِينَ أَوْ تَخْذِيلَهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ تَرْهِيبَهُمْ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ وَإِنْ فَعَلَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى كُرِهْتُ لَهُ وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُفَادِيَ بِهِمْ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ لَهُ الْمَنُّ بِلَا مُفَادَاةٍ فَالْمُفَادَاةُ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ لَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ أُرِقَّ مِنْهُمْ أَوْ أُخِذَ مِنْهُ فِدْيَةٌ فَهُوَ كَالْمَالِ الَّذِي غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ وَيُخَمَّسُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَدُونَ الْبَالِغِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا أُسِرُوا بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ الْإِسَارُ فَهُمْ كَالْمَتَاعِ الْمَغْنُومِ لَيْسَ لَهُ تَرْكُ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا قَتْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْجُنْدِ إنْ فَعَلَ كَانَ ضَامِنًا لِقِيمَةِ مَا اسْتَهْلَكَ مِنْهُمْ وَأَتْلَفَ. [سِيَرُ الْوَاقِدِيِّ] ِّ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) : قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: أَصْلُ فَرْضِ الْجِهَادِ وَالْحُدُودِ عَلَى الْبَالِغِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْفَرَائِضِ عَلَى البوالغ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ مَوْضِعَيْنِ فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59] فَأَخْبَرَ أَنَّ عَلَيْهِمْ إذَا بَلَغُوا الِاسْتِئْذَانَ فَرْضًا كَمَا كَانَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ الْبَالِغِينَ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] وَكَانَ بُلُوغُ النِّكَاحِ اسْتِكْمَالَ خَمْسَ عَشَرَةَ وَأَقَلَّ فَمَنْ بَلَغَ النِّكَاحَ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشَرَةَ أَوْ قَبْلَهَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْفَرْضُ كُلُّهُ وَالْحُدُودُ وَمَنْ أَبْطَأَ عَنْهُ بُلُوغُ النِّكَاحِ فَالسِّنُّ الَّتِي يَلْزَمُهُ بِهَا الْفَرَائِضُ مِنْ الْحُدُودِ وَغَيْرِهِمَا اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشَرَةَ وَالْأَصْلُ فِيهِ مِنْ السُّنَّةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ الْجِهَادِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً وَأَجَازَهُ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَعَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ طَالِبَانِ لَأَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ مُجَاهِدًا فِي الْحَالَيْنِ فَأَجَازَهُ إذَا بَلَغَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الْفَرَائِضُ وَرَدَّهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْهَا وَفَعَلَ ذَلِكَ مَعَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَغَيْرُهُمْ» فَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ خَمْسَ عَشَرَةَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ قَبْلَهَا فَلَا جِهَادَ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَسَوَاءٌ كَانَ جَسِيمًا شَدِيدًا مُقَارِبًا لَخَمْسَ عَشَرَةَ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِكْمَالِهَا إلَّا يَوْمًا أَوْ ضَعِيفًا مُودِيًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِكْمَالِهَا سَنَةٌ أَوْ سَنَتَانِ لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ عَلَى الْخَلْقِ إلَّا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ فَأَمَّا إدْخَالُ الْغَفْلَةِ مَعَهُمَا فَالْغَفْلَةُ مَرْدُودَةٌ إذَا لَمْ تَكُنْ خِلَافَهُمَا فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ بِخِلَافِهِمَا؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَحَدُّ الْبُلُوغِ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ يُقْتَلُ بَالِغُهُمْ وَيُتْرَكُ غَيْرُ بَالِغِهِمْ أَنْ يُنْبِتُوا الشَّعْرَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ فِي الْحَالِ الَّتِي يُقْتَلُونَ فِيهَا مُدَافِعُونَ لِلْبُلُوغِ لِئَلَّا يُقْتَلُوا وَغَيْرُ مَشْهُودٍ عَلَيْهِمْ فَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الشِّرْكِ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ يَشْهَدُونَ بِالْبُلُوغِ عَلَى مَنْ بَلَغَ فَيُصَدَّقُونَ بِالْبُلُوغِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ مِنْ خَبَرٍ سِوَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فِي حَدِّ الْبُلُوغِ؟ قِيلَ: نَعَمْ كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ قَتَلَ مُقَاتِلَتِهِمْ وَسَبَى ذَرَارِيِّهِمْ فَكَانَ فِي سُنَّتِهِ أَنْ لَا يُقْتَلَ إلَّا رَجُلٌ بَالِغٌ فَمَنْ كَانَ أَنْبَتَ قَتَلَهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَنْبَتَ سَبَاهُ فَإِذَا غَزَا الْبَالِغُ فَحَضَرَ الْقِتَالَ فَسَهْمُهُ ثَابِتٌ وَإِذَا حَضَرَ مَنْ دُونَ الْبُلُوغِ فَلَا سَهْمَ لَهُ فَيُرْضَخُ لَهُ وَلِلْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ يَحْضُرُونَ الْغَنِيمَةَ وَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ وَيُرْضَخُ أَيْضًا لِلْمُشْرِكِ يُقَاتِلُ مَعَهُمْ وَلَا يُسْهَمُ لَهُ. [الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ] ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : الَّذِي رَوَى مَالِكٌ كَمَا رَوَى «رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْرِكًا أَوْ مُشْرِكِينَ فِي غُزَاةِ بَدْرٍ وَأَبَى أَنْ يَسْتَعِينَ إلَّا بِمُسْلِمٍ ثُمَّ اسْتَعَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ فِي غُزَاةِ خَيْبَرَ بِعَدَدٍ مِنْ يَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعِ كَانُوا أَشِدَّاءَ وَاسْتَعَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غُزَاةِ حُنَيْنٍ سَنَةَ ثَمَانٍ بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَهُوَ مُشْرِكٌ» فَالرَّدُّ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ لِأَنَّ لَهُ الْخِيَارُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِمُسْلِمٍ أَوْ يَرُدَّهُ كَمَا يَكُونُ لَهُ رَدُّ الْمُسْلِمِ مِنْ مَعْنَى يَخَافُهُ مِنْهُ أَوْ لِشِدَّةٍ بِهِ فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ مُخَالِفًا لِلْآخَرِ وَإِنْ كَانَ رَدَّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ فَقَدْ نَسَخَهُ مَا بَعْدَهُ مِنْ اسْتِعَانَتِهِ بِمُشْرِكِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا خَرَجُوا طَوْعًا وَيُرْضَخُ لَهُمْ وَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَسْهَمَ لَهُمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ الْعَبِيدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِلَا سَهْمٍ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ وَإِنْ قَاتَلُوا وَالنِّسَاءِ وَإِنْ قَاتَلْنَ لِتَقْصِيرِ هَؤُلَاءِ عَنْ الرَّجُلِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ وَالْإِسْلَامِ وَيُسْهَمُ لِلْمُشْرِكِ وَفِيهِ التَّقْصِيرُ الْأَكْثَرُ مِنْ التَّقْصِيرِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ حَفِظْت عَنْهُ وَإِنْ أُكْرِهَ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَلَى أَنْ يَغْزُوا فَلَهُمْ أَجْرُ مِثْلِهِمْ فِي مِثْلِ مَخْرَجِهِمْ مِنْ أَهْلِهِمْ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ وَإِرْسَالُهُمْ إيَّاهُمْ وَأَحَبُّ إلَيَّ إذَا غَزَا بِهِمْ لَوْ اُسْتُؤْجِرُوا. [الرَّجُلُ يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ كَانَ مُشْرِكًا أَوْ مُسْتَأْمَنًا فِيهِمْ أَوْ أَسِيرًا فِي أَيْدِيهِمْ سَوَاءٌ ذَلِكَ كُلُّهُ فَإِذَا خَرَجَ إلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَمَا غَنِمُوا فَلَا يُسْهَمُ لَهُ وَهَكَذَا مَنْ جَاءَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَدَدًا وَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْحَرْبِ شَيْءٌ شَهِدَهَا هَذَا الْمُسْلِمُ الْخَارِجُ أَوَالْجَيْشُ شَرِكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُحْرَزْ إلَّا بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَارِسًا أُسْهِمَ لَهُ سَهْمُ فَارِسٍ وَإِنْ حَضَرَ رَاجِلًا أُسْهِمَ لَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ فَإِنْ قَاتَلَ التُّجَّارُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أُسْهِمَ لَهُمْ فَرَسَانِ إنْ كَانُوا فُرْسَانًا وَسَهْمُ رِجَالِهِ إنْ كَانُوا رَجَّالَةً. [فِي السَّرِيَّة تَأْخُذ الْعَلَفَ وَالطَّعَامَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْجَيْشِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا دُونَ الْجَيْشِ مِمَّا يَتَمَوَّلُهُ الْعَدُوُّ إلَّا الطَّعَامَ خَاصَّةً وَالطَّعَامُ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَفِي مَعْنَاهُ الشَّرَابُ كُلُّهُ فَمَنْ قَدَرَ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ أَوْ يُشْرِبَهُ وَيَعْلِفَهُ وَيُطْعِمَهُ غَيْرَهُ وَيَسْقِيَهُ وَيَعْلِفَ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَإِذَا بَاعَهُ رَدَّ ثَمَنَهُ فِي الْمَغْنَمِ وَيَأْكُلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَمَا كَانَ حَلَالًا مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ فَلَا مَعْنَى لِلْإِمَامِ فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فِي الرَّجُلِ يُقْرِضُ الرَّجُلَ الطَّعَامَ أَوْ الْعَلَفَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا أَقْرَضَ الرَّجُلُ رَجُلًا طَعَامًا أَوْ عَلَفًا فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ رَدَّهُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ بِلَادِ الْعَدُوِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ فِي أَكْلِهِ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ إنْ فَارَقَ بِلَادَ الْعَدُوِّ فِي أَكْلِهِ وَيَرُدُّهُ الْمُسْتَقْرِضُ عَلَى الْإِمَامِ. [الرَّجُلُ يُخْرِجُ الشَّيْءَ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الْعَلَفِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَنْ فَضَلَ فِي يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَخَرَجَ بِهِ مِنْ دَارِ الْعَدُوِّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا يَأْكُلَهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الْإِمَامِ فَيَكُونُ فِي الْمَغْنَمِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى يَتَفَرَّقَ الْجَيْشُ فَلَا يُخْرِجُهُ مِنْهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ وَلَا بِإِضْعَافِهِ كَمَا لَا يُخْرِجُهُ مِنْ حَقٍّ وَاحِدٍ وَلَا جَمَاعَةَ إلَّا تَأْدِيَتَهُ إلَيْهِمْ فَإِنْ قَالَ: لَا أَجِدُهُمْ فَهُوَ يَجِدُ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ الَّذِي عَلَيْهِ تَفْرِيقُهُ فِيهِمْ وَلَا أَعْرِفُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَجْهًا فَإِنْ كَانَ لَيْسَ لَهُ مَالٌ فَلَيْسَ لَهُ الصَّدَقَةُ بِمَالِ غَيْرِهِ فَإِنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُهُمْ قِيلَ: وَلَكِنْ تَعْرِفُ الْوَالِي الَّذِي يَقُومُ بِهِ عَلَيْهِمْ وَلَوْ لَمْ تَعْرِفْهُمْ وَلَا وَالِيهِمْ مَا أَخْرَجَك فِيمَا بَيْنَك وَبَيْنَ اللَّهِ إلَّا أَدَاءُ قَلِيلِ مَا لَهُمْ وَكَثِيرُهُ عَلَيْهِمْ. [الْحُجَّةُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ أَجَزْت لِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَعْلِفَ مِمَّا أَصَابَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ تَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ بَعْدَ فِرَاقِهِ إيَّاهَا؟ قِيلَ: إنَّ الْغُلُولَ حَرَامٌ وَمَا كَانَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا دُونَ أَحَدٍ حَضَرَهُ فَهُمْ فِيهِ شَرْعٌ سَوَاءٌ عَلَى مَا قُسِمَ لَهُمْ فَلَوْ أَخَذَ إبْرَةً أَوْ خَيْطًا كَانَ مُحَرَّمًا وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمِخْيَطَ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَشَنَارٌ وَنَارٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَكَانَ الطَّعَامُ دَاخِلًا فِي مَعْنَى أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَأَكْثَرُ مِنْ الْخَيْطِ وَالْمِخْيَطِ وَالْفَلْسِ وَالْخَرَزَةِ الَّتِي لَا يَحِلُّ أَخْذُهَا لِأَحَدٍ دُونَ أَحَدٍ فَلَمَّا أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّعَامِ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ كَانَ الْإِذْنُ فِيهِ خَاصًّا خَارِجًا مِنْ الْجُمْلَةِ الَّتِي اسْتَثْنَى فَلَمْ يَجُزْ أَنْ نُجِيزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ إلَّا حَيْثُ أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَكْلِ وَهُوَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ خَاصَّةً فَإِذَا زَايَلَهَا لَمْ يَكُنْ بِأَحَقَّ بِمَا أَخَذَ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا لَا يَكُونُ بِأَحَقَّ بِمِخْيَطٍ لَوْ أَخَذَهُ مَنْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَحَلَّ مِنْ مُحَرَّمٍ فِي مَعْنَى لَا يَحِلُّ إلَّا فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى خَاصَّةً فَإِذَا زَايَلَ ذَلِكَ الْمَعْنَى عَادَ إلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ مَثَلًا الْمَيْتَةُ الْمُحَرَّمَةُ فِي الْأَصْلِ الْمُحَلَّةِ لِلْمُضْطَرِّ فَإِذَا زَايَلَتْ الضَّرُورَةَ عَادَتْ إلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ مَعَ أَنَّهُ يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ بَعْضِ النَّاسِ مِثْلُ مَا قُلْت مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَلَا يَخْرُجُوا بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ فَإِنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ فِي رِجَالِهِ مَنْ يَجْهَلُ وَكَذَلِكَ فِي رِجَالِ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ إحْلَالُهُ مَنْ يُجْهَلُ. [بَيْعُ الطَّعَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا تَبَايَعَ رَجُلَانِ طَعَامًا بِطَعَامٍ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ مُبَاحًا بِمُبَاحٍ فَأَكَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا صَارَ إلَيْهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ فَإِذَا خَرَجَ رَدَّ الْفَضْلَ فَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ طَعَامًا فَيُطْعِمَهُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ كَمَا أَخَذَ فَيَأْكُلَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَايِعَهُ بِهِ. [الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَهُ الطَّعَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا فَضَلَ فِي يَدَيْ رَجُلٍ طَعَامٌ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَدَخَلَ رَجُلٌ لَمْ يُشْرِكْهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ فَبَايَعَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ أَعْطَى مَنْ لَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ وَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ فَإِنْ فَاتَ رَدَّ قِيمَتَهُ إلَى الْإِمَامِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهَا وَلَا إخْرَاجُهَا مِنْ يَدَيْهِ إلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ أَكْلُهَا وَكَانَ كَإِخْرَاجِهِ إيَّاهَا مِنْ بِلَادِ الْعَدُوِّ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَكْلُهَا فِيهِ. [ذَبْحُ بَهَائِمِ الْغَنِيمَة مِنْ أَجْلِ جُلُودِهَا فِي بِلَاد الْعَدُوّ] ذَبْحُ الْبَهَائِمِ مِنْ أَجْلِ جُلُودِهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَأَحَبُّ إلَيَّ إذَا كَانُوا غَيْرَ مُتَفَاوِتِينَ وَلَا خَائِفِينَ مِنْ أَنْ يُدْرَكُوا فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَلَا مُضْطَرِّينَ أَنْ لَا يَذْبَحُوا شَاةً وَلَا بَعِيرًا وَلَا بَقَرَةً إلَّا لِمَأْكَلِهِ وَلَا يَذْبَحُوا لِنَعْلٍ وَلَا شِرَاكٍ وَلَا سِقَاءٍ يَتَّخِذُونَهَا مِنْ جُلُودِهَا وَلَوْ فَعَلُوا كَانَ مِمَّا أَكْرَهُ وَلَمْ أُجِزْ لَهُمْ اتِّخَاذَ شَيْءٍ مِنْ جُلُودِهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَجُلُودُ الْبَهَائِمِ الَّتِي يَمْلِكُهَا الْعَدُوُّ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُمْ فِي الْأَكْلِ مِنْ لُحُومِهَا وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ فِي ادِّخَارِ جُلُودِهَا وَأَسْقِيَتِهَا وَعَلَيْهِمْ رَدُّهُ إلَى الْمَغْنَمِ وَإِذَا كَانَتْ الرُّخْصَةُ فِي الطَّعَامِ خَاصَّةً فَلَا رُخْصَةَ فِي جِلْدِ شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَلَا ظَرْفَ فِيهِ طَعَامٌ لِأَنَّ الظَّرْفَ غَيْرُ الطَّعَامِ وَالْجِلْدَ غَيْرُ اللَّحْمِ فَيُرَدُّ الظَّرْفُ وَالْجِلْدُ وَالْوِكَاءُ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَإِنْ انْتَفَعَ بِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ حَتَّى يَرُدَّهُ وَمَا نَقَصَهُ الِانْتِفَاعُ وَأَجْرُ مِثْلِهِ إنْ كَانَ لِمِثْلِهِ أَجْرٌ. [كُتُبُ الْأَعَاجِمِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَا وُجِدَ مِنْ كُتُبِهِمْ فَهُوَ مَغْنَمٌ كُلُّهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَدْعُوَ مَنْ يُتَرْجِمُهُ فَإِنْ كَانَ عِلْمًا مِنْ طِبٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا مَكْرُوهَ فِيهِ بَاعَهُ كَمَا يَبِيعُ مَا سِوَاهُ مِنْ الْمَغَانِمِ وَإِنْ كَانَ كِتَابَ شِرْكٍ شَقُّوا الْكِتَابَ وَانْتَفَعُوا بِأَوْعِيَتِهِ وَأَدَاتِهِ فَبَاعَهَا وَلَا وَجْهَ لِتَحْرِيقِهِ وَلَا دَفْنِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ مَا هُوَ. [تَوْقِيحُ الدَّوَابِّ مِنْ دُهْنِ الْعَدُوِّ] ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا يُوَقِّحُ الرَّجُلُ دَابَّتَهُ وَلَا يُدْهِنُ أَشَاعِرَهَا مِنْ أَدْهَانِ الْعَدُوِّ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ بِهِ مِنْ الْأَكْلِ وَإِنْ فَعَلَ رَدَّ قِيمَتَهُ. [زُقَاقُ الْخَمْرِ وَالْخَوَابِي] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى بِلَادِ الْحَرْبِ حَتَّى تَصِيرَ دَارَ الْإِسْلَامِ أَوْ ذِمَّةٍ يَجْرِي عَلَيْهَا الْحُكْمُ فَأَصَابُوا فِيهَا خَمْرًا فِي خَوَابٍ أَوْ زُقَاقٍ أهراقوا الْخَمْرَ وَانْتَفَعُوا بِالزُّقَاقِ وَالْخَوَابِي وَطَهَّرُوهَا وَلَمْ يَكْسِرُوهَا لِأَنَّ كَسْرَهَا فَسَادٌ وَإِذَا لَمْ يَظْهَرُوا عَلَيْهَا وَكَانَ ظَفَرُهُمْ بِهَا ظَفَرَ غَارَةٍ لَا ظَفَرَ أَنْ يَجْرِيَ بِهَا حُكْمٌ أهراقوا الْخَمْرَ مِنْ الزُّقَاقِ وَالْخَوَابِي فَإِنْ اسْتَطَاعُوا حَمْلَهَا أَوْ حَمْلَ مَا خَفَّ مِنْهَا حَمَلُوهُ مَغْنَمًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَحْرَقُوهُ وَكَسَرُوهُ إذَا سَارُوا وَإِذَا ظَفِرُوا بِالْكُشُوثِ فِي الْحَالَيْنِ أَيْ الْمُسْلِمُونَ انْتَفَعُوا بِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا ظَهَرُوا عَلَيْهِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَلَيْسَ الْكَشُوثُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمٍ وَإِنْ كَانَ يُطْرَحُ فِي السُّكَّرِ إذَا كَانَ حَلَالًا بِأَوْلَى أَنْ يُحَرَّمَ مِنْ الزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ اللَّذَيْنِ يُعْمَلُ مِنْهُمَا الْمُحَرَّمُ وَلَا يُحَرَّقُ هَذَا وَلَا هَذَا لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُحَرَّمَيْنِ. . [إحْلَالُ مَا يَمْلِكُهُ الْعَدُوُّ] ُّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا دَخَلَ الْقَوْمُ بِلَادَ الْعَدُوِّ فَأَصَابُوا مِنْهَا شَيْئًا سِوَى الطَّعَامِ فَأَصْلُ مَا يُصِيبُونَهُ سِوَى الطَّعَامِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا مَحْظُورٌ أَخْذُهُ غُلُولٌ وَالْآخَرُ مُبَاحٌ لِمَنْ أَخَذَهُ. فَأَصْلُ مَعْرِفَةِ الْمُبَاحِ مِنْهُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَمَا كَانَ فِيهَا مُبَاحًا مِنْ شَجَرٍ لَيْسَ يَمْلِكُهُ الْآدَمِيُّ أَوْ صَيْدٌ مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ فَأَخَذَ مِثْلَهُ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مُبَاحٌ لِمَنْ أَخَذَهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْقَوْسُ يَقْطَعُهَا الرَّجُلُ مِنْ الصَّحْرَاءِ أَوْ الْجَبَلُ وَالْقَدَحُ يَنْحِتُهُ وَمَا شَاءَ مِنْ الْخَشَبِ وَمَا شَاءَ مِنْ الْحِجَارَةِ الْبِرَامِ وَغَيْرِهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ مُحْرَزَةٍ. فَكُلُّ مَا أُصِيبَ مِنْ هَذِهِ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ لِأَنَّ أَصْلَهُ مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَكُلُّ مَا مَلَكَهُ الْقَوْمُ فَأَحْرَزُوهُ فِي مَنَازِلِهِمْ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِثْلُ حَجَرٍ نَقَلُوهُ إلَى مَنَازِلِهِمْ أَوْ عُودٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ صَيْدٍ فَأَخْذُ هَذَا غُلُولٌ. [الْبَازِي الْمُعَلَّمُ وَالصَّيْدُ الْمُقَرَّطُ وَالْمُقَلَّدُ إذَا أُخِذَ مِنْ الْغَنِيمَةِ] الْبَازِي الْمُعَلَّمُ وَالصَّيْدُ الْمُقَرَّطُ وَالْمُقَلَّدُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا أَخَذَ الرَّجُلُ بَازِيًا مُعَلَّمًا فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا مَمْلُوكًا وَيَرُدُّهُ فِي الْغُنْمِ وَهَكَذَا إنْ أَخَذَ صَيْدًا مُقَلَّدًا أَوْ مُقَرَّطًا أَوْ مَوْسُومًا فَكُلُّ هَذَا قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ وَهَكَذَا إنْ وَجَدَ فِي الصَّحْرَاءِ وَتَدًا مَنْحُوتًا أَوْ قَدَحًا مَنْحُوتًا كَانَ النَّحْتُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَيُعَرَّفُ فَإِنْ عَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهُ فَهُوَ مَغْنَمٌ لِأَنَّهُ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ. [فِي الْهِرِّ وَالصَّقْرِ إذَا أَخَذَ فِي الْغَنِيمَة] فِي الْهِرِّ وَالصَّقْرِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَا وَجَدْنَا مِنْ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَهُ ثَمَنٌ مِنْ هِرٍّ أَوْ صَقْرٍ فَهُوَ مَغْنَمٌ وَمَا أُصِيبَ مِنْ الْكِلَابِ فَهُوَ مَغْنَمٌ إنْ أَرَادَهُ أَحَدٌ لِصَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَيْشِ أَحَدٌ يُرِيدُهُ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَبْسُهُ لِأَنَّ مَنْ اقْتَنَاهُ لِغَيْرِ هَذَا كَانَ آثِمًا وَرَأَيْت لِصَاحِبِ الْجَيْشِ أَنْ يُخْرِجَهُ فَيُعْطِيَهُ أَهْلَ الْأَخْمَاسِ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ إنْ أَرَادَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِزَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ قَتَلَهُ أَوْ خَلَّاهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ بَيْعُهُ وَمَا أَصَابَ مِنْ الْخَنَازِيرِ فَإِنْ كَانَتْ تَعْدُو إذَا كَبِرَتْ يَقْتُلُهَا كُلَّهَا وَلَا تَدْخُلُ مَغْنَمًا بِحَالٍ وَلَا تُتْرَكُ وَهُنَّ عَوَادٍ إذَا قَدَرَ عَلَى قَتْلِهَا فَإِنْ عَجَّلَ بِهِ مَسِيرٌ خَلَّاهَا وَلَمْ يَكُنْ تَرْكُ قَتْلِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ تَرْكِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ لَوْ كَانُوا بِإِزَائِهِ. [فِي أَخْذ الْأَدْوِيَةِ فِي بِلَاد الْعَدُوّ] فِي الْأَدْوِيَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : الطَّعَامُ مُبَاحٌ أَنْ يُؤْكَلَ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَكَذَلِكَ الشَّرَابُ وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى مَا يَكُونُ مَأْكُولًا مُغْنِيًا مِنْ جُوعٍ وَعَطَشٍ وَيَكُونُ قُوتًا فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ فَأَمَّا الْأَدْوِيَةُ كُلُّهَا فَلَيْسَتْ مِنْ حِسَابِ الطَّعَامِ الْمَأْذُونِ وَكَذَلِكَ الزَّنْجَبِيلُ وَهُوَ مُرِيبٌ وَغَيْرُ مُرِيبٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ حِسَابِ الْأَدْوِيَةِ وَأَمَّا الْأَلَايَا فَطَعَامٌ يُؤْكَلُ فَمَا كَانَ مِنْ حِسَابِ الطَّعَامِ فَلِصَاحِبِهِ أَكْلُهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بِلَادِ الْعَدُوِّ وَمَا كَانَ مِنْ حِسَابِ الدَّوَاءِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَلَا غَيْرِهَا. [الْحَرْبِيُّ يُسْلِمُ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ] قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ الْحَرْبِيُّ وَثَنِيًّا كَانَ أَوْ كِتَابِيًّا وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ نَكَحَهُنَّ فِي عَقْدَةٍ أَوْ عِقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ دَخَلَ بِهِنَّ كُلِّهِنَّ أَوْ دَخَلَ بِبَعْضِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ أَوْ فِيهِنَّ أُخْتَانِ أَوْ كُلُّهُنَّ غَيْرُ أُخْتٍ لِلْأُخْرَى قِيلَ لَهُ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا أَيَّتُهُنَّ شِئْت لَيْسَ فِي الْأَرْبَعِ أُخْتَانِ تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى نِكَاحِهِ أَيَّةَ كَانَتْ قَبْلُ وَبِهَذَا مَضَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ وَأَحْسَبُهُ ابْنَ عُلَيَّةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ ابْنَ أَبِي الزِّنَادِ يَقُولُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ «نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: أَسْلَمْت وَعِنْدِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمْسِكْ أَرْبَعًا أَيَّتُهُنَّ شِئْت وَفَارِقْ الْأُخْرَى فَعَمَدْت إلَى أَقْدَمِهِنَّ صُحْبَةً عَجُوزٌ عَاقِرٌ مَعِي مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَطَلَّقْتُهَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا فَقَالَ إذَا أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَإِنْ كَانَ نَكَحَهُنَّ فِي عَقْدَةٍ فَارَقَهُنَّ كُلَّهُنَّ وَإِنْ كَانَ نَكَحَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ فِي عِقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِيهِنَّ أُخْتَانِ أَمْسَكَ الْأُولَى وَفَارَقَ الَّتِي نَكَحَ بَعْدَهَا وَإِنْ كَانَ نَكَحَهُنَّ فِي عِقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَمْسَكَ الْأَرْبَعَ الْأَوَائِلَ وَفَارَقَ اللَّوَاتِي بَعْدَهُنَّ وَقَالَ: اُنْظُرْ فِي هَذَا إلَى كُلِّ مَا لَوْ ابْتَدَأَهُ فِي الْإِسْلَامِ جَازَ لَهُ فَأَجْعَلُهُ إذَا ابْتَدَأَهُ فِي الشِّرْكِ جَائِزًا لَهُ وَإِذَا كَانَ إذَا ابْتَدَأَهُ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزْ لَهُ جَعَلْتُهُ إذَا ابْتَدَأَهُ فِي الشِّرْكِ غَيْرَ جَائِزٍ لَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ إلَّا أَصْلَ الْقَوْلِ الَّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ كُنْت مَحْجُوجًا بِهِ قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت: أَرَأَيْت أَهْلَ الْأَوْثَانِ لَوْ ابْتَدَأَ رَجُلٌ نِكَاحًا فِي الْإِسْلَامِ لِوَلِيٍّ مِنْهُمْ وَشُهُودٌ مِنْهُمْ أَيَجُوزُ نِكَاحُهُ؟ قَالَ: لَا قُلْت: أَفَرَأَيْت أَحْسَنَ حَالِ نِكَاحٍ كَانَ لِأَهْلِ الْأَوْثَانِ قَطُّ أَلَيْسَ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ بِوَلِيٍّ مِنْهُمْ وَشُهُودٍ مِنْهُمْ؟ قَالَ: بَلَى قُلْت: فَكَانَ يَلْزَمُك فِي أَصْلِ قَوْلِك أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُنَّ كُلُّهُنَّ بَاطِلًا لِأَنَّ أَحْسَنَ شَيْءٍ كَانَ مِنْهُ عِنْدَك لَا يَجُوزُ فِي الْإِسْلَامِ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يَنْكِحُونَ فِي الْعِدَّةِ وَبِغَيْرِ شُهُودٍ قَالَ: فَقَدْ أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ لَهُمْ نِكَاحَهُمْ قُلْنَا اتِّبَاعًا لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْتَ لَمْ تَتَّبِعْ فِيهِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ فِي نِكَاحِهِنَّ حُكْمًا جَمَعَ أُمُورًا فَكَيْفَ خَالَفْت بَعْضَهَا وَوَافَقْت بَعْضَهَا؟ قَالَ: فَأَيْنَ مَا خَالَفْت مِنْهَا؟ قُلْت: مَوْجُودٌ عَلَى لِسَانِك لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَبَرٌ غَيْرُهُ قَالَ: وَأَيْنَ؟ قُلْت: إذْ زَعَمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَفَا لَهُمْ عَنْ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فِي الشِّرْكِ حَتَّى أَقَامَهُ مَقَامَ الصَّحِيحِ فِي الْإِسْلَامِ فَكَيْفَ لَمْ تُعْفِهِ لَهُمْ فَتَقُولَ بِمَا قُلْنَا قَالَ: وَأَيْنَ عَفَا لَهُمْ عَنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ قُلْت: نِكَاحُ أَهْلِ الْأَوْثَانِ كُلُّهُ قَالَ: فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فَاسِدٌ لَوْ اُبْتُدِئَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ اتَّبَعْت فِيهِ الْخَبَرَ قُلْنَا: فَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الْخَبَرِ أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ فِي الشِّرْكِ كَالْعَقْدِ فِي الْإِسْلَامِ كَيْفَ لَمْ تَقُلْ فِيهِ بِقَوْلِنَا تَزْعُمُ أَنَّ الْعُقُودَ كُلَّهَا فَاسِدَةٌ وَلَكِنَّهَا مَاضِيَةٌ فَهِيَ مَعْفُوَّةٌ وَمَا أَدْرَكَ الْإِسْلَامُ مِنْ النِّسَاءِ وَهُوَ بَاقٍ فَهُوَ غَيْرُ مَعْفُوِّ الْعَدَدِ فِيهِ فَنَقُولُ: أَصْلُ الْعَقْدِ كُلِّهِ فَاسِدٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَغَيْرُ مَعْفُوٍّ عَمَّا زَادَ مِنْ الْعَدَدِ فَأَتْرُكُ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ وَالتَّرْكُ إلَيْك وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ عَلَى هَذَا دَلَالَةً غَيْرَ الْخَبَرِ مِمَّا تُجَامِعُك عَلَيْهِ؟ قُلْت: نَعَمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] إلَى " تُظْلَمُونَ " فَعَفَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا قَبَضُوا مِنْ الرِّبَا فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّهِ وَأَبْطَلَ مَا أَدْرَكَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ مِنْ الرِّبَا مَا لَمْ يَقْبِضُوهُ فَأَمَرَهُمْ بِتَرْكِهِ وَرَدَّهُمْ إلَى رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي كَانَتْ حَلَالًا لَهُمْ فَجَمَعَ حُكْمَ اللَّهِ ثُمَّ حُكْمَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرِّبَا إنْ عَفَا فَاتَ وَأَبْطَلَ مَا أَدْرَكَ الْإِسْلَامُ فَكَذَلِكَ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النِّكَاحِ كَانَتْ الْعُقْدَةُ فِيهِ ثَابِتَةً فَعَفَاهَا وَأَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مُدْرِكَاتٍ فِي الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَعْفُهُنَّ وَأَنْتَ لَمْ تَقُلْ بِأَصْلِ مَا قُلْت وَلَا الْقِيَاسُ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ قَوْلُك خَارِجًا مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَمِنْ الْمَعْقُولِ. قَالَ: أَفَرَأَيْت لَوْ تَرَكْت حَدِيثَ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَحَدِيثَ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ اللَّذَيْنِ فِيهِمَا الْبَيَانُ لِقَوْلِك وَخِلَافُ قَوْلِنَا وَاقْتَصَرْت عَلَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ أَيَكُونُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى قَوْلِك وَخِلَافُ قَوْلِنَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ؟ قَالَ: وَأَيْنَ؟ قُلْت: إذَا كَانُوا مُبْتَدِئِينَ فِي الْإِسْلَامِ لَا يَعْرِفُونَ بِابْتِدَائِهِ حَلَالًا وَلَا حَرَامًا مِنْ نِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ فَعَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يُمْسِكُوا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ دَلَّ الْمَعْقُولُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَمَرَهُمْ أَنْ يُمْسِكُوا الْأَوَائِلَ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يُعْلِمُهُمْ لِأَنَّ كُلًّا نِكَاحٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا ثُمَّ هُوَ أَوْلَى ثُمَّ أَحْرَى مَعَ أَنَّ حَدِيثَ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ثَبَتَ قَاطِعًا لِمَوْضِعِ الِاحْتِجَاجِ وَالشُّبْهَةِ. [الْحَرْبِيُّ يُصَدِّقُ امْرَأَتَهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَأَصْلُ نِكَاحِ الْحَرْبِيِّ كُلِّهِ فَاسِدٌ سَوَاءٌ كَانَ بِشُهُودٍ أَوْ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَلَوْ تَزَوَّجَ الْحَرْبِيُّ حَرْبِيَّةً عَلَى حَرَامٍ مِنْ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرٌ وَلَوْ أَسْلَمَا وَلَمْ تَقْبِضْهُ كَانَ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ أَوْ مُكَاتَبٍ لِمُسْلِمٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ لِمُسْلِمٍ أَوْ عَبْدٍ لِمُسْلِمٍ ثُمَّ أَسْلَمَا وَقَدْ قَبَضَتْ أَوْ لَمْ تَقْبِضْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سَبِيلٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَ الْحُرُّ حُرًّا وَمَنْ بَقِيَ مَمْلُوكًا لِمَالِكِهِ الْأَوَّلِ وَالْمُكَاتَبُ مُكَاتَبٌ لِمَالِكِهِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فِي هَذَا كُلِّهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ. [كَرَاهِيَةُ نِكَاح نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْحَرْبِيَّاتِ] كَرَاهِيَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْحَرْبِيَّاتِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَحَلَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَحَلَّ طَعَامَهُمْ فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ إلَى أَنَّ طَعَامَهُمْ ذَبَائِحُهُمْ فَكَانَ هَذَا عَلَى الْكِتَابِيِّينَ مُحَارَبِينَ كَانُوا أَوْ ذِمَّةً لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِمْ قَصْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ حَلَالٌ لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْحَرْبِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مُسْتَأْمَنٌ غَيْرُ كِتَابِيٍّ وَكَانَ عِنْدَنَا ذِمَّةٌ مَجُوسٌ فَلَمْ تُحَلَّلْ نِسَاؤُهُمْ إنَّمَا رَأَيْنَا الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ فِيهِمْ عَلَى أَنْ يَكُنَّ كِتَابِيَّاتٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَيَحْلُلْنَ وَلَوْ كُنَّ يَحْلُلْنَ فِي الصُّلْحِ وَالذِّمَّةِ وَيَحْرُمْنَ مِنْ الْمُحَارَبَةِ حَلَّ الْمَجُوسِيَّاتُ وَالْوَثَنِيَّاتُ إذَا كُنَّ مُسْتَأْمَنَاتٍ غَيْرَ أَنَّا نَخْتَارُ لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يَنْكِحَ حَرْبِيَّةً خَوْفًا عَلَى وَلَدِهِ أَنْ يُسْتَرَقَّ وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ لَوْ كَانَتْ مُسْلِمَةً بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَنْ يَنْكِحَهَا خَوْفًا عَلَى وَلَدِهِ أَنْ يَسْتَرِقُوا أَوْ يُفْتَنُوا فَأَمَّا تَحْرِيمُ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ غَصَبَهُ أَوْ لَمْ يَغْصِبْهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: رَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ مُرْسَلًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» وَكَانَ مَعْنَى ذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ يَجُوزُ لَهُ مِلْكُهُ فَهُوَ لَهُ. وَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ جَائِزًا لِلْمُسْلِمِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَسْلَمَ عَلَيْهِ مِمَّا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ لَا ذِمَّةَ لَهُ فَإِنْ غَصَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَالًا أَوْ اسْتَرَقَّ مِنْهُمْ حُرًّا فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ مَوْقُوفًا حَتَّى أَسْلَمَ عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُ. وَكَذَلِكَ مَا أَصَابَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَأَسْلَمَ عَلَيْهَا فَهِيَ لَهُ، وَهُوَ إذَا أَسْلَمَ وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَالْمُسْلِمِينَ يوجفون عَلَى أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فَيَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَسْبُوهُمْ فَيَسْتَرِقُّوهُمْ وَيَغْنَمُوا أَمْوَالَهُمْ فيتمولونها إلَّا أَنَّهُ لَا خُمُسَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَخَذَهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَهُوَ لَهُ كُلُّهُ وَمَنْ أَخَذَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مَالًا فَأَحْرَزَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَسْلَمَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فِي يَدَيْ مَنْ أَخَذَهُ كَانَ عَلَيْهِمْ رَدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ بِلَا قِيمَةٍ قَبْلَ الْقَسْمِ وَبَعْدَهُ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَكَذَلِكَ دَلَّتْ السُّنَّةُ وَكَذَلِكَ يَدُلُّ الْعَقْلُ وَالْإِجْمَاعُ فِي مَوْضِعٍ وَإِنْ تَفَرَّقَ فِي آخَرَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْرَثَ الْمُسْلِمِينَ أَمْوَالَهُمْ وَدِيَارَهُمْ فَجَعَلَهَا غُنْمًا لَهُمْ وَخَوَلًا لِإِعْزَازِ أَهْلِ دِينِهِ وَإِذْلَالِ مَنْ حَارَبَهُ سِوَى أَهْلِ دِينِهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ إذَا قَدَرُوا عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ تَخَوَّلُوهُمْ وَتَمَوَّلُوا أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ يَكُونُ أَهْلُ الْحَرْبِ يَحُوزُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا فَيَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَتَخَوَّلُوهُ أَبَدًا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ السُّنَّةُ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى مَا ذَكَرْت؟ قِيلَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَسَرُوا امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَحْرَزُوا نَاقَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْفَلَتَتْ الْأَنْصَارِيَّةُ مِنْ الْإِسَارِ فَرَكِبَتْ نَاقَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرَادَتْ نَحْرَهَا حِينَ وَرَدَتْ الْمَدِينَةَ وَقَالَتْ: إنِّي نَذَرْت لَئِنْ أَنْجَانِي اللَّهُ عَلَيْهَا لَأَنْحَرَنَّهَا فَمَنَعُوهَا حَتَّى يَذْكُرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوهُ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَأَخَذَ نَاقَتَهُ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَلَوْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ إذَا أَحْرَزُوا شَيْئًا كَانَ لَهُمْ لَا يَنْفِي أَنْ تَكُونَ النَّاقَةُ إلَّا لِلْأَنْصَارِيَّةِ كُلُّهَا لِأَنَّهَا أَحْرَزَتْهَا عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَوْ يَكُونُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا وَتَكُونُ مَخْمُوسَةً وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرَ لَهَا مِنْهَا شَيْئًا وَكَانَ يَرَاهَا عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُخَالِفُ فِي أَنَّ الْمُشْرِكِينَ إذَا أَحْرَزُوا عَبْدًا لِرَجُلٍ أَوْ مَالًا لَهُ فَأَدْرَكَهُ قَدْ أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَقَاسِمِ أَنْ يَكُونَ لَهُ بِلَا قِيمَةٍ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَمَا يَقَعُ فِي الْمَقَاسِمِ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ مِثْلَ مَا قُلْت هُوَ أَحَقُّ بِهِ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعَوِّضَ مَنْ صَارَ فِي سَهْمِهِ مِثْلَ قِيمَتِهِ مِنْ خُمُسُ الْخُمْسِ وَهُوَ سَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْقَوْلُ يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ. ثُمَّ قَالَ غَيْرُنَا: يَكُونُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ أَحَقَّ بِهِ إنْ شَاءَ بِالْقِيمَةِ وَقَالَ غَيْرُهُمْ: لَا سَبِيلَ إلَيْهِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لِمَالِكِهِ بَعْدَ إحْرَازِ الْعَدُوِّ لَهُ وَإِحْرَازِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْعَدُوِّ لَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَسْمِ، وَإِذَا كَانُوا لَوْ أَحْرَزَهُ مُسْلِمُونَ مُتَأَوِّلِينَ أَوْ غَيْرَ مُتَأَوِّلِينَ فَقَدَرُوا عَلَيْهِ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ رَدُّوهُ عَلَى صَاحِبِهِ كَانَ الْمُشْرِكُونَ، أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ أَوْلَى بِهِمْ وَمَا يَعْدُوا الْحَدِيثَ لَوْ كَانَ ثَابِتًا أَنْ يَكُونَ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ فَيَكُونَ عَامًّا فَيَكُونُ مَالُ الْمُسْلِمِ وَالْمُشْرِكِ سَوَاءٌ إذَا أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ فَمَنْ قَالَ هَذَا لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ لَوْ أَسْلَمُوا عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَرِقُّوهُ أَوْ يَكُونَ خَاصًّا فَيَكُونَ كَمَا قُلْنَا بِالدَّلَائِلِ الَّتِي وَصَفْنَا وَلَوْ كَانَ إحْرَازُ الْمُشْرِكِينَ لِمَا أَحْرَزُوا مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ يَصِيرُ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُمْ لَوْ أَسْلَمُوا عَلَيْهِ مَا جَازَ إذَا مَا أَحْرَزَ الْمُسْلِمُونَ مَا أَحْرَزَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَأْخُذَهُ مَالِكُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِقِيمَةٍ وَلَا بِغَيْرِ قِيمَةٍ قَبْلَ الْقَسْمِ وَلَا بَعْدَهُ وَكَمَا لَا يَجُوزُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدًا لَهُ أَبَقَ وَفَرَسًا لَهُ عَارٍ فَأَحْرَزَهُ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَحْرَزَهُ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عَلَيْهِ بِلَا قِيمَةٍ. فَلَوْ أَحْرَزَ الْمُشْرِكُونَ امْرَأَةَ رَجُلٍ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ جَارِيَةً غَيْرَ مُدَبَّرَةٍ فَلَمْ يَصِلْ إلَى أَخْذِهَا وَوَصَلَ إلَى وَطْئِهَا لَمْ يُحْرَمْ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ لِأَنَّهُنَّ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ وَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ لَا يَطَأَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً خَوْفَ الْوَلَدِ أَنْ يُسْتَرَقَّ وَكَرَاهِيَةَ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي بُضْعِهَا غَيْرُهُ. [الْمُسْلِمُ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ فَيَجِدُ امْرَأَتَهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا دَخَلَ رَجُلٌ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ أَوْ امْرَأَةَ غَيْرِهِ أَوْ مَالَهُ أَوْ مَالَ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَهْلَ الذِّمَّةِ مِمَّا غَصَبَهُ الْمُشْرِكُونَ كَانَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِلْعَدُوِّ وَلَوْ أَسْلَمُوا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فَلَيْسَ بِخِيَانَةٍ كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى مُسْلِمٍ غَصَبَ شَيْئًا فَأَخَذَهُ بِلَا عِلْمِ الْمُسْلِمِ فَأَدَّاهُ إلَى صَاحِبِهِ لَمْ يَكُنْ خَانَ إنَّمَا الْخِيَانَةُ أَخَذَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ وَلَكِنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْهُمْ فِي أَمَانٍ فَهُمْ مِنْهُ فِي مِثْلِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ فِي أَمَانِهِمْ إلَّا مَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ الْمَالَ مَمْنُوعٌ بِوُجُوهٍ أَوَّلُهَا إسْلَامُ صَاحِبِهِ وَالثَّانِي مَالُ مَنْ لَهُ ذِمَّةٌ وَالثَّالِثُ مَالُ مَنْ لَهُ أَمَانٌ إلَى مُدَّةِ أَمَانِهِ وَهُوَ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا يُمْنَعُ مِنْ مَالِهِ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ. [الذِّمِّيَّةُ تُسْلِمُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ] ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا أَسْلَمَتْ الذِّمِّيَّةُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ حَامِلًا كَانَتْ لَهَا النَّفَقَةُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فَلَهَا أَجْرُ الرَّضَاعِ وَهِيَ كَالْمَبْتُوتَةِ الْمُسْلِمَةِ الْحَامِلِ أَوْ أَوْلَى بِالنَّفَقَةِ مِنْهَا وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَدٌ فَأَيُّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الْوَلَدِ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِ يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا مَاتَ وَيُورَثُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَيَرِثُهُ الْمُسْلِمُ وَإِنْ كَانَ الْأَبَوَانِ مَمْلُوكَيْنِ لِمُشْرِكٍ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا تَبِعَ الْمُسْلِمَ الْوَلَدَانِ اللَّذَانِ لَمْ يَبْلُغُوا لِأَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ عِنْدِي إلَّا هَذَا الْقَوْلُ مَا كَانَ الْأَوْلَادُ صِغَارًا وَكَانُوا تَبَعًا لِغَيْرِهِمْ لَا يُشْرَكُ دِينُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ فِي دِينٍ إلَّا كَانَ الْإِسْلَامُ أَوْلَى بِهِ أَوْ قَوْلُ ثَانٍ أَنَّهُمْ إذَا وُلِدُوا عَلَى الشِّرْكِ كَانُوا عَلَيْهِ حَتَّى يُعْرِبُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَلَوْ أَسْلَمَ أَبُوهُمْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُكْمَ مُسْلِمٍ وَلَسْت أَقُولُ هَذَا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ الْوَلَدُ لِلْأَبِ حَظُّ الْأُمِّ مِنْهُ وَلَوْ اتَّبَعَ الْأُمَّ دُونَ الْأَبِ كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ وَالرِّقِّ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَغْلَطَ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يُقَالَ هُوَ لِلْأَبِ وَإِنْ كَانَ الدِّينُ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى الرِّقِّ وَلَكِنَّهُ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْإِسْلَامَ إذَا شَارَكَ غَيْرَهُ فِي الدِّينِ وَالْمِلْكِ كَانَ الْإِسْلَامُ أَوْلَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ النَّصْرَانِيَّةِ تُسْلِمُ بَعْدَمَا يَدْخُلُ بِهَا زَوْجُهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فِي النَّصْرَانِيَّةِ تَكُونُ عِنْدَ النَّصْرَانِيِّ فَتُسْلِمُ بَعْدَمَا يَدْخُلُ بِهَا: لَهَا الْمَهْرُ فَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ وَإِلَّا أَخَذَتْهُ بَعْدَ إسْلَامِهَا أَسْلَمَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا حَتَّى أَسْلَمَتْ قَبَضَتْ مِنْهُ مَهْرًا أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ فَسَوَاءٌ وَلَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ كَانَ أَحَقَّ بِهَا أَوْ لَا يَكُونُ لَهَا شَيْءٌ لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا فَإِذَا كَانَ هَذَا فَعَلَيْهَا رَدُّ شَيْءٍ إنْ كَانَتْ أَخَذَتْهُ لَهُ كَمَا لَوْ أَخَذَتْ مِنْهُ شَيْئًا عِوَضًا مِنْ شَيْءٍ كَالثَّمَنِ لِلسِّلْعَةِ فَفَاتَتْ السِّلْعَةُ كَانَ عَلَيْهَا رَدُّ الثَّمَنِ فَأَمَّا مَالَهَا مَا أَخَذَتْ وَلَا تَأْخُذُ شَيْئًا إنْ لَمْ تَكُنْ أَخَذَتْ فَلَا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ الْعِلْمِ شَيْئًا. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا كَانَتْ النَّصْرَانِيَّةُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ فَطَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ جُبِرَتْ عَلَى الْغُسْلِ مِنْهَا فَإِنْ امْتَنَعَتْ أُدِّبَتْ حَتَّى تَفْعَلَ لِأَنَّهَا تَمْنَعُهُ الْجِمَاعَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّهُ حَتَّى يَطْهُرْنَ مِنْ الْحَيْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] يَعْنِي بِالْمَاءِ {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] فَلَمَّا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ زَوْجَتَهُ إلَّا بِأَنْ تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضَةِ وَتَطْهُرَ بِالْمَاءِ فَيَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَعْنَيَانِ كَانَ بَيِّنًا أَنْ نُجْبَرَ النَّصْرَانِيَّةُ عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضَةِ لِئَلَّا يُمْنَعَ الْجِمَاعَ فَأَمَّا الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا جُنُبًا فَتُؤْمَرُ بِهِ كَمَا تُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ مِنْ الْوَسَخِ وَالدُّخَانِ وَمَا غَيَّرَ رِيحَهَا وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ تُضْرَبَ عَلَيْهِ لَوْ امْتَنَعَتْ مِنْهُ لِأَنَّهُ غُسْلُ تَنْظِيفٍ لَهَا. [نِكَاحُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَحَلَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَرَائِرَ الْمُؤْمِنَاتِ وَاسْتَثْنَى فِي إمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ أَنْ يُحَلِّلَهُنَّ بِأَنْ يَجْمَعَ نَاكِحُهُنَّ أَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَأَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ فِي تَرْكِ نِكَاحِهِنَّ فَزَعَمْنَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ حَتَّى يَجْمَعَ نَاكِحُهَا الشَّرْطَيْنِ اللَّذَيْنِ أَبَاحَ اللَّهُ نِكَاحَهَا بِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ مَا نَذْهَبُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الشَّيْءُ مُبَاحًا بِشَرْطِ أَنْ يُبَاحَ بِهِ فَلَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَيِّتَةِ تُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ وَلَا تُبَاحُ لِغَيْرِهِ وَفِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ يُبَاحُ لِمَنْ لَبِسَهُمَا كَامِلَ الطَّهَارَةِ مَا لَمْ يُحْدِثْ وَلَا يُبَاحُ لِغَيْرِهِ وَفِي صَلَاةِ الْخَوْفِ يُبَاحُ لِلْخَائِفِ أَنْ يُخَالِفَ بِهَا الصَّلَوَاتِ مِنْ غَيْرِ الْخَوْفِ وَلَا تُبَاحُ لِغَيْرِهِ وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] فَأَطْلَقَ التَّحْرِيمُ تَحْرِيمًا بِأَمْرٍ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الشِّرْكِ قَالَ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْهُنَّ الْحَرَائِرُ فَأَطْلَقْنَا مَنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ إحْلَالَهُ وَهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْحَرَائِرُ غَيْرُ الْإِمَاءِ كَمَا قُلْنَا لَا يَحِلُّ نِكَاحُ مُشْرِكَةٍ غَيْرِ كِتَابِيَّةٍ وَقَالَ غَيْرُنَا كَذَلِكَ كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ وَغَيْرُ حُرَّةٍ حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ حُرَّةً كِتَابِيَّةً فَإِذَا كَانَ نِكَاحُ إمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مَمْنُوعًا إلَّا بِشَرْطَيْنِ كَانَ فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ غَيْرِ إمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ الدَّلَالَةِ الْأُولَى فَإِمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ مُحَرَّمَاتٌ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي دَلَالَةِ الْقُرْآنِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [إيلَاءُ النَّصْرَانِيِّ وَظِهَارُهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا آلَى النَّصْرَانِيُّ مِنْ امْرَأَتِهِ فَتَحَاكَمَا إلَيْنَا بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَكَمْنَا عَلَيْهِ حُكْمَنَا عَلَى الْمُسْلِمِ فِي أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَنَأْمُرُهُ إذَا فَاءَ بِالْكَفَّارَةِ وَلَا نُجْبِرُهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالشِّرْكِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْبُولٍ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ فَإِذَا تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَرَافَعَتْهُ وَرَضِيَا بِالْحُكْمِ فَلَيْسَ فِي الظِّهَارِ طَلَاقٌ فَنَحْكُمُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا فِيهِ كَفَّارَةٌ فَنَأْمُرُهُ بِهَا وَلَا نُجْبِرُهُ عَلَيْهَا كَمَا قُلْنَا فِي يَمِينِ الْإِيلَاءِ. [فِي النَّصْرَانِيِّ يَقْذِفُ امْرَأَتَهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا قَذَفَ النَّصْرَانِيُّ امْرَأَتَهُ فَرَافَعَتْهُ وَرَضِيَا بِالْحُكْمِ لَاعَنَّا بَيْنَهُمَا وَفَرَّقْنَا وَنَفَيْنَا الْوَلَدَ كَمَا نَصْنَعُ بِالْمُسْلِمِ وَلَوْ فَعَلَ وَتَرَافَعَا فَأَبَى أَنْ يَلْتَعِنَ عَزَّرْنَاهُ وَلَمْ نَحُدَّهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ قَذَفَ نَصْرَانِيَّةً حَدٌّ وَأَقْرَرْنَاهَا مَعَهُ لِأَنَّا لَا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالْتِعَانِهِ. [فِيمَنْ يَقَعُ عَلَى جَارِيَةٍ مِنْ الْمَغْنَمِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا وَقَعَ الرَّجُلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ شَهِدَ الْحَرْبَ عَلَى جَارِيَةٍ مِنْ الرَّقِيقِ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ أُخِذَ مِنْهُ عُقْرُهَا وَرُدَّتْ إلَى الْمَغْنَمِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَهَالَةِ نُهِيَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عُزِّرَ وَلَا حَدَّ مِنْ قِبَلِ الشُّبْهَةِ فِي أَنَّهُ يَمْلِكُ مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ أَحْصَى الْمَغْنَمَ فَعَرَفَ قَدْرَ مِلْكِهِ مِنْهَا مَعَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْمَغْنَمِ وَقَعَ عَنْهُ مِنْ الْمَهْرِ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ حَمَلَتْ فَهَكَذَا وَتَقُومُ عَلَيْهِ وَتَكُونُ أُمَّ وَلَدِهِ وَإِذَا كَانَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ فَلَا مَهْرَ فِيهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَالْبَغِيُّ هِيَ الَّتِي تُمَكِّنُ مِنْ نَفْسِهَا فَتَكُونُ وَاَلَّذِي زَنَى بِهَا زَانِيَيْنِ مَحْدُودَيْنِ فَإِذَا كَانَتْ مَغْصُوبَةً فَهِيَ غَيْرُ زَانِيَةٍ مَحْدُودَةٍ فَلَهَا الْمَهْرُ وَعَلَى الزَّانِي بِهَا الْحَدُّ. [الْمُسْلِمُونَ يوجفون عَلَى الْعَدُوِّ فَيُصِيبُونَ سَبْيًا فِيهِمْ قَرَابَةٌ] ٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْعَدُوِّ فَكَانَ فِيهِمْ وَلَدٌ لِمُسْلِمٍ مَمْلُوكٍ لِلْعَدُوِّ أَوْ كَانَ فِيهِمْ وَلَدٌ لِمُسْلِمٍ لَمْ يَزَلْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَقَدْ شَهِدَ ابْنِهِ الْحَرْبَ فَصَارَ لَهُ الْحَظُّ فِي أَبِيهِ أَوْ ابْنُهُ مِنْهُمْ لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَيْهِ حَتَّى يَقْسِمُوا فَإِذَا صَارَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فِي حَظِّهِ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْتِقُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَنْتَ تَقُولُ إذَا مَلَكَ أَبَاهُ أَوْ وَلَدَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا أَقُولُ ذَلِكَ إذَا اُجْتُلِبَ هُوَ فِي مِلْكِهِ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ أَوْ يَتَّهِبَهُ أَوْ يَزْعُمَ أَنَّهُ وُهِبَ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ لَمْ أَعْتِقْهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبَلَهُ وَكَانَ لَهُ رَدُّ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ فَهُوَ إذَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ فَلَهُ تَرْكُ حَقِّهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَا يُعْتَقُ حَتَّى يَصِيرَ فِي مِلْكِهِ بِقِسْمٍ أَوْ شِرَاءٍ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْجَارِيَةَ يَطَؤُهَا وَلَهُ فِيهَا حَقٌّ مِنْ قِبَلِ أَنَّا نَدْرَأُ الْحَدَّ بِالشُّبْهَةِ وَلَا نُثْبِتُ الْمِلْكَ بِالشُّبْهَةِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الْمَرْأَةُ تُسْبَى مَعَ زَوْجِهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ حُكْمَيْنِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَاَللَّائِي سُبِينَ فَاسْتُؤْمِنَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَقَسَّمَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَهَى مَنْ صِرْنَ إلَيْهِ أَنْ يَطَأَ حَائِلًا حَتَّى تَحِيضَ أَوْ حَامِلًا حَتَّى تَضَعَ وَذَلِكَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ بِالسَّبَاءِ نَفْسِهِ انْقِطَاعَ الْعِصْمَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِوَطْءِ ذَاتِ زَوْجٍ بَعْدَ حَيْضَةٍ إلَّا وَذَلِكَ قَطْعُ الْعِصْمَةِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ اللَّاتِي مَلَكْتُمُوهُنَّ بِالسَّبْيِ وَلَمْ يَكُنْ اسْتِيمَاؤُهُنَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنْ قَطْعِ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ وَسَوَاءٌ أُسِرْنَ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ أَوْ قَبْلَ أَزْوَاجِهِنَّ أَوْ بَعْدَ أَوْ كُنَّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ لَا تَقَعُ الْعِصْمَةُ إلَّا مَا كَانَ بِالسِّبَاءِ الَّذِي كُنَّ بِهِ مُسْتَأْمَيَاتٍ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَقَدْ سَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِجَالًا مِنْ هَوَازِنَ فَمَا عَلِمْنَاهُ سَأَلَ عَنْ أَزْوَاجِ الْمَسْبِيَّاتِ أُسْبُوا مَعَهُنَّ أَوْ قَبْلَهُنَّ أَوْ بَعْدَهُنَّ أَوْ لَمْ يُسْبَوْا وَلَوْ كَانَ فِي أَزْوَاجِهِنَّ مَعْنًى يُسْأَلُ عَنْهُنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ خَلَّاهُنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ اسْتَحَلُّوا شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِمْ فَلَا حُجَّةَ بِالْمُشْرِكِ وَإِنْ كَانُوا أَسْلَمُوا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُنَّ يَرْجِعْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَبَاحَهُنَّ لِمَالِكِيهِنَّ وَهُوَ لَا يُبِيحُهُنَّ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ عَلَيْهِنَّ وَلَا يُبِيحُهُنَّ إلَّا بَعْدَ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ وَإِذَا انْقَطَعَ النِّكَاحُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ قَبْلَ زَوْجِهَا وَالزَّوْجُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اللَّائِي أَسْلَمْنَ وَلَمْ يُسْبَيْنَ قَبْلَ أَزْوَاجِهِنَّ وَبَعْدَهُمْ سُنَّةً وَاحِدَةً وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَسْلَمَا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَاهِرٌ عَلَيْهِ وَمَكَّةُ دَارُ كُفْرٍ وَبِهَا أَزْوَاجُهُمَا وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ أَمَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِمًا وَهِنْدُ بِنْت عُتْبَةَ مُشْرِكَةً فَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَتْ: اُقْتُلُوا هَذَا الشَّيْخَ الضَّالَّ وَأَقَامَتْ عَلَى الشِّرْكِ حَتَّى أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ بِأَيَّامٍ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النِّكَاحِ وَذَلِكَ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ وَصَارَتْ مَكَّةُ دَارَ الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمَتْ امْرَأَةُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَأَقَامَتَا بِمَكَّةَ مُسْلِمَتَيْنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهَرَبَ زَوْجَاهُمَا مُشْرِكَيْنِ نَاحِيَةَ الْيَمَنِ إلَى دَارِ الشِّرْكِ ثُمَّ رَجَعَا فَأَسْلَمَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَلَمْ يُسْلِمْ صَفْوَانُ حَتَّى شَهِدَ حُنَيْنًا كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَأَقَرَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نِكَاحِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ عِدَّتَهُمَا لَمْ تَنْقَضِ وَفِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ تُسْلِمُ قَبْلَ الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ يُسْلِمُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فَزَعَمَ فِي الْمَرْأَةِ تُسْلِمُ قَبْلَ الرَّجُلِ مَا زَعَمْنَا وَزَعَمَ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ خِلَافَ مَا زَعَمْنَا وَأَنَّهَا تَبِينُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَتَقَارَبَ إسْلَامُهُ وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْقِيَاسِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ قَبْلَ الرَّجُلِ قَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَحِلُّ لِمُشْرِكٍ بِحَالٍ وَالْمَرْأَةُ الْمُشْرِكَةُ قَدْ تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ بِحَالٍ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ كِتَابِيَّةً فَشَدَّدَ فِي الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُهَوِّنَ فِيهِ وَهَوَّنَ فِي الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُشَدِّدَ فِيهِ لَوْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قَالَ رَجُلٌ: مَا السُّنَّةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَا قُلْت دُونَ مَا قَالَ؟ فَمَا وَصَفْنَا قَبْلَ هَذَا وَإِنْ قَالَ فَمَا الْكِتَابُ؟ قِيلَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] فَلَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الدِّينَيْنِ يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ سَاعَةَ اخْتَلَفَا أَوْ يَكُونَ يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافُ الدِّينَيْنِ وَالثُّبُوتُ عَلَى الِاخْتِلَافِ إلَى مُدَّةٍ وَالْمُدَّةُ لَا تَجُوزُ إلَّا بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ دَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا وَصَفْنَا وَجَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ قَبْلَ زَوْجِهَا وَالْمُسْلِمِ قَبْلَ امْرَأَتِهِ فَحَكَمَ فِيهِمَا حُكْمًا وَاحِدًا فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا؟ وَجَمَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَهُمَا فَقَالَ {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] فَهِيَ كَالْآيَةِ قَبْلَهَا لَا تَعْدُو أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ سَاعَةَ يُسْلِمُ قَبْلَ امْرَأَتِهِ تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَهِيَ كَافِرَةٌ أَوْ لَا تَكُونَ الْعِصْمَةُ تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا إلَّا إلَى مُدَّةٍ فَقَدْ دَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُدَّةِ وَقَوْلُ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ لَا قَطْعَ لِلْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالْإِسْلَامِ حِينَ كَانَ مُتَأَوِّلًا فَكَانَ وَإِنْ خَالَفَ قَوْلُهُ السُّنَّةَ قَدْ ذَهَبَ إلَى مَا تَأَوَّلَ وَلَا جَعَلَ لَهُمَا الْمُدَّةَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا السُّنَّةُ بَلْ خَرَجَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَأَحْدَثَ مُدَّةً لَا يَعْرِفُهَا آدَمِيٌّ فِي الْأَرْضِ فَقَالَ: إذَا تَقَارَبَ فَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَقُولَ إذَا تَقَارَبَ قَالَ إنْسَانٌ: التَّقَارُبُ بِقَدْرِ النَّفْسِ أَوْ قَدْرِ السَّاعَةِ أَوْ قَدْرِ بَعْضِ الْيَوْمِ أَوْ قَدْرِ السُّنَّةِ؟ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ قَرِيبٌ وَإِنَّمَا يَحُدُّ مِثْلَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا أَنْ يَحُدَّ هَذَا بِالرَّأْيِ وَالْغَفْلَةِ فَهَذَا مَا لَا يَجُوزُ مَعَ الرَّأْيِ وَالْيَقَظَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْحَرْبِيُّ يَخْرُجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَنْكِحْ أُخْتَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ امْرَأَتِهِ وَلَمْ تُسْلِمْ فَتَبِينَ مِنْهُ فَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا أَوْ أَرْبَعٍ سِوَاهَا. [مَنْ قُوتِلَ مِنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَمَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ الرِّقُّ] ُّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا قُوتِلَ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ الْعَجَمِ جَرَى السِّبَاءُ عَلَى ذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمْ لَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ وَإِذَا قُوتِلُوا وَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ فَقَدْ سَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ وَقَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ وَأَجْرَى عَلَيْهِمْ الرِّقَّ حَتَّى مَنَّ عَلَيْهِمْ بَعْدُ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَطْلَقَ بَنِي هَوَازِنَ قَالَ لَوْ كَانَ تَامًّا عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ سُبِيَ تَمَّ عَلَى هَؤُلَاءِ وَلَكِنَّهُ إسَارٌ وَفِدَاءٌ فَمَنْ أَثْبَتَ هَذَا الْحَدِيثَ عَمَّ أَنَّ الرِّقَّ لَا يَجْرِي عَلَى عَرَبِيٍّ بِحَالٍ وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيِّ وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ (قَالَ وَالشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: لَا يُسْتَرَقُّ عَرَبِيٌّ (قَالَ الرَّبِيعُ) : قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْلَا أَنَّا نَأْثَمُ بِالتَّمَنِّي لَتَمَنَّيْنَا أَنْ يَكُونَ هَذَا هَكَذَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَوْلَى يَنْكِحُ الْأَمَةَ يُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ وَفِي الْعَرَبِيِّ يَنْكِحُهَا لَا يُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ (قَالَ الرَّبِيعُ) : رَأَى الشَّافِعِيُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ وَوَلَدُهُمْ رَقِيقٌ مِمَّنْ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْعَرَبَ وَالْعَجَمِ سَوَاءٌ وَأَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِمْ الرِّقُّ حَيْثُ جَرَى عَلَى الْعَجَمِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فِي الْحَرْبِيِّ يَخْرُجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْتَأْمَنًا وَامْرَأَتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى دِينِهِ: لَا تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا الْعِصْمَةُ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا الْعِصْمَةُ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ أَمَّا وَالدِّينُ وَاحِدٌ فَلَا تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا الْعِصْمَةُ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا أُسِرَ وَامْرَأَتُهُ أَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا وَامْرَأَتُهُ أَوْ أَسْلَمَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ وَلَمْ تَقْدِرْ امْرَأَتُهُ أَتَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَهُمَا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ؟ لَا تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ إلَّا بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَيُّ الزَّوْجَيْنِ أَسْلَمَ فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الْآخَرُ مِنْهُمَا فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَإِذَا طَلَّقَ النَّصْرَانِيُّ الذِّمِّيُّ امْرَأَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ حَرْبِيًّا مِنْ قِبَلِ أَنَّا إذَا أَثْبَتِنَا لَهُ عَقْدَ النِّكَاحِ فَجَعَلْنَا حُكْمَهُ فِيهِ كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ لَزِمَنَا أَنْ نَجْعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ الْمُسْلِمِ فِيمَا يَفْسَخُ عَقْدَ النِّكَاحِ وَفَسْخُ عَقْدِ النِّكَاحِ التَّحْرِيمُ بِالطَّلَاقِ. [الْمُسْلِمُ يُطَلِّقُ النَّصْرَانِيَّةَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا طَلَّقَ الْمُسْلِمُ امْرَأَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ ثَلَاثًا فَنَكَحَهَا نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَبْدٌ فَأَصَابَهَا حَلَّتْ لَهُ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ زَوْجٌ وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَقَدْ نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ وَإِذَا جَازَ لَنَا أَنْ نَزْعُمَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَنْكِحُ النَّصْرَانِيَّةَ فَيُحْصِنُهَا حَتَّى تَرْجُمَهَا لَوْ زَنَتْ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا فَقَدْ زَعَمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِكَاحَهُ يُحْصِنُهَا فَكَيْفَ يَذْهَبُ عَلَيْنَا أَنْ يَكُونَ لَا يُحِلُّهَا وَهُوَ يُحْصِنُهَا؟ [وَطْءُ الْمَجُوسِيَّةِ إذَا سُبِيَتْ] ْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا سُبِيَ الْمَجُوسِيُّ وَأَهْلُ الْأَوْثَانِ لَمْ تُوطَأْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ بَالِغٌ حَتَّى تُسْلِمَ وَإِنْ سُبِيَ مِنْهُنَّ صِبْيَاتٌ فَمَنْ كَانَ مِنْهُنَّ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَلَمْ يُسْلِمْ فَلَا تُوطَأُ لِأَنَّ دِينَهَا دِينُ أَبِيهَا وَأُمِّهَا وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا وَهِيَ صَبِيَّةٌ وُطِئَتْ فَإِذَا سُبِيَتْ مُنْفَرِدَةً لَيْسَتْ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهَا وُطِئَتْ لِأَنَّا نَحْكُمُ لَهَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَنُجْبِرُهَا عَلَيْهِ مَا لَمْ تَكُنْ بَالِغًا مُشْرِكَةً أَوْ صَغِيرَةً مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهَا مُشْرِكًا فَإِذَا حَكَمْنَا لَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ لِتَحْرِيمِ فَرْجِهَا مَعْنًى. . [ذَبِيحَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ] ْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : مَنْ دَانَ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ الصَّابِئِينَ وَالسَّامِرَةِ أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ وَحَلَّ نِسَاؤُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ فِيهِمْ أَوْ فِي أَحَدِهِمْ فَكَتَبَ بِمِثْلِ مَا قُلْنَا فَإِذَا كَانُوا يَعْرِفُونَ بِالْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّصَارَى فِرَقٌ فَلَا يَجُوزُ إذَا جَمَعَتْ النَّصْرَانِيَّةُ بَيْنَهُمْ أَنْ تَزْعُمَ أَنَّ بَعْضَهُمْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَنِسَاؤُهُ وَبَعْضُهُمْ تَحْرُمُ إلَّا بِخَبَرٍ يَلْزَمُ مِثْلُهُ وَلَمْ نَعْلَمْ فِي هَذَا خَبَرًا فَمَنْ جَمَعَهُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ فَحُكْمُهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ وَقَالَ: لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ وَإِنْ سَمَّى اللَّهَ عَلَيْهَا [الرَّجُلُ تُؤْسَرُ جَارِيَتُهُ أَوْ تُغْصَبُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا اُغْتُصِبَتْ جَارِيَةُ الرَّجُلِ أُمَّ وَلَدٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ أُمِّ وَلَدٍ وَأَحْرَزَهَا الْمُشْرِكُونَ أَوْ غَيْرُهُمْ فَصَارَتْ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاءٌ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحَالَاتِ لِأَنَّهَا لَمْ تُمْلَكْ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاءٌ لَوْ غَابَتْ عَنْهُ فَلَمْ يَدْرِ لَعَلَّهَا فَجَرَتْ أَوْ فَجَرَ بِهَا وَالِاخْتِيَارُ لَهُ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ أَوْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ أَوْ مِنْ سُوقِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُقَبِّلْهَا وَلَمْ يُبَاشِرْهَا وَلَمْ يَتَلَذَّذْ مِنْهَا بِشَيْءٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا. [الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ وَهِيَ حَائِضٌ] ٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ جَارِيَةً بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهِيَ فِي أَوَّلِ حَيْضَتِهَا أَوْ وَسَطِهَا أَوْ آخِرِهَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْحَيْضَةُ اسْتِبْرَاءً كَمَا لَا تَكُونُ مِنْ الْعِدَّةِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ الْعِدَّةُ الْحَيْضُ وَلَا قَوْلُ مَنْ قَالَ الْعِدَّةُ الطُّهْرُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ أَمَامَهَا طُهْرٌ وَيَجْزِيَهَا حَيْضَةً وَاحِدَةً وَإِذَا ارْتَابَتْ الْمُسْتَبْرَأَةُ لَمْ تُوطَأْ حَتَّى تَذْهَبَ الرِّيبَةُ وَلَا وَقْتَ فِي ذَلِكَ إلَّا ذَهَابُ الرِّيبَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرَاةً لَمْ تُرَدَّ بِهَذَا وَأُرِيهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ هَذَا حَمْلٌ أَوْ دَاءٌ رُدَّتْ. [عِدَّةُ الْأَمَةِ الَّتِي لَا تَحِيضُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ الَّتِي لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: شَهْرٌ قِيَاسًا عَلَى الْحَيْضَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: شَهْرٌ وَنِصْفٌ وَلَيْسَ لِهَذَا وَجْهٌ وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ شَهْرًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ شَهْرٌ إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ قِيَاسًا عَلَى حَيْضَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَقَامَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَقَامَ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ فَلِكُلِّ حَيْضَةٍ شَهْرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضَى فِيهِ أَثَرٌ بِخِلَافِهِ يُثْبِتُ مِثْلَهُ فَالْأَثَرُ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ. [مَنْ مَلَكَ الْأُخْتَيْنِ فَأَرَادَ وَطْأَهُمَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ الْأُخْتَيْنِ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ وَإِذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُ الَّتِي وَطِئَ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا حَرَّمَ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَوَطِئَ الْأُخْرَى ثُمَّ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ أَوْ طَلُقَتْ ثَبَتَ عَلَى وَطْءِ الَّتِي وَطِئَ بَعْدَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْعَاجِزَةَ وَلَا الْمُطَلَّقَةَ فَتَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَأُخْتُهَا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى. [وَطْءُ الْأُمِّ بَعْدَ الْبِنْتِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ الْأُمِّ بَعْدَ الْبِنْتِ وَلَا الْبِنْتِ بَعْدَ الْأُمِّ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ الْمَمْلُوكَاتِ بِشَيْءٍ لَا يَحِلُّ مِنْ وَطْءِ الْحَرَائِرِ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُنَّ يُخَالِفْنَ الْحَرَائِرَ فِي مَعْنَيَيْنِ فَيَكُونُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْلِكَ الْأُمَّ وَوَلَدَهَا وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الْأُمَّ وَابْنَتَهَا وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ الْمِلْكِ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ النِّكَاحِ وَيَطَأُ مِنْ الْوَلَائِدِ مَا شَاءَ بِالْمِلْكِ وَفِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ بِالنِّكَاحِ. [التَّفْرِيقُ بَيْنَ ذَوِي الْمَحَارِمِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ أَهْلَ الْبَيْتِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْوَلَدُ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمِنْ أَيْنَ وَقَّتَ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ؟ قِيلَ: رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبَوَيْهِ وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْغُلَامُ غَيْرُ بَالِغٍ عِنْدَنَا وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أُمِّهِ وَعَمِّهِ وَكَانَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْغُلَامُ ابْنُ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ ثُمَّ نَظَرَ إلَى أَخٍ لَهُ أَصْغَرَ مِنْهُ فَقَالَ: وَهَذَا لَوْ بَلَغَ مَبْلَغَ هَذَا خَيَّرْنَاهُ فَجَعَلْنَا هَذَا حَدًّا لِاسْتِغْنَاءِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَأَنَّهُ أَوَّلُ مُدَّةٍ يَكُونُ لَهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا قَوْلٌ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ مَنْ كَانُوا فَأَمَّا الْأَخَوَانِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ وَلَمْ تُفَرِّقُوا بَيْنَ الْوَلَدِ وَأُمِّهِ؟ قِيلَ: السُّنَّةُ فِي الْأُمِّ وَوَلَدِهَا وَوَجَدْت حَالَ الْوَلَدِ مِنْ الْوَالِدِ مُخَالِفًا حَالَ الْأَخِ مِنْ أَخِيهِ وَوَجَدْتَنِي أَجْبُرُ الْوَلَدَ عَلَى نَفَقَةِ الْوَالِدِ وَالْوَالِدَ عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ فِي الْحِينِ الَّذِي لَا غِنَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَلَمْ أَجِدُنِي أَجْبُرُ الْأَخَ عَلَى نَفَقَةِ أَخِيهِ. [الذِّمِّيُّ يَشْتَرِي الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَأُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِهِ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي مِنْ أَنْ أَجْعَلَ الشِّرَاءَ فِيهِ بَاطِلًا أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ عِنْدَهُ جَبَرْتُهُ عَلَى بَيْعِهِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ وَهَبَهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ قَبَضَ عَنْهُ وَجَازَ فِيهِ الْعِتْقُ فِي حَيَاتِهِ وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَلَا يَكُونُ هَذَا إلَّا لِمَنْ يَكُونُ مِلْكُهُ ثَابِتًا مُدَّةً مِنْ الْمُدَدِ وَإِنْ كُنْت لَا أُثْبِتُهُ عَلَى الْأَبَدِ كَمَا أُثْبِتُ مِلْكَ الْمُسْلِمِ وَإِذَا كَانَ لِلذِّمِّيِّ مَمْلُوكَانِ امْرَأَةٌ وَرَجُلٌ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ جَبَرْت السَّيِّدَ عَلَى بَيْعِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا وَالْوَلَدُ الصِّغَارُ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِ أَيِّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ. [الْحَرْبِيُّ يَدْخُلُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ] ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ مَمْلُوكَةٌ أَوْ مَمْلُوكٌ فَأَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَجْبَرْتُهُ عَلَى بَيْعِهِمَا أَوْ بَيْعِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا وَدَفَعْت إلَيْهِ ثَمَنَهُمَا وَلَيْسَ لَهُ أَمَانٌ يُعْطِي بِهِ أَنْ يَمْلِكَ مُسْلِمًا وَأَمَانُ الذِّمِّيِّ الْمُعَاهَدِ أَكْثَرُ مِنْ أَمَانِهِ وَأَنَا أُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ مَمَالِيكِهِ. [الْعَبْدُ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فَيُسْلِمُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ الْكَافِرُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَأَسْلَمَ جَبَرْت الْكَافِرَ عَلَى بَيْعِ نَصِيبِهِ فِيهِ وَجَبَرْتُهُ عَلَى بَيْعِ كُلِّهِ أَكْثَرَ مَنْ جَبَرْتُهُ عَلَى بَيْعِ نَصِيبِهِ وَإِذَا حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ فَاسْتَأْمَنَ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِجَمَاعَةٍ بِأَعْيَانِهِمْ كَانَ لَهُمْ الْأَمَانُ وَلَمْ يَكُنْ الْأَمَانُ لِغَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْمَنَ لِعَدَدٍ كَانَ الْأَمَانُ لِأُولَئِكَ الْعَدَدِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ وَهَكَذَا إنْ قَالَ تُؤَمِّنُ لِي مِائَةَ رَجُلٍ وَأُخْلِي بَيْنَك وَبَيْنَ الْبَقِيَّةِ كَانَ الْأَمَانُ فِي الْمِائَةِ الرَّجُلِ إلَيْهِ فَمَنْ سَمَّى فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ لَمْ يُسْتَثْنَ فَلَيْسَ بِآمِنٍ. وَهَكَذَا إنْ قَالَ: تُؤَمِّنُ لِي أَهْلَ الْحِصْنِ عَلَى أَنْ أَدْفَعَ إلَيْك مِائَةً مِنْهُمْ فَلَا بَأْسَ وَالْمِائَةُ رَقِيقٌ كَانُوا مِنْ حَرْبِهِمْ أَوْ رَقِيقِهِمْ مِنْ قِبَلِ أَنِّي إذَا قَدَرْت عَلَيْهِمْ كَانُوا جَمِيعًا رَقِيقًا فَلَمَّا كُنْت قَادِرًا عَلَى بَعْضِهِمْ كَانُوا رَقِيقًا وَكَانَ مَنْ أَمَّنْت غَيْرَ رَقِيقٍ وَلَيْسَ هَذَا بِنَقْضٍ لِلْعَهْدِ وَلَا رُجُوعَ فِي صُلْحٍ إنَّمَا هَذَا صُلْحٌ عَلَى شَرْطٍ فَمَنْ أَدْخَلَهُ الْمُسْتَأْمِنُ فِي الْأَمَانِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيهِ وَمَنْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ مِمَّنْ لَمْ أُعْطِهِ الْأَمَانَ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْهُ حُكْمُهُ حُكْمُ مُشْرِكٍ يَجْرِي عَلَيْهِ الرِّقُّ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ. [الْأَسِيرُ يُؤْخَذُ عَلَيْهِ الْعَهْدُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إذَا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَأَحْلَفَهُ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَثْبُتَ فِي بِلَادِهِمْ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى أَنْ يُخْلُوهُ فَمَتَى قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا فَلْيَخْرُجْ لِأَنَّ يَمِينَهُ يَمِينُ مُكْرَهٍ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى حَبْسِهِ وَلَيْسَ بِظَالِمٍ لَهُمْ بِخُرُوجِهِ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَلَعَلَّهُ لَيْسَ بِوَاسِعٍ أَنْ يُقِيمَ مَعَهُمْ إذَا قَدَرَ عَلَى التَّنَحِّي عَنْهُمْ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْتَالَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُمْ إذَا أَمَّنُوهُ فَهُمْ فِي أَمَانٍ مِنْهُ وَلَا نَعْرِفُ شَيْئًا يُرْوَى خِلَافَ هَذَا، وَلَوْ كَانَ أَعْطَاهُمْ الْيَمِينَ وَهُوَ مُطْلَقٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخُرُوجُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُكْرَهٍ إلَّا بِأَنْ يَلْزَمَهُ الْحِنْثُ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ وَيَحْنَثَ لِأَنَّهُ حَلَفَ غَيْرَ مُكْرَهٍ وَإِنَّمَا أَلْغَيَا عَنْهُ الْحِنْثَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا. [الْأَسِيرُ يَأْمَنُهُ الْعَدُوُّ عَلَى أَمْوَالِهِمْ] ْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا أَسَرَ الْعَدُوُّ الرَّجُلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ وَأَمَّنُوهُ وَوَلَّوْهُ ضِيَاعَهُمْ أَوْ لَمْ يُوَلُّوهُ فَأَمَانُهُمْ إيَّاهُ أَمَانٌ لَهُمْ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْتَالَهُمْ وَلَا يَخُونَهُمْ. وَأَمَّا الْهَرَبُ بِنَفْسِهِ فَلَهُ الْهَرَبُ وَإِنْ أُدْرِكَ لِيُؤْخَذَ فَلَهُ أَنْ يُدَافِعَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ قَتَلَ الَّذِي أَدْرَكَهُ لِأَنَّ طَلَبَهُ لِيُؤْخَذَ إحْدَاثٌ مِنْ الطَّالِبِ غَيْرَ الْأَمَانِ فَيَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ وَيَأْخُذُ مَالَهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْ طَلَبِهِ. [الْأَسِيرُ يُرْسِلُهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ] ْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا أَسَرَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمَ فَخَلُّوهُ عَلَى فِدَاءٍ يَدْفَعُهُ إلَيْهِمْ إلَى وَقْتٍ وَأَخَذُوا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَدْفَعْ الْفِدَاءَ أَنْ يَعُودَ فِي إسَارِهِمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ فِي إسَارِهِمْ وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ أَنْ يَدَعَهُ وَالْعَوْدَةَ وَإِذَا كَانُوا امْتَنَعُوا مِنْ تَخْلِيَتِهِ إلَّا عَلَى مَالٍ يُعْطِيهُمُوهُ فَلَا يُعْطِيهِمْ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ مَالٌ أَكْرَهُوهُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ كَانَ أَعْطَاهُمُوهُ عَلَى شَيْءٍ فَأَخَذَهُ مِنْهُمْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا أَدَاؤُهُ إلَيْهِمْ بِكُلِّ حَالٍ وَهَكَذَا لَوْ صَالَحَهُمْ مُبْتَدِئًا عَلَى شَيْءٍ انْبَغَى لَهُ أَنْ يُؤَدِّيهِ إلَيْهِمْ إنَّمَا أَطْرَحُ عَنْهُ مَا اسْتَنْكَرَهُ عَلَيْهِ. [الْمُسْلِمُونَ يَدْخُلُونَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَيَرَوْنَ قَوْمًا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا دَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَسَبَى أَهْلُ الْحَرْبِ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْمَنَيْنِ قِتَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ حَتَّى يَنْبِذُوا إلَيْهِمْ فَإِذَا نَبَذُوا إلَيْهِمْ فَحَذَّرُوهُمْ وَانْقَطَعَ الْأَمَانُ بَيْنَهُمْ كَانَ لَهُمْ قِتَالُهُمْ فَأَمَّا مَا كَانُوا فِي مُدَّةِ الْأَمَانِ فَلَيْسَ لَهُمْ قِتَالُهُمْ. [الرَّجُلُ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ فَتُوهَبُ لَهُ الْجَارِيَةُ] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَوُهِبَتْ لَهُ جَارِيَةٌ أَوْ غُلَامٌ أَوْ مَتَاعٌ لِمُسْلِمٍ قَدْ أَحْرَزَهُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ بِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَعَرَفَهُ صَاحِبُهُ وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَوْ أَقَرَّ لَهُ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ بِدَعْوَاهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ بِلَا عِوَضٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ وَيُجْبِرُهُ السُّلْطَانُ عَلَى دَفْعِهِ. [الرَّجُلُ يَرْهَنُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يَسْبِيهَا الْعَدُوُّ] ُّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَذَلِكَ قِيمَتُهَا ثُمَّ سَبَاهَا الْعَدُوُّ ثُمَّ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا الرَّاهِنُ بِثَمَنٍ أَوْ غَيْرِ ثَمَنٍ فَهِيَ عَلَى الرَّهْنِ كَمَا كَانَتْ لَا يُخْرِجُهَا السِّبَاءُ مِنْ الرَّهْنِ وَلَوْ وُجِدَتْ فِي يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُخْرِجَتْ مِنْ يَدَيْهِ إلَى مِلْكِ مَالِكِهَا الَّذِي سُبِيَتْ عَنْهُ وَكَانَتْ عَلَى الرَّهْنِ وَإِذَا سَبَى الْمُشْرِكُونَ الْحُرَّةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْعَبْدَ وَأَخَذُوا الْمَالَ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ مَتَى ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ الْمَقَاسِمِ أَوْ بَعْدَهَا أُخْرِجَ مِنْ يَدَيْ مَنْ هُوَ فِي يَدَيْهِ وَكَانَتْ الْحُرَّةُ حُرَّةً وَالْمُكَاتَبَةُ مُكَاتَبَةً وَالْمُدَبَّرَةُ مُدَبَّرَةً وَالْأَمَةُ أَمَةً وَالْعَبْدُ عَبْدًا وَأُمُّ الْوَلَدِ أُمَّ وَلَدٍ وَالْمَتَاعُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْلِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ مَلَكُوهُ عَلَيْهِمْ مَلَكَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مَلَكُوا الْحُرَّةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةَ كَمَا يَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ يُسْلِمُونَ فَيُقِرُّ الْمَسْبِيُّ خَوْلًا لِلسَّابِي. [الْمُدَبَّرَةُ تُسْبَى فَتُوطَأُ ثُمَّ تَلِدُ ثُمَّ يَقْدِرُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا سَبَى الْمُشْرِكُونَ الْمُدَبَّرَةَ فَوَطِئَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ سُبِيَتْ وَأَوْلَادُهَا رُدَّتْ إلَى مَالِكِهَا الَّذِي دَبَّرَ وَأَوْلَادَهَا كَمَا تُرَدُّ الْمَمْلُوكَةُ غَيْرَ مُدَبَّرَةٍ وَلَا يُبْطِلُ السَّبَاءُ تَدْبِيرَهَا وَلَا يُبْطِلُهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ الْمُدَبَّرُ فَإِنْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهَا الْمُسْلِمُونَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَأَوْلَادُهَا فِي قَوْلِ مَنْ أَعْتَقَ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ بِعِتْقِهَا وَوَلَاؤُهَا لِلَّذِي دَبَّرَهَا وَوَلَاءُ وَلَدِهَا الَّذِينَ أُعْتِقُوا بِعِتْقِهَا فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهُمْ أَوْلَادًا فَوَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِي أَبِيهِمْ وَقَالَ فِي الْمُكَاتَبَةِ كَمَا قَالَ فِي الْمُدَبَّرَةِ إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تُعْتَقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا إنَّمَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ. [الْمُكَاتَبَةُ تُسْبَى فَتُوطَأُ فَتَلِدُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ أَوْلَادًا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهِيَ مَسْبِيَّةٌ ثُمَّ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ عَتَقَ وَلَدُهَا بِعِتْقِهَا فِي قَوْلٍ يُعْتَقُ وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَإِنْ عَجَزَتْ رَقَّتْ وَرَقَّ وَلَدُهَا. [أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تُسْلِمُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَخَذَ بِنَفَقَتِهَا وَأُمِرَتْ أَنْ تَعْمَلَ لَهُ فِي مَوْضِعِهَا مَا يَعْمَلُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ فَإِنْ مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَإِنْ أَسْلَمَ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَا يَجُوزُ فِيهَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنْ تُعْتَقَ وَتَسْعَى فِي قِيمَتِهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا إنْ كَانَ الْإِسْلَامُ يُعْتِقُهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا سِعَايَةٌ وَإِنْ كَانَ الْإِسْلَامُ لَا يُعْتِقُهَا فَمَا سَبَبُ عِتْقِهَا وَمَا سَبَبُ سِعَايَتِهَا؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : الْعِتْقُ لَوْ كَانَ مِنْ قِبَلِ سَيِّدِهَا وَأَعْتَقَ مِنْهَا سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ عَتَقَتْ كُلُّهَا وَلَمْ يَكُنْ الْعِتْقُ مِنْ قِبَلِ سَيِّدِهَا وَلَا مِنْ قِبَلِ شَرِيكٍ لَهُ، فَإِنْ قَالَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهَا فَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تُعْتِقَ نَفْسَهَا، فَإِنْ قَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ: وَهَلْ ثَبَتَ الرِّقُّ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ؟ قِيلَ: أَنْتَ تُثْبِتُهُ قَالَ: وَأَيْنَ؟ قُلْتُ: زَعَمْت أَنَّ عَبْدَ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ فَأَعْتَقَهُ الْكَافِرُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَجَزْت هَذَا كُلَّهُ فِيهِ وَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْهُ مَا جَازَ لَهُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ لِلْكَافِرِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُؤْمِنَ ثُمَّ يَكُونُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ وَيَكُونُ لِمُشْتَرِيهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى مِلْكِ الْكَافِرِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ تَقُولُ لِلْكَافِرِ: بِعْهُ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّك تُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِهِ، قِيلَ: فَقُلْ هَذَا فِي مُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ، فَإِنْ قُلْت: لَا. قِيلَ: فَكَذَا قُلْ فِي أُمِّ وَلَدِهِ لَيْسَ الْإِسْلَامُ بِعِتْقٍ لَهَا وَلَا أَجِدُ السَّبِيلَ إلَى بَيْعِهَا لِمَا سَبَقَ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: أَعْتَقَهَا وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْأَمَةَ لَمْ تَلِدْ إذَا أَسْلَمَتْ وَهِيَ لِنَصْرَانِيٍّ وَلَا الْعَبْدَ وَيَقُولُ آمُرُهُ بِبَيْعِهِمَا وَالرَّجُلُ لَا يَكُونُ عُهْدَةُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا يَمْلِكُ وَهُوَ يُجِيزُ الْعِتْقَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا لِمَالِكٍ. فَإِنْ قَالَ: لَا أَجِدُهُ يَمْلِكُ مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ إلَّا الْوَطْءَ فَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ الْوَطْءَ فَهُوَ يَمْلِكُ الرَّجُلَ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهَا وَكَسْبَهَا وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهَا وَيَسْتَعِمَّهَا وَتَمُوتُ فَيَصِيرُ إلَيْهِ مَا حَوَتْ وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ وَطْئِهَا وَلَوْ كَانَ إذَا حَرَّمَ عَلَيْهِ الْفَرْجَ عَتَقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ كَانَ لَوْ زَوَّجَ مَالِكٌ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ كَاتَبَهَا انْبَغَى أَنْ يُعْتِقَهَا عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْجِهَا وَحَوْلٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْفَرْجِ بِسَبَبٍ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ: تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا كَأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَهَا حُرًّا بِالْوَلَدِ وَنِصْفَهَا مَمْلُوكًا إلَى أَنْ يَمُوتَ السَّيِّدُ. وَلَا أَعْرِفُ لِلْوَلَدِ حِصَّةً مِنْ الْعِتْقِ مُتَبَعِّضَةً وَلَوْ كَانَتْ حُرَّةً كُلَّهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ السَّيِّدِ وَهُوَ لَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ مِنْهَا سَهْمًا مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ جَعَلَهَا حُرَّةً كُلَّهَا فَلَا أَعْرِفُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَجْهًا. وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ بِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ مُسْتَأْمَنًا فَأَسْلَمَا جُبِرَ عَلَى بَيْعِهِمَا وَلَمْ يُتْرَكْ يَخْرُجُ بِهِمَا. [الْأَسِيرُ لَا تُنْكَحُ امْرَأَتُهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَكَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا تُنْكَحُ امْرَأَتُهُ إلَّا بَعْدَ تَيَقُّنِ وَفَاتِهِ عُرِفَ مَكَانُهُ أَوْ خَفِيَ مَكَانُهُ وَكَذَلِكَ لَا يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ. [مَا يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ فِي مَالِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَا صَنَعَ الْأَسِيرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْمَسْجُونِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي مَالِهِ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ لَا نُبْطِلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا مَا نُبْطِلُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَهُوَ كَالْمَرِيضِ فِي حُكْمِهِ وَهَكَذَا مَا صَنَعَ الرَّجُلُ فِي الْحَرْبِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُجْرَحْ وَهَكَذَا مَا صَنَعَ إذَا قَدِمَ لِيَقْتُلَ فِيمَا مَنْ قَتْلُهُ فِيهِ بُدٌّ وَفِيمَا يَجِدُ قَاتِلُهُ السَّبِيلَ إلَى تَرْكِهِ مِثْلُ الْقَتْلِ فِي الْقِصَاصِ الَّذِي يَكُونُ لِصَاحِبِهِ عَفْوُهُ وَمِثْلُ قَتْلِ عَصَبَةِ الْقَاتِلِ الَّذِي قَدْ تَتْرُكُهُ وَمَا إذَا قَدِمَ لِيُرْجَمَ فِي الزِّنَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِهِ إلَّا الثُّلُثَ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَرْكِهِ. وَالْحَامِلُ يَجُوزُ مَا صَنَعَتْ فِي مَالِهَا مَا لَمْ يَحْدُثْ لَهَا مَرَضٌ مَعَ حَمْلِهَا أَوْ يَضْرِبُهَا الطَّلْقُ فَإِنَّ ذَلِكَ مَرَضٌ مَخُوفٌ، فَأَمَّا مَا قَبْلَ ذَلِكَ فَمَا صَنَعْت فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَهَكَذَا الرَّجُلُ فِي السَّفِينَةِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَخُوفِ مِنْ الْغَرَقِ وَغَيْرِ الْمَخُوفِ لِأَنَّ النَّجَاةَ قَدْ تَكُونُ فِي الْمَخُوفِ وَالْهَلَاكُ قَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِهِ وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: نُجَوِّزُ عَطِيَّةَ الْحَامِلِ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَكُونُ كَالْمَرِيضِ فِي عَطِيَّتِهَا بَعْدَ السِّتَّةِ عِنْدِي وَلَا لِمَا تَأَوَّلَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا} [الأعراف: 189] وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى حَدِّ الْإِثْقَالِ مَتَى هُوَ؟ أَهُوَ التَّاسِعُ أَوْ الثَّامِنُ أَوْ السَّابِعُ أَوْ السَّادِسُ أَوْ الْخَامِسُ أَوْ الرَّابِعُ أَوْ الثَّالِثُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ؟ وَمَنْ ادَّعَى هَذَا بِوَقْتٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ إلَّا بِخَبَرٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِثْقَالُ الْمَخُوفُ إلَّا حِينَ تَجْلِسُ بَيْنَ الْقَوَابِلِ، فَإِنْ قِيلَ: هِيَ بَعْدَ سِتَّةٍ مَخَافَةً لَهَا قَبْلَ سِتَّةٍ فَكَذَلِكَ هِيَ بَعْدَ شَهْرٍ مُخَالِفَةً لَهَا قَبْلَ الشَّهْرِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ زَادَتْ فِيهِ أَنْ يَكْبُرَ وَلَدُهَا وَتَقْرَبَ مِنْ وَضْعِ حَمْلِهَا وَلَيْسَ إلَّا مَا قُلْنَا أَوْ أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ: الْحَمْلُ كُلُّهُ مَرَضٌ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَإِنْ قَالَ هَذَا فَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْإِثْقَالِ وَغَيْرِ الْإِثْقَالِ فَالْمَرَضُ الثَّقِيلُ وَالْمَرَضُ الْخَفِيفُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ النَّاسِ فِي الْعَطِيَّةِ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْمَرِيضِ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ الدَّنَفُ وَبَيْنَ الْمَرِيضِ الْخَفِيفِ الْمَرَضِ فِيمَا أَعْطَيَا وَوَهَبَا وَقَدْ يُقَالُ لِهَذَا ثَقِيلٌ وَلِهَذَا خَفِيفٌ وَمَا أَعْلَمُ الْحَامِلَ بَعْدَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ إلَّا أَثْقَلَ وَأَسْوَأَ حَالًا وَأَكْثَرَ قَيْئًا وَامْتِنَاعًا مِنْ الطَّعَامِ وَأَشْبَهَ بِالْمَرِيضِ مِنْهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَيْفَ تَجُوزُ عَطِيَّتُهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي هِيَ فِيهِ قُرْبٌ مِنْ الْمَرَضِ وَتُرَدُّ عَطِيَّتُهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي هِيَ فِيهِ أَقْرَبُ إلَى الصِّحَّةِ؟ فَإِنْ قَالَ: هَذَا وَقْتٌ يَكُونُ فِيهِ الْوَلَدُ تَامًّا لَوْ خَرَجَ فَخُرُوجُهُ تَامًّا أَشْبَهُ لِسَلَامَةِ أُمِّهِ مِنْ خُرُوجِهِ لَوْ خَرَجَ سَقْطًا وَالْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ لِأُمِّهِ لَيْسَ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْحَرْبِيُّ يَدْخُلُ بِأَمَانٍ وَلَهُ مَالٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ يُسْلِمُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَخَلَّفَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَمْوَالًا وَوَدَائِعَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَيَدَيْ حَرْبِيٍّ وَيَدَيْ وَكِيلٍ لَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَالِهِ وَلَا عَلَى وَلَدِهِ الصِّغَارِ مَا كَانَ لَهُ عَقَارٌ أَوْ غَيْرُهُ وَهَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا سَبِيلَ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ حَيْثُ كَانَ أَسْلَمَ ابْنَا شُعْبَةَ القرظيان وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَحْرَزَ لَهُمَا إسْلَامَهُمَا أَنْفُسِهِمَا وَأَمْوَالَهُمَا دُورًا كَانَتْ أَوْ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمُسْلِمِ مَغْنُومًا بِحَالٍ فَأَمَّا وَلَدُهُ الْكِبَارُ وَزَوْجَتُهُ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ يَجْرِي عَلَيْهِمْ مَا يَجْرِي عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ الْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ وَإِنْ سُبِيَتْ امْرَأَتُهُ حَامِلًا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ إلَى إرْقَاقِ ذِي بَطْنِهَا سَبِيلٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ وَلَا يَجْرِي السِّبَاءُ عَلَى مُسْلِمٍ. [الْحَرْبِيُّ يَدْخُلُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَأَوْدَعَ مَالَهُ ثُمَّ رَجَعَ] َ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَأَوْدَعَ وَبَاعَ وَتَرَكَ مَالًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَقُتِلَ بِهَا فَدَيْنُهُ وَوَدَائِعُهُ وَمَا كَانَ لَهُ مِنْ مَالٍ مَغْنُومٍ عَنْهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَإِذَا قَدِمَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَمَاتَ فَالْأَمَانُ لِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ وَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى وَرَثَتِهِ حَيْثُ كَانُوا وَلَا يُقْبَلُ إنْ لَمْ تَعْرِفَ وَرَثَتُهُ شَهَادَةَ أَحَدٍ غَيْرٍ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَلَا فِي غَيْرِهَا شَهَادَةُ أَحَدٍ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ لِقَوْلٍ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَوْلُهُ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. [فِي الْحَرْبِيِّ يَعْتِقُ عَبْدَهُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا إلَيْنَا وَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ قَهْرًا فِي بِلَادِ الْحَرْبِ يَسْتَعْبِدُهُ بِهِ فَأَرَادَ اسْتِعْبَادَهُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَعْبِدَهُ مُسْلِمًا كَانَ الْعَبْدُ أَوْ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا كَانَ السَّيِّدُ أَوْ كَافِرًا وَلَوْ أَحْدَثَ لَهُ قَهْرًا بِبِلَادِ الْحَرْبِ أَوْ لِحُرٍّ مِثْلِهِ وَلَمْ يَعْتِقْهُ حَتَّى خَرَجَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ كَانَ عَبْدًا لَهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الْمُفْتَتَحَةُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِلَادَ عَنْوَةٍ أَوْ صُلْحٍ تُخْلَى مِنْهُ أَهْلُهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى شَيْءٍ أَخَذُوهُ مِنْهُمْ بِأَمَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ كَمَا يُمْلَكُ الْفَيْءُ وَالْغَنِيمَةُ وَإِنْ تَرَكَهَا أَهْلُهَا الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مِمَّنْ أَوْجَفَ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرِهِمْ فَوَقَفَهَا السُّلْطَانُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَارَى الرَّجُلُ مِنْهَا الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا وَعَلَيْهِ مَا تَكَارَاهَا بِهِ وَالْعُشْرُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَا تُكَارَى بِهِ أَرْضُ الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرِ. [الصُّلْحُ عَلَى الْجِزْيَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا أَعْرِفُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ عَلَى شَيْءٍ إلَّا مَا أَصِفُ صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ عَلَى ثَلَثِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَانَ عَدَدُهُمْ ثَلَثَمِائَةِ رَجُلٍ وَصَالَحَ نَصْرَانِيًّا بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهُ مَوْهَبٌ عَلَى دِينَارٍ وَصَالَحَ ذِمَّةَ الْيَمَنِ عَلَى دِينَارٍ دِينَارٍ وَجَعَلَهُ عَلَى الْمُحْتَلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَأَحْسَبُ كَذَلِكَ جَعَلَهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَإِنْ لَمْ يُحْكَ فِي الْخَبَرِ كَمَا حُكِيَ خَبَرُ الْيَمَنِ ثُمَّ صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى حُلَلٍ يُؤَدُّونَهَا فَدَلَّ صُلْحُهُ إيَّاهُمْ عَلَى غَيْرِ الدَّنَانِيرِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ وَصَالَحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَهْلَ الشَّامِ عَلَى أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَرَوَى عَنْهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ صَالَحَ الْمُوسِرَ مِنْ ذِمَّتِهِمْ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَالْوَسَطَ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَاَلَّذِي دُونَهُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَلَا بَأْسَ بِمَا صَالَحَ عَلَيْهِ أَهْلَ الذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْءٍ مُسَمًّى بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ أَضْعَافَ هَذَا وَإِذَا عَقَدَ لَهُمْ الْعَقْدَ عَلَى شَيْءٍ مُسَمًّى لَمْ يَجُزْ عِنْدِي أَنْ يُزَادَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فِيهِ بَالِغًا يُسْرُهُ مَا بَلَغَ وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى ضِيَافَةٍ مَعَ الْجِزْيَةِ فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحُوا عَلَى مَكِيلَةِ طَعَامٍ كَانَ ذَلِكَ كَمَا يُصَالِحُونَ عَلَيْهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَلَا تَكُونُ الْجِزْيَةُ إلَّا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَلَوْ حَاصَرْنَا أَهْلَ مَدِينَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَعَرَضُوا عَلَيْنَا أَنْ يُعْطُونَا الْجِزْيَةَ لَمْ يَكُنْ لَنَا قِتَالُهُمْ إذَا أَعْطُونَاهَا وَأَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُنَا وَإِنْ قَالُوا نُعْطِيكُمُوهَا وَلَا يَجْرِي عَلَيْنَا حُكْمُكُمْ لِمَ لَمْ يَلْزَمْنَا أَنْ نَقْبَلَهَا مِنْهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَلَمْ أَسْمَعْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الصَّغَارَ أَنْ يَعْلُوَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ عَلَى حُكْمِ الشِّرْكِ وَيَجْرِي عَلَيْهِمْ وَلَنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ مُتَطَوِّعِينَ وَعَلَى النَّظَرِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ كَمَا يَكُونُ لَنَا تَرْكُ قِتَالِهِمْ وَلَوْ عَرَضُوا عَلَيْنَا أَنْ يُعْطُونَا الْجِزْيَةَ وَيَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ فَاخْتَلَفْنَا نَحْنُ وَهُمْ فِي الْجِزْيَةِ فَقُلْنَا: لَا نَقْبَلُ إلَّا كَذَا وَقَالُوا: لَا نُعْطِيكُمْ إلَّا كَذَا رَأَيْت وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَلْزَمَنَا أَنْ نَقْبَلَ مِنْهُمْ دِينَارًا دِينَارًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخَذَهُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ بِمَكَّةَ مَقْهُورٍ وَمِنْ ذِمَّةِ الْيَمَنِ وَهُمْ مَقْهُورُونَ وَلَمْ يَلْزَمْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّا لَمْ نَجِدُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَخَذَ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِنْهُ وَاثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا فِي زَمَانِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَتْ دِينَارًا فَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا فَهِيَ دِينَارٌ وَهِيَ أَقَلُّ مَا أُخِذَ وَنَزْدَادُ مِنْهُمْ مَا لَمْ نَعْقِدْ لَهُمْ شَيْئًا مِمَّا قَدَرْنَا عَلَيْهِ وَإِنْ كُنْت فِي الْعَقْدِ لَهُمْ أَنْ يُخَفِّفَ عَمَّنْ افْتَقَرَ مِنْهُمْ إلَى أَنْ يَجِدَ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعُقْدَةَ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا لَهُمْ وَالْبَالِغُونَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ الزَّمِنُ وَغَيْرُ الزَّمِنِ فَإِنْ أَعْوَزَ أَحَدُهُمْ بِجِزْيَتِهِ فَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا وَإِنْ غَابَ سِنِينَ ثُمَّ رَجَعَ أُخِذَتْ مِنْهُ لِتِلْكَ السِّنِينَ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَالْحَقُّ لَا يُوضَعُ عَنْ شَيْخٍ وَلَا مُقْعَدٍ وَلَوْ حَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ أَوْ أَحْوَالٌ وَلَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَ أُخِذَتْ مِنْهُ لِأَنَّهَا كَانَتْ لَزِمَتْهُ فِي حَالِ شِرْكِهِ فَلَا يَضَعُ الْإِسْلَامُ عَنْهُ دَيْنًا لَزِمَهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ لَيْسَ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ قَبْلَهُ كَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرْكُهُ قَبْلَهُ فِي حَالِ شِرْكِهِ. [فَتْحُ السَّوَادِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : لَسْت أَعْرِفُ مَا أَقُولُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ إلَّا ظَنًّا مَقْرُونًا إلَى عِلْمٍ وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْت أَصَحَّ حَدِيثٍ يَرْوِيهِ الْكُوفِيُّونَ عِنْدَهُمْ فِي السَّوَادِ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ وَوَجَدْت أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ تُخَالِفُهُ مِنْهَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: السَّوَادُ صُلْحٌ وَيَقُولُونَ السَّوَادُ عَنْوَةٌ وَيَقُولُونَ بَعْضُ السَّوَادِ صُلْحٌ وَبَعْضُهُ عَنْوَةٌ وَيَقُولُونَ: إنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ وَهَذَا أَثْبَتُ حَدِيثٍ عِنْدَهُمْ فِيهِ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَتْ بَجِيلَةُ رُبْعُ النَّاسِ فَقُسِمَ لَهُمْ رُبْعُ السَّوَادِ فَاسْتَغَلُّوهُ ثَلَاثَ أَوْ أَرْبَعَ سِنِينَ أَنَا شَكَكْت ثُمَّ قَدِمْت عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَعِي فُلَانَةُ ابْنَةُ فُلَانٍ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ لَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُ اسْمِهَا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ لَتَرَكْتُكُمْ عَلَى مَا قُسِمَ لَكُمْ وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تَرُدُّوا عَلَى النَّاسِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَكَانَ فِي حَدِيثِهِ " وعاضني مِنْ حَقِّي فِيهِ نَيِّفًا وَثَمَانِينَ دِينَارًا " وَكَانَ فِي حَدِيثِهِ فَقَالَتْ فُلَانَةُ: قَدْ شَهِدَ أَبِي الْقَادِسِيَّةَ وَثَبَتَ سَهْمُهُ وَلَا أُسَلِّمُهُ حَتَّى تُعْطِيَنِي كَذَا أَوْ تُعْطِيَنِي كَذَا فَأَعْطَاهَا إيَّاهُ قَالَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ إذْ أَعْطَى جَرِيرًا الْبَجَلِيَّ عِوَضًا مِنْ سَهْمِهِ وَالْمَرْأَةَ عِوَضًا مِنْ سَهْمِ أَبِيهَا أَنَّهُ اسْتَطَابَ أَنْفُسَ الَّذِينَ أَوْجَفُوا عَلَيْهِ فَتَرَكُوا حُقُوقَهُمْ مِنْهُ فَجَعَلَهُ وَقْفًا لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا حَلَالٌ لِلْإِمَامِ لَوْ افْتَتَحَ الْيَوْمَ أَرْضًا عَنْوَةً فَأَحْصَى مَنْ افْتَتَحَهَا وَطَابُوا نَفْسًا عَنْ حُقُوقِهِمْ مِنْهَا أَنْ يَجْعَلَهَا الْإِمَامُ وَقْفًا وَحُقُوقُهُمْ مِنْهَا إلَّا الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ وَيُوفِي أَهْلَ الْخُمْسِ حُقُوقَهُمْ إلَّا أَنْ يَدَعَ الْبَالِغُونَ مِنْهُمْ حُقُوقَهُمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ وَالْحُكْمُ فِي الْأَرْضِ كَالْحُكْمِ فِي الْمَالِ وَقَدْ «سَبَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَوَازِنَ وَقَسَّمَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ جَاءَتْهُ وُفُودُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُعْطِيَهُمْ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ فَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالسَّبْيِ فَقَالُوا: خَيَّرْتَنَا بَيْنَ أَحْسَابِنَا وَأَمْوَالِنَا فَنَخْتَارُ أَحْسَابَنَا فَتَرَكَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقَّهُ وَحَقَّ أَهْلِ بَيْتِهِ فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْمُهَاجِرُونَ فَتَرَكُوا لَهُ حُقُوقَهُمْ فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْأَنْصَارُ فَتَرَكُوا لَهُ حُقُوقَهُمْ ثُمَّ بَقِيَ قَوْمٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْآخَرِينَ وَالْفَتْحِيِّينَ فَأَمَرَ فَعَرَفَ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ: ائْتُونِي بِطِيبِ أَنْفُسِ مَنْ بَقِيَ فَمَنْ كَرِهَ فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْإِبِلِ إلَى وَقْتِ كَذَا فِجَاؤُهُ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ إلَّا الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ وَعُتَيْبَةَ بْنَ بَدْرٍ فَإِنَّهُمَا أَبَيَا لِيُعَيِّرَا هَوَازِنَ فَلَمْ يُكْرِهْهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ حَتَّى كَانَا هُمَا تَرَكَا بَعْدُ بِأَنْ خُدِعَ عُتَيْبَةَ عَنْ حَقِّهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقَّ مَنْ طَابَ نَفْسًا عَنْ حَقِّهِ» وَهَذَا أَوْلَى الْأُمُورِ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَعَالَى عِنْدَنَا فِي السَّوَادِ وَفُتُوحِهِ إنْ كَانَتْ عَنْوَةً فَهُوَ كَمَا وَصَفْت ظَنَّ عَلَيْهِ دَلَالَةَ يَقِينٍ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا أَنْ نَجْعَلَهُ بِالدَّلَالَةِ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ تَنَاقُضٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَسَمَ إلَّا عَنْ أَمْرِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِكِبَرِ قَدْرِهِ وَلَوْ تَفَوَّتَ عَلَيْهِ فِيهِ مَا انْبَغَى أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ قَسْمُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ وَلَوْ كَانَ الْقَسْمُ لَيْسَ لِمَنْ قَسَمَ لَهُ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْهُ عِوَضٌ وَلَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ الْغَلَّةُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ حَدِيثًا يُثْبِتُ إنَّمَا أَجِدُهَا مُتَنَاقِضَةً وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِعُمَرَ عِنْدِي الَّذِي وَصَفْت فَكُلُّ بَلَدٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَأَرْضُهَا وَدَارُهَا كَدَنَانِيرِهَا وَدَرَاهِمِهَا وَهَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَيْبَرَ وَبَنِي قُرَيْظَةَ فَلِمَنْ أَوْجَفَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَالْخُمْسُ لِأَهْلِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَمَنْ طَابَ نَفْسًا عَنْ حَقِّهِ فَجَائِزٌ لِلْإِمَامِ حَلَالٌ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَجْعَلَهُ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ تُقْسَمُ غَلَّتُهُ فِيهِمْ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَالصَّدَقَةِ وَحَيْثُ يَرَى الْإِمَامُ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَطِبْ عَنْهُ نَفْسًا فَهُوَ أَحَقُّ بِحَقِّهِ وَأَيُّمَا أَرْضٍ فُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى أَنَّ أَرْضَهَا لِأَهْلِهَا وَيُؤَدُّونَ عَنْهَا خَرَاجًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهَا مِنْ أَيْدِي أَهْلِهَا وَعَلَيْهِمْ فِيهَا الْخَرَاجُ وَمَا أُخِذَ مِنْ خَرَاجِهَا فَهُوَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ دُونَ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ لِأَنَّهُ فَيْءٌ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ مُشْرِكٍ فَقَدْ مَلَكَ الْمُسْلِمُونَ رَقَبَةَ الْأَرْضِ فِيهِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ أَنْ يَأْخُذَهُ صَاحِبُ صَدَقَةٍ وَلَا صَاحِبُ فَيْءٍ وَلَا غَنِيٌّ وَلَا فَقِيرٌ لِأَنَّهُ كَالصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ يَأْخُذُهَا مَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ صُلْحًا فَإِنَّهَا لِأَهْلِهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ بِكِرَاءٍ وَيَزْرَعُونَهَا كَمَا نَسْتَأْجِرُ مِنْهُمْ إبِلَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ وَرَقِيقَهُمْ وَمَا يَجُوزُ لَهُمْ إجَارَتُهُ مِنْهُمْ وَمَا دُفِعَ إلَيْهِمْ أَوْ إلَى السُّلْطَانِ بِوَكَالَتِهِمْ فَلَيْسَ بِصَغَارٍ عَلَيْهِمْ إنَّمَا هُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ يُؤَدِّيهِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ خَرَاجًا وَلَا لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» إنَّمَا هُوَ خَرَاجُ الْجِزْيَةِ وَلَوْ كَانَ خَرَاجُ الْكِرَاءِ مَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَكَارَى مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ خَرَاجُ الْجِزْيَةِ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ إنَّمَا هُوَ كِرَاءٌ لَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ فَأَعْتَقَهُ وَهُوَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ لِمُسْلِمٍ فَأَعْتَقَهُ الْمُسْلِمُ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ إنَّمَا نَأْخُذُ الْجِزْيَةَ بِالدَّيْنِ وَالنَّصْرَانِيُّ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَلَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَكُونَ مَوْلَاهُ مُسْلِمًا كَمَا لَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ مُسْلِمَيْنِ. [فِي الذِّمِّيِّ إذَا اتَّجَرَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إذَا اتَّجَرَ الذِّمِّيُّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَى أُفُقٍ مِنْ الْآفَاقِ فِي السَّنَةِ مِرَارًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ شَيْءٌ وَقْتَهُ وَأَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ لَهُمْ بَرَاءَةٌ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْحَوْلِ وَلَوْلَا أَنَّ عُمَرَ أَخَذَهُ مِنْهُمْ مَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ فَهُوَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ إيَّاهُ مِنْهُمْ عَلَى أَصْلِ صُلْحٍ أَنَّهُمْ إذَا اتَّجَرُوا أَخَذَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَحَدٍ فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ وَلَا أَكْثَرَ فَلَمَّا كَانَتْ الْجِزْيَةُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عِنْدَنَا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَكُونُوا صُولِحُوا عِنْدَ الْفَتْحِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ وَلَسْنَا نَعْلَمُهُمْ صُولِحُوا عَلَى أَكْثَرَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَمَا أَخَذَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ الْمُسْلِمِينَ رُبْعَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ اتِّبَاعًا لَهُ عَلَى مَا أَخَذَهُ لَا نُخَالِفُهُ. [نَصَارَى الْعَرَبِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذًا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُكَيْدِرَ الْغَسَّانِيَّ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا عَرَبِيًّا عَلَى الْجِزْيَةِ وَصَالَحَ نَصَارَى نَجْرَانَ عَلَى الْجِزْيَةِ وَفِيهِمْ عَرَبٌ وَعَجَمٌ وَصَالَحَ ذِمَّةَ الْيَمَنِ عَلَى الْجِزْيَةِ وَفِيهِمْ عَرَبٌ وَعَجَمٌ وَاخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ عُمَرَ فِي نَصَارَى الْعَرَبِ مِنْ تَنُوخِ وَبَهْرَاءَ وَبَنِي تَغْلِبَ فَرَوَى عَنْهُ أَنَّهُ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ تُضَاعَفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَلَا يُكْرَهُوا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ وَلَا يَصْبُغُوا أَوْلَادَهُمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ وَعَلَّمَنَا أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ جِزْيَتَهُمْ نِعَمًا ثُمَّ رَوَى أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ مَا نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعْدٍ الْفُلْجَة أَوْ ابْنِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: مَا نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وَمَا تَحِلُّ لَنَا ذَبَائِحُهُمْ وَمَا أَنَا بِتَارِكِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ النَّصَارَى مِنْ الْعَرَبِ كَمَا وَصَفْت وَأَمَّا ذَبَائِحُهُمْ فَلَا أُحِبُّ أَكْلَهَا خَبَرًا عَنْ عُمَرَ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ نَأْخُذُ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ وَلَا نَأْكُلُ ذَبَائِحَهُمْ فَلَوْ كَانَ مَنْ حَلَّ لَنَا أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُ حَلَّ لَنَا أَكْلُ ذَبِيحَتِهِ أَكَلْنَا ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِ وَلَا نُنْكِرُ إذَا كَانَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ حُكْمَانِ وَكَانَ أَحَدُ صِنْفَيْهِمْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَنِسَاؤُهُ وَالصِّنْفُ الثَّانِي مِنْ الْمَجُوسِ لَا تَحِلُّ لَنَا ذَبِيحَتُهُ وَلَا نِسَاؤُهُ وَالْجِزْيَةُ تَحِلُّ مِنْهُمَا مَعًا أَنْ يَكُونَ هَكَذَا فِي نَصَارَى الْعَرَبِ فَيَحِلُّ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَلَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَاَلَّذِي يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي إحْلَالِ ذَبَائِحِهِمْ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ أَخْبَرَنِيهِ ابْنُ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ ثَوْرٍ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ فَقَالَ قَوْلًا حَكْئًا هُوَ إحْلَالُهَا وَتَلَا {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] وَلَكِنَّ صَاحِبَنَا سَكَتَ عَنْ اسْمِ عِكْرِمَةَ وَثَوْرٌ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الصَّدَقَةُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ رَجُلٍ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَالَحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ لَا يَصْبُغُوهُ أَبْنَاءَهُمْ وَلَا يُكْرَهُوا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ وَأَنْ تُضَاعَفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَكَذَا حَفِظَ أَهْلُ الْمَغَازِي وَسَاقُوهُ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فَقَالُوا: رَامَهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ فَقَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ وَلَا نُؤَدِّي مَا تُؤَدِّي الْعَجَمُ وَلَكِنْ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يَعْنُونَ الصَّدَقَةَ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَا. هَذَا فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا فَزِدْ مَا شِئْت بِهَذَا الِاسْمِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ فَفَعَلَ فَتَرَاضَى هُوَ وَهُمْ عَلَى أَنْ ضَعَّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا أَعْلَمُهُ فَرَضَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَلَا يَهُودِهَا الَّذِينَ صَالَحَ وَاَلَّذِينَ صَالَحَ بِنَاحِيَةِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ إلَّا هَذَا الْفَرْضَ فَأَرَى إذَا عَقَدَ لَهُمْ هَذَا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ عَلَيْهِ وَأَرَى لِلْإِمَامِ فِي كُلِّ دَهْرٍ إنْ امْتَنَعُوا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِمْ بِمَا قُبِلَ مِنْهُمْ فَإِنْ قَبِلُوا أَخَذَهُ وَإِنْ امْتَنَعُوا جَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ وَقَدْ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا عَلَى كُلِّ حَالِمٍ، وَالْحَالِمُ الْمُحْتَلِمُ، وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَفِيهِمْ عَرَبٌ وَصَالَحَ نَصَارَى نَجْرَانَ عَلَى كِسْوَةٍ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَكَذَلِكَ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَفِي هَذَا دَلَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ عَلَى مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ وَقْتٌ إلَّا مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ كَائِنًا مَا كَانَ وَإِذَا ضُعِّفَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ فَانْظُرْ إلَى مَوَاشِيهِمْ وَأَطْعِمَتِهِمْ وَذَهَبِهِمْ وَوَرِقِهِمْ وَمَا أَصَابُوا مِنْ مَعَادِنِ بِلَادِهِمْ وَرِكَازِهَا كُلُّ مَا أَخَذْت فِيهِ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْسًا فَخُذْ مِنْهُمْ خَمْسِينَ وَعُشْرًا فَخُذْ مِنْهُمْ عِشْرِينَ وَنِصْفَ عُشْرٍ فَخُذْ مِنْهُمْ عُشْرًا وَرُبْعَ عُشْرٍ فَخُذْ مِنْهُمْ نِصْفَ عُشْرٍ وَعَدَدًا مِنْ الْمَاشِيَةِ فَخُذْ مِنْهُمْ ضِعْفَ ذَلِكَ الْعَدَدِ ثُمَّ هَكَذَا صَدَقَاتُهُمْ لَا تَخْتَلِفُ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَتَّى يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ مِنْ النِّصْفِ مِنْ الْمَالِ مَا لَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ وَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ضَعَّفَ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةَ وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ الْجِزْيَةَ عَنْ النِّسَاءِ وَالصِّغَارِ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا فَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَضَعَ عَمَّنْ دُونَ الْحَالِمِ وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ النِّسَاءِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ مَعَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ وَإِنْ نُحِّيَ عَنْهُمْ مِنْ اسْمِهَا وَلَا يُكْرَهُونَ عَلَى دِينٍ غَيْرِ دِينِهِمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ أُكَيْدِرَ دُومَةَ وَهُوَ عَرَبِيٌّ وَأَخَذَهَا مِنْ عَرَبِ الْيَمَنِ وَنَجْرَانَ وَأَخَذَهَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مِنْهُمْ وَأَخَذَهَا مِنْهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ سُفْيَانُ أَوْ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَوْ هُمَا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا مِنْ نَصْرَانِيَّتِهِمْ أَوْ مِنْ دِينِهِمْ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ " (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنَّمَا تَرَكْنَا أَنْ نُجْبِرَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ نَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَأَنَّ عُثْمَانَ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا قَدْ أَقَرُّوهُمْ وَإِنْ كَانَ عُمَرُ قَدْ قَالَ هَكَذَا وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَنَا نِكَاحُ نِسَائِهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّ لَنَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ نَزَلَ وَجَمِيعُ مَا أُخِذَ مِنْ ذِمِّيٍّ عَرَبِيٍّ وَغَيْرِهِ فَمَسْلَكُهُ مَسْلَكُ الْفَيْءِ وَقَالَ: مَا اتَّجَرَ بِهِ نَصَارَى الْعَرَبِ وَأَهْلُ ذِمَّتِهِمْ فَإِنْ كَانُوا يَهُودًا فَسَوَاءٌ تُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَمَا اتَّجَرَ بِهِ نَصَارَى بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقَدْ رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيهِمْ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ تِجَارَاتِهِمْ الْعُشْرَ وَفِي بَعْضِهَا نِصْفَ الْعُشْرِ وَهَذَا عِنْدَنَا مِنْ عُمَرَ أَنَّهُ صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ كَمَا صَالَحَهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ الْمُسَمَّاةِ وَلَسْت أَعْرِفُ الَّذِينَ صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الَّذِينَ لَمْ يُصَالِحْهُمْ فَعَلَى إمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُفَرِّقَ الْكُتُبَ فِي الْآفَاقِ وَيَحْكِيَ لَهُمْ مَا صَنَعَ عُمَرُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَنْ صَنَعَ بِهِ ذَلِكَ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنْ رَضُوا بِهِ أَخَذَهُ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِهِ جَدَّدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ صُلْحًا فِيهِ كَمَا يُجَدَّدُ فِيمَنْ ابْتَدَأَ صُلْحَهُ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الْجِزْيَةِ الْيَوْمَ وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً مِنْ غَيْرِ بُلْدَانِهِمْ فَكَذَلِكَ وَإِنْ صَالَحُوا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ كُلَّمَا اخْتَلَفُوا وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي السَّنَةِ مِرَارًا فَذَلِكَ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُجَدِّدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي الضِّيَافَةِ صُلْحًا فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ جَعَلَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِذَا جَدَّدَ عَلَيْهِمْ الصُّلْحَ فِي الضِّيَافَةِ جَدَّدَ بِأَمْرٍ بَيْنَ أَنْ يُضِيفَ الرَّجُلَ الْمُوسِرَ كَذَا وَالْوَسَطَ كَذَا وَلَا يُضَيِّفُ الْفَقِيرَ وَلَا الصَّبِيَّ وَلَا الْمَرْأَةَ وَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَالضِّيَافَةُ صِنْفٌ مِنْهَا وَسَمَّى أَنْ يُطْعِمُوهُمْ خُبْزَ كَذَا بِأُدْمِ كَذَا وَيَعْلِفُوا دَوَابَّهُمْ مِنْ التِّبْنِ كَذَا وَمِنْ الشَّعِيرِ كَذَا حَتَّى يَعْرِفَ الرَّجُلُ عَدَدَ مَا عَلَيْهِ إذَا نَزَلَ بِهِ لَيْسَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ الْعَسَاكِرُ فَيُكَلَّفُ ضِيَافَتُهُمْ وَلَا يَحْتَمِلُهَا وَهِيَ مُجْحِفَةٌ بِهِ وَكَذَلِكَ يُسَمِّي أَنْ يَنْزِلَهُمْ مِنْ مَنَازِلِهِمْ الْكَنَائِسَ أَوْ فُضُولَ مَنَازِلِهِمْ أَوْ هُمَا مَعًا. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : حَيْثُمَا زَرَعَ النَّصْرَانِيُّ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ ضُعِّفَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ كَمَا وَصَفْت وَحَيْثُمَا زَرَعَ النَّصْرَانِيُّ الْإِسْرَائِيلِيُّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي زَرْعِهِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا الْخَرَاجُ كِرَاءُ الْأَرْضِ كَمَا لَوْ تَكَارَى أَرْضًا مِنْ رَجُلٍ فَزَرَعَهَا أَدَّى الْكِرَاءَ وَالْعُشْرَ وَالنَّصْرَانِيُّ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ إذَا زَرَعَ الْخَرَاجَ ضَعَّفْت عَلَيْهِ الْعُشْرَ وَأَخَذْت مِنْهُ الْخَرَاجَ وَإِذَا قَدِمَ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ فَكَانَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ فَنَكَحَ وَزَرَعَ فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ وَيُقَالُ لَهُ: إنْ أَرَدْت الْمُقَامَ فَصَالِحْنَا عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ وَجِزْيَتُهُ عَلَى مَا صَالَحَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَبَى الصُّلْحَ أُخْرِجَ وَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ سَنَةً أَوْ سِنِينَ فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ إلَّا بِصُلْحِهِ وَنَمْنَعُهُ الزَّرْعَ إلَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ وَإِنْ غَفَلَ حَتَّى يَصْرِمَهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْمَنُ وَثَنِيًّا لَمْ يُتْرَكْ حَتَّى يُقِيمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَنَةً وَلَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ جِزْيَةٌ وَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى زَرَعَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ دَفَعَ إلَيْهِ وَأَخْرَجَ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُسْتَأْمَنَةً فَتَزَوَّجَتْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَرَادَتْ الرُّجُوعَ إلَى بِلَادِ الْحَرْبِ فَذَلِكَ إلَى زَوْجِهَا إنْ شَاءَ أَنْ يَدَعَهَا تَرَكَهَا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَحْبِسَهَا حَبَسْنَاهَا لَهُ بِسُلْطَانِ الزَّوْجِ عَلَى حَبْسِ امْرَأَتِهِ لَا يُغَيِّرُ ذَلِكَ وَمَتَى طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ فَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُخْرِجَ أَوْلَادَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُمْ ذِمَّةُ أَبِيهِمْ وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِنَفْسِهَا وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أَوْ أَغَارَ الْعَدُوُّ عَلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَسَبَوْا عَبِيدًا وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَاقْتَسَمُوا الْعَبِيدَ أَوْ لَمْ يَقْتَسِمُوا فَسَادَتُهُمْ أَحَقُّ بِهِمْ بِلَا قِيمَةٍ وَلَا يَكُونُ الْعَدُوُّ يَمْلِكُونَ عَلَى مُسْلِمٍ شَيْئًا إذَا لَمْ يَمْلِكْ الْمُسْلِمُ بِالْغَلَبَةِ فَالْمُشْرِكُ الَّذِي هُوَ خَوَلٌ لِلْمُسْلِمِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا يَعْدُو الْمُشْرِكُونَ فِيمَا غَلَبُوا عَلَيْهِ أَنْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لَهُمْ كَمِلْكِهِمْ لِأَمْوَالِهِمْ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا مَلَكُوا الْحُرَّ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الرَّقِيقِ وَالْأَمْوَالِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدٍ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ يَأْخُذَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِلَا قِيمَةٍ وَلَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِقِيمَةٍ كَمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ سَائِرَ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ أَوْ لَا يَكُونُ مِلْكُ الْعَدُوِّ مِلْكًا فَيَكُونُ كُلُّ امْرِئٍ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ وَمَنْ قَالَ: لَا يَمْلِكُ الْعَدُوُّ الْحُرَّ وَلَا الْمُكَاتَبَ وَلَا أُمَّ الْوَلَدِ وَلَا الْمُدَبَّرَةَ وَهُوَ يَمْلِكُ مَا سِوَاهُنَّ فَهُوَ يَتَحَكَّمُ ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ مِلْكًا مُحَالًا فَيَقُولُ: يَمْلِكُونَهُ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَأَدْرَكَهُ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْقَسْمِ فَهُوَ لَهُ بِلَا شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَسْمِ فَهُوَ لَهُ إنْ شَاءَ بِالْقِيمَةِ فَهَؤُلَاءِ مَلَكُوهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ فِيمَا ذَكَرْت حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَهُ؟ قِيلَ: لَا إلَّا شَيْءٌ يُرْوَى لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنْ قَالَ: فَهَلْ لَك حُجَّةٌ بِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ بِحَالٍ؟ قُلْنَا: الْمَعْقُولُ فِيهِ مَا وَصَفْنَا وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا وَلَنَا فِيهِ حُجَّةٌ بِمَا لَا يَنْبَغِي خِلَافُهُ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتَةِ وَهُوَ يُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عُمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ قَوْمًا أَغَارُوا فَأَصَابُوا امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ وَنَاقَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ وَالنَّاقَةُ عِنْدَهُمْ ثُمَّ انْفَلَتَتْ الْمَرْأَةُ فَرَكِبَتْ النَّاقَةَ فَأَتَتْ الْمَدِينَةَ فَعُرِفَتْ نَاقَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنِّي نَذَرْت لَئِنْ نَجَّانِي اللَّهُ عَلَيْهَا لَأَنْحَرَنَّهَا فَمَنَعُوهَا أَنْ تَنْحَرَهَا حَتَّى يَذْكُرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بِئْسَمَا جَزَيْتِهَا إنْ نَجَّاك اللَّهُ عَلَيْهَا ثُمَّ تَنْحَرِيهَا لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» وَقَالَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الْحَدِيثِ وَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَتَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَقَدْ أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَتَهُ بَعْدَمَا أَحْرَزَهَا الْمُشْرِكُونَ وَأَحْرَزَتْهَا الْأَنْصَارِيَّةُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانَتْ الْأَنْصَارِيَّةُ أَحْرَزَتْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا لَيْسَ لِمَالِكٍ كَانَ لَهَا فِي قَوْلِنَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَخُمْسُهُ لِأَهْلِ الْخُمْسِ وَفِي قَوْلِ غَيْرِنَا كَانَ لَهَا مَا أَحْرَزَتْ لَا خُمْسَ فِيهِ وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مَالَهُ وَأَخَذَ مَالَهُ بِلَا قِيمَةٍ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ لَا أَحْفَظُ عَمَّنْ رَوَاهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِيمَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا غَلَبُوا عَلَيْهِ أَوْ أَبَقَ إلَيْهِمْ ثُمَّ أَحْرَزَهُ الْمُسْلِمُونَ مَالِكُوهُ أَحَقُّ بِهِ قَبْلَ الْقَسْمِ وَبَعْدَهُ فَإِنْ اُقْتُسِمَ فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ مِنْ يَدَيْ مَنْ صَارَ فِي سَهْمِهِ وَعُوِّضَ الَّذِي صَارَ فِي سَهْمِهِ قِيمَتَهُ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ وَهَكَذَا حُرٌّ إنْ اُقْتُسِمَ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ. [فِي الْأَمَانِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» قَالَ: فَإِذَا أَمَّنَ مُسْلِمٌ بَالِغٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ يُقَاتِلُ أَوْ لَا يُقَاتِلُ أَوْ امْرَأَةٌ فَالْأَمَانُ جَائِزٌ وَإِذَا أَمَّنَ مَنْ دُونَ الْبَالِغِينَ وَالْمَعْتُوهِ قَاتَلُوا أَوْ لَمْ يُقَاتِلُوا لَمْ نُجِزْ أَمَانَهُمْ وَكَذَلِكَ إنْ أَمَّنَ ذِمِّيٌّ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ لَمْ نُجِزْ أَمَانَهُ وَإِنْ أَمَّنَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَخَرَجُوا إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَعَلَيْنَا رَدُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَلَا نَعْرِضُ لَهُمْ فِي مَالٍ وَلَا نَفْسٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَنْ فِي عَسْكَرِنَا مِمَّنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ وَلَا يَجُوزُ وَنَنْبِذُ إلَيْهِمْ فَنُقَاتِلُهُمْ وَإِذَا أَشَارَ إلَيْهِمْ الْمُسْلِمُ بِشَيْءٍ يَرَوْنَهُ أَمَانًا فَقَالَ أَمَّنْتُهُمْ بِالْإِشَارَةِ فَهُوَ أَمَانٌ فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُؤَمِّنْهُمْ بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا فَلَيْسُوا بِآمَنِينَ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ لَهُمْ الْوَالِي أَمَانًا وَعَلَى الْوَالِي إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ أَوْ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ لَمْ أُؤَمِّنْهُمْ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيَنْبِذَ إلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 29] وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] فَحَقَنَ اللَّهُ دِمَاءَ مَنْ لَمْ يَدِنْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِالْإِيمَانِ لَا غَيْرِهِ وَحَقَنَ دِمَاءَ مَنْ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْإِيمَانِ أَوْ إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَالصَّغَارُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ لَا أَعْرِفُ مِنْهُمْ خَارِجًا مِنْ هَذَا مِنْ الرِّجَالِ «وَقَتَلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ ابْنَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي شِجَارٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْجُلُوسَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْكِرْ قَتْلَهُ» وَلَا أَعْرِفُ فِي الرُّهْبَانِ خِلَافٌ أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ أَوْ يُقْتَلُوا وَرُهْبَانُ الدِّيَارَاتِ وَالصَّوَامِعِ وَالْمَسَاكِنِ سَوَاءٌ وَلَا أَعْرِفُ مَا يُثْبِتُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خِلَافَ هَذَا وَلَوْ كَانَ يَثْبُتُ لَكَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِالْجَدِّ عَلَى قِتَالِ مَنْ يُقَاتِلُهُمْ وَأَنْ لَا يَتَشَاغَلُوا بِالْمُقَامِ عَلَى صَوَامِعِ هَؤُلَاءِ كَمَا يُؤْمَرُونَ أَنْ لَا يُقِيمُوا عَلَى الْحُصُونِ وَأَنْ يَسِيحُوا لِأَنَّهَا تَشْغَلُهُمْ وَأَنْ يَسِيحُوا لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْكَى لِلْعَدُوِّ وَلَيْسَ أَنَّ قِتَالَ أَهْلِ الْحُصُونِ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ مُبَاحًا لَهُمْ أَنْ يُتْرَكُوا وَلَا يُقْتَلُوا كَانَ التَّشَاغُلُ بِقِتَالِ مَنْ يُقَاتِلُهُمْ أَوْلَى بِهِمْ وَكَمَا يُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَطْعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَلَعَلَّهُ لَا يَرَى بَأْسًا بِقَطْعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ لِأَنَّهُ قَدْ حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْطَعُ الشَّجَرَ الْمُثْمِرَ عَلَى بَنِي النَّضِيرِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ وَالطَّائِفِ وَحَضَرَهُ يَتْرُكُ وَعَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ وَعَدَ بِفَتْحِ الشَّامِ فَأَمَرَهُمْ بِتَرْكِ قَطْعِهِ لِتَبْقَى لَهُمْ مَنْفَعَتُهُ إذْ كَانَ وَاسِعًا لَهُمْ تَرْكُ قَطْعِهِ وَتُسْبَى نِسَاءُ الدِّيَارَاتِ وَصِبْيَانِهِمْ وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُقْتَلُ الْفَلَّاحُونَ وَالْأُجَرَاءُ وَالشُّيُوخُ الْكِبَارُ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ. . [الْمُسْلِمُ أَوْ الْحَرْبِيُّ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْحَرْبِيُّ مَالًا وَدِيعَةً] ً (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَأَمْوَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ مَالَانِ: فَمَالٌ يُغْصَبُونَ عَلَيْهِ وَيُتَمَوَّلُ عَلَيْهِمْ فَسَوَاءٌ مَنْ غَصَبَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ حَرْبِيٍّ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَإِذَا أَسْلَمُوا مَعًا أَوْ بَعْضُهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْغَاصِبِ لَهُمْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ كَانَتْ مُبَاحَةً غَيْرَ مَمْنُوعَةٍ بِإِسْلَامِهِمْ وَلَا ذِمَّتِهِمْ وَلَا أَمَانَ لَهُمْ وَلَا لِأَمْوَالِهِمْ مِنْ خَاصٍّ وَلَا عَامٍّ، وَمَالٌ لَهُ أَمَانٌ وَمَا كَانَ مِنْ الْمَالِ لَهُ أَمَانٌ فَلَيْسَ لِلَّذِي أَمَّنَ صَاحِبَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ بِحَالٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْدَعَ مُسْلِمًا أَوْ حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَدِيعَةً وَأَبْضَعَ مِنْهُ بِضَاعَةً فَخَرَجَ الْمُسْلِمُ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَرْبِيُّ فَأَسْلَمَ كَانَ عَلَيْهِمَا مَعًا أَنْ يُؤَدِّيَا إلَى الْحَرْبِيِّ مَالَهُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْنَا لَوْ أَمَّنَّاهُ عَلَى مَالِهِ أَنْ لَا نَعْرِضَ لِمَالِهِ الْوَدِيعَةُ إذَا أُودِعْنَا أَوْ أُبْضِعَ مَعَنَا فَذَلِكَ أَمَانٌ مِنْهُ لَنَا وَمِثْلُ أَمَانِهِ عَلَى مَالِهِ أَوْ أَكْثَرُ وَهَكَذَا الدَّيْنُ. [فِي الْأَمَةِ يَسْبِيهَا الْعَدُوُّ] ُّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فِي الْأَمَةِ لِلْمُسْلِمِ يَسْبِيهَا الْعَدُوُّ فَيَطَؤُهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ فَتَلِدُ لَهُ أَوْلَادًا وَيُولَدُ لِأَوْلَادِهَا أَوْلَادٌ فيتناتجون ثُمَّ يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا سَيِّدُهَا وَأَوْلَادَهَا الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَنَنْظُرُ إلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهَا فَنَأْخُذُ بَنِي بَنَاتِهَا وَلَا نَأْخُذُ بَنِي بَنِيهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الرِّقَّ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأُمِّ لَا بِالْأَبِ كَمَا يَنْكِحُ الْحُرُّ الْأَمَةَ فَيَكُونُ وَلَدُهُ رَقِيقًا وَكَمَا يَنْكِحُ الْعَبْدُ الْحُرَّةَ فَيَكُونُ وَلَدُهُ كُلُّهُمْ أَحْرَارًا. [فِي الْعِلْجِ يَدُلُّ عَلَى الْقَلْعَةِ عَلَى أَنَّ لَهُ جَارِيَةً سَمَّاهَا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي عِلْجٍ دَلَّ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَلْعَةٍ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُ جَارِيَةً سَمَّاهَا فَلَمَّا انْتَهَوْا إلَى الْقَلْعَةِ صَالَحَ صَاحِبُ الْقَلْعَةِ عَلَى أَنْ يَفْتَحَهَا لَهُمْ وَيُخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ فَفَعَلَ فَإِذَا أَهْلُهُ تِلْكَ الْجَارِيَةُ فَأَرَى أَنْ يُقَالَ لِلدَّلِيلِ إنْ رَضِيت الْعِوَضَ عَوَّضْنَاك قِيمَتَهَا وَإِنْ لَمْ تَرْضَ الْعِوَضَ فَقَدْ أَعْطَيْنَا مَا صَالَحْنَاك عَلَيْهِ غَيْرَك فَإِنْ رَضِيَ الْعِوَضَ أُعْطِيهِ وَتَمَّ الصُّلْحُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْعِوَضَ قِيلَ لِصَاحِبِ الْقَلْعَةِ: قَدْ صَالَحْنَا هَذَا عَلَى شَيْءٍ صَالَحْنَاك عَلَيْهِ بِجَهَالَةٍ مِنَّا بِهِ فَإِنْ سَلَّمْت إلَيْهِ عَوَّضْنَاك مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تُسَلِّمْهُ إلَيْهِ نَبَذْنَا إلَيْك وَقَاتَلْنَاك وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ قَدْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ أَنْ يُظْفَرَ بِهَا فَلَا سَبِيلَ إلَيْهَا وَيُعْطَى قِيمَتَهَا وَإِنْ مَاتَتْ عُوِّضَ مِنْهَا بِالْقِيمَةِ وَلَا يَبِينُ فِي الْمَوْتِ كَمَا يَبِينُ إذَا أَسْلَمَتْ. [فِي الْأَسِيرِ يُكْرَهُ عَلَى الْكُفْرِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فِي الْأَسِيرِ يُكْرَهُ عَلَى الْكُفْرِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ: لَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِالشِّرْكِ وَلَا يَحْرُمُ مِيرَاثُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُحْرَمُونَ مِيرَاثَهُمْ مِنْهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مُكْرَهًا وَعِلْمُهُمْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ قَوْلِهِ أَوْ مَعَ قَوْلِهِ أَوْ بَعْدَ قَوْلِهِ: إنِّي إنَّمَا قُلْت ذَلِكَ مُكْرَهًا، وَكَذَلِكَ مَا أَكْرَهُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضُرِّ أَحَدٍ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ دُخُولِ كَنِيسَةٍ فَفَعَلَ وَسِعَهُ ذَلِكَ وَأَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ لِأَنَّهَا تَمْنَعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَعْرِفَةِ اللَّهِ إذَا سَكِرَ وَلَا يُبَيِّنُ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَإِذَا وُضِعَ عَنْهُ الشِّرْكُ بِالْكُرْهِ وُضِعَ عَنْهُ مَا دُونَهُ مِمَّا لَا يَضُرُّ أَحَدًا وَلَوْ أَكْرَهُوهُ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلٍ أُسِرَ فَتَنَصَّرَ وَلَهُ امْرَأَةٌ فَمَرَّ بِهِ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ فِي الْحِصْنِ فَقَالَ: إنَّمَا تَنَصَّرْت بِلِسَانِي وَأَنَا أُصَلِّي إذَا خَلَوْت فَهَذَا مُكْرَهٌ وَلَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ. [النَّصْرَانِيُّ يُسْلِمُ فِي وَسَطِ السَّنَةِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ قَبْلَ حُلُولِ وَقْتِ الْجِزْيَةِ سَقَطَتْ عَنْهُ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ حُلُولِهَا فَهِيَ عَلَيْهِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُلُّ مَنْ خَالَفَ الْإِسْلَامَ مِنْ أَهْلِ الصَّوَامِعِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا بُدَّ مِنْ السَّيْفِ أَوْ الْجِزْيَةِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ شَيْءٍ بِيعَ وَفِيهِ فِضَّةٌ مِثْلُ السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ وَالْقَدَحِ وَالْخَاتَمِ وَالسَّرْجِ فَلَا يُبَاعُ حَتَّى تُخْلَعَ الْفِضَّةُ فَتُبَاعُ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَيُبَاعُ السَّيْفُ عَلَى حِدَةٍ وَيُبَاعُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ فِضَّةٍ بِالذَّهَبِ وَلَا يُبَاعُ بِالْفِضَّةِ. . [الزَّكَاةُ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ السَّيْفِ وَغَيْرِهِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْخَاتَمُ يَكُونُ لِلرَّجُلِ مِنْ فِضَّةٍ وَالْحِلْيَةُ لِلسَّيْفِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ وَإِنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ لِمُصْحَفٍ أَوْ كَانَ الْخَاتَمُ لِرَجُلٍ مِنْ ذَهَبٍ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَلَوْلَا أَنَّهُ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَخَتَّمَ بِخَاتَمِ فِضَّةٍ وَأَنَّهُ كَانَ فِي سَيْفِهِ حِلْيَةُ فِضَّةٍ مَا جَازَ أَنْ يَتْرُكَ الزَّكَاةَ فِيهِ مَنْ رَأَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ لِأَنَّ الْحُلِيَّ لِلنِّسَاءِ لَا لِلرِّجَالِ. [الْعَبْدُ يَأْبَقُ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ كَافِرًا كَانَ أَوْ مُسْلِمًا سَوَاءٌ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ وَأَنَّهُ لِسَيِّدِهِ قَبْلَ الْمَقَاسِمِ وَبَعْدَهَا وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ فَكَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. [فِي السَّبْيِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَإِذَا سُبِيَ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ وَالْوِلْدَانُ ثُمَّ أُخْرِجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الرِّجَالِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الصُّلْحِ وَالْمُسْلِمِينَ قَدْ فَادَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَسْرَى فَرَجَعُوا إلَى مَكَّةَ وَهُمْ كَانُوا عَدُوَّهُ وَقَاتَلُوهُ بَعْدَ فَدَائِهِمْ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ وَقَاتَلُوهُ بَعْدَ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ وَفَدَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ فَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ السَّبْيِ البوالغ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالصُّلْحِ وَمَنْ كَانَ مِنْ الْوِلْدَانِ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالصُّلْحِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إنْ مَاتَ قَدْ بَاعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْيَ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالصُّلْحِ فَبَعَثَ بِهِمْ أَثْلَاثًا، ثُلُثًا إلَى نَجْدٍ وَثُلُثًا إلَى تِهَامَةَ وَهَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ أَهْلُ أَوْثَانٍ وَثُلُثًا إلَى الشَّامِ وَأُولَئِكَ مُشْرِكُونَ فِيهِمْ الْوَثَنِيُّ وَغَيْرُ الْوَثَنِيِّ وَفِيهِمْ الْوِلْدَانُ مَعَ أُمَّهَاتِهِمْ وَلَمْ أَعْلَمْ مِنْهُمْ أَحَدًا كَانَ خَلِيًّا مِنْ أُمِّهِ فَإِذَا كَانَ مَوْلُودٌ خَلِيًّا مِنْ أُمِّهِ لَمْ أَرَ أَنْ يُبَاعَ إلَّا مِنْ مُسْلِمٍ وَسَوَاءٌ كَانَ السَّبْيُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَمَنْ وَصَفْت أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَّ عَلَيْهِمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَقَدْ مَنَّ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ فَلَمْ يُقْتَلْ، وَقُتِلَ أَعْمَى مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ الْإِسَارِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قَتْلِ مَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ إذَا أَبَى الْإِسْلَامَ أَوْ الْجِزْيَةَ. قَالَ: وَيُقْتَلُ الْأَسِيرُ بَعْدَ وَضْعِ الْحَرْبِ أَوْزَارَهَا وَقَدْ قَتَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ قَتَلَ فِي ذَلِكَ الْأَسْرِ وَكَذَلِكَ يُقْتَلُ كُلُّ مُشْرِكٍ بَالِغٍ إذَا أَبَى الْإِسْلَامَ أَوْ الْجِزْيَةَ وَإِذَا دَعَا الْإِمَامُ الْأَسِيرَ إلَى الْإِسْلَامِ فَحَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يَدْعُهُ وَقَتَلَهُ فَلَا بَأْسَ، وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْأَسِيرَ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ وَبَعْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا عَزْمَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُرْسِلَهُ وَيَقْتُلَهُ وَيُفَادِيَ بِهِ كَانَ حُكْمُهُ غَيْرَ حُكْمِ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَيْسَ لِلْإِمَامِ إلَّا إعْطَاؤُهَا مَنْ أَوْجَفَ عَلَيْهَا وَلَكِنَّهُ لَوْ قَتَلَ طِفْلًا أَوْ امْرَأَةً عُوقِبَ وَغَرِمَ أَثْمَانَهُمَا، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا غَرِمَ ثَمَنَهُ، وَإِذَا سِيقَ السَّبْيُ فَأَبْطَئُوا أَوْجَفُوا وَلَا مَحْمَلَ لَهُمْ بِحَالٍ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا الرِّجَالَ وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوهُمْ وَكَذَلِكَ إنْ خِيفُوا وَلَيْسَ لَهُمْ قَتْلُ النِّسَاءِ وَلَا الْوِلْدَانِ بِحَالٍ وَلَا قَتْلُ شَيْءٍ مِنْ الْبَهَائِمِ إلَّا ذَبْحًا لِمَأْكَلِهِ لَا غَيْرِهِ لَا فَرَسَ وَلَا غَيْرَهُ، فَإِنْ اتَّهَمَ الْإِمَامُ الَّذِي يَسُوقُ السَّبْيَ أَحَلَفَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا جَنَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ السَّبْيِ جِنَايَةً لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَا يَفْدِيهَا مِنْ مَالِ الْجَيْشِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهَا بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهَا أَقَلَّ مِنْ الْجِنَايَةِ أَوْ مِثْلُهَا دَفَعَهُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَيْسَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْشِ جِنَايَتِهِ وَالزِّيَادَةُ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا مَوْلُودٌ صَغِيرٌ وَوَلَدَتْ بَعْدَمَا جَنَتْ وَقَبِلَ تُبَاعَ بِيعَتْ وَمَوْلُودُهَا وَقُسِمَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا فَمَا أَصَابَهَا كَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا وَصَفْت وَمَا أَصَابَ وَلَدَهَا فَلِجَمَاعَةِ الْجَيْشِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْجَانِي قَالَ: وَالْبَيْعُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ جَائِزٌ فَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ الْمَغْنَمِ ثُمَّ خَرَجَ فَلَقِيَهُ الْعَدُوُّ فَأَخَذُوهُ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يَبْعَثَ مَعَ النَّاسِ مَنْ يَحُوطُهُمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : يُجَزِّئُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ الْمَوْلُودُ عَلَى الْإِسْلَامِ الصَّغِيرُ وَوَلَدُ الزِّنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْعَدُوُّ يُغَلِّقُونَ الْحُصُونَ عَلَى النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ وَالْأَسْرَى هَلْ تُرْمَى الْحُصُونُ بِالْمَنْجَنِيقِ] ِ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إذَا كَانَ فِي حِصْنِ الْمُشْرِكِينَ نِسَاءٌ وَأَطْفَالٌ وَأَسْرَى مُسْلِمُونَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُنْصَبَ الْمَنْجَنِيقُ عَلَى الْحِصْنِ دُونَ الْبُيُوتِ الَّتِي فِيهَا السَّاكِنُ إلَّا أَنْ يَلْتَحِمَ الْمُسْلِمُونَ قَرِيبًا مِنْ الْحِصْنِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُرْمَى بُيُوتُهُ وَجُدْرَانُهُ فَإِذَا كَانَ فِي الْحِصْنِ مُقَاتِلَةٌ مُحَصَّنُونَ رُمِيَتْ الْبُيُوتُ وَالْحُصُونُ، وَإِذَا تَتَرَّسُوا بِالصِّبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمُونَ مُلْتَحِمُونَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْمِدُوا الْمُقَاتِلَةَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَالصِّبْيَانِ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُلْتَحِمِينَ أَحْبَبْت لَهُ الْكَفَّ عَنْهُمْ حَتَّى يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ غَيْرَ مُتَتَرِّسِينَ، وَهَكَذَا إنْ أَبْرَزُوهُمْ فَقَالُوا: إنْ رَمَيْتُمُونَا وَقَاتَلْتُمُونَا قَاتَلْنَاهُمْ، وَالنِّفْطُ وَالنَّارُ مِثْلُ الْمَنْجَنِيقِ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ وَالدُّخَانُ. [فِي قَطْعِ الشَّجَرِ وَحَرْقِ الْمَنَازِلِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا بَأْسَ بِقَطْعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَتَخْرِيبِ الْعَامِرِ وَتَحْرِيقِهِ مِنْ بِلَادِ الْعَدُوِّ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِتَحْرِيقِ مَا قَدَرَ لَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ وَطَعَامٍ لَا رُوحَ فِيهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ وَأَهْلِ الطَّائِفِ وَقَطَعَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي بَنِي النَّضِيرِ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} [الحشر: 5] الْآيَةُ فَأَمَّا مَالَهُ رُوحٌ فَإِنَّهُ يَأْلَمُ مِمَّا أَصَابَهُ فَقَتْلُهُ مُحَرَّمٌ إلَّا بِأَنْ يُذْبَحَ فَيُؤْكَلَ وَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ لِمُغَايَظَةِ الْعَدُوِّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا سَأَلَهُ اللَّهُ عَنْهَا قِيلَ: وَمَا حَقُّهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلَهَا وَلَا يَقْطَعَ رَأْسَهَا فَيَرْمِيَ بِهِ» وَلَا يُحَرِّقُ نَحْلًا وَلَا يُغْرِقُ لِأَنَّهُ لَهُ رُوحٌ وَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَسْرَى أَوْ مُسْتَأْمَنِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ قَذَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ زَنَوْا بِغَيْرِ حَرْبِيَّةٍ فَعَلَيْهِمْ فِي هَذَا كُلِّهِ الْحُكْمُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ لَوْ فَعَلُوهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ لَوْ زَنَى أَحَدُهُمْ بِحَرْبِيَّةٍ إذَا ادَّعَى الشُّبْهَةَ، وَلَا تُسْقِطُ دَارُ الْحَرْبِ عَنْهُمْ فَرْضًا كَمَا لَا تُسْقِطُ عَنْهُمْ صَوْمًا وَلَا صَلَاةً وَلَا زَكَاةً وَالْحُدُودُ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ كَمَا هَذِهِ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ حَدًّا وَهُوَ مُحَاصِرٌ لِلْعَدُوِّ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَمْنَعُنَا الْخَوْفُ عَلَيْهِ مِنْ اللُّحُوقِ بِالْمُشْرِكِينَ أَنْ نُقِيمَ عَلَيْهِ حَدًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَوْ فَعَلْنَا تَوَقِّيًا أَنْ يَغْضَبَ مَا أَقَمْنَا الْحَدَّ عَلَيْهِ أَبَدًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَالْعِلَّةُ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُعَطَّلَ عَنْهُ الْحَدُّ إبْطَالًا لِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعِلَّةِ جَهَالَةٍ وَغَيًّا قَدْ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدَّ بِالْمَدِينَةِ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهَا وَفِيهَا شِرْكٌ كَثِيرٌ مُوَادِعُونَ وَضَرَبَ الشَّارِبَ بِحُنَيْنٍ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهُ وَإِذَا أَصَابَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ بِجُرْحٍ خَطَأً فَلَا يَكُونُ لَهُ عَقْلٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْمَرْءُ مَا جَنَى عَلَى نَفْسِهِ وَقَدْ يُرْوَى أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ضَرَبَ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي غُزَاةٍ أَظُنُّهَا خَيْبَرَ بِسَيْفٍ فَرَجَعَ السَّيْفُ عَلَيْهِ فَأَصَابَهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ عَقْلًا وَإِذَا نَصَبَ الْقَوْمُ الْمَنْجَنِيقَ فَرَمَوْا بِهَا فَرَجَعَ الْحَجَرُ عَلَى أَحَدِهِمْ فَقَتَلَهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَوَاقِلِ الَّذِينَ رَمَوْا بِالْمَنْجَنِيقِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ رَمَى بِهِ مَعَهُمْ رُفِعَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا عَشَرَةً هُوَ عَاشِرُهُمْ فَجِنَايَةُ الْعَشْرِ عَلَى نَفْسِهِ مَرْفُوعَةٌ عَنْ نَفْسِهِ وَعَاقِلَتِهِ وَلَا يَضْمَنُ هُوَ وَلَا عَاقِلَتُهُ عَمَّا جَنَى عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ تِسْعَةُ أَعْشَارِ دِيَتِهِ وَعَلَى الرَّامِينَ الْكَفَّارَةُ وَلَا يَكُونُ كَفَّارَةٌ وَلَا عَقْلٌ عَلَى مَنْ سَدَّدَهُمْ وَأَرْشَدَهُمْ وَأَمَرَهُمْ حَيْثُ يَرْمُونَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَاعِلٍ شَيْئًا إنَّمَا تَكُونُ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الَّذِينَ كَانَ بِفِعْلِهِمْ الْقَتْلُ وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ الْخَطَأِ وَلَوْ كَانَ دِرْهَمًا أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ إذَا حَمَلَتْ الْأَكْثَرَ حَمَلَتْ الْأَقَلَّ وَقَدْ قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعَاقِلَةِ بِدِيَةِ الْجَنِينِ وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا فَأَدَانَ دَيْنًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَهُ الْحَرْبِيُّ الَّذِي أَدَانَهُ مُسْتَأْمَنًا قَضَيْت عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ كَمَا أَقْضِي بِهِ لِلْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْحُكْمَ جَارٍ عَلَى الْمُسْلِمِ حَيْثُ كَانَ لَا نُزِيلُ الْحَقَّ عَنْهُ بِأَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ كَمَا لَا تَزُولُ عَنْهُ الصَّلَاةُ أَنْ يَكُونَ بِدَارِ الشِّرْكِ فَإِنْ قَالَ رَجُلٌ: الصَّلَاةُ فَرْضٌ فَكَذَلِكَ أَدَاءُ الدَّيْنِ فَرْضٌ وَلَوْ كَانَ الْمُتَدَايِنَانِ حَرْبِيَّيْنِ فَاسْتَأْمَنَّا ثُمَّ تُطَالَبَا ذَلِكَ الدَّيْنَ فَإِنْ رَضِيَا حُكْمَنَا فَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نَقْضِيَ لَهُمَا بِالدَّيْنِ حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ حَلَالٍ فَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّهُ مِنْ حَلَالٍ قَضَيْنَا لَهُمَا بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَا فَعَلِمْنَا أَنَّهُ حَلَالٍ قَضَيْنَا لَهُمَا بِهِ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقِرًّا لِصَاحِبِهِ بِالْحَقِّ لَا غَاصِبَ لَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ غَصَبَهُ عَلَيْهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ أُتْبِعْهُ بِشَيْءٍ لِأَنِّي أُهْدِرُ عَنْهُمْ مَا تغاصبوا بِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى أَنَّك تَقْضِي لَهُ بِهِ إذَا لَمْ يَغْصِبْهُ؟ قِيلَ لَهُ: أَبَى أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] وَقَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279] فَلَمْ يُبْطِلْ عَنْهُمْ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ إذَا لَمْ يَتَقَابَضُوا وَقَدْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِهَا وَمُسْتَيْقِنِينَ فِي الْفَضْلِ فِيهَا فَأَهْدَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ مَا أَصَابُوا مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْغَصْبِ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِقْرَارِ بِهِ وَإِذَا أَحْصَنَ الذِّمِّيَّانِ ثُمَّ زَنَيَا ثُمَّ تَحَاكَمَا إلَيْنَا رَجَمْنَاهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَا بَعْدَ إحْصَانِهِمَا ثُمَّ زَنَيَا مُسْلِمَيْنِ رَجَمْنَاهُمَا إذَا عَدَدْنَا إحْصَانَهُمَا وَهُمَا مُشْرِكَانِ إحْصَانًا نَرْجُمُهُمَا بِهِ فَهُوَ إحْصَانٌ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا وَلَا يَكُونُ إحْصَانًا مَرَّةً وَسَاقِطًا أُخْرَى وَالْحَدُّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَوْجَبُ مِنْهُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَإِذَا أَتَيَا جَمِيعًا فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَرْضَ الْآخَرُ حَكَمْنَا عَلَى الرَّاضِي بِحُكْمِنَا وَأَيُّ رَجُلٍ أَصَابَ زَوْجَةً صَحِيحَةَ النِّكَاحِ حُرَّةً ذِمِّيَّةً أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً وَهُوَ حُرٌّ بَالِغٌ فَهُوَ مُحْصَنٌ وَكَذَلِكَ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ يُصِيبُهَا الْمُسْلِمُ وَكَذَلِكَ الْحُرَّةُ الذِّمِّيَّةُ يُصِيبُهَا الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ إنَّمَا الْإِحْصَانُ الْجِمَاعُ بِالنِّكَاحِ لَا غَيْرِهِ فَمَتَى وَجَدْنَا جِمَاعًا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَهُوَ إحْصَانٌ لِلْحُرِّ مِنْهُمَا وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ دَارَ الْحَرْبِ فَوَجَدَ فِي أَيْدِيهِمْ أَسْرَى رِجَالًا وَنِسَاءً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاشْتَرَاهُمْ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ بِمَا أَعْطَى لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالشِّرَاءِ لِمَا لَيْسَ يُبَاعُ مِنْ الْأَحْرَارِ فَإِنْ كَانُوا أَمَرُوهُ بِشِرَائِهِمْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِمَا أَعْطَى فِيهِمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ أَعْطَى بِأَمْرِهِمْ وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ ثُمَّ رَجَعَ فَنَقَضَ قَوْلَهُ فَزَعَمَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ دَخَلَ بِلَادَ الْحَرْبِ وَفِي أَيْدِيهِمْ عَبْدٌ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الرَّجُلِ وَلَا الْعَبْدِ كَانَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ سَيِّدُ الْعَبْدِ أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ إذَا زَعَمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُ مَأْمُورٍ مُتَطَوِّعٍ لَزِمَهُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ لِسَيِّدِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِشَيْءٍ مِنْ ثَمَنِهِ وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْعَبْدِ كَمَا نَقُولُ فِي الْحُرِّ لَا يَخْتَلِفَانِ وَإِنَّمَا غَلِطَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَمْلِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَالِكٌ مِنْ مَالِكٍ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَالِكٌ مِنْ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الذِّمِّيُّ اشْتَرَاهُ وَإِذَا أُسِرَتْ الْمُسْلِمَةُ فَنَكَحَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ وَطِئَهَا بِلَا نِكَاحٍ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ لَمْ تُسْتَرَقَّ هِيَ وَلَا وَلَدُهَا لِأَنَّ أَوْلَادَهَا مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهَا فَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ هَذَا الْوَلَدُ وَلَحِقَ بِالنَّاكِحِ الْمُشْرِكِ وَإِنْ كَانَ نِكَاحُهُ فَاسِدًا لِأَنَّهُ نِكَاحُ شُبْهَةٍ وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْتَأْمَنُ بِلَادَ الْإِسْلَامِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ وَدِيَتِهِ فَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا أَوْ وَثَنِيًّا فَهُوَ كَالْمَجُوسِيِّ فَثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي مَالِهِ حَالَّةً فَإِنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ ثَابِتٍ الْحَدَّادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَفِي الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أُرْسِلْنَا إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَسْأَلُهُ عَنْ دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ قَالَ: قَضَى فِيهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَإِنْ كَانَ مَعَ هَذَا الْمُسْتَأْمَنِ الْمَقْتُولِ مَالٌ رُدَّ إلَى وَرَثَتِهِ كَمَا يُرَدُّ مَالُ الْمُعَاهَدِ إلَى وَرَثَتِهِ إذَا كَانَ الدَّمُ مَمْنُوعًا بِالْإِسْلَامِ وَالْأَمَانِ فَالْمَالُ مَمْنُوعٌ بِذَلِكَ وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا فَخَرَجَ بِمَالٍ مِنْ مَالِهِمْ يَشْتَرِي لَهُمْ بِهِ شَيْئًا فَأَمَّا مَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا نَعْرِضُ لَهُ وَيُرَدُّ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ الْمُسْلِمِ بِهِ أَمَانًا لِلْكَافِرِ فِيهِ وَإِذَا اسْتَأْمَنَ الْعَبْدُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وَيُعْتَقَ فَذَلِكَ لِلْإِمَامِ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حِصَارِ ثَقِيفٍ مَنْ نَزَلَ إلَيْهِ مِنْ عَبْدٍ فَأَسْلَمَ فَشَرَطَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ فَنَزَلَ إلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ ثَقِيفٍ فَأَعْتَقَهُمْ ثُمَّ جَاءَ سَادَتُهُمْ بَعْدَهُمْ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَيْهِمْ فَقَالَ: هُمْ أَحْرَارٌ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرُدَّهُمْ وَإِذَا وُجِدَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ بِغَيْرِ سِلَاحٍ وَقَالَ: جِئْت رَسُولًا مُبَلِّغًا قُبِلَ مِنْهُ وَلَمْ نَعْرِضْ لَهُ فَإِنْ اُرْتِيبَ بِهِ أُحْلِفَ فَإِذَا حَلَفَ تُرِكَ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ سِلَاحٌ وَكَانَ مُنْفَرِدًا لَيْسَ فِي جَمَاعَةٍ يَمْتَنِعُ مِثْلُهَا لِأَنَّ حَالَهُمَا جَمِيعًا يُشْبِهُ مَا ادَّعَيَا وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا يُشْبِهُ مَا قَالَ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِذَا أَتَى الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِغَيْرِ عَقْدٍ عَقَدَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَرَادَ الْمُقَامَ مَعَهُمْ فَبِهَذِهِ الدَّارِ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِمُؤْمِنٍ أَوْ مُعْطِي جِزْيَةٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قِيلَ لَهُ: إنْ أَرَدْت الْمُقَامَ فَأَدِّ الْجِزْيَةَ وَإِنْ لَمْ تُرِدْهُ فَارْجِعْ إلَى مَأْمَنِك فَإِنْ اسْتَنْظَرَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُنْظَرَ إلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَأَكْثَرَ مَا يَجْعَلُ لَهُ أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهِ الْحَوْلَ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ فِي الْحَوْلِ فَلَا يُقِيمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَقَامَ مَنْ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَلَا يُؤَدِّيهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ بِحَالٍ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ أَعْجَمِيًّا وَلَا يُنْظَرَا إلَّا كَإِنْظَارِ هَذَا وَذَلِكَ دُونَ الْحَوْلِ وَإِذَا دَخَلَ قَوْمٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِتِجَارَةٍ ظَاهِرِينَ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ حَالَ هَؤُلَاءِ حَالُ مَنْ لَمْ يَزَلْ يُؤَمِّنُ مِنْ التُّجَّارِ وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ مُشْرِكًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلُ يُؤْخَذُ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَالِهِ وَلَوْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَفَعَلُوا هَذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا وَلَوْ قَاتَلُوا ثُمَّ أُسِرُوا فَأَسْلَمُوا بَعْدَ الْإِسَارِ فَهُمْ فَيْءٌ وَأَمْوَالُهُمْ وَلَا سَبِيلَ عَلَى دِمَائِهِمْ لِلْإِسْلَامِ فَإِذَا كَانَ هَذَا بِبِلَادِ الْحَرْبِ فَأَسْلَمَ رَجُلٌ فِي أَيِّ حَالٍ مَا أَسْلَمَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يُؤْسَرَ أَحْرَزَ لَهُ إسْلَامُهُ دَمَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رِقٌّ وَهَكَذَا إنْ صَلَّى فَالصَّلَاةُ مِنْ الْإِيمَانِ أَمْسَكَ عَنْهُ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُؤَمَّنٌ فَقَدْ أَحْرَزَ مَالَهُ وَنَفْسَهُ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاتَهُ وَأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ الْإِيمَانِ كَانَ فَيْئًا إنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ. [الْحَرْبِيُّ إذَا لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ لَجَئُوا إلَى الْحَرَمِ فَكَانُوا مُمْتَنِعِينَ فِيهِ أُخِذُوا كَمَا يُؤْخَذُونَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَنَحْكُمُ فِيهِمْ مِنْ الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ كَمَا نَحْكُمُ فِيمَنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْحَرَمَ لَا يَمْنَعُهُمْ وَقَدْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَّةَ: هِيَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ لَمْ تَحْلُلْ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَلَمْ تَحْلُلْ لِي إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» وَهَلْ سَاعَتُهَا هَذِهِ مُحَرَّمَةٌ؟ قِيلَ: إنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تَحْلُلْ أَنْ يَنْصَبَّ عَلَيْهَا الْحَرْبُ حَتَّى تَكُونَ كَغَيْرِهَا فَإِنْ قَالَ: مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ: أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَمَا قُتِلَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَخُبَيْبٌ وَابْنُ حَسَّانَ بِقَتْلِ أَبِي سُفْيَانَ فِي دَارِهِ بِمَكَّةَ غِيلَةً إنْ قُدِرَ عَلَيْهِ. وَهَذَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ مُحَرَّمَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ شَيْءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا إنَّمَا يُمْنَعُ أَنْ يَنْصَبَّ عَلَيْهَا الْحَرْبُ كَمَا يَنْصَبُّ عَلَى غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْحَرْبِيُّ يَدْخُلُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَيَشْتَرِي عَبْدًا مُسْلِمًا] (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ مَفْسُوخًا وَأَنْ يَكُونَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْأَوَّلِ أَوْ يَكُونَ الشِّرَاءُ جَائِزًا وَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ حَتَّى يَهْرُبَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَ عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُ إنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ فَبَيْعُهُ وَهِبَتُهُ جَائِزَةٌ وَلَا يَكُونُ حُرًّا بِإِدْخَالِهِ إيَّاهُ دَارَ الْحَرْبِ وَلَا يُعْتَقُ بِالْإِسْلَامِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَهُوَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا كَمَا أَعْتَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ خَرَجَ مِنْ حِصْنِ ثَقِيفٍ مُسْلِمًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَرَأَيْت إنْ ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَعْتَقَهُمْ بِالْإِسْلَامِ دُونَ الْخُرُوجِ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ قِيلَ لَهُ: قَدْ جَاءَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدٌ مُسْلِمٌ ثُمَّ جَاءَهُ سَيِّدُهُ يَطْلُبُهُ فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ بِعَبْدَيْنِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُعْتِقُهُ لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ حُرًّا وَلَمْ يُعْتِقْهُ هُوَ بَعْدُ وَلَكِنَّهُ أَسْلَمَ غَيْرَ خَارِجٍ مِنْ بِلَادٍ مَنْصُوبٍ عَلَيْهَا حَرْبٌ. [عَبْدُ الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ] ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا حَتَّى ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا كَانَ رَقِيقًا مَحْقُونَ الدَّمِ بِالْإِسْلَامِ. [الْغُلَامُ يُسْلِمُ] ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَإِذَا أَسْلَمَ الْغُلَامُ الْعَاقِلُ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ أَوْ يَبْلُغَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَهُوَ الذِّمِّيُّ وَوَصْفُ الْإِسْلَامِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يَبِيعَهُ وَأَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُبَاعَ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِفَ وَالْإِسْلَامُ بَعْدَ الْحُلُمِ أَوْ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً فَيَكُونُ فِي السِّنِّ الَّتِي لَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَهَا قُتِلَ. وَإِنَّمَا قُلْت: أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ عَبِيدِهِ أُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِهِ وَهُوَ لَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ وَإِنَّمَا جَعَلْتُهُ مُسْلِمًا بِحُكْمِ غَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ إذَا وَصَفَ الْإِسْلَامَ وَهُوَ يَعْقِلُهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُخَالِفُهُ فَيَحْتَمِلُ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا كَانَ صَحِيحًا وَهَذَا قِيَاسٌ فِيهِ شُبْهَةٌ. [فِي الْمُرْتَدِّ] ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : رَحْمَةُ اللَّهُ عَلَيْهِ: وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ هَرَبَ فَلَمْ يَدْرِ أَيْنَ هُوَ أَوْ خَرِسَ أَوْ عَتِهَ أَوْقَفْنَا مَالَهُ فَلَمْ نَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ امْرَأَتِهِ بَانَتْ مِنْهُ وَأَوْقَفْنَا أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ وَجَمِيعَ مَالِهِ وَبِعْنَا مِنْ رَقِيقِهِ مَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ بَيْعُهُ نَظَرًا لَهُ وَلَمْ يَحْلُلْ مِنْ دُيُونِهِ الْمُؤَجَّلَةِ شَيْءٌ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ دَفَعْنَا إلَيْهِ مَالَهُ كَمَا كَانَ بِيَدِهِ قَبْلَ مَا صَنَعَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَمَالُهُ فَيْءٌ يُخَمَّسُ فَتَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَخُمُسُهُ لِأَهْلِ الْخُمْسِ. فَإِنْ زَعَمَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جَاءَ بِهَا أُعْطِيَ مَالُهُ وَرَثَتَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا وَقَدْ عَلِمْت مِنْهُ الرِّدَّةَ فَمَالُهُ فَيْءٌ، وَإِنْ قَدِمَ لِيُقْتَلَ فَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَقَتَلَهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ أَنْ يُسْتَتَابَ بَعْضُ الْمُرْتَدِّينَ فَمِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى قَاتِلِهِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ وَلَوْلَا الشُّبْهَةُ لَكَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَقَدْ خَالَفَنَا فِي هَذَا بَعْضُ النَّاسِ وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي كِتَابِ الْمُرْتَدِّ وَإِذَا عَرَضَتْ الْجَمَاعَةُ لِقَوْمٍ مِنْ مَارَّةِ الطَّرِيقِ وَكَابَرُوهُمْ بِالسِّلَاحِ فَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِّبُوا، وَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا قَتِّلُوا وَلَمْ يُصَلَّبُوا، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ نُفُوا مِنْ الْأَرْضِ وَنَفْيُهُمْ أَنْ يُطْلَبُوا فَيُنْفَوْا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَإِذَا ظُفِرَ بِهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ أَيْ هَذِهِ الْحُدُودِ كَانَ حَدُّهُمْ وَلَا يَقْطَعُونَ حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرُ مَا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رُبْعَ دِينَارٍ فَإِنْ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ مَا لِلَّهِ مِنْ هَذِهِ الْحُدُودِ وَلَزِمَهُمْ مَا لِلنَّاسِ مِنْ مَالٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ نَفْسٍ حَتَّى يَكُونُوا يَأْخُذُونَهُ أَوْ يَدَعُونَهُ فَإِنْ كَانَتْ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ رِدْءًا لَهُمْ حَيْثُ لَا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ أَوْ يَسْمَعُونَهُ عُزِّرُوا وَلَمْ يُصْنَعْ بِهِمْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْحُدُودِ. وَلَا يُحَدُّ مِمَّنْ حَضَرَ الْمَعْرَكَةَ إلَّا مَنْ فَعَلَ هَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هُوَ بِالْفِعْلِ لَا بِالْحُضُورِ وَلَا التَّقْوِيَةِ. وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ فِي قَرْيَةٍ أَوْ صَحْرَاءَ وَلَوْ أَعْطَاهُمْ السُّلْطَانُ أَمَانًا عَلَى مَا أَصَابُوا كَانَ مَا أَعْطَاهُمْ عَلَيْهِ الْأَمَانُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ بَاطِلًا وَلَزِمَهُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُمْ حُقُوقَهُمْ إلَّا أَنْ يَدَعُوهَا وَلَوْ فَعَلُوا غَيْرَ مُرْتَدِّينَ عَنْ الْإِسْلَامِ. ثُمَّ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ بَعْدَ فِعْلِهِمْ ثُمَّ تَابُوا أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْحُدُودُ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوهَا وَهُمْ مِمَّنْ تَلْزَمُهُمْ تِلْكَ الْحُدُودُ وَلَوْ كَانُوا ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فِعْلِ هَذَا ثُمَّ فَعَلُوهُ مُرْتَدِّينَ ثُمَّ تَابُوا لَمْ نُقِمْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ هَذَا لِأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ وَهُمْ مُشْرِكُونَ مُمْتَنِعُونَ قَدْ ارْتَدَّ طُلَيْحَةُ فَقَتَلَ ثَابِتَ بْنَ أَفْرَمَ وَعُكَاشَة بْنَ مُحْصِنٍ بِيَدِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَمْ يُقَدْ مِنْهُ وَلَمْ يَعْقِلْ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَالِ الشِّرْكِ وَلَا تَبَاعَةَ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فِي يَدَيْهِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانُوا ارْتَدُّوا ثُمَّ فَعَلُوا هَذَا ثُمَّ تَابُوا ثُمَّ فَعَلُوا مِثْلَهُ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ فِي الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلُوهُ وَهُمْ مُسْلِمُونَ وَلَمْ تُقَمْ عَلَيْهِمْ فِي الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلُوهُ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (قَالَ) : وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَتَلَ مُسْلِمًا مُمْتَنِعًا وَغَيْرَ مُمْتَنِعٍ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ بِالرِّدَّةِ إنْ لَمْ تَزِدْهُ شَرًّا لَمْ تَزِدْهُ خَيْرًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ (قَالَ الرَّبِيعُ) : قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا سَرَقَ الْعَبْدُ مِنْ الْمَغْنَمِ فَبَلَغَتْ سَرِقَتُهُ تَمَامَ سَهْمِ حُرٍّ وَأَكْثَرَ فَكَانَ رُبْعَ دِينَارٍ وَأَكْثَرَ أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ لِلْعَبْدِ سَهْمَ رَجُلٍ فَإِذَا بَلَغَ سَهْمَ رَجُلٍ وَاَلَّذِي بَلَغَهُ بَعْدَ سَهْمِ رَجُلٍ رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ السَّهْمِ بِرُبْعٍ قُطِعَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا ارْتَدَّ الْعَبْدُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَمَّنَهُ الْإِمَامُ عَلَى أَنْ لَا يَرُدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ فَأَمَانُهُ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى سَيِّدِهِ فَلَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَيْهِ فَمَاتَ فِي يَدَيْهِ ضَمِنَ لِسَيِّدِهِ قِيمَتَهُ وَكَانَ كَالْغَاصِبِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ كَانَ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ أُجْرَتُهُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي حَبَسَهُ عَنْهُ فِيهَا، وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً يَكُونُ فِي مِثْلِهَا قِصَاصٌ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِصَاصٌ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ، وَلَا تُقْطَعُ يَدُ أَحَدٍ إلَّا السَّارِقُ وَقَدْ ضَرَبَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ بِالسَّيْفِ ضَرْبًا شَدِيدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُقْطَعْ صَفْوَانُ وَعَفَا حَسَّانُ بَعْدَ أَنْ بَرَأَ فَلَمْ يُعَاقِبْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفْوَانَ وَهَذَا يَدُلُّ أَنْ لَا عُقُوبَةَ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فَعُفِيَ عَنْهُ فِي دَمٍ وَلَا جُرْحٍ وَإِلَى الْوَالِي قَتْلُ مَنْ قَتَلَ عَلَى الْمُحَارِبَةِ لَا يَنْتَظِرُ بِهِ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ذَلِكَ قَالَ: وَمِثْلُهُ الرَّجُلُ يَقْتُلُ الرَّجُلَ مِنْ غَيْرِ نَائِرَةٍ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بَعْضُ مَنْ يَذْهَبُ مَذَاهِبَهُمْ بِأَمْرِ الْمُحَدَّرِ بْنِ زِيَادٍ وَلَوْ كَانَ حَدِيثُهُ مِمَّا نُثْبِتُهُ قُلْنَا بِهِ فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ كَمَا قَالُوا وَلَا أَعْرِفُهُ إلَى يَوْمِي هَذَا ثَابِتًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَكُلُّ مَقْتُولٍ قَتَلَهُ غَيْرُ الْمُحَارِبِ فَالْقَتْلُ فِيهِ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يَقُولُ {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] فَبَيَّنَ فِي حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ جَعَلَ الْعَفْوَ أَوْ الْقَتْلَ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ دُونَ السُّلْطَانِ إلَّا فِي الْمُحَارِبِ فَإِنَّهُ قَدْ حَكَمَ فِي الْمُحَارِبِينَ أَنْ يُقْتَلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا فَجَعَلَ ذَلِكَ حُكْمًا مُطْلَقًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَوْلِيَاءَ الدَّمِ. وَإِذَا كَانَ مِمَّنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ مَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَكَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرَّجُلِ الْيُسْرَى قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى وَالْحُكْمُ الْأَوْلَى فِي يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى مَا بَقِيَ مِنْهُمَا شَيْءٌ لَا يَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِمَا فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُمَا شَيْءٌ يَكُونُ فِيهِ حُكْمُ تَحَوُّلِ الْحُكْمِ إلَى الطَّرَفَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَكَانَ فِيهِمَا وَلَا نَقْطَعُ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ إلَّا فِيمَا تُقْطَعُ فِيهِ السُّرَّاقُ وَذَلِكَ رُبْعُ دِينَارٍ يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَصَاعِدًا أَوْ قِيمَتُهُ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ بِالْعَصَا وَالرَّمْيِ بِالْحِجَارَةِ مِثْلُهُ بِالسِّلَاحِ مِنْ الْحَدِيدِ وَإِذَا عَرَضَ اللُّصُوصُ لِقَوْمٍ فَلَا حَدَّ إلَّا فِي فِعْلٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَفْعَالُهُمْ فَحُدُودُهُمْ بِقَدْرِ أَفْعَالِهِمْ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَأَخَذَ الْمَالَ قُتِلَ وَصُلِّبَ وَمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا قُتِلَ وَلَمْ يُصَلَّبْ وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ خِلَافٍ وَمَنْ كَثُرَ جَمَاعَتُهُمْ وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ هَذَا قَاسَمَهُمْ مَا أَصَابُوا أَوْ لَمْ يُقَاسِمْهُمْ عُزِّرَ وَحُبِسَ وَلَيْسَ لِأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ عَفْوٌ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ حَدَّهُمْ بِالْقَتْلِ أَوْ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ أَوْ الْقَطْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَوْلِيَاءَ كَمَا ذَكَرَهُمْ فِي الْقِصَاصِ فِي الْآيَتَيْنِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَقَالَ فِي الْخَطَأِ {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] وَذَكَرَ الْقِصَاصَ فِي الْقَتْلَى ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] فَذَكَرَ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ أَهْلَ الدَّمِ وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي الْمُحَارِبَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ قَتْلِ الْمُحَارِبِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ قَتْلِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : كُلُّ مَا اسْتَهْلَكَ الْمُحَارَبُ أَوْ السَّارِقُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ فَوُجِدَ بِعَيْنِهِ أُخِذَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِعَيْنِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ يُتْبَعُ بِهِ قَالَ: وَإِنْ تَابَ الْمُحَارِبُونَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ مَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْحَدِّ وَلَزِمَهُمْ مَا لِلنَّاسِ مِنْ حَقٍّ فَمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءَ عَفَا وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ حَالًّا مِنْ مَالِ الْقَاتِلِ وَمَنْ جَرَحَ مِنْهُمْ جُرْحًا فِيهِ قِصَاصٌ فَالْجُرُوحُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبَّ فَلَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ عَقْلُ الْجُرُوحِ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ عَبْدٌ فَأَصَابَ دَمًا عَمْدًا فَوَلِيُّ الدَّمِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يُبَاعَ لَهُ فَتُؤَدَّى إلَيْهِ دِيَةُ قَتْلِهِ إنْ كَانَ حُرًّا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَقِيمَةُ قَتِيلِهِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ رُدَّ إلَى مَالِكِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الدِّيَةِ لَمْ يَضْمَنْ مَالِكُهُ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ كَفَافًا لِلدِّيَةِ فَهُوَ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ مَالِكُ الْعَبْدِ إذَا عَفَا لَهُ عَنْ الْقِصَاصِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِدِيَةِ الَّذِي قَتَلَهُ عَبْدُهُ أَوْ قِيمَتَهُ وَإِذَا كَانَتْ فِي الْمُحَارَبِينَ امْرَأَةٌ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الرِّجَالِ لِأَنِّي وَجَدْت أَحْكَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَاحِدَةً قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَقَالَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ فِي أَنْ تُقْتَلَ الْمَرْأَةُ إذَا قَتَلَتْ وَإِذَا أَحْدَثَ الْمُسْلِمُ حَدَثًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ مُقِيمًا بِهَا مُمْتَنِعًا أَوْ مُسْتَخْفِيًا أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسَأَلَ الْأَمَانَ عَلَى إحْدَاثِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا حُقُوقٌ لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ يَنْبَغِ لِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَمِّنَهُ عَلَيْهَا وَلَوْ أَمَّنَهُ عَلَيْهَا فَجَاءَ طَالِبُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَأَحْدَثَ بَعْدَ الرِّدَّةِ ثُمَّ اسْتَأْمَنَ أَوْ جَاءَ مُؤْمِنًا سَقَطَ عَنْهُ جَمِيعَ مَا أَحْدَثَ فِي الرِّدَّةِ وَالِامْتِنَاعِ قَدْ ارْتَدَّ طُلَيْحَةُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَثَنِيًّا وَقَتَلَ ثَابِتُ بْنُ أَفْرَمَ وَعُكَاشَة بْنُ مُحْصِنٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَمْ يُقَدْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ عَقْلٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] وَلَمْ أَعْلَمْ بِذَلِكَ فِي أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلَمْ لَا تَجْعَلُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمُمْتَنِعِينَ كَمَا تَجْعَلُهُ فِي الْمُشْرِكِينَ الْمُمْتَنِعِينَ؟ قِيلَ: لَمَّا وَصَفْنَا مِنْ سُقُوطِ مَا أَصَابَ الْمُشْرِكُ فِي شِرْكِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ عَنْهُ وَثُبُوتُ مَا أَصَابَ الْمُسْلِمُ فِي امْتِنَاعِهِ مَعَ إسْلَامِهِ فَإِنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَوَجَدْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَدَّ الْمُحَارِبِينَ وَهُمْ مُمْتَنِعُونَ كَمَا حَدَّ غَيْرَهُمْ وَزَادَهُمْ فِي الْحَدِّ بِزِيَادَةِ ذَنْبِهِمْ وَلَمْ يُسْقِطْ عَنْهُمْ بِعِظَمِ الذَّنْبِ شَيْئًا كَمَا أَسْقَطَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اسْتَأْمَنَ الْإِمَامَ عَلَى أَنْ لَا يَرُدَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَى أَنَّك حُرٌّ كَانَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ وَأَمَانُ الْإِمَامِ فِي حُقُوقِ النَّاسِ بَاطِلٌ وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ الطَّرِيقَ عَلَى رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ وَأَخَذَ الْمَالَ فَإِنْ كَانَ مَا أَخَذَ مِنْ حِصَّةِ الَّذِي لَيْسَ بِأَبِيهِ يَبْلُغُ رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قُطِعَ كَانَ مَالُهُمَا مُخْتَلِطًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَمْلِكُ بِمُخَالَطَتِهِ مَالَ غَيْرِهِ إلَّا مَالَ نَفْسِهِ فَإِنْ اسْتَيْقَنَّا أَنْ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِ رُبْعُ دِينَارٍ مِنْ غَيْرِ مَالِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ قَطَعْنَاهُ وَإِذَا قَطَعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ. عَلَى الْمُسْلِمِينَ حُدُّوا حُدُودَ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا قَطَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ حُدُّوا حُدُودَهُمْ لَوْ قَطَعُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنِّي أَتَوَقَّفُ فِي أَنْ أَقْتُلَهُمْ إنْ قَتَلُوا أَوْ أُضَمِّنَهُمْ الدِّيَةَ وَإِذَا سَرَقَ الرَّجُلُ مِنْ الْمَغْنَمِ وَقَدْ حَضَرَ الْقِتَالَ - عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا - لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ نَصِيبٌ الْحُرُّ بِسَهْمِهِ وَالْعَبْدُ بِمَا يُرْضَخُ لَهُ وَيَضْمَنُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ سَرَقَ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَمَنْ سَرَقَ خَمْرًا مِنْ كِتَابِيٍّ وَغَيْرِهِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَلَا قَطْعَ وَكَذَلِكَ إنْ سَرَقَ مَيْتَةً مِنْ مَجُوسِيٍّ فَلَا قَطْعَ وَلَا غُرْمَ لَا يَكُونُ الْقَطْعُ وَالْغُرْمُ إلَّا فِيمَا يَحِلُّ ثَمَنُهُ فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الظَّرْفِ رُبْعَ دِينَارٍ قَطَعْتُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ سَارِقٌ لِشَيْئَيْنِ وِعَاءٌ يَحِلُّ بَيْعُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ إذَا غُسِلَ وَخَمْرٌ قَدْ سَقَطَ الْقَطْعُ فِيهَا كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ لَوْ سَرَقَ شَاتَيْنِ: إحْدَاهُمَا ذَكِيَّةً وَالْأُخْرَى مَيِّتَةً وَكَانَتْ قِيمَةُ الذَّكِيَّةِ رُبْعَ دِينَارٍ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَيِّتَةٌ وَالْمَيِّتَةُ كَلَا شَيْءٍ وَكَأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِالذَّكِيَّةِ لِأَنَّهُ سَارِقٌ لَهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.