[كِتَابُ الْجِهَادِ] ِ مَصْدَرُ جَاهَدَ جِهَادًا وَمُجَاهَدَةً، مِنْ جَهِدَ أَيْ بَالَغَ فِي قَتْلِ عَدُوِّهِ فَهُوَ لُغَةً: بَذْلُ الطَّاقَةِ وَالْوُسْعِ وَشَرْعًا (قِتَالُ الْكُفَّارِ) خَاصَّةً (وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ} [البقرة: 216] {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 244] مَعَ قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122]- الْآيَةَ " فَإِذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِلَّا أَثِمُوا كُلُّهُمْ (وَسُنَّ) جِهَادٌ (بِتَأَكُّدٍ مَعَ قِيَامِ مَنْ يُكْفَى بِهِ) لِلْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ. وَمَعْنَى الْكِفَايَةِ هُنَا: نُهُوضُ قَوْمٍ يَكْفُونَ فِي قِتَالِهِمْ، جُنْدًا كَانُوا لَهُمْ دَوَاوِينُ أَوْ أَعَدُّوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ تَبَرُّعًا، بِحَيْثُ إذَا قَصَدَهُمْ الْعَدُوُّ حَصَلَتْ الْمَنْعَةُ بِهِمْ. وَيَكُونُ بِالثُّغُورِ مَنْ يَدْفَعُ الْعَدُوَّ عَنْ أَهْلِهَا. وَيَبْعَثُ الْإِمَامُ فِي كُلِّ سَنَةٍ جَيْشًا يُغِيرُونَ عَلَى الْعَدُوِّ فِي بِلَادِهِمْ (وَلَا يَجِبُ) جِهَادٌ (إلَّا عَلَى ذَكَرٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ فَقَالَ: عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ، الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» وَلِضَعْفِ الْمَرْأَةِ، أَيْ عَدَمِ شَجَاعَتِهَا وَخَوَرِهَا. فَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ. وَلَا يَجِبُ عَلَى خُنْثَى مُشْكِلٍ لِلشَّكِّ فِي شُرُوطِهِ (مُسْلِمٍ) كَسَائِرِ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ (حُرٍّ) فَلَا يَجِبُ عَلَى عَبْدٍ. لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُبَايِعُ الْحُرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ، وَيُبَايِعُ الْعَبْدَ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا الْجِهَادِ» (مُكَلَّفٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَى صَغِيرٍ وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ. لِحَدِيثِ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ " (صَحِيحٍ) أَيْ سَلِيمٍ مِنْ الْعَمَى وَالْعَرَجِ وَالْمَرَضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17] . وَكَذَا لَا يَلْزَمُ أَشَلَّ وَلَا أَقْطَعَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ، وَلَا أَكْثَرَ أَصَابِعِهِ ذَاهِبَةٍ أَوْ إبْهَامِهِ، أَوْ مَا يَذْهَبُ بِذَهَابِهِ نَفْعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ (وَلَوْ) كَانَ الصَّحِيحُ (أَعْشَى) أَيْ ضَعِيفَ الْبَصَرِ (أَوْ) كَانَ (أَعْوَرَ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ (وَلَا يُمْنَعُ أَعْمَى) وَالْعَرَجُ الْمُسْقِطُ لِلْوُجُوبِ: الْفَاحِشُ الْمَانِعُ الْمَشْيَ الْجَدِّ وَالرُّكُوبِ دُونَ السَّيْرِ الَّذِي لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ. وَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ مِنْ الْمَرَضِ إلَّا الشَّدِيدَ دُونَ الْيَسِيرِ، كَوَجَعِ ضِرْسٍ وَصُدَاعٍ خَفِيفٍ (وَاجِدٍ بِمِلْكٍ، أَوْ) وَاجِدٍ (بِبَذْلِ إمَامٍ مَا يَكْفِيهِ وَ) يَكْفِي (أَهْلَهُ فِي غَيْبَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91] الْآيَةَ (وَ) أَنْ يَجِدَ (مَعَ) بُعْدِ مَحَلِّ جِهَادٍ (مَسَافَةِ قَصْرٍ) فَأَكْثَرَ مِنْ بَلَدِهِ (مَا يَحْمِلُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: 92]- الْآيَةَ " وَيَعْتَبِرَانِ بِفَضْلِ ذَلِكَ عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَحَوَائِجِهِ كَحَجٍّ (وَيُسَنُّ تَشْيِيعُ غَازٍ لَا تَلَقِّيهِ) نَصًّا. لِأَنَّ عَلِيًّا «شَيَّعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَلَمْ يَتَلَقَّهُ» . وَرُوِيَ عَنْ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ " شَيَّعَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الشَّامِ " الْخَبَرَ وَفِيهِ " أَنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّه مِثْلُهُ حَجٌّ وَفِي الْفُنُونِ: تَحْسُنُ التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ لِلْمُسَافِرِ كَالْمَرْضَى (وَأَقَلُّ مَا يُفْعَلُ) جِهَادٌ (مَعَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً) لِأَنَّ الْجِزْيَةَ بَدَلٌ عَنْ النُّصْرَةِ. وَهِيَ تُؤْخَذُ كُلَّ عَامٍ. فَكَذَا مُبْدَلُهَا (إلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إلَى تَأْخِيرِهِ) كَضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ فِي عَدَدٍ أَوْ عُدَّةٍ أَوْ انْتِظَارِ مَدَدٍ يَسْتَعِينُونَ بِهِ، أَوْ بِالطَّرِيقِ مَانِعٌ، أَوْ خُلُوُّهَا مِنْ عَلَفٍ أَوْ مَاءٍ وَنَحْوِهَا. لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَالَحَ قُرَيْشًا عَشْرَ سِنِينَ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ حَتَّى نَقَضُوا عَهْدَهُ» وَأَخَّرَ قِتَالَ قَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ بِغَيْرِ هُدْنَةٍ. فَإِنْ دَعَتْ إلَيْهِ الْحَاجَةُ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ فِي عَامٍ فَعَلَ ; لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ. فَوَجَبَ مِنْهُ مَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ. وَلَا يُؤَخَّرُ لِرَجَاءِ إسْلَامِهِمْ (وَمَنْ حَضَرَهُ) أَيْ صَفَّ الْقِتَالِ (أَوْ حُصِرَ ; أَوْ) حُصِرَ (بَلَدَهُ) تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] وَقَوْلِهِ {إذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] (أَوْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ) فِي الْقِتَالِ وَلَوْ بَعُدَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (أَوْ اسْتَنْفَرَهُ) أَيْ طَلَبَهُ لِلْخُرُوجِ لِلْقِتَالِ (مَنْ لَهُ اسْتِنْفَارُهُ) مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ (تَعَيَّنَ) الْقِتَالُ (عَلَى مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ وَلَوْ عَبْدًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الْأَرْضِ} [التوبة: 38] وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَا يُنْفَرُ فِي) حَالِ (خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَلَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ) لِلصَّلَاةِ نَصًّا (وَلَوْ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَالنَّفِيرِ وَالْعَدُوُّ بَعِيدٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (صَلَّى ثُمَّ نَفَرَ) إجَابَةً لِلدُّعَاءَيْنِ. (وَ) إنْ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَالنَّفِيرِ (مَعَ قُرْبِهِ) أَيْ الْعَدُوِّ (يَنْفِرُ وَيُصَلِّي رَاكِبًا أَفْضَلُ) نَصًّا وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَنْفِرَ (وَلَا يُنَفِّرُ) أَيْ لَا يُنَادَى بِالنَّفِيرِ (لِ) أَجْلِ (آبِقٍ) لِئَلَّا يَهْلِكَ النَّاسُ بِسَبَبِهِ (وَلَوْ نُودِيَ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً لِحَادِثَةٍ يُشَاوَرُ فِيهَا لَمْ يَتَأَخَّرْ أَحَدٌ بِلَا عُذْرٍ) لَهُ لِوُجُوبِ جِهَادٍ بِغَايَةِ مَا يُمْكِنُ مِنْ بَدَنٍ وَرَأْيٍ وَتَدْبِيرٍ، وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ (وَمُنِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَزْعِ لَأْمَةِ حَرْبِهِ إذَا لَبِسَهَا حَتَّى يَلْقَى الْعَدُوَّ) لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَحَسَّنَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَالْلَأْمَةُ: كَتَمْرَةٍ تُجْمَعُ عَلَى لَأْمٍ كَتَمْرٍ وَعَلَى لُؤَمٍ كَصُرَدٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَعَلَّهُ جَمْعُ لُؤْمَةٍ كَجُمُعَةٍ وَجُمَعٍ (وَ) مُنِعَ (مِنْ الرَّمْزِ بِالْعَيْنِ وَالْإِشَارَةِ بِهَا) لِخَبَرِ «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَهِيَ الْإِيمَاءُ إلَى مُبَاحٍ مِنْ نَحْوِ ضَرْبٍ أَوْ قِتَالٍ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِشَبَهِهِ بِالْخَائِنَةِ لِإِخْفَائِهِ. وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا فِي مَحْظُورٍ (وَ) مُنِعَ مِنْ (الشِّعْرِ وَالْخَطِّ وَتَعَلُّمِهِمَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] وَقَوْلِهِ: {وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِك} [العنكبوت: 48] (وَأَفْضَلُ مُتَطَوَّعٍ بِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْجِهَادُ) . قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ الْعَمَلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلَ مِنْ الْجِهَادِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ; أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ; وَلِأَنَّ الْجِهَادَ بَذْلُ الْمُهْجَةِ وَالْمَالِ. وَنَفْعُهُ يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ صَغِيرَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ، قَوِيَّهُمْ وَضَعِيفَهُمْ ذَكَرَهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، وَغَيْرُهُ لَا يُسَاوِيهِ فِي نَفْعِهِ وَخَطَرِهِ. فَلَا يُسَاوِيهِ فِي فَضْلِهِ (وَغَزْوُ الْبَحْرِ أَفْضَلُ) مِنْ غَزْوِ الْبَرِّ. لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ مَرْفُوعًا «شَهِيدُ الْبَحْرِ مِثْلُ شَهِيدَيْ الْبَرِّ وَالْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ كَالْمُتَشَحِّطِ فِي دَمِهِ فِي الْبَرِّ وَمَا بَيْنَ الْمَوْجَتَيْنِ كَقَاطِعِ الدُّنْيَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَكَلَ مَلَكَ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ إلَّا شَهِيدَ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى قَبْضَ أَرْوَاحِهِمْ وَيَغْفِرُ لِشَهِيدِ الْبَرِّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا إلَّا الدَّيْنَ وَيَغْفِرُ لِشَهِيدِ الْبَحْرِ الذُّنُوبَ كُلَّهَا وَالدَّيْنَ» وَلِأَنَّ الْبَحْرَ أَعْظَمُ خَطَرًا وَمَشَقَّةً (وَتُكَفِّرُ) الذُّنُوبَ (الشَّهَادَةُ غَيْرَ الدَّيْنِ) لِلْخَبَرِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَغَيْرُ مَظَالِمِ الْعِبَادِ، كَقَتْلٍ وَظُلْمٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ أَخَّرَهُمَا. وَقَالَ: مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْحَجَّ يُسْقِطُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ اُسْتُتِيبَ فَإِنَّ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْآدَمِيِّ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عَرْضٍ بِالْحَجِّ إجْمَاعًا (وَيُغْزَى مَعَ كُلِّ بَارٍّ وَفَاجِرٍ يَحْفَظَانِ الْمُسْلِمِينَ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَ (لَا) يُغْزَى (مَعَ مُخَذِّلٍ وَنَحْوَهُ) كَمَعْرُوفٍ بِهَزِيمَةٍ أَوْ تَضْيِيعِ الْمُسْلِمِينَ (وَيُقَدَّمُ أَقْوَاهُمَا) أَيْ الْأَمِيرَيْنِ، وَلَوْ عُرِفَ بِنَحْوِ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ غُلُولٍ لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» (وَجِهَادُ) الْعَدُوِّ (الْمُجَاوِرِ مُتَعَيَّنٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123] وَلِأَنَّ اشْتِغَالَهُمْ بِالْبَعِيدِ يُمَكِّنُ الْقَرِيبَ مِنْ انْتِهَازِ الْفُرْصَةِ (إلَّا لِحَاجَةٍ) إلَى قِتَالِ الْأَبْعَدِ، كَكَوْنِ الْأَقْرَبِ مُهَادِنًا أَوْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ قِتَالِهِ، أَوْ كَانَ الْأَبْعَدُ أَخْوَفَ، أَوْ لِعِزَّتِهِ وَنَحْوِهَا. فَلَا بَأْسَ بِالْبُدَاءَةِ بِالْأَبْعَدِ لِلْحَاجَةِ (وَمَعَ تَسَاوٍ) فِي قُرْبٍ وَبُعْدٍ بَيْنَ عَدُوَّيْنِ وَأَحَدُهُمَا أَهْلُ كِتَابٍ (جِهَادُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفْضَلُ) «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ خَلَّادٍ إنَّ ابْنَك لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ قَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ كِتَابٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ; وَلِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ عَنْ دِينٍ (وَسُنَّ رِبَاطٌ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِحَدِيثِ سَلْمَانَ مَرْفُوعًا «رِبَاطُ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ فَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَهُوَ) لُغَةً الْحَبْسُ وَعُرْفًا (لُزُومُ ثَغْرِ الْجِهَادِ) تَقِيَّةً لِلْمُسْلِمِينَ (وَلَوْ سَاعَةً) . قَالَ أَحْمَدُ: يَوْمٌ رِبَاطٌ، وَلَيْلَةٌ رِبَاطٌ، وَسَاعَةٌ رِبَاطٌ وَالثَّغْرُ كُلُّ مَكَان يَخَافُ أَهْلُهُ الْعَدُوَّ وَيُخِيفُهُمْ وَسُمِّيَ الْمُقَامُ بِالثَّغْرِ رِبَاطًا لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَرْبِطُونَ مُيُولَهُمْ، وَهَؤُلَاءِ يَرْبِطُونَ خُيُولَهُمْ. (وَتَمَامُهُ) أَيْ الرِّبَاطِ (أَرْبَعُونَ يَوْمًا) رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الثَّوَابِ مَرْفُوعًا (وَأَفْضَلُهُ) أَيْ الرِّبَاطِ (بِأَشَدِّ خَوْفٍ) مِنْ الثُّغُورِ ; لِأَنَّ مُقَامَهُ بِهِ أَنْفَعُ وَأَهْلَهُ بِهِ أَحْوَجُ (وَهُوَ) أَيْ الرِّبَاطُ (أَفْضَلُ مِنْ مُقَامٍ بِمَكَّةَ) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إجْمَاعًا (وَالصَّلَاةُ بِهَا) أَيْ مَكَّةَ وَكَذَا مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى (أَفْضَلُ) مِنْ الصَّلَاةِ بِالثَّغْرِ. قَالَ أَحْمَدُ: فَأَمَّا فَضْلُ الصَّلَاةِ فَهَذَا شَيْءٌ خَاصَّةُ فَضْلٍ لِهَذِهِ الْمَسَاجِدِ (وَكُرِهَ) لِمُرِيدِ ثَغْرٍ (نَقْلُ أَهْلِهِ إلَى) ثَغْرٍ (مَخُوفٍ) نَصًّا. لِقَوْلِ عُمَرَ " لَا تُنْزِلْ الْمُسْلِمِينَ خِيفَةَ الْبَحْرِ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ ظَفَرُ الْعَدُوِّ بِهَا (وَإِلَّا) يَكُنْ الثَّغْرُ مَخُوفًا (فَلَا) يُكْرَهُ نَقْلُ أَهْلِهِ إلَيْهِ (كَ) مَا لَا تُكْرَهُ إقَامَةُ (أَهْلِ الثَّغْرِ) بِهِ بِأَهْلِيهِمْ وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السُّكْنَى بِهِمْ، وَإِلَّا لَخَرِبَتْ الثُّغُورُ وَتَعَطَّلَتْ (وَ) يَجِبُ (عَلَى عَاجِزٍ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ حُكْمُ كُفْرٍ أَوْ) يَغْلِبُ فِيهِ حُكْمُ (بِدَعٍ مُضِلَّةٍ) كَاعْتِزَالٍ وَتَشَيُّعٍ (الْهِجْرَةُ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97] الْآيَاتِ " وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ مُسْلِمٍ بَيْنَ مُشْرِكِينَ لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. أَيْ لَا يَكُونُ بِمَوْضِعٍ يَرَى نَارَهُمْ وَيَرَوْنَ نَارَهُ إذَا أُوقِدَتْ. وَلَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْمَعَاصِي (إنْ قَدَرَ) عَاجِزٌ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ عَلَى الْهِجْرَةِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} [النساء: 98] الْآيَةَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ (وَلَوْ) كَانَتْ (فِي عِدَّةٍ بِلَا رَاحِلَةٍ وَ) بِلَا (مَحْرَمٍ) بِخِلَافِ الْحَجِّ (وَسُنَّ) هِجْرَةٌ (لِقَادِرٍ) عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ بِنَحْوِ دَارِ كُفْرٍ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ تَكْثِيرِ الْكُفَّارِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ جِهَادِهِمْ. عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: بَقَاءُ حُكْمِ الْهِجْرَةِ لِحَدِيثِ «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَأَمَّا حَدِيثُ «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» أَيْ مِنْ مَكَّةَ. وَمِثْلُهَا كُلُّ بَلَدٍ فُتِحَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَلَدَ كُفْرٍ (وَلَا يَتَطَوَّعُ بِهِ) أَيْ الْجِهَادِ (مَدِينُ آدَمِيٍّ لَا وَفَاءً لَهُ) حَالًّا كَانَ الدَّيْنُ أَوْ مُؤَجَّلًا ; لِأَنَّ الْجِهَادَ يُقْصَدُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ، فَتَفُوتُ بِهِ النَّفْسُ فَيَفُوتُ الْحَقُّ. فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ وَلَهُ وَفَاءٌ جَازَ لَهُ التَّطَوُّعُ بِهِ (إلَّا مَعَ إذْنِ) رَبِّ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ لِرِضَاهُ (أَوْ مَعَ رَهْنٍ مُحْرَزٍ) لِدَيْنٍ. أَيْ يُمْكِنُ وَفَاؤُهُ مِنْهُ (أَوْ مَعَ كَفِيلٍ مَلِيءٍ) بِالدَّيْنِ. فَيَجُوزُ إذَنْ ; لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ. فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ فَلَا إذْنَ لِغَرِيمِهِ لِتَعَلُّقِ الْجِهَادِ بِعَيْنِهِ. فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ. كَسَائِرِ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ. وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِمَظَانِّ قَتْلٍ، كَمُبَارَزَةٍ وَوُقُوفٍ فِي أَوَّلِ مُقَاتَلَةٍ. (وَلَا) يَتَطَوَّعُ بِجِهَادٍ (مَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ حُرٌّ مُسْلِمٌ إلَّا بِإِذْنِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأُجَاهِدُ؟ قَالَ: أَلَك أَبَوَانِ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ. فَإِنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ أَوْ غَيْرَ مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ. فَلَا إذْنَ. لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ. وَلِعَدَمِ الْوِلَايَةِ. فَإِنْ خَرَجَ فِي تَطَوُّعٍ بِإِذْنِهِمَا ثُمَّ مَنَعَاهُ بَعْدَ سَيْرِهِ قَبْلَ تَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ إلَّا مَعَ خَوْفٍ أَوْ حَدَثَ نَحْوُ مَرَضٍ. فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِقَامَةُ بِالطَّرِيقِ وَإِلَّا مَضَى مَعَ الْجَيْشِ. وَإِذَا حَضَرَ الصَّفَّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِحُضُورٍ. وَإِنْ أَذِنَا لَهُ فِي الْجِهَادِ وَشَرَطَا عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقَاتِلَ. فَحَضَرَ الْقِتَالُ عَلَيْهِ. و (لَا) يُعْتَبَرُ إذْنُ (جَدٍّ وَجَدَّةٍ) لِوُرُودِ الْإِخْبَارِ فِي الْوَالِدَيْنِ. وَغَيْرُهُمَا لَا يُسَاوِيهِمَا فِي الشَّفَقَةِ (وَلَا) يُعْتَبَرُ إذْنُ الْأَبَوَيْنِ (فِي سَفَرٍ لِوَاجِبٍ) مِنْ حَجٍّ أَوْ عِلْمٍ أَوْ جِهَادٍ مُتَعَيَّنٍ وَنَحْوِهِ (وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ فِرَارٌ مِنْ مِثْلَيْهِمْ وَلَوْ) كَانَ الْفَارُّ (وَاحِدًا مِنْ اثْنَيْنِ) كَافِرَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " مَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ وَمَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَمَا فَرَّ " (أَوْ مَعَ ظَنِّ تَلَفٍ) أَيْ وَلَوْ ظَنَّ الْمُسْلِمُونَ التَّلَفَ لَمْ يَجُزْ فِرَارُهُمْ مِنْ مِثْلَيْهِمْ (إلَّا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ وَإِنْ بَعُدَتْ) الْفِئَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ} [الأنفال: 16] وَمَعْنَى التَّحَرُّفِ فِي الْقِتَالِ: التَّحَيُّزُ إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ الْقِتَالُ أَمْكَنَ كَانْحِرَافِهِمْ عَنْ مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ ; أَوْ اسْتِنَادٍ إلَى نَحْوِ جَبَلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَمَعْنَى التَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ: أَنْ يَصِيرَ إلَى فِئَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيَكُونَ مَعَهُمْ فَيَقْوَى بِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي: لَوْ كَانَتْ الْفِئَةُ بِخُرَاسَانَ وَالزَّحْفُ بِالْحِجَازِ جَازَ التَّحَيُّزُ إلَيْهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «إنِّي فِئَةٌ لَكُمْ» وَكَانُوا بِمَكَانٍ بَعِيدٍ مِنْهُ. وَقَالَ عُمَرُ " أَنَا فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ " وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَجُيُوشُهُ بِمِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ. رَوَاهُمَا سَعِيدٌ (وَإِنْ زَادُوا) أَيْ الْكُفَّارُ عَلَى مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ (فَلَهُمْ الْفِرَارُ) لِلْخَبَرِ (وَهُوَ) أَيْ الْفِرَارُ إذَا زَادَ الْكُفَّارُ عَلَى مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ (مَعَ ظَنِّ تَلَفٍ أَوْلَى) مِنْ ثَبَاتٍ حِفْظًا لِلنُّفُوسِ (وَسُنَّ الثَّبَاتُ مَعَ عَدَمِ ظَنِّ التَّلَفِ) لِلنِّكَايَةِ. وَلَمْ يَجِبْ لِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ الْعَطَبَ (الْقِتَالُ مَعَ ظَنِّهِ) أَيْ التَّلَفِ (فِيهِمَا) أَيْ الْفِرَارِ وَالثَّبَاتِ (أَوْلَى مِنْ الْفِرَارِ وَالْأَسْرِ) لِيَنَالُوا دَرَجَةَ الشُّهَدَاءِ الْمُقْبِلِينَ عَلَى الْقِتَالِ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يَغْلِبُوا. قَالَ تَعَالَى: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ» وَإِنْ حَصَرَ عَدُوٌّ بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُمْ التَّحَصُّنُ مِنْهُمْ وَلَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِمْ لِيَلْحَقَهُمْ مَدَدٌ أَوْ قُوَّةٌ. وَلَيْسَ تَوَلِّيًا وَلَا فِرَارًا. وَإِنْ لَقَوْهُمْ خَارِجَ الْحِصْنِ فَلَهُمْ التَّحَيُّزُ إلَيْهِ. وَذَهَابُ الدَّوَابِّ فِي الْغَزْوِ لَيْسَ عُذْرًا فِي الْفِرَارِ لِإِمْكَانِ الْقِتَالِ عَلَى الْأَرْجُلِ وَإِنْ تَحَيَّزُوا إلَى جَبَلٍ لِيُقَاتِلُوا فِيهِ فَلَا بَأْسَ: وَإِنْ ذَهَبَ سِلَاحُهُمْ فَتَحَيَّزُوا إلَى مَكَان يُمْكِنُهُمْ قِتَالٌ فِيهِ بِحِجَارَةٍ وَسِتْرٍ بِنَحْوِ شَجَرٍ، أَوْ لَهُمْ فِي التَّحَيُّزِ إلَيْهِ فَائِدَةٌ جَازَ (وَإِنْ وَقَعَ فِي مَرْكَبِهِمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ (نَارٌ) فَاشْتَعَلَتْ فِيهِ (فَعَلُوا مَا يَرَوْنَ) أَيْ يَظُنُّونَ (السَّلَامَةَ فِيهِ مِنْ مُقَامٍ) فِي الْمَرْكَبِ (وَوُقُوعٍ فِي الْمَاءِ) لِأَنَّ حِفْظَ الرُّوحِ وَاجِبٌ. وَغَلَبَةُ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَإِذَا شَكُّوا) فِيمَا فِيهِ السَّلَامَةُ (أَوْ تَيَقَّنُوا التَّلَفَ فِيهِمَا) أَيْ الْمُقَامِ وَالْوُقُوعِ فِي الْمَاءِ ظَنًّا مُتَسَاوِيًا (أَوْ ظَنُّوا السَّلَامَةَ فِيهِمَا) أَيْ الْمُقَامِ وَالْوُقُوعِ فِي الْمَاءِ (ظَنًّا مُتَسَاوِيًا، خُيِّرُوا) بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ. [فَصْلٌ يَجُوزُ تَبْيِيتُ كُفَّارٍ وَقَتْلُهُمْ وَهُمْ غَارُّونَ] فَصْلٌ يَجُوزُ تَبْيِيتُ كُفَّارٍ أَيْ كَسْبُهُمْ لَيْلًا وَقَتْلُهُمْ وَهُمْ غَارُّونَ (وَلَوْ قَتَلَ بِلَا قَصْدٍ مَنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ) كَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ لِحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَسْأَلُ عَنْ الدِّيَارِ مِنْ دِيَارِ الْمُشْرِكِينَ، يُبَيَّتُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ؟ فَقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ أَمَّا أَنْ يُتَعَمَّدَ قَتْلُهُمْ فَلَا (وَ) يَجُوزُ (رَمْيُهُمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (بِمَنْجَنِيقٍ) نَصًّا. لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى الطَّائِفِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُرْسَلًا. وَنَصَبَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ جَوَازٌ مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا. (وَ) يَجُوزُ رَمْيُهُمْ (بِنَارٍ، وَ) يَجُوزُ (قَطْعُ سَابِلَةٍ) أَيْ طَرِيقٍ. (وَ) قَطْعُ (مَاءٍ) عَنْهُمْ (فَتَحَهُ لِيُغْرِقَهُمْ، وَ) يَجُوزُ (هَدْمُ عَامِرِهِمْ) وَإِنْ تَضَمَّنَ إتْلَافَ، نَحْو نِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّبْيِيتِ. (وَ) يَجُوزُ (أَخْذُ شَهْدٍ بِحَيْثُ لَا يُتْرَكُ لِلنَّحْلِ مِنْهُ شَيْء) لِأَنَّهُ مِنْ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ، وَهَلَاكُ النَّحْلِ بِأَخْذِ جَمِيعِهِ يَحْصُلُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا. وَ (لَا) يَجُوزُ (حَرْقُهُ) أَيْ النَّحْلِ (أَوْ تَغْرِيقُهُ) لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ أَمِيرًا عَلَى الْقِتَالِ بِالشَّامِ (وَلَا تَحْرِقَنَّ نَحْلًا وَلَا تُغْرِقَنَّهُ) أَوْ عَقْرُ دَابَّةٍ وَلَوْ لِغَيْرِ قِتَالٍ (كَبَقَرٍ وَغَنَمٍ) فَلَا يَجُوزُ (إلَّا لِحَاجَةِ أَكْلٍ) خِفْنَا أَخْذَهُمْ لَهَا أَوْ لَا. لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ " وَلَا تَحْرِقَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا وَلَا دَابَّةً عَجْمَاءَ، وَلَا شَاةً إلَّا لِمَأْكَلَةٍ " فَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ لَا يُرَادُ إلَّا لِأَكْلٍ كَدَجَاجٍ وَحَمَامٍ وَصُيُودٍ فَحُكْمُهُ كَالطَّعَامِ (وَلَا) يَجُوزُ (إتْلَافُ شَجَرٍ، أَوْ زَرْعٍ يَضُرُّ) إتْلَافُهُ (بِنَا) لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِالْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِنَا، أَوْ لَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِمْ إلَّا بِهِ كَقَرِيبٍ مِنْ حُصُونِهِمْ يَمْنَعُ قِتَالَهُمْ أَوْ يَسْتَتِرُونَ بِهِ، أَوْ يَحْتَاجُ إلَى قَطْعِهِ لِتَوْسِعَةِ طَرِيقٍ، أَوْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بِنَا، جَازَ قَطْعُهُ. (وَلَا) يَجُوزُ (قَتْلُ صَبِيٍّ وَلَا أُنْثَى وَلَا خُنْثَى، وَلَا رَاهِبٍ، وَلَا شَيْخٍ فَانٍ، وَلَا زَمِنٍ، وَلَا أَعْمَى. لَا رَأْيَ لَهُمْ وَلَمْ يُقَاتِلُوا، أَوْ يُحَرِّضُوا) عَلَى قِتَالٍ. لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «نُهِيَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَعْتَدُوا} [البقرة: 190] يَقُولُ: «لَا تَقْتَلُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالشَّيْخَ الْكَبِيرَ» وَأَوْصَى الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَزِيدَ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الشَّامِ فَقَالَ " لَا تَقْتُلْ صَبِيًّا وَلَا امْرَأَةً وَلَا هَرِمًا " وَعَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ وَصَّى سَلَمَةَ بْنَ قَيْسٍ بِنَحْوِهِ " رَوَاهُمَا سَعِيدٌ . وَقَالَ الصِّدِّيقُ " وَسَتَمُرُّونَ عَلَى أَقْوَامٍ فِي مَوَاضِعَ لَهُمْ احْتَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِيهَا، فَدَعُوهُمْ حَتَّى يُمِيتَهُمْ اللَّهُ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ " وَعُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ» مَخْصُوصٌ بِمَا تَقَدَّمَ، وَالزَّمِنُ وَالْأَعْمَى لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، فَهُمَا كَالْمَرْأَةِ. فَإِنْ كَانَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ رَأْيٌ فِي الْقِتَالِ جَازَ قَتْلُهُ، لِأَنَّ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ قُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٌ وَهُوَ شَيْخٌ فَانٍ، وَكَانُوا قَدْ خَرَجُوا بِهِ مَعَهُمْ لِيَسْتَعِينُوا بِرَأْيِهِ، فَلَمْ يُنْكِرْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَهُ، وَلِأَنَّ الرَّأْيَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَعُونَةِ فِي الْحَرْبِ، وَرُبَّمَا كَانَ أَبْلَغَ مِنْ الْقِتَالِ، وَكَذَا إنْ قَاتَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَوْ حَرَّضَ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ هَذِهِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، نَازَعَتْنِي قَائِمَ سَيْفِي فَسَكَتَ» (وَإِنْ تُتُرِّسَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ تَتَرَّسَ الْمُقَاتِلُونَ (بِهِمْ) أَيْ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَا يُقْتَلُ (رُمُوا) أَيْ جَازَ رَمْيُهُمْ (بِقَصْدِ الْمُقَاتَلَةِ) لِئَلَّا يُفْضِيَ تَرْكُهُ إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْحَرْبُ مُلْتَحِمَةً أَوْ لَا. كَالتَّبْيِيتِ وَالرَّمْيِ بِالْمَنْجَنِيقِ (وَ) إنْ تَتَرَّسُوا (بِمُسْلِمٍ) لَا يَجُوزُ رَمْيُهُ، لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى قَتْلِهِ مَعَ إمْكَان الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِهِ (إلَّا إنْ خِيفَ عَلَيْنَا) بِتَرْكِ رَمْيِهِمْ، فَيُرْمَوْنَ نَصًّا لِلضَّرُورَةِ (وَيُقْصَدُ الْكَافِرُ بِالرَّمْيِ دُونَ الْمُسْلِمِ) . فَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِمْ إلَّا بِالرَّمْيِ، وَلَمْ يُخَفْ عَلَيْنَا. لَمْ يَجُزْ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} [الفتح: 25] الْآيَةَ وَيُقْتَلُ مَرِيضٌ غَيْرُ مَأْيُوسٍ مِنْهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا كَعَبْدٍ وَفَلَّاحٍ. وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ لَا يُقْتَلَانِ (وَيَجِبُ إتْلَافُ كُتُبِهِمْ الْمُبَدَّلَةِ) دَفْعًا لِضَرَرِهَا وَقِيَاسُهُ كُتُبُ نَحْوِ رَفْضٍ وَاعْتِزَالٍ (وَكُرِهَ لَنَا نَقْلُ رَأْسِ) كَافِرٍ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ بِلَا مَصْلَحَةٍ. لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ " أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِرَأْسِ بَنَّانٍ الْبِطْرِيقِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا قَالَ: فَأَذِّنْ بِفَارِسَ وَالرُّومِ: لَا يُحْمَلُ إلَيَّ رَأْسٌ. فَإِنَّمَا يَكْفِي الْكِتَابُ وَالْخَبَرُ ". (وَ) كُرِهَ (رَمْيُهُ) أَيْ الرَّأْسِ (بِمَنْجَنِيقٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ) لِأَنَّهُ تَمْثِيلٌ. قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبُوهُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ كَزِيَادَةٍ فِي الْجِهَادِ، أَوْ نَكَالٍ لَهُمْ، أَوْ زَجْرٍ عَنْ الْعُدْوَانِ جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْجِهَادِ الْمَشْرُوعِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَحَرُمَ أَخْذُ مَالٍ مِنْهُمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (لِنَدْفَعَهُ) أَيْ الرَّأْسَ (إلَيْهِمْ) لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَبَيْعِ الْكَلْبِ (وَمَنْ أَسَرَ مِنْهُمْ أَسِيرًا وَقَدَرَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ) أَيْ الْأَسِيرِ (الْإِمَامَ وَلَوْ) بِإِكْرَاهِهِ عَلَى الْمَجِيءِ لِلْإِمَامِ (بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَسَحْبِهِ (وَلَيْسَ) الْأَسِيرُ (بِمَرِيضٍ حَرُمَ قَتْلُهُ) أَيْ الْأَسِيرِ (قَبْلَهُ) أَيْ الْإِتْيَانِ بِهِ إلَى الْإِمَامِ. فَيَرَى بِهِ رَأْيَهُ لِأَنَّهُ افْتِيَاتٌ عَلَى الْإِمَامِ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ لَا بِضَرْبٍ وَلَا بِغَيْرِهِ أَوْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ جَرِيحًا لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ مَعَهُ فَلَهُ قَتْلُهُ ; لِأَنَّ تَرْكَهُ حَيًّا ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَتَقْوِيَةٌ لِلْكُفَّارِ. (وَ) كَذَا يَحْرُمُ قَتْلُ (أَسِيرٍ غَيْرِهِ) إلَّا أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالٍ يَجُوزُ فِيهَا قَتْلُ أَسِيرِ نَفْسِهِ. فَيَجُوزُ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا شَيْء) أَيْ غُرْمَ (عَلَيْهِ) أَيْ قَاتِلِ الْأَسِيرِ مَعَ تَحْرِيمِ قَتْلِهِ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ " أَسَرَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وَابْنَهُ عَلِيًّا يَوْمَ بَدْرٍ فَرَآهُمْ بِلَالٌ فَاسْتَصْرَخَ الْأَنْصَارَ عَلَيْهِمَا حَتَّى قَتَلُوهُمَا ". وَلَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا ; وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَسَوَاءٌ قَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ أَوْ بَعْدَهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْأَسِيرُ (مَمْلُوكًا) فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْمَغْنَمِ (وَيُخَيَّرُ إمَامٌ فِي أَسِيرٍ حُرٍّ مُقَاتِلٍ بَيْنَ قَتْلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] «وَقَتْلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالِ بَنِي قُرَيْظَةَ» . وَهُمْ بَيْنَ السَّبْعِمِائَةِ وَالسِّتِّمِائَةِ. (وَ) بَيْنَ (رِقٍّ) لِأَنَّهُمْ يَجُوزُ إقْرَارُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِالْجِزْيَةِ. فَبِالرِّقِّ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي صِغَارِهِمْ (وَ) بَيْنَ مَنٍّ عَلَيْهِمْ (وَ) بَيْنَ فِدَاءٍ بِمُسْلِمٍ، أَوْ (فِدَاءٍ بِمَالٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] «وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَّ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ، وَعَلَى أَبِي عَزَّةَ الشَّاعِرِ، وَعَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ وَفَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِي عَقْلٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَفَادَى أَهْلَ بَدْرٍ بِمَالٍ (وَيَجِبُ) عَلَى الْإِمَامِ (اخْتِيَارُ الْأَصْلَحِ لِلْمُسْلِمِينَ) مِنْ هَذِهِ. فَهُوَ تَخْيِيرُ مَصْلَحَةٍ وَاجْتِهَادٍ لَا شَهْوَةٍ. فَلَا يَجُوزُ عُدُولٌ عَمَّا رَآهُ مَصْلَحَةً ; لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى سَبِيلِ النَّظَرِ لَهُمْ وَإِذَا تَرَدَّدَ نَظَرُهُ) أَيْ الْإِمَامِ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ (فَقَتْلُ) الْأَسْرَى (أَوْلَى) لِكِفَايَةِ شَرِّهِمْ وَحَيْثُ رَآهُ فَضَرْبُ الْعُنُقِ بِالسَّيْفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى. {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُعَذِّبُوا وَلَا تُمَثِّلُوا» (وَمَنْ فِيهِ نَفْعٌ) مِنْ الْأَسْرَى (وَلَا) يَحِلُّ أَنْ (يُقْتَلَ كَأَعْمَى وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَنَحْوِهِمْ كَخُنْثَى رَقِيقٍ بِسَبْيٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَسْتَرِقُّ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ إذَا سَبَاهُمْ» (وَعَلَى قَاتِلِهِمْ) أَيْ الْأَعْمَى وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِمْ (غُرْمُ الثَّمَنِ) أَيْ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ مِنْهُمْ (غَنِيمَةً) لِأَنَّهُ مَالٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَانِمِينَ. أَشْبَهَ إتْلَافَ عُرُوضِ الْغَنِيمَةِ (وَ) عَلَى قَاتِلِهِ (الْعُقُوبَةُ) أَيْ التَّعْزِيرُ لِفِعْلِهِ مَا لَا يَجُوزُ (وَالْقِنُّ) يُؤْخَذُ مِنْ كُفَّارٍ بِقِتَالٍ (غَنِيمَةً) لِأَنَّهُ مَالٌ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ. أَشْبَهَ الْبَهِيمَةَ (وَيُقْتَلُ) الْقِنُّ (لِمَصْلَحَةٍ) يَرَاهَا كَالْمُرْتَدِّ (وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ مَنْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ جِزْيَةٌ) نَصًّا. لِأَنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ. أَشْبَهَ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ (أَوْ) أَيْ وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ مَنْ (عَلَيْهِ وَلَاءٌ لِمُسْلِمٍ) كَغَيْرِهِ (وَلَا يُبْطِلُ اسْتِرْقَاقٌ حَقًّا لِمُسْلِمٍ) أَوْ ذِمِّيٍّ كَقَوَدٍ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ. وَفِي الْبُلْغَةِ: يُتْبَعُ بِهِ، أَيْ الدَّيْنِ بَعْدَ عِتْقِهِ إلَّا أَنْ يَغْنَمَ، أَيْ مَالَهُ بَعْدَ اسْتِرْقَاقِهِ. فَيَقْضِيَ مِنْهُ دَيْنَهُ فَيَكُونُ رِقُّهُ كَمَوْتِهِ. إنْ أُسِرَ وَأُخِذَ مَالُهُ مَعًا فَالْكُلُّ لِلْغَانِمِينَ وَالدَّيْنُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ (وَيَتَعَيَّنُ رِقٌّ بِإِسْلَامِ) الْأَسِيرِ فَإِذَا أَسْلَمَ صَارَ رَقِيقًا وَزَالَ التَّخْيِيرُ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْ الْأَصْحَابِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ: عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (وَعَنْهُ) أَيْ وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (يُخَيَّرُ) الْإِمَامُ فِيهِ (بَيْنَ رِقِّهِ وَمَنٍّ) عَلَيْهِ (وَفِدَاءٍ) صَحَّحَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْبُلْغَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ (الْمُنَقِّحُ) فِي التَّنْقِيحِ (وَهُوَ الْمَذْهَبُ) وَكَذَا فِي الْإِنْصَافِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ (فَ) عَلَى الْمَذْهَبِ (يَجُوزُ) لِلْإِمَامِ أَخْذُ (الْفِدَاءِ) مِنْهُ (لِيَتَخَلَّص مِنْ الرِّقِّ) وَيَجُوزُ لَهُ الْمَنُّ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُمَا إذَا جَازَا فِي كُفْرِهِ فَفِي إسْلَامِهِ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ يَقْتَضِي إكْرَامَهُ وَالْإِنْعَامَ عَلَيْهِ (وَيَحْرُمُ رَدُّهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ (إلَى الْكُفَّارِ) قَالَ الْمُوَفَّقُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ الْكُفَّارِ مِنْ عَشِيرَةٍ أَوْ نَحْوِهَا (وَإِنْ بَذَلُوا) أَيْ الْأَسْرَى (الْجِزْيَةَ) وَكَانُوا مِمَّنْ تُقْبَلُ مِنْهُمْ (قُبِلَتْ جَوَازًا) لَا وُجُوبًا ; لِأَنَّهُمْ صَارُوا فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ أَمَانٍ (وَلَمْ تُسْتَرَقَّ مِنْهُمْ زَوْجَةٌ وَلَا وَلَدٌ بَالِغٌ) لِأَنَّ الزَّوْجَةَ تَتْبَعُ لِزَوْجِهَا وَالْوَلَدُ الْبَالِغُ دَاخِلٌ فِيهِمْ. وَأَمَّا النِّسَاءُ غَيْرُ الْمُزَوَّجَاتِ وَالصِّبْيَانِ فَغَنِيمَةٌ بِالسَّبْيِ. وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْإِمَامُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ فَتَخْيِيرُهُ بَاقٍ (وَمَنْ أَسْلَمَ) مِنْ كُفَّارٍ (قَبْلَ أَسْرِهِ وَلَوْ) كَانَ إسْلَامُهُ (لِخَوْفٍ. فَكَ) مُسْلِمٍ (أَصْلِيٍّ) لِعُمُومِ " فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ - الْحَدِيثَ " وَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلُ فِي أَيْدِي الْغَانِمِينَ. [فَصْلٌ الْمَسْبِيّ غَيْرُ الْبَالِغ مِنْ الْكُفَّار] فَصْلٌ وَالْمَسْبِيُّ مِنْ كُفَّارٍ غَيْرُ بَالِغٍ وَلَوْ مُمَيِّزًا مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ (أَوْ) مَسْبِيٍّ (مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ) أَيْ إنْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا. لِحَدِيثِ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَدْ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ بِانْقِطَاعِهِ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا أَوْ إخْرَاجِهِ مِنْ دَارِهِمَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (وَ) الْمَسْبِيُّ (مَعَهُمَا) أَيْ أَبَوَيْهِ (عَلَى دِينِهِمَا) لِلْخَبَرِ. وَمِلْكُ السَّابِي لَهُ لَا يَمْنَعُ تَبَعِيَّتَهُ لِأَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ. كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ الْكَافِرَةُ مِلْكُهُ مِنْ كَافِرٍ (وَمَسْبِيٌّ ذِمِّيٌّ) مِنْ أَوْلَادِ الْحَرْبِيِّينَ (يَتْبَعُهُ) أَيْ السَّابِي فِي دِينِهِ حَيْثُ الْمُسْلِمِ قِيَاسًا عَلَيْهِ (وَإِنْ أَسْلَمَ) أَحَدُ أَبَوَيْ غَيْرِ بَالِغٍ فَمُسْلِمٌ (أَوْ مَاتَ) أَحَدُ أَبَوَيْ غَيْرِ بَالِغٍ بِدَارِنَا فَمُسْلِمٌ (أَوْ عُدِمَ أَحَدُ أَبَوَيْ غَيْرِ بَالِغٍ بِدَارِنَا) كَأَنْ زَنَتْ كَافِرَةٌ وَلَوْ بِكَافِرٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ بِدَارِنَا فَمُسْلِمٌ نَصًّا لِلْخَبَرِ (أَوْ اُشْتُبِهَ وَلَدُ مُسْلِمٍ بِوَلَدِ كَافِرٍ) فَمُسْلِمٌ كُلٌّ مِنْهُمَا ; لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو، وَلَا يُقْرَعُ خَشْيَةَ أَنْ يَصِيرَ وَلَدُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ (أَوْ بَلَغَ) وَلَدُ الْكَافِرِ (مَجْنُونًا فَ) هُوَ (مُسْلِمٌ) فِي حَالٍ يُحْكَمُ فِيهِ بِإِسْلَامِهِ لَوْ كَانَ صَغِيرًا كَمَوْتِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ بِدَارِنَا وَإِسْلَامِهِ لِعَدَمِ آلَةِ قَبُولِهِ التَّهَوُّدَ وَنَحْوِهِ مِنْ أَبَوَيْهِ وَإِنْ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ لَمْ يَتْبَعْ أَحَدَهُمَا لِزَوَالِ حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ بِبُلُوغِهِ عَاقِلًا. فَلَا يَعُودُ (وَإِنْ بَلَغَ) مَنْ قُلْنَا بِإِسْلَامِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ (عَاقِلًا مُمْسِكًا عَنْ إسْلَامٍ وَعَنْ كُفْرٍ قُتِلَ قَاتِلُهُ) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُكْمًا (وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجَةِ حَرْبِيٍّ بِسَبْيٍ) لَهَا وَحْدَهَا. لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ {" وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَسُبِيَتْ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا. وَ (لَا) يَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجَةِ حَرْبِيٍّ سُبِيَتْ (مَعَهُ وَلَوْ اُسْتُرِقَّا) لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحَ، فَلَا يَقْطَعُ اسْتِدَامَتَهُ. وَسَوَاءٌ سَبَاهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ أَوْ رِجَالٌ (وَتَحِلُّ) مَسْبِيَّةٌ وَحْدَهَا (لِسَابِيهَا) بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا لِمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ سُبِيَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُ زَوْجَةٍ لَهُ بِدَارِ حَرْبٍ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِيهِ (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مُسْتَرَقٍّ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ سَبْيِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْكَافِرُ الْعَبْدَ الَّذِي مَلَكَهُ الْمُسْلِمُ (الْكَافِرُ) وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَرَقُّ كَافِرًا نَصًّا قَالَ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْهَى عَنْهُ أُمَرَاءَ الْأَمْصَارِ. هَكَذَا حَكَى أَهْلُ الشَّامِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتًا لِلْإِسْلَامِ الَّذِي يُرْتَجَى مِنْهُ إذَا بَقِيَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ (وَلَا) تَصِحُّ (مُفَادَاتُهُ) أَيْ مَنْ اُسْتُرِقَّ مِنْ الْكُفَّارِ لِكَافِرٍ (بِمَالٍ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعِهِ لَهُ (وَتَجُوزُ) مُفَادَاتُهُ (بِمُسْلِمٍ) لِتَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْأَسْرِ (وَلَا يُفَرَّقُ) بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ (بَيْنَ ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) كَأَبٍ وَابْنٍ وَأَخَوَيْنِ، وَكَعَمٍّ وَابْنِ أَخِيهِ وَخَالٍ وَابْنِ أُخْتِهِ وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغٍ. لِحَدِيثِ «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ «وَهَبَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْت أَحَدَهُمَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا فَعَلَ غُلَامُك؟ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: رُدَّهُ رُدَّهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ ; وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ. فَقِيسَ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وَعُلِمَ مِنْهُ: جَوَازُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ نَحْوِ ابْنِ عَمٍّ أَوْ ابْنَيْ خَالٍ، أَوْ ابْنَيْ أُمٍّ مِنْ رَضَاعٍ وَوَلَدِهَا مِنْهُ، وَأُخْتٍ مِنْ رَضَاعٍ وَأَخِيهَا لِعَدَمِ النَّصِّ. وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ (إلَّا بِعِتْقٍ) فَيَجُوزُ عِتْقُ وَالِدَةٍ دُونَ وَلَدِهَا وَعَكْسُهُ وَنَحْوُهُ (أَوْ افْتِدَاءِ أَسِيرٍ) مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ إذَنْ. لِتَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْأَسْرِ (أَوْ بَيْعٍ) وَنَحْوِهِ (فِيمَا إذَا مَلَكَ أُخْتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا) كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا فَإِذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا وَأَرَادَ وَطْءَ الْأُخْرَى جَازَ لَهُ بَيْعُ الْمَوْطُوءَةِ لِيَسْتَبِيحَ وَطْءَ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَتِهِ (وَمَنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ) أَيْ الْأَسْرَى (عَدَدًا) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (فِي عَقْدٍ يَظُنُّ أَنَّ بَيْنَهُمْ) أَيْ الْمُشْتَرِينَ (أُخُوَّةً أَوْ نَحْوَهَا) كَعُمُومَةٍ أَوْ خُؤُولَةٍ وَبِيعُوا بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِمْ أَنْ لَوْ فُرِّقُوا لِتَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ (فَتَبَيَّنَ عَدَمُهَا) أَيْ الْأُخُوَّةِ وَنَحْوِهَا (رُدَّ إلَى الْمُقَسِّمِ) مِنْ الْمُشْتَرِي (الْفَضْلُ الَّذِي فِيهِ) أَيْ الْمَبِيعِ (بِالتَّفْرِيقِ) لِبَيَانِ انْتِفَاءِ مَانِعِهِ. وَهَذَا إذَا فَاتَ الْمَبِيعُ فَإِنْ بَقِيَ بِيَدِ مُشْتَرِيهِ فَلِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْجَاعُهُ لِيُبَاعَ بِثَمَنِهِ مُتَفَرِّقًا (وَإِذَا حَضَرَ إمَامٌ) أَوْ أَمِيرُهُ (حِصْنًا لَزِمَهُ) فِعْلُ (الْأَصْلَحِ) فِي نَظَرِهِ وَاجْتِهَادِهِ (مِنْ مُصَابَرَتِهِ) أَيْ الْحِصْنِ أَيْ الصَّبْرِ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ (وَ) مِنْ (مُوَادَعَتِهِ بِمَالٍ وَ) مِنْ (هُدْنَةٍ) بِلَا مَالٍ (بِشَرْطِهَا) الْمَعْلُومِ مِنْ بَابِهَا نَصًّا (وَيَجِبَانِ) أَيْ الْمُوَادَعَةُ بِمَالٍ وَالْهُدْنَةُ بِغَيْرِهِ (إنْ سَأَلُوهُمَا) أَيْ أَهْلَ الْحِصْنِ (وَثَمَّ مَصْلَحَةٌ) لِحُصُولِ الْغَرَضِ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَصَغَارِ الْكَفَرَةِ. وَلَهُ أَيْضًا الِانْصِرَافُ بِدُونِهِ إنْ رَآهُ لِضَرَرٍ أَوْ إيَاسٍ مِنْهُ. (وَإِنْ قَالُوا) أَيْ أَهْلُ الْحِصْنِ لِلْمُسْلِمِينَ (ارْحَلُوا عَنَّا وَإِلَّا قَتَلْنَا أَسْرَاكُمْ) عِنْدَنَا (فَلْيَرْحَلُوا) وُجُوبًا، لِئَلَّا يُلْقُوا بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ لِلْهَلَاكِ (وَيُحْرَزُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ) أَيْ أَهْلِ الْحِصْنِ قَبْلَ اسْتِيلَائِنَا عَلَيْهِ (دَمُهُ وَمَالُهُ حَيْثُ كَانَ) فِي الْحِصْنِ أَوْ خَارِجَهُ. لِحَدِيثِ " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ. . " الْخَبَرَ (وَلَوْ) كَانَ مَالُهُ (مَنْفَعَةَ إجَارَةٍ) لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِيهِ (وَ) يُحْرِزُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ (أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَحَمْلَ امْرَأَتِهِ) لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِمْ تَبَعًا لَهُ. وَ (لَا) يُحْرِزُ امْرَأَتَهُ (وَهِيَ) لِأَنَّهَا لَا تَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهَا كَغَيْرِهَا (وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ) أَيْ الزَّوْجِ الْمُسْلِمِ (بِرِقِّهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ ; لِأَنَّ مَنْفَعَةَ النِّكَاحِ لَا تَجْرِي مَجْرَى الْأَمْوَالِ. بِدَلِيلِ عَدَمِ ضَمَانِهَا بِالْيَدِ وَعَدَمِ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا. (وَإِنْ نَزَلُوا) أَيْ أَهْلُ الْحِصْنِ (عَلَى حُكْمِ) رَجُلٍ (مُسْلِمٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ مُجْتَهِدٍ فِي الْجِهَادِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ (وَلَوْ) كَانَ (أَعْمَى) جَازَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَأْيُهُ وَمَعْرِفَةُ الْمَصْلَحَةِ بِهِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ (أَوْ) كَانَ الْمَنْزُولُ عَلَى حُكْمِهِ (مُتَعَدِّدًا) كَرَجُلَيْنِ فَأَكْثَرَ (جَازَ) وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِمْ مَا اجْتَمَعَا أَوْ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْمَنْزُولُ عَلَى حُكْمِهِ (الْحُكْمُ بِالْأَحَظِّ لَنَا) مِنْ قَتْلٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ مِنْ فِدَاءٍ (وَيَلْزَمُ) حُكْمُهُ (حَتَّى بِمَنٍّ) عَلَيْهِمْ كَالْإِمَامِ. وَلَمَّا حَاصَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي قُرَيْظَةَ رَضُوا بِأَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. فَأَجَابَهُمْ لِذَلِكَ. فَحَكَمَ فِيهِمْ بِقَتْلِ مُقَاتِلَتِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ. (وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ قَتْلُ مَنْ) حَكَمَ مَنْزُولٌ عَلَى حُكْمِهِ (بِرِقِّهِ) لِأَنَّ الْقَتْلَ أَشَدُّ مِنْ الرِّقِّ. وَفِيهِ إتْلَافُ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَانِمِينَ (وَلَا) لِلْإِمَامِ (رِقُّ مَنْ حَكَمَ) مَنْزُولٌ عَلَى حُكْمِهِ (بِقَتْلِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِمَّنْ يُخَافُ بِبَقَائِهِ نِكَايَةُ الْمُسْلِمِينَ وَدُخُولُ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ (وَلَا) لِلْإِمَامِ (رِقُّ وَلَا قَتْلُ مَنْ حَكَمَ) مَنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ (بِفِدَائِهِ) لِأَنَّهَا أَشَدُّ مِنْهُ. فَلَا يُجَاوِزُ الْأَخَفَّ مِمَّا حُكِمَ بِهِ إلَى الْأَثْقَلِ ; لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ بَعْدَ لُزُومِهِ (وَلَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (الْمَنُّ مُطْلَقًا) أَيْ عَلَى مَنْ حُكِمَ بِقَتْلِهِ أَوْ بِرِقِّهِ أَوْ فِدَائِهِ ; لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الثَّلَاثَةِ. فَإِذَا رَآهُ الْإِمَامُ مَصْلَحَةً جَازَ لَهُ فِعْلٌ ; لِأَنَّ نَظَرَهُ أَتَمُّ (وَ) لِلْإِمَامِ (قَبُولُ فِدَاءٍ مِمَّنْ حَكَمَ) مَنْزُولٌ عَلَى حُكْمِهِ (بِقَتْلِهِ أَوْ رِقِّهِ) لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْهُمَا. وَهُوَ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ بِرِضَا مَحْكُومٍ لَهُ. وَذَلِكَ حَقٌّ لِلْإِمَامِ. فَإِذَا رَضِيَ بِتَرْكِهِ إلَى غَيْرِهِ جَازَ لَهُ. (وَإِنْ أَسْلَمَ مَنْ حَكَمَ) مَنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ (بِقَتْلِهِ أَوْ سَبْيِهِ) أَيْ رِقِّهِ (عُصِمَ دَمُهُ فَقَطْ) دُونَ مَالِهِ وَذُرِّيَّتِهِ. لِأَنَّهُمَا صَارَا بِالْحُكْمِ بِقَتْلِهِ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ. فَلَا يَعُودَانِ إلَيْهِ بِإِسْلَامِهِ. وَأَمَّا دَمُهُ فَأَحْرَزَهُ بِإِسْلَامِهِ (وَلَا يُسْتَرَقُّ) لِأَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَهُ. فَلَمْ يُحَزْ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ (وَإِنْ سَأَلُوا) أَيْ أَهْلُ الْحِصْنِ الْأَمِيرَ (أَنْ يُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَزِمَهُ أَنْ يُنْزِلَهُمْ، وَيُخَيَّرَ فِيهِمْ كَأَسْرَى) لِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنَّهْيُ عَنْهُ أَجَابَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ لِاحْتِمَالِ نُزُولِ وَحْيٍ بِمَا يُخَالِفُ مَا حَكَمَ بِهِ. وَقَدْ أُمِنَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَوْ كَانَ بِهِ) أَيْ الْحِصْنِ (مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ) كَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى (فَبَذَلَهَا لِعَقْدِ الذِّمَّةِ عُقِدَتْ) لَهُ أَيْ الذِّمَّةُ بِمَعْنَى الْأَمَانِ (مَجَّانًا: وَحَرُمَ رِقُّهُ) لِتَأْمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ بِهِ مَالٌ (وَلَوْ خَرَجَ عَبْدٌ) حَرْبِيٌّ (إلَيْنَا بِأَمَانٍ أَوْ نَزَلَ) عَبْدٌ (مِنْ حِصْنٍ) إلَيْنَا بِأَمَانٍ (فَهُوَ حُرٌّ) نَصًّا لِلْخَبَرِ (وَلَوْ جَاءَنَا) عَبْدٌ (مُسْلِمًا) وَأُسِرَ سَيِّدُهُ الْحَرْبِيُّ (أَوْ) أُسِرَ (غَيْرُهُ) مِنْ الْحَرْبِيِّينَ (فَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (حُرٌّ) لِمَا تَقَدَّمَ. فَلَا يُرَدُّ هُدْنَةً (وَالْكُلُّ) مِمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ غَيْرِهِ (لَهُ) أَيْ لِلْعَبْدِ الَّذِي جَاءَ مُسْلِمًا (وَإِنْ أَقَامَ) عَبْدٌ أَسْلَمَ (بِدَارِ حَرْبٍ فَهُوَ رَقِيقٌ) أَيْ بَاقٍ عَلَى رِقِّهِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ (وَلَوْ جَاءَ مَوْلَاهُ) أَيْ الْعَبْدِ الَّذِي أَسْلَمَ وَلَحِقَ بِنَا (مُسْلِمًا بَعْدَهُ لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِ) لِسَبْقِ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهِ حِينَ جَاءَ إلَيْنَا مُسْلِمًا (وَلَوْ جَاءَ مَوْلَاهُ قَبْلَهُ مُسْلِمًا ثُمَّ جَاءَ هُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (مُسْلِمًا فَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (لَهُ) أَيْ لِمَوْلَاهُ لِعَدَمِ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ (وَلَيْسَ لِقِنٍّ غَنِيمَةٌ) لِأَنَّهُ مَالٌ. فَلَا يَمْلِكُ الْمَالَ (فَلَوْ هَرَبَ الْقِنُّ إلَى الْعَدُوِّ ثُمَّ جَاءَ) مِنْهُ (بِمَالٍ فَهُوَ) أَيْ الْقِنُّ (لِسَيِّدِهِ وَالْمَالُ) الَّذِي جَاءَ بِهِ (لَنَا) فَيْئًا. [بَابُ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَوْ أَمِيرَهُ عِنْدَ مَسِيرِهِ إلَى الْغَزْوِ وَفِي دَارِ الْحَرْبِ] ِ (وَ) مَا يَلْزَمُ (الْجَيْشَ) إذَنْ (يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ) مِنْ إمَامٍ وَرَعِيَّتِهِ (إخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الطَّاعَاتِ) كُلِّهَا مِنْ جِهَادٍ وَغَيْرِهِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] (وَ) يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ (أَنْ يَجْتَهِدَ) أَيْ يَبْذُلَ وُسْعَهُ (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي إخْلَاصِ النِّيَّةِ لِلَّهِ فِي الطَّاعَاتِ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ. (وَ) يَجِبُ (عَلَى إمَامٍ عِنْدَ الْمَسِيرِ) بِالْجَيْشِ (تَعَاهُدُ الرِّجَالِ وَالْخَيْلِ) أَيْ رِجَالِ الْجَيْشِ وَخَيْلِهِمْ ; لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الْغَزْوِ (وَ) عَلَيْهِ (مَنْعُ مَا لَا يَصْلُحُ لِحَرْبٍ) مِنْ رِجَالٍ وَخَيْلٍ. كَضَعِيفٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى وَفَرَسٍ حَطِيمٍ، وَهُوَ الْكَسِيرُ، وَفَخْمٍ وَهُوَ الْكَبِيرُ، وَضَرْعٍ وَهُوَ الصَّغِيرُ وَالْهَزِيلُ. (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (مُخَذِّلٍ) أَيْ مُفَنِّدٍ لِلنَّاسِ عَنْ الْغَزْوِ وَمُزَهِّدِهِمْ فِي الْقِتَالِ وَالْخُرُوجِ إلَيْهِ. كَقَائِلٍ: الْحَرُّ أَوْ الْبَرْدُ الشَّدِيدُ، أَوْ الْمَشَقَّةُ شَدِيدَةٌ، أَوْ لَا تُؤْمَنُ هَزِيمَةُ الْجَيْشِ (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (مُرْجِفٍ) كَمَنْ يَقُولُ: هَلَكَتْ سَرِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا لَهُمْ مَدَدٌ، أَوْ طَاقَةٌ بِالْكُفَّارِ وَنَحْوِهِ (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (مُكَاتِبِ) كُفَّارٍ (بِأَخْبَارِنَا) لِيَدُلَّ الْعَدُوَّ عَلَى عَوْرَاتِنَا (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (مَعْرُوفٍ بِنِفَاقٍ وَزَنْدَقَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوك لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا} [التوبة: 83] (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (رَامٍ بَيْنَنَا) أَيْ الْمُسْلِمِينَ (بِفِتَنٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلَّا خَبَالًا} [التوبة: 47] الْآيَةَ (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (صَبِيٍّ) وَلَوْ مُمَيِّزًا أَوْ مَجْنُونًا ; لِأَنَّ فِي دُخُولِهِمَا أَرْضَ الْعَدُوِّ تَعَرُّضًا لِلْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ (وَ) عَلَيْهِ مَنْعُ (نِسَاءٍ) لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ وَلَا يُؤْمَنُ ظَفَرُ الْعَدُوِّ بِهِنَّ، فَيَسْتَحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْهُنَّ (إلَّا عَجُوزًا لِسَقْيِ) مَاءٍ (وَنَحْوِهِ) كَمُعَالَجَةِ جَرْحَى. لِحَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مَعَهَا مِنْ الْأَنْصَارِ، يَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُعَالِجْنَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ جَمْعٌ: وَامْرَأَةُ الْأَمِيرِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَحْرُمُ اسْتِعَانَةٌ بِكَافِرٍ فِي غَزْوٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِيهِ «فَارْجِعْ فَلَنْ نَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» . وَعَنْ الزُّهْرِيِّ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَانَ بِنَاسٍ مِنْ الْيَهُودِ فِي حَرْبِهِ فَأَسْهَمَ لَهُمْ» رَوَاهُ سَعِيدٌ. فَحُمِلَ الثَّانِي وَنَحْوُهُ عَلَى الضَّرُورَةِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ. وَحَيْثُ جَازَ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الرَّأْيِ فِي الْمُسْلِمِينَ مَأْمُونًا (وَ) يَحْرُمُ اسْتِعَانَةٌ (بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي شَيْء مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ) مِنْ غَزْوٍ وَعِمَالَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِعِظَمِ الضَّرَرِ، لِأَنَّهُمْ دُعَاةٌ يَدْعُونَ إلَى عَقَائِدِهِمْ. وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَا يَدْعُونَ إلَى أَدْيَانِهِمْ نَصًّا. وَتُكْرَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِذِمِّيٍّ فِي ذَلِكَ، وَتَحْرُمُ تَوْلِيَتُهُمْ الْوِلَايَاتِ. (وَ) تَحْرُمُ (إعَانَتُهُمْ) أَيْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ عَلَى عَدُوِّهِمْ (إلَّا خَوْفًا) مِنْ شَرِّهِمْ. وَيُسَنُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ. لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ فِي سَفَرٍ إلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ» (وَيَسِيرُ بِالْجَيْشِ بِرِفْقٍ) كَسَيْرِ أَضْعَفِهِمْ لِحَدِيثِ «أَمِيرُ الْقَوْمِ أَقْطَعُهُمْ» أَيْ أَقَلُّهُمْ سَيْرًا لِئَلَّا يَنْقَطِعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ (إلَّا لِأَمْرٍ يَحْدُثُ) فَيَجُوزُ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جَدَّ بِهِمْ فِي السَّيْرِ حِينَ بَلَغَهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» لِتَشْتَغِلَ النَّاسُ عَنْ الْخَوْضِ فِيهِ (وَيُعِدُّ لَهُمْ) أَيْ لِلْجَيْشِ (الزَّادَ) لِأَنَّهُ بِهِ قِوَامُهُمْ (وَيُحَدِّثُهُمْ بِأَسْبَابِ النَّصْرِ) فَيَقُولُ: أَنْتُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا وَأَشَدُّ أَبْدَانًا، وَأَقْوَى قُلُوبًا وَنَحْوُهُ ; لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لِلنُّفُوسِ عَلَى الْمُصَابَرَةِ، وَأَبْعَثُ لَهَا عَلَى الْقِتَالِ (وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمْ الْعُرَفَاءَ) فَيَجْعَلُ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ مَنْ يَكُونُ كَمُقَدَّمٍ عَلَيْهِمْ، يَنْظُرُ فِي حَالِهِمْ وَيَتَفَقَّدُهُمْ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَرَّفَ عَامَ خَيْبَرَ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ عَرِيفًا» وَوَرَدَ " الْعِرَافَةُ حَقٌّ " لِأَنَّ فِيهَا مَصْلَحَةٌ. (وَيَعْقِدُ لَهُمْ الْأَلْوِيَةَ. وَهِيَ الْعِصَابَةُ تُعْقَدُ عَلَى قَنَاةٍ وَنَحْوِهَا) قَالَ فِي الْمَطَالِعِ: اللِّوَاءُ رَايَةٌ لَا يَحْمِلُهَا إلَّا صَاحِبُ جَيْشِ الْعَرَبِ، أَوْ صَاحِبُ دَعْوَةِ الْجَيْشِ (وَ) يَعْقِدُ لَهُمْ (الرَّايَاتُ وَهِيَ أَعْلَامٌ مُرَبَّعَةٌ) وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ رَايَةً. رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ حِينَ أَسْلَمَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ احْبِسْهُ عَلَى الْوَادِي حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ تَعَالَى فَيَرَاهَا قَالَ: فَحَبَسْته حَيْثُ أَمَرَنِي الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا» ، وَيُسْتَحَبُّ فِي الْأَلْوِيَةِ أَنْ تَكُونَ بَيْضَاءَ ; لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إذَا نَزَلَتْ بِالنَّصْرِ نَزَلَتْ مُسَوَّمَةً بِهَا. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُغَايِرَ بَيْنَ أَلْوَانِهَا ; لِيَعْرِفَ كُلُّ قَوْمٍ رَايَتَهُمْ (وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا يَتَدَاعُونَ بِهِ عِنْدَ الْحَرْبِ) لِئَلَّا يَقْعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. قَالَ سَلَمَةُ: «غَزَوْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ زَمَنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ شِعَارُنَا أَمِتْ أَمِتْ.» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَوَرَدَ أَيْضًا " حم لَا يُنْصَرُونَ " (وَيَتَخَيَّرُ) لِجَيْشِهِ (الْمَنَازِلَ) فَيُنْزِلُهُمْ فِي أَصْلَحِهَا (وَيَحْفَظُ مَكَامِنَهَا) جَمْعُ مَكْمَنٍ، أَيْ مَوْضِعٌ يَخْتَفِي فِيهِ الْعَدُوُّ. وَلْيَهْجِمْ عَلَى عَدُوِّهِ عَلَى غَفْلَةٍ لِئَلَّا يُؤْتَوْا مِنْهَا، (وَيَتَعَرَّفُ حَالَ الْعَدُوِّ بِبَعْثِ الْعُيُونِ) إلَيْهِ، حَتَّى لَا يَخْتَفِيَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، فَيُتَحَرَّزَ مِنْهُ وَيَتَمَكَّنَ مِنْ الْفُرْصَةِ فِيهِ (وَيَمْنَعُ جَيْشَهُ مِنْ مُحَرَّمٍ) مِنْ إفْسَادٍ وَمَعَاصٍ ; لِأَنَّهَا أَسْبَابُ الْخِذْلَانِ (وَ) يَمْنَعُهُمْ مِنْ (تَشَاغُلٍ بِتِجَارَةٍ) تَمْنَعُهُمْ الْجِهَادَ (وَيَعِدُ الصَّابِرَ فِي الْقِتَالِ بِأَجْرٍ وَنَفْلٍ) تَرْغِيبًا لَهُ فِيهِ، وَيُخْفِي مِنْ أَمْرِهِ مَا أَمْكَنَ إخْفَاؤُهُ، لِئَلَّا يَعْلَمَ عَدُوُّهُ بِهِ " وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا " (وَيُشَاوِرُ ذَا رَأْيٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ النَّاسِ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْأَمِيرِ حَمْلُ مَنْ أُصِيبَ فَرَسُهُ مِنْ الْجَيْشِ، وَلَا يَجِبُ نَصًّا. فَإِنْ خَافَ تَلَفَهُ فَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ فَضْلِ مَرْكُوبِهِ لِيُنَجِّيَ بِهِ صَاحِبَهُ. (وَيَصُفُّهُمْ) أَيْ الْجَيْشَ فَيَتَرَاصُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4] وَلِأَنَّ فِيهِ رَبْطَ الْجَيْشِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ (وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ جَنَبَةِ) مِنْ الصَّفِّ (كُفْؤًا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كُنْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ خَالِدًا إحْدَى الْجَنَبَتَيْنِ، وَالزُّبَيْرَ عَلَى الْأُخْرَى، وَأَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى السَّاقَةِ» وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْحُرِّ وَأَبْلَغُ فِي إرْهَابِ الْعَدُوِّ، وَيَدْعُو بِمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا غَزَا قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّهُ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِك أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ، وَبِك أُقَاتِلُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْخُنَا يَقُولُ هَذَا عِنْدَ قَصْدِ مَجْلِسِ عِلْمٍ (وَلَا يَمِيلُ) إمَامُ أَمِيرٍ (مَعَ قَرِيبِهِ، وَ) لَا مَعَ (ذِي مَذْهَبِهِ) لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْقُلُوبَ وَيَكْسِرُهَا وَيُشَتِّتُ الْكَلِمَةِ فَرُبَّمَا خَذَلُوهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ. وَيَحْرُمُ قِتَالُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ قَبْلَهَا. وَتُسَنُّ دَعْوَةُ مَنْ بَلَغَتْهُ لِلْخَبَرِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ) أَمِيرٌ جُعْلًا (مَعْلُومًا) مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَيَجُوزُ) أَنْ يَجْعَلَ (مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ مَجْهُولًا لِمَنْ يَعْمَلُ مَا) أَيْ شَيْئًا (فِيهِ غَنَاءٌ) أَيْ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ، كَنَقْبِ سُورٍ أَوْ صُعُودِ حِصْنٍ (أَوْ يَدُلُّ عَلَى طَرِيقٍ) سَهْلٍ (أَوْ عَلَى قَلْعَةٍ) لِتُفْتَحَ (أَوْ) عَلَى (مَاءٍ) فِي مَفَازَةٍ (وَنَحْوِهِ) كَدَلَالَةٍ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ الْمُسْلِمُونَ، أَوْ عَدُوٍّ يُغِيرُونَ عَلَيْهِ أَوْ ثَغْرَةٍ يُدْخَلُ مِنْهَا إلَيْهِ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَدْ اسْتَأْجَرَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْهِجْرَةِ مَنْ دَلَّهُمْ عَلَى طَرِيقٍ وَجَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّرِيَّةِ الثُّلُثَ وَالرُّبْعَ مِمَّا غَنِمُوهُ» وَهُوَ مَجْهُولٌ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ كُلَّهَا مَجْهُولٌ وَيَسْتَحِقُّهُ مَجْهُولٌ لَهُ بِفِعْلِ مَا جُوعِلَ عَلَيْهِ (بِشَرْطِ أَنْ يُجَاوِزَ) جُعْلَ مَجْهُولٍ مِنْ مَالِ كُفَّارٍ (ثُلُثَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْلُ أَكْثَرَ مِنْهُ. (وَ) يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ) الْأَمِيرُ (ذَلِكَ بِلَا شَرْطٍ) لِمَنْ فَعَلَ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّهُ تَرْغِيبٌ لِلْجِهَادِ. (وَلَوْ جَعَلَ الْأَمِيرُ لَهُ) أَيْ لِمَنْ يَفْعَلُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ (جَارِيَةً) مُعِينَةٌ عَلَى فَتْحِ الْحِصْنِ (مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْكُفَّارِ بِالْحِصْنِ (فَمَاتَتْ) قَبْلَ فَتْحِ الْحِصْنِ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهَا. وَقَدْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ. فَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا كَالْوَدِيعَةِ (وَإِنْ أَسْلَمَتْ) الْجَارِيَةُ الَّتِي جُعِلَتْ لَهُ مِنْهُمْ (وَهِيَ أَمَةٌ أَخَذَهَا) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْوَفَاءُ لَهُ بِشَرْطِهِ فَوَجَبَ، وَسَوَاءٌ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ أَوْ بَعْدَهُ (كَحُرَّةٍ) جُعِلَتْ لَهُ فَ (أَسْلَمَتْ بَعْدَ فَتْحٍ) لِاسْتِرْقَاقِهَا بِالِاسْتِيلَاءِ فَلَمْ تُسْلِمْ إلَّا وَهِيَ أَمَةٌ. وَكَذَا حُكْمُ رَجُلٍ مِنْ الْحِصْنِ جُوعِلَ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْمَجْعُولُ لَهُ الْجَارِيَةَ (كَافِرًا فَ) لَهُ (قِيمَتُهَا) إنْ أَسْلَمَتْ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ لِإِسْلَامِهَا (كَحُرَّةٍ) جُعِلَتْ لَهُ وَ (أَسْلَمَتْ قَبْلَ فَتْحٍ) لِعِصْمَتِهَا نَفْسَهَا بِإِسْلَامِهَا إذَنْ. وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبُ لَهُ الْقِيمَةُ إذَا مَاتَتْ وَتَجِبُ إذَا أَسْلَمَتْ لِإِمْكَانِ تَسْلِيمِهَا مَعَ الْإِسْلَامِ لَكِنْ مَنَعَ مِنْهُ الشَّرْعُ، بِخِلَافِ مَوْتِهَا. (وَإِنْ فُتِحَتْ) قَلْعَةٌ جُوعِلَ مِنْهَا بِجَارِيَةٍ مِنْهُمْ (صُلْحًا وَلَمْ يَشْتَرِطُوهَا) أَيْ يَشْتَرِطْ الْمُسْلِمُونَ الْجَارِيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقَلْعَةِ (وَأَبَوْهَا) أَيْ أَبَى أَهْلُ الْقَلْعَةِ الْجَارِيَةَ (وَأَبَى) مَجْعُولٌ لَهُ (أَخْذُ الْقِيمَةِ) عَنْهَا (فُسِخَ) الصُّلْحُ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ، لِسَبْقِ حَقِّ صَاحِبِ الْجُعْلِ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّلْحِ. وَلِأَهْلِ الْقَلْعَةِ تَحْصِينُهَا كَمَا كَانَتْ بِلَا زِيَادَةٍ وَإِنْ بَذَلُوهَا مَجَّانًا لَزِمَ أَخْذُهَا وَدَفْعُهَا إلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ غَيْرُ حُرَّةِ الْأَصْلِ وَقِيمَتُهَا (وَلِأَمِيرٍ فِي بَدَاءَةِ) دُخُولِهِ دَارَ حَرْبٍ (أَنْ يُنْفِلَ) أَيْ يَزِيدَ عَلَى السَّهْمِ الْمُسْتَحَقِّ (الرُّبْعَ فَأَقَلَّ بَعْدَ الْخُمْسِ. وَ) لَهُ أَنْ (يُنْفِلَ فِي رَجْعَةٍ) أَيْ رُجُوعٍ مِنْ دَارِ حَرْبٍ (الثُّلُثَ فَأَقَلَّ بَعْدَهُ) أَيْ الْخُمْسِ. (وَ) بَيَانُ (ذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا دَخَلَ) أَمِيرٌ دَارَ حَرْبٍ (بَعَثَ سَرِيَّةً تُغِيرُ) عَلَى الْعَدُوِّ (وَإِذَا رَجَعَ) مِنْهَا (بَعَثَ) سَرِيَّةً (أُخْرَى) تُغِيرُ (فَمَا أَتَتْ) كُلُّ سَرِيَّةٍ (أَخْرَجَ خُمْسَهُ وَأَعْطَى السَّرِيَّةَ مَا وَجَبَ لَهَا بِجُعْلِهِ وَقَسَّمَ الْبَاقِيَ) بَعْدَ الْخُمْسِ وَالْجُعْلُ (فِي الْكُلِّ) أَيْ الْجَيْشِ وَسَرَايَاهُ. لِحَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةُ الْفِهْرِيِّ قَالَ: «شَهِدْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَّلَ الرُّبْعَ فِي الْبُدَاءَةِ وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ» وَفِيَ لَفْظٍ «كَانَ يُنْفِلُ الرُّبْعَ بَعْدَ الْخُمْسِ إذَا قَفَلَ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَلِلتِّرْمِذِيِّ مَعْنَاهُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَزِيدَ فِي الرَّجْعَةِ عَلَى الْبُدَاءَةِ لِمَشَقَّتِهَا ; لِأَنَّ الْجَيْشَ فِي الْبُدَاءَةِ رِدْءٌ عَنْ السَّرِيَّةِ وَفِي الرَّجْعَةِ مُنْصَرِفٌ عَنْهَا. وَالْعَدُوُّ مُسْتَيْقِظٌ، وَلِأَنَّهُمْ مُشْتَاقُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَشَقَّةً. وَلَا يَعْدِلُ شَيْءٌ عِنْدَ أَحْمَدَ الْخُرُوجُ فِي السَّرِيَّةِ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ، لِأَنَّهُ أَنْكَى لِلْعَدُوِّ. [فَصْلٌ يَلْزَمُ الْجَيْشَ الصَّبْرُ مَعَ الْأَمِيرِ وَالنُّصْحُ وَالطَّاعَةُ] فَصْلٌ وَيَلْزَمُ الْجَيْشَ الصَّبْرُ مَعَ الْأَمِيرِ وَالنُّصْحُ وَالطَّاعَةُ لِلْأَمِيرِ فِي رَأْيِهِ وَقِسْمَتِهِ الْغَنِيمَةَ وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ صَوَابٌ عَرَّفُوهُ وَنَصَحُوهُ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَلِحَدِيثِ «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَحَدِيثُ «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» (فَلَوْ أَمَرَهُمْ الْأَمِيرُ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً وَقْتَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ فَأَبَوْا عَصَوْا) لِلْمُخَالَفَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى مَرْفُوعًا «لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمْ الْعَدُوَّ فَاصْبِرُوا» فَإِنْ كَانَ يَقُولُ: سِيرُوا وَقْتَ كَذَا وَيَدْفَعُ قَبْلَهُ دَفَعُوا مَعَهُ نَصًّا. وَقَالَ أَحْمَدُ: السَّاقَةُ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْأَجْرُ إنَّمَا يَخْرُجُ فِيهِمْ أَهْلُ قُوَّةٍ وَثَبَاتٍ (وَحَرُمَ) عَلَى الْجَيْشِ (بِلَا إذْنِهِ) أَيْ الْأَمِيرِ (حَدَثٌ) أَيْ إحْدَاثُ أَمْرٍ (كَتَعَلُّفٍ وَاحْتِطَابٍ وَنَحْوِهِمَا) كَخُرُوجٍ مِنْ عَسْكَرٍ (وَ) كَ (تَعْجِيلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62] وَلِأَنَّ الْأَمِيرَ أَعْرَفُ بِحَالِ النَّاسِ وَحَالِ الْعَدُوِّ (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْذَنَ) الْأَمِيرُ فِي ذَلِكَ (بِمَوْضِعٍ عِلْمِهِ مَخُوفًا) نَصًّا. فَإِنْ احْتَاجَ أَحَدُهُمْ إلَى الْخُرُوجِ بَعَثَ مَعَهُ مَنْ يَحْرُسُهُ (وَكَذَا بِرَازٌ) بِكَسْرِ الْبَاءِ. فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْجَيْشِ بِلَا إذْنِ الْأَمِيرِ ; لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِفُرْسَانِهِ وَفُرْسَانِ عَدُوِّهِ. وَقَدْ يَبْرُزُ الْإِنْسَانُ لِمَنْ لَا يُطِيقُهُ فَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ، فَتَنْكَسِرُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا الِانْغِمَاسُ فِي الْكُفَّارِ فَيَجُوزُ بِلَا إذْنٍ ; لِأَنَّهُ يَطْلُبُ الشَّهَادَةَ وَلَا يُتَرَقَّبُ مِنْهُ ظَفَرٌ وَلَا مُقَاوَمَةٌ، بِخِلَافِ الْمُبَارَزَةِ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ قُلُوبُ الْجَيْشِ وَيَرْتَقِبُونَ ظَفَرَهُ (فَلَوْ طَلَبَهُ) أَيْ الْبِرَازَ (كَافِرٌ سُنَّ لِمَنْ يَعْلَمُ) مِنْ نَفْسِهِ (أَنَّهُ كُفْءٌ لَهُ بِرَازُهُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ) لِفِعْلِ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَغَيْرِهِمْ. وَبَارَزَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ مَرْزُبَانَ الدَّارَةِ فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ سَلَبَهُ فَبَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا ; وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارًا لِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَجَلَدِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ الْمُكَافَأَةَ لِطَالِبِ الْبِرَازِ كُرِهَتْ إجَابَتُهُ لِئَلَّا يُقْتَلَ فَيَكْسِرَ قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا شَرَطَ) كَافِرٌ طَلَبَ الْبِرَازِ لَا يُقَاتِلُهُ غَيْرُ خَصْمِهِ لَزِمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَحَدِيثُ «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» (أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ) جَارِيَةً (أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُ خَصْمِهِ لَزِمَ) ذَلِكَ ; لِجَرَيَانِهَا مَجْرَى الشَّرْطِ. وَيَجُوزُ رَمْيُهُ وَقَتْلُهُ قَبْلَ الْمُبَارَزَةِ ; لِأَنَّهُ لَا عَهْدَ لَهُ وَلَا أَمَانَ. وَتُبَاحُ دَعْوَى الْمُسْلِمِ الْوَاثِقُ مِنْ نَفْسِهِ بِالْقُوَّةِ وَالشَّجَاعَةِ. وَلَا تُسْتَحَبُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا (فَإِنْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُ) الْمُجِيبُ لِطَالِبِ الْبِرَازِ وَالدَّاعِي إلَيْهِ (أَوْ ثَخُنَ) بِجِرَاحٍ (فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ الدَّفْعُ عَنْهُ وَالرَّمْيُ) لِلْكَافِرِ الْمُبَارِزِ لِانْقِضَاءِ قِتَالِ الْمُسْلِمِ مَعَهُ. وَالْأَمَانُ إنَّمَا كَانَ حَالَ الْبِرَازِ - قَدْ زَالَ - وَأَعَانَ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ عَلَى قَتْلِ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ حِينَ أَثْخَنَ عُبَيْدَةَ. وَإِنْ أَعَانَ الْكُفَّارُ صَاحِبَهُمْ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ عَوْنُ صَاحِبِهِمْ وَقِتَالُ مَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ دُونَ الْمُبَارِزِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ. فَإِنْ اسْتَنْجَدَهُمْ أَوْ عُلِمَ مِنْهُ الرِّضَا بِفِعْلِهِمْ انْتَقَضَ أَمَانُهُ وَجَازَ قَتْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَهُ) أَيْ قَتَلَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ (أَوْ أَثْخَنَهُ) بِالْجِرَاحِ (فَلَهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ (سَلَبُهُ) بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ وَيَأْتِي (وَكَذَا مَنْ غَرَّرَ بِنَفْسِهِ) فَقَتَلَ كَافِرًا (وَلَوْ) كَانَ الْمُسْلِمُ الْقَاتِلُ (عَبْدًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ امْرَأَةً أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا بِإِذْنِ) إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ. لِحَدِيثِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ. لِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ وَلَمْ يُخَمِّسْ السَّلَبَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (لَا مُخَذِّلًا وَمُرْجِفًا. وَكُلَّ عَاصٍ) كَرَامٍ بَيْنَنَا بِفِتَنٍ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ السَّلَبَ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ (حَالَ الْحَرْبِ) مُتَعَلِّقٌ بِغَرَرٍ (فَقَتَلَ أَوْ أَثْخَنَ كَافِرًا مُمْتَنِعًا) فَلَهُ سَلَبُهُ لِمَا تَقَدَّمَ (لَا) كَافِرًا (مُشْتَغِلًا بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ) كَنَائِمٍ (وَلَا) كَافِرًا (مُنْهَزِمًا) فَلَا يَسْتَحِقُّ سَلَبَهُ، لِعَدَمِ التَّغْرِيرِ بِنَفْسِهِ. أَشْبَهَ قَتْلَ شَيْخٍ فَانٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَا يُقْتَلُ. وَيَسْتَحِقُّ قَاتِلٌ السَّلَبَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ شَرَطَ) السَّلَبَ (لِغَيْرِهِ) أَيْ الْقَاتِلِ لِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ (وَكَذَا لَوْ قَطَعَ) مُسْلِمٌ مِنْ أَهْلِ جِهَادٍ (أَرْبَعَتَهُ) أَيْ يَدَيْ الْكَافِرِ وَرِجْلَيْهِ فَلَهُ سَلَبُهُ وَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ. وَلِأَنَّ مُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ أَثْبَتَ أَبَا جَهْلٍ وَذَفَّفَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ «فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَلَبِهِ لِمُعَاذٍ» (وَإِنْ قَطَعَ مُسْلِمٌ يَدَهُ) أَيْ الْكَافِرِ (وَرِجْلَهُ وَقَتَلَهُ آخَرُ) فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ لِعَدَمِ الِانْفِرَادِ بِقَتْلِهِ مُغَرِّرًا بِنَفْسِهِ (أَوْ أَسَرَهُ إنْسَانٌ فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ فَ) سَلَبُهُ غَنِيمَةٌ (أَوْ) قَتَلَهُ (اثْنَانِ فَأَكْثَرَ) اشْتَرَكُوا فِيهِ (فَ) سَلَبُهُ (غَنِيمَةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَالسَّلَبُ مَا عَلَيْهِ) أَيْ الْكَافِرِ الْمَقْتُولِ (مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ وَسِلَاحٍ وَدَابَّتِهِ الَّتِي قَاتَلَ عَلَيْهَا وَمَا عَلَيْهَا) مِنْ آلَتِهَا. لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا وَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي الْحَرْبِ فَأَشْبَهَ السِّلَاحَ. وَلَوْ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ صَرَعَهُ عَنْهَا وَسَقَطَ إلَى الْأَرْضِ. (فَأَمَّا نَفَقَتُهُ) أَيْ الْمَقْتُولِ (وَرَحْلُهُ وَخَيْمَتُهُ وَجَنِيبُهُ) أَيْ الدَّابَّةُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ رَاكِبُهَا حَالَ الْقِتَالِ (فَ) هُوَ (غَنِيمَةٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سَلَبِهِ وَيَجُوزُ سَلْبُ الْقَتْلَى وَتَرْكُهُمْ عُرَاةً. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتِيلِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ» (وَيُكْرَهُ التَّلَثُّمُ فِي الْقِتَالِ عَلَى أَنْفِهِ) نَصًّا. وَ (لَا) يُكْرَهُ لَهُ (لُبْسُ عِمَامَةٍ كَرِيشِ نَعَامٍ) بَلْ يُبَاحُ. [فَصْلٌ الْغَزْو بِلَا إذْنِ الْأَمِيرِ] فَصْلٌ وَيَحْرُمُ غَزْوٌ بِلَا إذْنِ الْأَمِيرِ لِرُجُوعِ أَمْرِ الْحَرْبِ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ بِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّتِهِ وَمَكَامِنِهِ وَكَيْدِهِ (إلَّا أَنْ يُفَاجِئَهُمْ عَدُوٌّ) كُفَّارٌ (يَخَافُونَ كَلَبَهُ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ شَرَّهُ وَأَذَاهُ. فَيَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِلَا إذْنِهِ لِتَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ. وَلِذَلِكَ «لَمَّا أَغَارَ الْكُفَّارُ عَلَى لِقَاحِ أَيْ نُوقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَادَفَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ خَارِجًا عَنْ الْمَدِينَةِ تَبِعَهُمْ فَقَاتَلَهُمْ بِغَيْرِ إذْنٍ فَمَدَحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: خَيْرُ رِجَالِنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَأَعْطَاهُ سَهْمَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ» وَكَذَا إنْ عَرَضَتْ لَهُمْ فُرْصَةٌ يَخَافُونَ فَوْتَهَا بِتَرْكِهِ لِلِاسْتِئْذَانِ. وَإِذَا دَخَلَ قَوْمٌ) ذُو مَنَعَةٍ أَوَّلًا (أَوْ) دَخَلَ (وَاحِدٌ وَلَوْ عَبْدًا دَارَ حَرْبٍ بِلَا إذْنٍ) إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ (فَغَنِيمَتُهُمْ فَيْءٌ) لِأَنَّهُمْ عُصَاةٌ بِالِافْتِيَاتِ (وَمَنْ أَخَذَ) مِنْ الْجَيْشِ أَوْ أَتْبَاعِهِ (مِنْ دَارِ الْحَرْبِ رِكَازًا أَوْ مُبَاحًا لَهُ قِيمَةٌ فِي مَكَانِهِ فَهُوَ غَنِيمَةٌ) لِحَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ الْجَرْمِيِّ قَالَ: «لَقِيتُ بِأَرْضِ الرُّومِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فِي إمَارَةِ مُعَاوِيَةَ وَعَلَيْنَا مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ فَأَتَيْته بِهَا فَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْطَانِي مِثْلَ مَا أَعْطَى رَجُلًا مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا نَفْلَ إلَّا بَعْدَ الْخُمْسِ لَأَعْطَيْتُك ثُمَّ أَخَذَ يَعْرِضُ عَلَيَّ مِنْ نَصِيبِهِ فَأَبَيْت» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ هُنَاكَ كَالْأَقْلَامِ وَالْمِسَنِّ فَلِآخِذِهِ. وَلَوْ صَارَ لَهُ قِيمَةٌ بِنَقْلِهِ وَمُعَالَجَتِهِ (وَ) مَنْ أَخَذَ (طَعَامًا وَلَوْ سُكَّرًا وَنَحْوَهُ) كَحَلْوَاءِ وَمَعَاجِينَ (أَوْ) أَخَذَ (عَلَفًا وَلَوْ بِلَا إذْنِ) أَمِيرٍ (وَ) لَا (حَاجَةٍ فَلَهُ أَكْلُهُ. وَلَهُ إطْعَامُ سَبْيٍ اشْتَرَاهُ وَنَحْوِهِ) وَغُلَامِهِ (وَ) لَهُ عَلْفُ دَابَّتِهِ وَلَوْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو دَاوُد. لِسَعِيدٍ " أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ كَتَبَ لِعُمَرَ إنَّا أَصَبْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ وَالْغَلَّةِ وَكَرِهْت أَنْ أَتَقَدَّمَ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ: دَعْ النَّاس يَعْلِفُونَ وَيَأْكُلُونَ فَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَفِيهِ خُمْسُ اللَّهِ وَسِهَامُ الْمُسْلِمِينَ " وَ (لَا) يَجُوزُ أَنْ يَعْلِفَ مِنْهُ دَابَّةً (لِصَيْدٍ) كَجَارِحٍ وَفَهْدٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا (وَيَرُدُّ فَاضِلًا) مِنْ طَعَامٍ وَعَلَفٍ (وَلَوْ) كَانَ (يَسِيرًا) لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ (وَ) يَرُدُّ (ثَمَنَ مَا بَاعَ) مِنْ طَعَامٍ وَعَلَفٍ لِلْخَبَرِ (وَيَجُوزُ الْقِتَالُ بِسِلَاحٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَيَرُدُّهُ) مَعَ حَاجَةٍ وَعَدَمِهَا. لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " انْتَهَيْتُ إلَى أَبِي جَهْلٍ فَوَقَعَ سَيْفُهُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذْتُهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ ; وَلِعِظَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ. وَ (لَا) يَجُوزُ الْقِتَالُ (عَلَى فَرَسٍ) أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْغَنِيمَةِ (وَلَا لُبْسُ ثَوْبٍ مِنْهَا) لِحَدِيثِ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا. وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ» رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ عُرِّضَتْ لِلْعَطَبِ غَالِبًا وَقِيمَتُهَا كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ السِّلَاحِ. (وَلَا) يَجُوزُ لِأَحَدٍ (أَخْذُ شَيْءٍ مُطْلَقًا) مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي دَارِ إسْلَامٍ أَوْ حَرْبٍ (مِمَّا أُحْرِزَ) مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ الْأَخْذُ قَبْلَ جَمْعِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدُ. فَأَشْبَهَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ نَحْو حَطَبٍ وَحَشِيشٍ. فَإِذَا جُمِعَ ثَبَتَ فِيهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ وَصَارَ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِمْ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَأْكُلُهُ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ لِحِفْظِ نَفْسِهِ وَدَوَابِّهِ، سَوَاءٌ أُحْرِزَ بِدَارِ إسْلَامٍ أَوْ حَرْبٍ (وَلَا) تَجُوزُ (التَّضْحِيَةُ بِشَيْءٍ) يَجِبُ (فِيهِ الْخُمْسُ) مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ (وَلَهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ (لِحَاجَةٍ ; دَهْنُ بَدَنِهِ وَدَهْنُ دَابَّتِهِ) بِدُهْنٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ. (وَ) لَهُ (شُرْبُ شَرَابٍ) لِحَاجَةٍ إلْحَاقًا بِالطَّعَامِ (وَمَنْ أَخَذَ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَزَاةٍ مُعَيَّنَةٍ فَالْفَاضِلُ) مِمَّا أَخَذَهُ (لَهُ) لِأَنَّهُ أُعْطِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَنَةِ وَالنَّفَقَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِجَارَةِ كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ بِأَلْفٍ (وَإِلَّا) يَكُنْ أَخَذَهُ فِي غَزَاةٍ مُعَيَّنَةٍ (فَ) الْفَاضِلُ يَصْرِفُهُ فِي (الْغَزْوِ) لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ الْجَمِيعَ لِيَصْرِفَهُ فِي جِهَةِ قُرْبَةٍ. فَلَزِمَهُ إنْفَاقُهُ فِيهَا كَوَصِيَّتِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ، وَلَا يَتْرُكُ لِأَهْلِهِ شَيْئًا مِمَّا أُعْطِيهِ لِيَسْتَعِينَ بِهِ فِي الْغَزْوِ حَتَّى يَصِيرَ إلَى رَأْسِ مَغْزَاهُ، فَيَبْعَثُ إلَى عِيَالِهِ مِنْهُ (وَإِنْ أَخَذَ دَابَّةً غَيْرَ عَارِيَّةٍ وَلَا حَبِيسٍ لِغَزْوٍ عَلَيْهَا مَلَكَهَا بِهِ) أَيْ بِالْغَزْوِ عَلَيْهَا لِحَدِيثِ عُمَرَ " حَمَلْت رَجُلًا عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَضَاعَهُ صَاحِبُهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْت أَنْ أَشْتَرِيَهُ، فَظَنَنْت أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ. . الْخَبَرَ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَلَوْلَا أَنَّهُ مَلَكَهُ مَا بَاعَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَأْخُذَهُ مِنْ عُمَرَ فَيُقِيمَهُ لِلْبَيْعِ فِي الْحَالِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَقَامَهُ لِلْبَيْعِ بَعْدَ غَزْوِهِ عَلَيْهِ. أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، فَإِنْ يَغْزُ رَدَّهَا (وَمِثْلُهَا) أَيْ الدَّابَّةِ (سِلَاحٌ وَغَيْرُهُ) إذَا أَخَذَهُ غَيْرَ عَارِيَّةٍ وَلَا حَبِيسٍ مَلَكَهُ بِغَزْوِهِ بِهِ لَا قَبْلَهُ. [بَابُ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ] (وَهِيَ) فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَغْنُومَةٍ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْغُنْمِ، وَهُوَ الرِّبْحُ، وَاصْطِلَاحًا (مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ قَهْرًا بِقِتَالٍ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ) أَيْ بِالْمَأْخُوذِ بِقِتَالٍ كَفِدْيَةِ أَسْرَى ; وَهَدِيَّةِ حَرْبِيٍّ لِأَمِيرِ جَيْشٍ أَوْ غَيْرِهِ بِدَارِ حَرْبٍ، وَمَا أُخِذَ مِنْ مُبَاحِهَا بِقُوَّةِ الْجَيْشِ. وَخُمْسُهَا لِأَهْلِ الْخُمْسِ وَبَاقِيهَا لِلْغَانِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ " فَأَضَافَهَا إلَيْهِمْ. ثُمَّ جَعَلَ خُمُسَهَا لِمَنْ ذَكَرَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] وَقَسَّمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ. وَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِمَنْ مَضَى مِنْ الْأُمَمِ لِلْخَبَرِ. ثُمَّ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] الْآيَةَ " ثُمَّ صَارَ لِلْغَانِمِينَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا (وَيَمْلِكُ أَهْلُ حَرْبٍ مَا لَنَا بِقَهْرٍ) حَتَّى عَبْدٍ مُسْلِمٍ، كَأَخْذِ بَعْضِهِمْ مَالَ بَعْضٍ (وَلَوْ اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَهُ) لِأَنَّ الْقَهْرَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمُسْلِمُ مَالَ الْكَافِرِ. فَمَلَكَ بِهِ الْكَافِرُ مَالَ الْمُسْلِمِ كَالْبَيْعِ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ قَبْلَ الْحِيَازَةِ إلَى دَارِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَفِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. الْمَنْصُوصُ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بِالْحِيَازَةِ إلَى دَارِهِمْ (حَتَّى مَا شَرَدَ) إلَيْهِمْ مِنْ دَوَابِّنَا (أَوْ أَبِقَ) إلَيْهِمْ مِنْ رَقِيقِنَا (أَوْ أَلْقَتْهُ رِيحٌ إلَيْهِمْ مِنْ سُفُنِنَا، وَحَتَّى أُمَّ وَلَدٍ) لِمُسْلِمٍ وَمُكَاتَبٍ، لِأَنَّهُمَا يُضْمَنَانِ بِقِيمَتِهِمَا إذَا أَتْلَفَا. فَأَشْبَهَا الْقِنَّ. فَلَا يَنْفُذُ فِي رَقِيقٍ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ عِتْقٌ. وَلَا يَجِبُ فِي نَقْدٍ وَنَحْوِهِ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ زَكَاةٌ. وَإِذَا مَلَكَ مُسْلِمٌ أُخْتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا، فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْكُفَّارُ، فَلَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ أُخْتِهَا. وَإِنْ أَسْلَمُوا وَبِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ لَهُمْ نَصًّا. وَ (لَا) يَمْلِكُونَ (وَقْفًا) عَبْدًا أَوْ غَيْرَهُ بِاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ (وَيُعْمَلُ بِوَسْمٍ عَلَى حَبِيسٍ) لِقُوَّةِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ (كَ) مَا يُعْمَلُ بِ (قَوْلِ مَأْسُورٍ) اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنْ كُفَّارٍ (هُوَ مِلْكُ فُلَانٍ) فَيُرَدُّ إلَيْهِ إذَا عَرَفَهُ. وَلَا يُقَسَّمُ نَصًّا. وَكَذَا إذَا أُصِيبَ مَرْكَبٌ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فِيهَا نَوَاتِيَّةٌ وَقَالُوا: هَذَا لِفُلَانٍ، وَهَذَا لِفُلَانٍ. قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا قَدْ عُرِفَ صَاحِبُهُ لَا يُقَسَّمُ (وَلَا) يَمْلِكُونَ (حُرًّا وَلَوْ ذِمِّيًّا) لِأَنَّهُ لَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ. وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ بِحَالٍ. وَمَتَى قُدِرَ عَلَى الذِّمِّيِّ رُدَّ إلَى ذِمَّتِهِ لِبَقَائِهَا. وَلَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُ (وَيَلْزَمُ فِدَاؤُهُ) أَيْ الذِّمِّيِّ مِنْ أَهْلِ حَرْبٍ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ، كَفِدَاءِ مُسْلِمٍ. وَ (لَا) يَجُوزُ (فِدَاءُ) أَسِيرٍ (بِخَيْلٍ، وَ) لَا (سِلَاحٍ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (وَ) لَا فِدَاءَ بِ (مُكَاتَبٍ، وَ) لَا (أُمِّ وَلَدٍ) وَلَوْ كَافِرَيْنِ. لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا (وَيَنْفَسِخُ بِهِ) أَيْ بِاسْتِيلَاءِ أَهْلِ حَرْبٍ (نِكَاحُ أَمَةٍ) مُزَوَّجَةٍ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا وَحْدَهَا لِمِلْكِهِمْ رَقَبَتِهَا وَمَنَافِعِهَا. وَكَنِكَاحِ كَافِرَةٍ سُبِيَتْ وَحْدَهَا. وَ (لَا) يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُ (حُرَّةٍ) مُزَوَّجَةٍ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا (وَإِنْ أَخَذْنَاهَا) أَيْ الْحُرَّةَ مِنْهُمْ (أَوْ) أَخَذْنَا مِنْهُمْ (أُمَّ وَلَدٍ رُدَّتْ حُرَّةً لِزَوْجٍ) لِبَقَاءِ نِكَاحِهِ (وَ) رُدَّتْ أُمُّ وَلَدٍ (لِسَيِّدٍ) حَيْثُ عُرِفَ (وَيَلْزَمُ سَيِّدًا أَخْذُهَا) أَيْ أُمَّ وَلَدِهِ قَبْلَ قِسْمَةٍ مَجَّانًا (وَبَعْدَ قِسْمَةٍ بِثَمَنِهَا) وَلَا يَدَعُهَا يَسْتَحِلُّ فَرْجَهَا مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ (وَوَلَدُهُمَا) أَيْ الْحُرَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ (مِنْهُمْ) أَيْ أَهْلِ الْحَرْبِ (كَوَلَدِ زِنًا) هَذَا وَاضِحٌ فِي وَلَدِ الْحُرَّةِ ; لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمْ فِيهَا وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ. وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا بِالْقَهْرِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَهُوَ مِنْ مَالِكٍ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا وَقَعَ الْوَطْءُ فِي مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَيَلْحَقُ النَّسَبُ (وَإِنْ أَبَى) وَلَدُ مُسْلِمَةٍ حُرَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَهْلِ حَرْبٍ (الْإِسْلَامَ ضُرِبَ وَحُبِسَ حَتَّى يُسْلِمَ) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأُمِّهِ فَلَا يُقَرُّ عَلَى الْكُفْرِ (وَلِمُشْتَرٍ أَسِيرًا) مِنْ كَافِرٍ (رُجُوعٌ) عَلَى الْأَسِيرِ (بِثَمَنِهِ بِنِيَّةِ) رُجُوعٍ عَلَيْهِ. لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ " أَيُّمَا رَجُلٍ أَصَابَ رَقِيقَهُ وَمَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ أَصَابَهُ فِي أَيْدِي التُّجَّارِ بَعْدَ مَا انْقَسَمَ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَأَيُّمَا حُرٍّ اشْتَرَاهُ التُّجَّارُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ إلَيْهِمْ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ " فَإِنَّ الْحُرَّ لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى ; وَلِأَنَّ الْأَسِيرَ يَلْزَمُهُ فِدَاءُ نَفْسِهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ حُكْمِ الْكُفَّارِ. فَإِذَا نَابَ عَنْهُ غَيْرُهُ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ عَنْهُ. فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَقَوْلُ أَسِيرٍ ; لِأَنَّهُ غَارِمٌ مُنْكِرٌ لِلزَّائِدِ. وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْهُ (وَإِنْ أُخِذَ مِنْهُمْ) أَيْ أَهْلِ الْحَرْبِ (مَالُ مُسْلِمٍ، أَوْ) مَالُ (مُعَاهَدٍ) ذِمِّيٍّ أَوْ غَيْرِهِ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ (مَجَّانًا) أَيْ بِلَا عِوَضٍ وَعُرِفَ رَبُّهُ (فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ) إنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ (مَجَّانًا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «إنَّ غُلَامًا لَهُ أَبِقَ إلَى الْعَدُوِّ فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى ابْنِ عُمَرَ» وَعَنْهُ قَالَ «ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ فَأَخَذَهَا الْعَدُوُّ فَظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَلِقَوْلِ عُمَرَ " مَنْ وَجَدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يُقَسَّمْ ". رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ. فَإِنْ قَسَّمَهُ الْإِمَامُ مَعَ عِلْمِهِ رَبَّهُ لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ وَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى رَبِّهِ مَجَّانًا، وَإِنْ أَبَى رَبُّهُ أَخْذَهُ قَسَّمَهُ الْإِمَامُ لِأَنَّ رَبَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِإِدْرَاكِهِ، بَلْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ. فَإِذَا تَرَكَهُ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ التَّقْدِيمِ. (وَ) إنْ أُخِذَ مِنْهُمْ مَالُ مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ (بِشِرَاءٍ، أَوْ) قِتَالٍ وَأَدْرَكَهُ رَبُّهُ (بَعْدَ قَسْمِهِ) فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ (بِثَمَنِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ بَعِيرًا لَهُ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَصَابُوهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنْ أَصَبْتَهُ قَبْلَ أَنْ نَقْسِمَهُ فَهُوَ لَك، وَإِنْ أَصَبْته بَعْدَ مَا قُسِمَ أَخَذْته بِالْقِيمَةِ» . وَلِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى ضَيَاعِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَحِرْمَانِ آخِذِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَحَقُّهَا يَنْجَبِرُ بِالثَّمَنِ، فَرُجُوعُ صَاحِبِ الْمَالِ فِي عَيْنِ مَالِهِ بِثَمَنِهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، كَأَخْذِ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ. (وَلَوْ بَاعَهُ) أَيْ مَالَ الْمُسْلِمِ أَوْ الْمُعَاهَدِ آخِذُهُ مِنْ كُفَّارٍ (أَوْ وَهَبَهُ) آخِذُهُ مِنْهُمْ (أَوْ وَقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ آخِذُهُ) مِنْهُمْ لَزِمَ (أَوْ) بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ وَقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ (مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ) ذَلِكَ مِمَّنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ (لَزِمَ) ذَلِكَ التَّصَرُّفُ لِصُدُورِهِ مِنْ مَالِكٍ فِي مِلْكِهِ (وَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ كَمَا سَبَقَ) أَيْ مَجَّانًا إنْ أَخَذَهُ مِنْ كُفَّارٍ مَجَّانًا، أَوْ بِثَمَنِهِ إنْ أَخَذَ مِنْهُمْ بِشِرَاءٍ أَوْ بَعْدَ قِسْمَةٍ (مِنْ آخَرَ مُشْتَرٍ وَآخَرَ مُتَّهِبٍ) كَأَوَّلِ آخِذٍ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَمْنَعُ التَّصَرُّفَ كَالشُّفْعَةِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مَا وُقِفَ أَوْ عَتَقَ لِمَنْعِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهِ. وَقِيَاسُهُ لَوْ اسْتَوْلَدَهَا آخِذُهَا (وَتَمَلَّكَ غَنِيمَةً بِاسْتِيلَاءٍ) عَلَيْهَا (وَلَوْ بِدَارِ حَرْبٍ) لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ التَّامَّ سَبَبُ الْمِلْكِ. وَقَدْ وُجِدَ لِثُبُوتِ أَيْدِينَا عَلَيْهَا حَقِيقَةً وَلِزَوَالِ مِلْكِ كُفَّارٍ عَنْهَا ; لِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُمْ لِعَبْدٍ مِنْهَا وَالْمِلْكُ لَا يَزُولُ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ (كَعِتْقِ عَبْدِ حَرْبِيٍّ وَإِبَانَةِ زَوْجَةِ حَرْبِيٍّ أَسْلَمَا) أَيْ الْعَبْدُ وَالزَّوْجَةُ (وَلَحِقَا بِنَا) أَيْ بِدَارِ حَرْبٍ. وَإِبَانَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى قَوْلٍ. وَيَأْتِي فِي نِكَاحِ الْكُفَّارِ أَنَّهَا لَا تَبِينُ بِلُحُوقِهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ (وَتَجُوزُ قِسْمَتُهَا) أَيْ الْغَنِيمَةِ (فِيهَا) أَيْ دَارِ الْحَرْبِ، لِمَا رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ قَالَ: قُلْت لِلْأَوْزَاعِيِّ «هَلْ قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ الْغَنَائِمِ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَبِيعُونَ غَنَائِمَهُمْ وَيُقَسِّمُونَهَا فِي أَرْضِ عَدُوِّهِمْ وَلَمْ يَقْفِلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غَزَاةٍ قَطُّ أَصَابَ فِيهَا غَنِيمَةً إلَّا خَمَّسَهَا، وَقَسَّمَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْفِلَ، مِنْ ذَلِكَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهَوَازِنَ وَحُنَيْنٍ» (وَ) يَجُوزُ (بَيْعُهَا) أَيْ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِمَا تَقَدَّمَ ; وَلِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا (فَلَوْ غَلَبَ عَلَيْهَا) أَيْ الْغَنِيمَةِ (الْعَدُوُّ بِمَكَانِهَا فَأَخَذَهَا مِنْ مُشْتَرٍ فَهِيَ مِنْ مَالِهِ) فَرَّطَ أَوْ لَا. لِحَدِيثِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَهَذَا نَمَاؤُهُ لِلْمُشْتَرِي. فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَقْبُوضٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ بِيعَتْ لَهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ (وَشِرَاءُ الْأَمِيرِ لِنَفْسِهِ مِنْهَا) أَيْ الْغَنِيمَةِ (إنْ وَكَّلَ مَنْ جَهِلَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ) أَيْ الْأَمِيرِ (صَحَّ) شِرَاؤُهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ (حَرُمَ) نَصًّا وَاحْتُجَّ بِأَنَّ عُمَرَ رَدَّ مَا اشْتَرَاهُ ابْنُ عُمَرَ فِي قِصَّةِ جَلُولَاءَ، لِلْمُحَابَاةِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَلِأَنَّهُ هُوَ الْبَائِعُ أَوْ وَكِيلُهُ، فَكَأَنَّهُ يَشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِ نَفْسِهِ اهـ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ، وَأَنَّ ابْنَ الْأَمِيرِ مِثْلُهُ. [فَصْلٌ وَتُضَمُّ غَنِيمَةُ سَرَايَا الْجَيْشِ إلَى غَنِيمَةِ الْجَيْشِ] فَصْلٌ وَتُضَمُّ غَنِيمَةُ سَرَايَا الْجَيْشِ إلَى غَنِيمَتِهِ أَيْ الْجَيْشِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رُوِينَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَتُرَدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعِيدَتِهِمْ» وَفِي تَنْفِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبُدَاءَةِ الرُّبْعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ: دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاكِهِمْ فِي الْبَاقِي. وَإِنْ أَنْفَذَ الْإِمَامُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ جَيْشَيْنِ أَوْ سَرِيَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، انْفَرَدَ كُلٌّ بِمَا غَنِمَهُ لِانْفِرَادِهِ بِالْجِهَادِ، بِخِلَافِ الْمَبْعُوثِينَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ (وَيَبْدَأُ فِي قَسْمٍ بِدَفْعِ سَلَبٍ) إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَبِرَدِّ مَالِ مُسْلِمٍ وَمُعَاهَدٍ إنْ كَانَ وَعُرِفَ (ثُمَّ بِأُجْرَةِ جَمْعِ) غَنِيمَةٍ (وَحَمْلِ) هَا (وَحِفْظِ) هَا ; لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَتِهَا كَعَلَفِ دَوَابِّهَا (وَ) دَفْعِ (جُعْلِ مَنْ دَلَّ عَلَى مَصْلَحَةٍ) مِنْ مَاءٍ أَوْ قَلْعَةٍ، أَوْ ثَغْرَةٍ يُدْخَلُ مِنْهَا إلَى حِصْنٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى السَّلَبِ. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ. قُلْت: هَذَا مِنْ النَّفَلِ، فَحَقُّهُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْخُمُسِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَيَأْتِي (ثُمَّ يُخَمِّسُ الْبَاقِيَ) عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ (ثُمَّ) يُخَمِّسُ (خُمُسَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ) مِنْهَا (سَهْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَصْرِفُهُ كَالْفَيْءِ) فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهَا. (وَكَانَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَدْ خُصَّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مِنْ الْمَغْنَمِ بِالصَّفِيِّ، وَهُوَ) أَيْ الصَّفِيُّ (مَا يَخْتَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ قِسْمَةِ) غَنِيمَةٍ مِنْهَا (كَجَارِيَةٍ وَثَوْبٍ وَسَيْفٍ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى بَنِي زُهَيْرِ بْنِ قَيْسٍ: إنَّكُمْ إنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَأَدَّيْتُمْ الْخُمْسَ مِنْ الْمَغْنَمِ وَسَهْمَ الصَّفِيِّ إنَّكُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» . وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ «وَأَنْ تُعْطُوا سَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّفِيَّ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ: " كَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ الصَّفِيِّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَانْقَطَعَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ لَمْ يَأْخُذُوهُ وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ وَلَا يُجْمِعُونَ إلَّا عَلَى الْحَقِّ (وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ) ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. لِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ «لَمَّا قَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، أَتَيْت أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا بَنُو هَاشِمٍ فَلَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِمَكَانِك الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ فَمَا بَالُ إخْوَانِنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْك بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ: إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَإِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْهُمْ مَوْلًى لَهُمْ، وَلَا مَنْ أُمُّهُ مِنْهُمْ دُونَ أَبِيهِ (حَيْثُ كَانُوا) أَيْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَهُ بِالْقَرَابَةِ. أَشْبَهَ الْمِيرَاثَ وَالْوَصِيَّةَ (غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: 7] وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي أَقَارِبَهُ كُلَّهُمْ وَفِيهِمْ الْغَنِيُّ كَالْعَبَّاسِ (وَسَهْمٌ لِفُقَرَاءِ الْيَتَامَى. وَهُمْ) أَيْ الْيَتَامَى (مَنْ لَا أَبَ لَهُ) أَيْ مَاتَ أَبُوهُ (وَلَمْ يَبْلُغْ) لِحَدِيثِ «لَا يُتْمَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ» وَاعْتُبِرَ فَقْرُهُمْ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَيْهِمْ لِحَاجَتِهِمْ وَلِأَنَّ وُجُودَ الْمَالِ أَنْفَعُ مِنْ وُجُودِ الْأَبِ، وَيُسَوِّي فِيهِ بَيْنَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ (وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ) أَيْ أَهْلِ الْحَاجَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْفُقَرَاءُ (وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، فَيُعْطَوْنَ كَ) مَا يُعْطَوْنَ مِنْ (زَكَاةٍ) لِلْآيَةِ (بِشَرْطِ إسْلَامِ الْكُلِّ) لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ، وَلَا حَقَّ لِكَافِرٍ فِيهِ كَزَكَاةٍ وَلَا لِقِنٍّ. (وَيَعُمُّ مَنْ بِجَمِيعِ الْبِلَادِ) مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ (حَسَبَ الطَّاقَةِ) فَيَبْعَثُ الْإِمَامُ إلَى عُمَّالِهِ بِالْأَقَالِيمِ وَيَنْظُرُ مَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ اسْتَوَتْ فَرَّقَ كُلَّ خُمُسٍ فِيمَا قَارَبَهُ، إنْ اخْتَلَفَتْ ; أَمَرَ بِحَمْلِ الْفَضْلِ لِيُدْفَعَ لِمُسْتَحِقِّهِ كَمِيرَاثٍ وَإِذَا لَمْ تَأْخُذْ بَنُو هَاشِم وَبَنُو الْمُطَّلِبِ) أَسْهُمَهُمْ (رُدَّ فِي كُرَاعٍ) أَيْ خَيْلٍ (وَ) فِي (سِلَاحٍ) عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ (وَمَنْ فِيهِ) مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْخُمْسِ (سَبَبَانِ فَأَكْثَرَ) كَهَاشِمِيٍّ ابْنِ سَبِيلٍ يَتِيمٍ (أَخَذَ بِهَا) لِأَنَّهَا أَسْبَابٌ لِأَحْكَامٍ، فَوَجَبَ ثُبُوتُ أَحْكَامِهَا كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ. (ثُمَّ) يَبْدَأُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ الَّتِي لِلْغَانِمِينَ (بِنَفَلٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ (وَهُوَ) أَيْ النَّفَلُ (الزَّائِدُ عَلَى السَّهْمِ لِمَصْلَحَةٍ) لِانْفِرَادِ بَعْضِ الْغَانِمِينَ بِهِ، فَقُدِّمَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَالسَّلَبِ (وَيَرْضَخُ) وَهُوَ الْعَطَاءُ دُونَ السَّهْمِ لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ. فَيَرْضَخُ (لِمُمَيِّزٍ وَقِنٍّ وَخُنْثَى وَامْرَأَةٍ عَلَى مَا يَرَاهُ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، فَيُفَضِّلُ الْمُقَاتِلَ وَذَا الْبَأْسِ وَمَنْ تَسْقِي الْمَاءَ وَتُدَاوِي الْجَرْحَى عَلَى مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ) أَيْ الرَّضْخِ (لِرَاجِلٍ سَهْمَ الرَّاجِلِ وَلَا لِفَارِسٍ سَهْمَ الْفَارِسِ) لِئَلَّا يُسَاوِيَ مَنْ يُسْهِمُ لَهُ (وَلِمُبَعَّضٍ بِالْحِسَابِ مِنْ رَضْخٍ وَإِسْهَامٍ) كَحَدٍّ وَدِيَةٍ (وَإِنْ غَزَا قِنٌّ عَلَى فَرَسِ سَيِّدِهِ رَضَخَ لَهُ) أَيْ الْقِنِّ (وَقَسَمَ لَهَا) أَيْ الْفَرَسِ تَحْتَهُ، لِأَنَّ سَهْمَهُمَا لِمَالِكِهَا. وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَ الْعَبْدِ فَرَسٌ أُخْرَى كَمَا لَوْ كَانَتَا مَعَ السَّيِّدِ (إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ سَيِّدِهِ فَرَسَانِ) لِأَنَّهُ لَا يُسْهِمُ لِأَكْثَرِ مِنْ فَرَسَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَإِنْ غَزَا صَبِيٌّ عَلَى فَرَسٍ لَهُ أَوْ امْرَأَةٌ عَلَى فَرَسِهَا رَضَخَ لِلْفَرَسِ وَرَاكِبِهِ بِلَا إسْهَامٍ ; لِأَنَّهُ لِمَالِكِ الْفَرَسِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ (ثُمَّ يَقْسِمُ) إمَامٌ (الْبَاقِيَ) بَعْدَ مَا سَبَقَ (بَيْنَ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ) أَيْ الْحَرْبَ (لِقَصْدِ قِتَالٍ) قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، حَتَّى تُجَّارُ الْعَسْكَرِ وَأُجَرَاؤُهُمْ الْمُسْتَعَدِّينَ لِلْقِتَالِ. لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُقَاتِلِ رَدُّهُ لِلْمُقَاتِلِ. وَيُسْهِمُ لِخَيَّاطٍ وَخَبَّازٍ وَبَيْطَارٍ وَنَحْوِهِمْ حَضَرُوا نَصًّا، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسْتَعِدَّ لِلْقِتَالِ مِنْ تُجَّارٍ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِمْ (أَوْ بَعْثٍ فِي سَرِيَّةٍ أَوْ) بَعْثٍ (لِمَصْلَحَةٍ كَرَسُولٍ وَدَلِيلٍ وَجَاسُوسٍ وَلِمَنْ خَلَّفَهُ الْأَمِيرُ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ وَغَزَا وَلَمْ يَمُرَّ الْأَمِيرُ بِهِ فَرَجَعَ) لِأَنَّهُ فِي مَصْلَحَةِ الْجَيْشِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْإِسْهَامِ مِمَّنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ وَلَمْ يُقَاتِلْ (وَلَوْ مَعَ مَنْعِ غَرِيمٍ لَهُ أَوْ مَنْعِ أَبٍ) لَهُ، لِتَعَيُّنِ الْجِهَادِ عَلَيْهِ بِحُضُورِ الصَّفِّ وَ (لَا) يُسْهِمُ (لِمَنْ لَا يُمْكِنُهُ قِتَالٌ) لِمَرَضٍ (وَلَا لِدَابَّةٍ لَا يُمْكِنُهُ) قِتَالٌ (عَلَيْهَا لِمَرَضٍ) كَزَمَانَةٍ وَشَلَلٍ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْجِهَادِ، بِخِلَافِ حُمَّى يَسِيرَةٍ وَصُدَاعٍ وَوَجَعِ ضِرْسٍ وَنَحْوِهِ، فَيُسْهِمُ لَهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْجِهَادِ وَ (لَا) يُسْهِمُ (لِمُخَذِّلٍ وَمُرْجِفٍ وَنَحْوِهِمَا) كَرَامٍ بَيْنَنَا بِفِتَنٍ وَمُكَاتِبٍ بِأَخْبَارِنَا، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الدُّخُولِ مَعَ الْجَيْشِ أَشْبَهَ الْفَرَسَ الْعَجِيفَ. (وَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ) أَيْ التَّخْذِيلَ وَالْإِرْجَافَ وَنَحْوَهُ (وَقَاتَلَ لَا يَرْضَخُ لَهُ) أَيْ الْمُخَذِّلِ وَالْمُرْجِفِ وَنَحْوِهِمَا لِمَا تَقَدَّمَ وَ (لَا) يُسْهِمُ وَلَا يَرْضَخُ (لِمَنْ نَهَاهُ الْأَمِيرُ أَنْ يَحْضُرَ) فَلَمْ يَنْتَهِ لِأَنَّهُمْ عُصَاةٌ (وَلَا كَافِرٍ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ) أَيْ الْإِمَامَ (وَلَا عَبْدٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ) فِي غَزْوٍ لِعِصْيَانِهِمَا (وَلَا طِفْلٍ وَلَا مَجْنُونٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يَصْلُحَانِ لِلْقِتَالِ (وَلَا مَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ) كَافِرَيْنِ لِعِصْيَانِهِ (فَ) يُقْسَمُ (لِلرَّاجِلِ وَلَوْ) كَانَ (كَافِرًا سَهْمٌ. وَلِلْفَارِسِ عَلَى فَرَسٍ عَرَبِيٍّ وَيُسَمَّى الْعَتِيقُ ثَلَاثَةُ) أَسْهُمٍ، سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ لِفَرَسِهِ وَسَهْمٌ لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ: لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ أَسْهَمَ هَكَذَا لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» (وَ) لِلْفَارِسِ (عَلَى فَرَسٍ هَجِينٍ وَهُوَ مَا أَبُوهُ فَقَطْ عَرَبِيٌّ، أَوْ) عَلَى فَرَسٍ (مُقْرِفٍ عَكْسِ الْهَجِينِ) وَهُوَ مَا أُمُّهُ فَقَطْ عَرَبِيَّةٌ (أَوْ) عَلَى فَرَسٍ (بِرْذَوْنٍ وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ نَبَطِيَّانِ سَهْمَانِ) سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمٌ لِفَرَسِهِ. لِحَدِيثِ مَكْحُولٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْفَرَسَ الْعَرَبِيَّ سَهْمَيْنِ وَأَعْطَى الْهَجِينَ سَهْمًا» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَعَنْ عُمَرَ شَبَهُهُ (وَإِنْ غَزَا اثْنَانِ عَلَى فَرَسِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَسَهْمُهُ لَهُمَا) بِقَدْرِ مِلْكِهِمَا فِيهِ كَسَائِرِ نَمَائِهِ (وَسَهْمُ) فَرَسٍ (مَغْصُوبٍ) غَزَا عَلَيْهِ غَاصِبُهُ أَوْ غَيْرُهُ (لِمَالِكِهِ) نَصًّا. وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الرَّضْخِ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَعَ مَالِكِهِ، وَلِأَنَّ سَهْمَهُ يُسْتَحَقُّ بِنَفْعِهِ وَنَفْعُهُ لِمَالِكِهِ. فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا اسْتَحَقَّ بِهِ لَهُ (وَ) سَهْمُ فَرَسٍ (مُعَارٍ وَمُسْتَأْجَرٍ وَحَبِيسٍ لِرَاكِبِهِ) إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْهَامِ لِقِتَالٍ عَلَيْهِ مَعَ اسْتِحْقَاقِهِ لِنَفْعِ الْفَرَسِ فَاسْتَحَقَّ سَهْمَهُ. وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ كَوْنُهُ حَبِيسًا، لِأَنَّهُ حُبِسَ عَلَى مَنْ يَغْزُو عَلَيْهِ (وَيُعْطِي) رَاكِبَ حَبِيسٍ (نَفَقَةَ الْحَبِيسِ) مِنْ سَهْمِهِ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ (وَلَا يُسْهِمُ لِأَكْثَرِ مِنْ فَرَسَيْنِ) مِنْ خَيْلٍ لِرَجُلٍ، فَيُعْطِي صَاحِبَهَا خَمْسَةَ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لَهُ وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْهِ الْعَرَبِيَّيْنِ. لِحَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسْهِمُ لِلْخَيْلِ وَكَانَ لَا يُسْهِمُ لِرَجُلٍ فَوْقَ فَرَسَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ أَفْرَاسٍ» وَرَوَى مَعْنَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ. وَلِأَنَّ لِلْمُقَاتِلِ حَاجَةً إلَى الثَّانِي ; لِأَنَّ إدَامَةَ رُكُوبِ فَرَسٍ وَاحِدٍ تُضْعِفُهُ وَتَمْنَعُ الْقِتَالَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا زَادَ (وَلَا شَيْءَ) مِنْ سَهْمٍ وَلَا رَضْخٍ (لِغَيْرِ الْخَيْلِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِغَيْرِ الْخَيْلِ. وَكَانَ مَعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعُونَ بَعِيرًا. وَلَمْ تَخْلُ غَزْوَةٌ مِنْ غَزَوَاتِهِ مِنْ الْإِبِلِ، بَلْ هِيَ غَالِبُ دَوَابِّهِمْ وَلَوْ أَسْهَمَ لَهَا لَنُقِلَ وَكَذَا أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ بَعْدِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَلَيْهَا كَرٌّ وَلَا فَرٌّ. [فَصْلٌ مَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْغَانِمِينَ] فَصْلٌ وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْغَانِمِينَ (وَلَوْ) كَانَ (مُفْلِسًا لَا سَفِيهًا فَ) سَهْمُهُ (لِلْبَاقِي) مِنْ الْغَانِمِينَ لِأَنَّ اشْتِرَاكَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ اشْتِرَاكُ تَزَاحُمٍ. فَإِذَا أَسْقَطَ أَحَدُهُمْ حَقَّهُ كَانَ لِلْبَاقِينَ (وَإِنْ أَسْقَطَ الْكُلُّ) حَقَّهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ (فَ) هِيَ (فَيْءٌ) تُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ كُلِّهَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ (وَإِذَا لَحِقَ) بِالْجَيْشِ (مَدَدٌ أَوْ) تَفَلَّتَ (أَسِيرٌ) قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ (أَوْ صَارَ الْفَارِسُ رَاجِلًا) قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ (أَوْ عَكْسَهُ) بِأَنْ صَارَ الرَّاجِلُ فَارِسًا قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ (أَوْ أَسْلَمَ) مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ كَافِرًا قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ (أَوْ بَلَغَ) صَبِيٌّ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ (أَوْ عَتَقَ) قِنٌّ (قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ، وَجُعِلُوا كَمَنْ كَانَ فِيهَا) أَيْ الْوَقْعَةِ (كُلِّهَا كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي تَقَضَّتْ الْحَرْبُ وَهُمْ عَلَيْهَا، جَعْلًا لَهُمْ كَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْعَةِ، لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ إنَّمَا تَصِيرُ لِلْغَانِمِينَ عِنْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ (وَلَا قَسْمَ لِمَنْ مَاتَ أَوْ انْصَرَفَ أَوْ أُسِرَ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ تَقَضِّي الْحَرْبِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْضُرُوهَا وَقْتَ انْتِقَالِ الْغَنِيمَةِ إلَى مِلْكِ الْغَانِمِينَ (وَيَحْرُمُ قَوْلُ الْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ (مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ) لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى اشْتِغَالِهِمْ بِالنَّهْبِ عَنْ الْقِتَالِ وَظَفَرِ الْعَدُوِّ بِهِمْ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الِاغْتِنَامُ عَلَى التَّسَاوِي فَلَا يَنْفَرِدُ الْبَعْضُ بِشَيْءٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: «مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» فَذَاكَ حِينَ كَانَتْ لَهُ ثُمَّ صَارَتْ لِلْغَانِمِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَا يَسْتَحِقُّهُ) أَيْ الْمَأْخُوذَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ آخِذُهُ (إلَّا فِيمَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ) كَأَحْجَارٍ وَقُدُورٍ كِبَارٍ وَحَطَبٍ وَنَحْوِهِ (وَتُرِكَ فَلَمْ يُشْتَرَ) لِعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِيهِ فَيَجُوزُ قَوْلُ الْإِمَامِ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَلَهُ (وَلِلْإِمَامِ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ، وَ) لَهُ (إحْرَاقُهُ) إنْكَاءً لِلْعَدُوِّ لِئَلَّا يَنْتَفِعُوا بِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ رَغِبَ فِي شِرَاءِ مَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ (حَرُمَ) قَوْلُ: مَنْ أَخَذَ فَهُوَ لَهُ، وَأَخْذُ إمَامٍ لَهُ لِنَفْسِهِ وَإِحْرَاقُهُ فَيُبَاعُ حِينَئِذٍ وَيُضَمُّ ثَمَنُهُ لِلْمُقَسَّمِ (وَيَصِحُّ) أَيْ يَجُوزُ (تَفْضِيلُ بَعْضِ الْغَانِمِينَ لِمَعْنًى فِيهِ) مِنْ حُسْنِ رَأْيٍ وَشَجَاعَةٍ فَيُنَفَّلُ (وَيَخُصُّ الْإِمَامُ بِكَلْبٍ) يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ (مَنْ شَاءَ) مِنْ الْجَيْشِ وَلَا يُدْخِلُهُ فِي قِسْمَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ (وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ) نَصًّا (وَيَصُبُّ الْخَمْرَ وَلَا يَكْسِرُ الْإِنَاءَ) نَصًّا (وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ لِلْجِهَادِ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ كَالْحَجِّ (فَيُسْهِمُ لَهُ) أَيْ أَجِيرِ الْجِهَادِ. وَإِنْ أَخَذَ أُجْرَةً رَدَّهَا (كَأَجِيرِ الْخِدْمَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ. وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ لِحِفْظِ الْغَنِيمَةِ وَحَمْلِهَا وَسَوْقِهَا وَرَعْيِهَا وَنَحْوِهِ وَلَوْ بِمُعَيَّنٍ مِنْ الْمَغْنَمِ (وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ) وَلَوْ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ (فَسَهْمُهُ لِوَارِثِهِ) لِثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ أَشْبَهَ سَائِرَ أَمْلَاكِهِ (وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةً مِنْهَا) أَيْ الْغَنِيمَةِ (وَلَهُ) أَيْ الْوَاطِئِ (فِيهَا) أَيْ الْغَنِيمَةِ (حَقٌّ) أُدِّبَ (أَوْ لِوَلَدِهِ) أَيْ الْوَاطِئِ فِيهَا حَقٌّ (أُدِّبَ) لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا (وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ) أَيْ تَأْدِيبِهِ (الْحَدَّ) لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ. وَالْغَنِيمَةُ مِلْكٌ لِلْغَانِمِينَ فَيَكُونُ لِلْوَاطِئِ حَقٌّ فِي الْجَارِيَةِ وَإِنْ قَلَّ، فَيُدْرَأُ الْحَدُّ عَنْهُ كَالْمُشْتَرَكَةِ وَكَجَارِيَةِ ابْنِهِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْوَاطِئِ (مَهْرُهَا) يُطْرَحُ فِي الْمُقَسَّمِ (إلَّا أَنْ تَلِدَ مِنْهُ فَ) يَلْزَمُهُ (قِيمَتُهَا) تُطْرَحُ فِي الْمُقَسَّمِ لِأَنَّ اسْتِيلَادَهَا كَإِتْلَافِهَا (وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ. أَشْبَهَ وَطْءَ الْمُشْتَرَكَةِ (وَوَلَدُهُ حُرٌّ) لِمِلْكِهِ إيَّاهَا حِينَ الْعُلُوقِ فَيَنْعَقِدُ الْوَلَدُ حُرًّا (وَإِنْ أَعْتَقَ) بَعْضُ الْغَانِمِينَ (قِنًّا) مِنْ الْغَنِيمَةِ (أَوْ كَانَ) فِي الْغَنِيمَةِ قِنٌّ (يُعْتَقُ عَلَيْهِ) كَأَبِيهِ وَعَمِّهِ وَخَالِهِ (عَتَقَ قَدْرُ حَقِّهِ) لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ (وَالْبَاقِي) مِنْهُ (كَعِتْقِهِ شِقْصًا) مِنْ مُشْتَرَكٍ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ. وَأَمَّا أَسْرُ الرِّجَالِ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ فِيهِمْ فَلَا عِتْقَ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ عَمَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمَّ عَلِيٍّ وَعَقِيلًا أَخَا عَلِيٍّ كَانَا فِي أَسْرَى بَدْرٍ فَلَمْ يُعْتَقَا عَلَيْهِمَا وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَصِيرُ رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْيِ (وَالْغَالُّ وَهُوَ مَنْ كَتَمَ مَا غَنِمَ أَوْ) كَتَمَ (بَعْضَهُ لَا يَحْرُمُ سَهْمُهُ) مِنْ الْغَنِيمَةِ لِوُجُودِ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ حِرْمَانُ سَهْمِهِ فِي خَبَرٍ وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ قِيَاسٌ فَبَقِيَ بِحَالِهِ، وَلَا يُحَرَّقُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَحْلِهِ (وَيَجِبُ حَرْقُ رَحْلِهِ كُلِّهِ وَقْتَ غُلُولِهِ) لِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْت أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إذَا وَجَدْتُمْ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ فَاحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضْرِبُوهُ» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَصْلَحَةً كَأَكْلِهِ وَنَحْوِهِ (مَا لَمْ يَخْرُجْ) رَحْلُهُ (عَنْ مِلْكِهِ) فَلَا يُحَرَّقُ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ لِغَيْرِ الْجَانِي. وَمَحَلُّ إحْرَاقِ رَحْلِهِ (إذَا كَانَ) حَيًّا فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ لَمْ يُحْرَقْ نَصًّا لِسُقُوطِهِ بِالْمَوْتِ كَالْحُدُودِ (حُرًّا) فَلَا يُحْرَقُ رَحْلُ رَقِيقٍ لِأَنَّهُ لِسَيِّدِهِ (مُكَلَّفًا) لَا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ (مُلْتَزِمًا) لِأَحْكَامِنَا وَإِلَّا لَمْ يُعَاقَبْ عَلَى مَا لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ (وَلَوْ) كَانَ (أُنْثَى وَذِمِّيًّا) لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ (إلَّا سِلَاحًا وَمُصْحَفًا وَحَيَوَانًا بِآلَتِهِ وَنَفَقَتَهُ وَكُتُبَ عِلْمٍ وَثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ وَمَا لَا تَأْكُلُهُ النَّارُ فَلَا) يُحَرَّقُ (وَهُوَ لَهُ) أَيْ الْغَالِّ كَسَائِرِ مَالِهِ (وَيُعَزَّرُ) الْغَالُّ لِلْخَبَرِ (وَلَا يُنْفَى) نَصًّا لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (وَيُؤْخَذُ مَا غَلَّ) مِنْ غَنِيمَةٍ (لِلْمَغْنَمِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْغَانِمِينَ وَمَنْ يُشْرِكُهُمْ فَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى أَهْلِهِ (فَإِنْ تَابَ بَعْدَ قَسْمٍ أَعْطَى الْإِمَامُ خُمُسَهُ) لِيَصْرِفَهُ فِي مَصَارِفِهِ (وَتَصَدَّقَ بِبَقِيَّتِهِ) رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهُ. أَشْبَهَ الْمَالَ الضَّائِعَ (وَمَا أُخِذَ مِنْ فِدْيَةِ) أَسْرَى كُفَّارٍ فَغَنِيمَةٌ لِقَسْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءَ أُسَارَى بَدْرٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَلِحُصُولِهِ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ (أَوْ أُهْدِيَ لِلْأَمِيرِ) عَلَى الْجَيْشِ (أَوْ) أُهْدِيَ (لِبَعْضِ قُوَّادِهِ) أَيْ الْأَمِيرِ فَغَنِيمَةٌ (أَوْ) أُهْدِيَ لِبَعْضِ (الْغَانِمِينَ بِدَارِ حَرْبٍ فَغَنِيمَةٌ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ الْجَيْشِ (وَمَا) أُهْدِيَ (بِدَارِنَا) لِلْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ (فَلِلْمُهْدَى لَهُ) لِقَبُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةَ الْمُقَوْقَسِ وَغَيْرِهِ وَكَانَتْ لَهُ وَحْدَهُ. [بَابٌ الْأَرْضُونَ الْمَغْنُومَةُ] أَيْ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ كُفَّارٍ (ثَلَاثُ) أَصْنَافٍ (إحْدَاهَا) الْمَأْخُوذَةُ (عَنْوَةً) أَيْ قَهْرًا وَغَلَبَةً (وَهِيَ مَا أُجْلُوا) أَيْ أَهْلُهَا الْحَرْبِيُّونَ (عَنْهَا بِالسَّيْفِ وَيُخَيَّرُ إمَامٌ بَيْنَ قَسْمِهَا) بَيْنَ الْغَانِمِينَ (كَمَنْقُولٍ وَ) بَيْنَ (وَقْفِهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِلَفْظٍ يَحْصُلُ بِهِ) الْوَقْفُ (وَيَضْرِبُ عَلَيْهَا خَرَاجًا) مُسْتَمِرًّا (يُؤْخَذُ مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) هُوَ أُجْرَتُهَا كُلَّ عَامٍ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ شَيْئًا مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً قُسِّمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ إلَّا خَيْبَرَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ نِصْفَهَا فَصَارَ لِأَهْلِهِ لَا خَرَاجَ عَلَيْهِ. وَسَائِرُ عَنْوَةٍ مِمَّا فُتِحَ وَمَنْ بَعْدَهُ كَأَرْضِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهَا لَمْ يُقَسَّمْ مِنْهُ شَيْءٌ. فَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ " أَنَّ عُمَرَ قَدِمَ الْجَابِيَةَ فَأَرَادَ قَسْمَ الْأَرْضِينَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: وَاَللَّهِ إذَنْ لَيَكُونَنَّ مَا تَكْرَهُ، إنَّك إنْ قَسَمْتَهَا الْيَوْمَ صَارَ الرِّيعُ الْعَظِيمُ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ ثُمَّ يَبِيدُونَ فَيَصِيرُ ذَلِكَ إلَى الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَالْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ يَسُدُّونَ مِنْ الْإِسْلَامِ مَسَدًّا وَهُمْ لَا يَجِدُونَ شَيْئًا، فَانْظُرْ أَمْرًا يَسَعُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ، فَصَارَ عُمَرُ إلَى قَوْلِ مُعَاذٍ " (الثَّانِيَةُ: مَا جَلَوْا) أَيْ أَهْلُهَا (عَنْهَا خَوْفًا مِنَّا وَحُكْمُهَا كَالْأُولَى) فِي التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ وَعَنْهُ تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ (الثَّالِثَةُ: الْمُصَالَحُ عَلَيْهَا، وَهِيَ نَوْعَانِ فَمَا صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا) أَيْ الْأَرْضَ (لَنَا وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ فَهِيَ كَالْعَنْوَةِ فِي التَّخْيِيرِ) وَلَا يَسْقُطُ خَرَاجُهَا بِإِسْلَامِهِمْ. وَعَنْهُ تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ. (وَ) الثَّانِي مَا صُولِحُوا (عَلَى أَنَّهَا) أَيْ الْأَرْضَ (لَهُمْ وَلَنَا الْخَرَاجُ عَنْهَا فَهُوَ) أَيْ مَا يُؤْخَذُ مِنْ خَرَاجِهَا (كَجِزْيَةٍ، إنْ أَسْلَمُوا) سَقَطَ عَنْهُمْ (أَوْ انْتَقَلَتْ) الْأَرْضُ (إلَى مُسْلِمٍ سَقَطَ) عَنْهُمْ كَسُقُوطِ جِزْيَةٍ بِإِسْلَامٍ، وَإِنْ انْتَقَلَتْ إلَى ذِمِّيٍّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصُّلْحِ لَمْ يَسْقُطْ خَرَاجُهَا، وَتُسَمَّى هَذِهِ دَارَ عَهْدٍ، وَهِيَ مِلْكٌ لَهُمْ لَا يُمْنَعُونَ فِيهَا إحْدَاثَ كَنِيسَةٍ وَلَا بِيعَةٍ لَهُمَا كَمَا يَأْتِي (وَيُقَرُّونَ فِيهَا بِلَا جِزْيَةٍ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَارَ إسْلَامٍ (بِخِلَافِ مَا قَبْلُ) مِنْ الْأَرْضِينَ فَلَا يُقَرُّونَ بِهَا سَنَةً بِلَا جِزْيَةٍ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ (وَ) يَجِبُ (عَلَى إمَامٍ فِعْلُ الْأَصْلَحِ) لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْأَرَاضِي الَّتِي تَصِيرُ إلَيْهِمْ مِنْ وَقْفٍ أَوْ قِسْمَةٍ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ (وَيُرْجَعُ فِي) قَدْرِ (خَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ إلَى تَقْدِيرِهِ) أَيْ الْإِمَامِ مِنْ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ عَلَى حَسَبِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَتُطِيقُهُ الْأَرْضُ. لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ فَلَمْ يَتَقَدَّرُ بِمِقْدَارٍ لَا يَخْتَلِفُ كَأُجْرَةِ الْمَسَاكِنِ (وَوَضَعَ عُمَرُ) بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا) قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: أَعْلَى وَأَصَحُّ حَدِيثٍ فِي أَرْضِ السَّوَادِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ يَعْنِي " أَنَّ عُمَرَ وَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا " قَالَ فِي شَرْحِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ ضَرَبَ عَلَى الطَّعَامِ دِرْهَمًا وَقَفِيزَ حِنْطَةٍ وَعَلَى الشَّعِيرِ دِرْهَمًا وَقَفِيزَ شَعِيرٍ " وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْحُبُوبِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ عَلَى جَرِيبِ الزَّرْعِ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا مِنْ طَعَامِهِ. وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، " وَعَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةً وَعَلَى جَرِيبِ الرَّطْبَةِ سِتَّةٌ (وَهُوَ) أَيْ الْقَفِيزُ (ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ قِيلَ بِالْمَكِّيِّ) قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَالَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَالْإِقْنَاعِ (وَقِيلَ) ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ (بِالْعِرَاقِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَكِّيِّ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَالُوا نَصَّ عَلَيْهِ. وَثَمَرُ الشَّجَرِ بِالْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ لِمَنْ تُقَرُّ بِيَدِهِ وَفِيهِ الْعُشْرُ زَكَاةً (وَالْجَرِيبُ عَشْرُ قَصَبَاتٍ فِي مِثْلِهَا) أَيْ عَشْرُ قَصَبَاتٍ (وَالْقَصَبَةُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِذِرَاعٍ وَسَطٍ) لَا أَطْوَلِ ذِرَاعٍ وَلَا أَقْصَرِهَا (وَقَبْضَةٌ وَإِبْهَامٌ قَائِمَةً) مَعَ كُلِّ ذِرَاعٍ. فَالْجَرِيبُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ مُكَسَّرَةً (وَالْخَرَاجُ عَلَى أَرْضٍ لَهَا مَاءٌ تُسْقَى بِهِ وَلَوْ لَمْ تُزْرَعْ) كَالْمُؤَجَّرَةِ وَلَا خَرَاجَ (عَلَى مَا لَا يَنَالُهُ مَاءٌ) مِنْ الْأَرَاضِي (وَلَوْ أَمْكَنَ زَرْعُهُ وَإِحْيَاؤُهُ وَلَمْ يَفْعَلْ) لِأَنَّ الْخَرَاجَ أُجْرَةُ الْأَرْضِ وَمَا مَنْفَعَةٌ فِيهِ لَا أُجْرَةَ لَهُ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ أَحْيَا وَزَرَعَ وَجَبَ خَرَاجُهُ. وَيَأْتِي: لَا خَرَاجَ عَلَى مُسْلِمٍ فِيمَا أَحْيَاهُ مِنْ أَرْضٍ عَنْوَةً (وَمَا لَمْ يَنْبُتْ) إلَّا عَامًا بَعْدَ عَامٍ فَنِصْفُ خَرَاجِهِ فِي كُلِّ عَامٍ أَوْ لَمْ يَنَلْهُ الْمَاءُ (إلَّا عَامًا بَعْدَ عَامٍ فَنِصْفُ خَرَاجِهِ يُؤْخَذُ فِي كُلِّ عَامٍ) لِأَنَّ نَفْعَهَا عَلَى النِّصْفِ فَكَذَا خَرَاجُهَا (وَهُوَ) أَيْ الْخَرَاجُ (عَلَى الْمَالِكِ) لِأَنَّهُ عَلَى رَقَبَةِ الْأَرْضِ دُونَ مُسْتَأْجِرِهَا كَفِطْرَةِ رَقِيقٍ (وَ) الْخَرَاجُ (كَالدَّيْنِ يُحْبَسُ بِهِ الْمُوسِرُ وَيُنْظَرُ بِهِ الْمُعْسِرُ) إلَى مَيْسَرَتِهِ لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ كَأُجْرَةِ الْمَسَاكِنِ (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ عِمَارَةِ أَرْضِهِ) الْخَرَاجِيَّةِ (أُجْبِرَ عَلَى إجَارَتِهَا) لِمَنْ يَعْمُرُهَا (أَوْ) عَلَى (رَفْعِ يَدِهِ عَنْهَا) لِتُدْفَعَ لِمَنْ يَعْمُرُهَا وَيَقُومُ بِخَرَاجِهَا لِأَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يُعَطِّلُهَا عَلَيْهِمْ. وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَوَارِثُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَمَنْ يَنْقُلُهَا إلَيْهِ بِخَرَاجِهَا (وَيَجُوزُ أَنْ يُرْشِيَ الْعَامِلَ وَأَنْ يُهْدِيَ إلَيْهِ لِدَفْعِ ظُلْمٍ) عَنْهُ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ لِتَوَصُّلِهِ بِذَلِكَ إلَى كَفِّ يَدٍ عَادِيَةٍ. وَ (لَا) يَجُوزُ أَنْ يُرْشِيَ الْعَامِلَ أَوْ يُهْدِيَ لَهُ (لِيَدَعَ) عَنْهُ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ (خَرَاجًا) لِأَنَّهُ تَوَصُّلٌ إلَى إبْطَالِ حَقٍّ. فَحَرُمَ عَلَى آخِذٍ وَمُعْطٍ كَرِشْوَةِ حَاكِمٍ لِيَحْكُمَ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَالْهَدِيَّةُ الدَّفْعُ) أَيْ الْعَيْنُ الْمَالِيَّةُ الْمَدْفُوعَةُ لَمُهْدًى إلَيْهِ (ابْتِدَاءً) بِلَا طَلَبٍ (وَالرِّشْوَةُ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ: الدَّفْعُ (بَعْدَ طَلَبٍ) أَخْذُهَا (وَأَخْذُهُمَا) أَيْ الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ (حَرُمَ) لِحَدِيثِ «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» وَكُرِهَ شِرَاءُ مُسْلِمٍ مُزَارِعٍ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً ; أَيْ تَقَبُّلُهَا بِمَا عَلَيْهَا مِنْ خَرَاجٍ لِمَا فِي إعْطَاءِ الْخَرَاجِ مِنْ مَعْنَى الْمَذَلَّةِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ (وَلَا خَرَاجَ عَلَى مَسَاكِنَ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ فُتِحَتْ الْأَرْضُ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ. وَأَدَاءُ أَحْمَدَ الْخَرَاجَ عَنْ دَارِهِ تَوَرُّعٌ. وَ (لَا) خَرَاجَ عَلَى (مَزَارِعِ مَكَّةَ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَضْرِبْ عَلَيْهَا شَيْئًا وَالْخَرَاجُ جِزْيَةُ الْأَرْضِ (وَالْحَرَمُ كَهِيَ) أَيْ كَمَكَّةَ نَصًّا، فَلَا خَرَاجَ عَلَى مَزَارِعِهِ (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ الْبِنَاءُ وَالِانْفِرَادُ بِهِ فِيهِمَا) أَيْ فِي مَكَّةَ وَالْحَرَمِ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّضْيِيقِ فِي أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ وَ (لَا) يَجُوزُ لِأَحَدٍ (تَفْرِقَةُ خَرَاجٍ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ) لِأَنَّ مَصْرِفَهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَيَفْتَقِرُ إلَى اجْتِهَادٍ، وَلِأَنَّهُ لِلْمَصَالِحِ كُلِّهَا (وَمَصْرِفُهُ) أَيْ الْخَرَاجِ (كَفَيْءٍ) لِأَنَّهُ مِنْهُ (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي إسْقَاطِهِ) أَيْ الْخَرَاجِ (عَمَّنْ لَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (وَضْعُهُ فِيهِ) مِمَّنْ يَدْفَعُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَفَقِيهٍ وَمُؤَذِّنٍ وَنَحْوِهِ (جَازَ) لَهُ إسْقَاطُهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذٍ مِنْهُ ثُمَّ رَدِّهِ إلَيْهِ (وَلَا يَحْتَسِبُ بِمَا ظُلِمَ فِي خَرَاجِهِ مِنْ عُشْرٍ) عَلَيْهِ مِنْ حَبٍّ أَوْ ثَمَرٍ. قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّهُ غَصْبٌ [بَابُ الْفَيْءِ] ِ مِنْ فَاءَ الظِّلُّ إذَا رَجَعَ نَحْوَ الْمَشْرِقِ سُمِّيَ بِهِ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى مَا يَأْتِي لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنْهُمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الحشر: 7] الْآيَةَ " (وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ كُفَّارٍ) غَالِبًا (بِحَقٍّ بِلَا قِتَالٍ كَجِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ) مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ (وَعُشْرِ تِجَارَةٍ) مِنْ حَرْبِيٍّ (وَنِصْفِهِ) أَيْ نِصْفِ عُشْرِ التِّجَارَةِ مِنْ ذِمِّيٍّ (وَمَا تُرِكَ) مِنْ كُفَّارٍ لِمُسْلِمِينَ (فَزَعًا) مِنْهُمْ (أَوْ) تُرِكَ (عَنْ مَيِّتٍ) مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ (وَلَا وَارِثَ لَهُ) يَسْتَغْرِقُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " بِحَقٍّ " مَا أُخِذَ مِنْ كُفَّارٍ ظُلْمًا كَمَالِ مُسْتَأْمَنٍ، وَقَوْلِهِ: " بِلَا قِتَالٍ " الْغَنِيمَةُ (وَمَصْرِفُهُ) أَيْ الْفَيْءِ الْمَصَالِحُ (وَ) مَصْرِفُ (خُمْسِ الْغَنِيمَةِ الْمَصَالِحُ) لِعُمُومِ نَفْعِهَا وَدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى تَحْصِيلِهَا. قَالَ عُمَرُ " مَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبٌ إلَّا الْعَبِيدَ فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ " وَقَرَأَ عُمَرُ {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: 7] حَتَّى بَلَغَ {وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] فَقَالَ هَذِهِ اسْتَوْعَبَتْ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً " وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُقَاتِلَةِ (وَيَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ سَدِّ ثَغْرٍ وَكِفَايَةِ أَهْلِهِ) أَيْ الثَّغْرِ (وَحَاجَةِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ أَهَمَّ الْأُمُورِ حِفْظُ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْنُهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَسَدُّ الثُّغُورِ وَعِمَارَتِهَا وَكِفَايَتِهَا بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ (ثُمَّ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ سَدِّ بَثْقٍ) بِتَقْدِيمِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ الْمَكَانِ الْمُنْفَتِحِ مِنْ جَانِبِ النَّهْرِ وَسَدِّ جَرْفِ الْجُسُورِ لِيَعْلُوَ الْمَاءُ فَيُنْتَفَعَ بِهِ (وَ) مِنْ (كَرْيِ نَهْرٍ) أَيْ تَنْظِيفِهِ مِمَّا يُعِيقُ الْمَاءَ عَنْ جَرَيَانِهِ (وَ) مِنْ (عَمَلِ قَنْطَرَةٍ وَرِزْقِ قُضَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ) كَإِصْلَاحِ طُرُقٍ وَعِمَارَةِ مَسَاجِدَ وَأَرْزَاقِ أَئِمَّةٍ وَمُؤَذِّنِينَ وَفُقَهَاءَ (وَلَا يُخَمِّسُ الْفَيْءَ) نَصًّا، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَهُ إلَى أَهْلِ الْخُمْسِ كَمَا أَضَافَ إلَيْهِمْ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ فَإِيجَابُ الْخُمُسِ فِيهِ لِأَهْلِهِ دُونَ بَاقِيَةٍ مَنْعٌ لِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ بِغَيْرِ دَلِيلٍ. وَلَوْ أُرِيدَ الْخُمُسُ مِنْهُ لَذَكَرَهُ كَمَا فِي خُمُسِ الْغَنِيمَةِ (وَيَقْسِمُ مَا فَضَلَ) عَمَّا يَعُمُّ نَفْعُهُ (بَيْنَ أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ غَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ) لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوهُ بِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ فَاسْتَوَوْا فِيهِ كَالْمِيرَاثِ (وَسُنَّ بُدَاءَةٌ) عِنْدَ قَسْمٍ (بِأَوْلَادِ الْمُهَاجِرِينَ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَيُبْدَأُ بِبَنِي هَاشِمٍ لِقُرْبِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بِبَنِي الْمُطَّلِبِ لِحَدِيثِ «إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» ثُمَّ بِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ لِأَنَّهُ أَخُو هَاشِمٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، ثُمَّ بِبَنِي نَوْفَلٍ لِأَنَّهُ أَخُو هَاشِمٍ لِأَبِيهِ، ثُمَّ بِبَنِي عَبْدِ الْعُزَّى وَبَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَيُقَدِّمُ بَنُو عَبْدِ الْعُزَّى لِأَنَّ خَدِيجَةَ مِنْهُمْ فَفِيهِمْ أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ حَتَّى تَنْقَضِيَ قُرَيْشٌ لِقَوْلِ عُمَرَ " وَلَكِنْ أَبْدَأُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ " فَوَضَعَ الدِّيوَانَ عَلَى ذَلِكَ. (وَقُرَيْشٌ قِيلَ بَنُو النَّضْرِ بْنُ كِنَانَةَ) قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ وَالْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِمَا وَجَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ فِي التَّبْيِينِ (وَقِيلَ بَنُو فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ) بْنِ كِنَانَةَ (ثُمَّ بِأَوْلَادِ الْأَنْصَارِ) وَهُمْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قُدِّمُوا عَلَى غَيْرِهِمْ لِسَابِقَتِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ وَإِذَا اسْتَوَى اثْنَانِ) فِيمَا سَبَقَ (فَأَسْبَقُ بِإِسْلَامٍ فَأَسَنُّ فَأَقْدَمُ هِجْرَةً وَسَابِقَةً وَيُفَضِّلُ) بَيْنَهُمْ أَيْ أَهْلِ الْعَطَاءِ (بِسَابِقَةٍ) فِي إسْلَامٍ (وَنَحْوِهَا) كَسَبْقٍ بِهِجْرَةٍ لِأَنَّ عُمَرَ قَسَمَ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَابِقِ وَقَالَ " لَا أَجْعَلُ مَنْ قَاتَلَ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَنْ قُوتِلَ عَلَيْهِ " وَفَضَّلَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَلَمْ يُفَضِّلْ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ (وَلَا يَجِبُ عَطَاءٌ إلَّا لِبَالِغٍ عَاقِلٍ حُرٍّ بَصِيرٍ صَحِيحٍ يُطِيقُ الْقِتَالَ) وَيَتَعَرَّفُ قَدْرَ حَاجَةِ أَهْلِ الْعَطَاءِ وَكِفَايَتِهِمْ فَيَزِيدُ ذَا الْوَلَدِ وَالْفَرَسِ وَمَنْ لَهُ عَبِيدٌ فِي مَصَالِحِ الْحَرْبِ حَسَبِ كِفَايَتِهِمْ. وَإِنْ كَانُوا لِتِجَارَةٍ أَوْ زِينَةٍ لَمْ تَجِبْ مُؤْنَتُهُمْ وَيُرَاعِي أَسْعَارَ بِلَادِهِمْ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْكِفَايَةُ (وَيُخْرِجُ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ بِمَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَزَمَانَةٍ وَنَحْوهَا) كَسُلٍّ، وَكَذَا أَقْطَعُ يَدَيْهِ فَيُسْقِطُ سَهْمَهُ بِخِلَافِ نَحْوِ حُمَّى وَصُدَاعٍ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ (وَبَيْتُ الْمَالِ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ لِمَصَالِحِهِمْ (يَضْمَنُهُ مُتْلِفُهُ) كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتْلَفَاتِ (وَيَحْرُمُ أَخْذٌ مِنْهُ بِلَا إذْنِ إمَامٍ) لِأَنَّهُ افْتِئَاتٌ عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ (وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ الْعَطَاءِ دُفِعَ لِوَرَثَتِهِ حَقُّهُ) لِاسْتِحْقَاقِهِ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَيَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَلِامْرَأَةِ جُنْدِيٍّ يَمُوتُ وَصِغَارِ أَوْلَادِهِ كِفَايَتُهُمْ) إلَى أَنْ يَبْلُغُوا لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْيِيبِ قُلُوبِ الْمُجَاهِدِينَ فَيَتَوَفَّرُوا عَلَى الْجِهَادِ لِأَنَّهُمْ إذَا عَلِمُوا خِلَافَهُ تَوَفَّرُوا عَلَى الْكَسْبِ مَخَافَةَ ضَيْعَةِ عِيَالِهِمْ بَعْدَهُمْ (فَإِذَا بَلَغَ ذَكَرُهُمْ) أَيْ ذَكَرُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِ الْجُنْدِ (أَهْلًا لِلْقِتَالِ فُرِضَ لَهُ) عَطَاؤُهُ (إنْ طَلَبَ) ذَلِكَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) يَطْلُبْ ذَلِكَ (تُرِكَ كَالْمَرْأَةِ وَالْبَنَاتِ) لِلْجُنْدِيِّ الْمَيِّتِ (إذَا تَزَوَّجْنَ) فَيُتْرَكْنَ لِغَنَاهُنَّ بِنَفَقَةِ أَزْوَاجِهِنَّ. [بَابُ الْأَمَانِ] ِ ضِدُّ الْخَوْفِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هِيَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَمَنْ طَلَبَ أَمَانًا لِيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ وَيَعْرِفَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ لَزِمَتْ إجَابَتُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ (وَيَحْرُمُ بِهِ) أَيْ الْأَمَانِ (قَتْلٌ وَرِقٌ وَأَسْرٌ) وَتَعَرُّضٌ لِمَا مَعَهُ مِنْ مَالٍ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلْأَمَانِ (وَشُرِطَ) لِلْأَمَانِ (كَوْنُهُ مِنْ مُسْلِمٍ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْنَا (عَاقِلٍ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي الْمَصْلَحَةَ (مُخْتَارٍ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ كَالْإِقْرَارِ وَالْبَيْعِ (غَيْرِ سَكْرَانَ) لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْمَصْلَحَةَ (وَلَوْ كَانَ قِنًّا أَوْ أُنْثَى أَوْ مُمَيِّزًا) فَلَا تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ وَلَا ذُكُورِيَّتُهُ وَلَا بُلُوغُهُ (أَوْ أَسِيرًا) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَلَوْ) كَانَ الْأَمَانُ (لِأَسِيرٍ) لِحَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجَرْت أَحْمَائِي وَأَغْلَقْت عَلَيْهِمْ بَابِي وَإِنَّ ابْنَ أُمِّي أَرَادَ قَتْلَهُمْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت يَا أُمَّ هَانِئٍ، إنَّمَا يُجِيرُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ» رَوَاهُ سَعِيدٌ (وَ) شَرْطُ الْأَمَانِ (عَدَمُ ضَرَرٍ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِيهِ (وَأَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ) أَيْ الْأَمَانِ (عَلَى عَشْرِ سِنِينَ) ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ (وَيَصِحُّ) أَمَانٌ (مُنَجَّزًا كَ) أَنْتَ (آمِنٌ وَ) يَصِحُّ (مُعَلَّقًا نَحْوُ مَنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ آمِنٌ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» (وَ) يَصِحُّ أَمَانٌ (مِنْ إمَامٍ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ) لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ (وَ) يَصِحُّ (مِنْ أَمِيرٍ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ جُعِلَ بِإِزَائِهِمْ) لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ فِي قِتَالِهِمْ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمْ فَكَآحَادِ الْمُسْلِمِينَ (وَ) يَصِحُّ (مِنْ كُلِّ أَحَدٍ) يَصِحُّ أَمَانُهُ (لِقَافِلَةٍ وَحِصْنٍ صَغِيرَيْنِ عُرْفًا) وَاخْتَارَ ابْنُ الْبَنَّا كَمِائَةٍ فَأَقَلَّ. فَإِنْ كَانَ لِأَهْلِ بَلَدٍ أَوْ رُسْتَاقَ أَوْ جَمْعٍ كَبِيرٍ لَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ بِإِزَائِهِمْ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ وَالِافْتِئَاتِ عَلَيْهِ (وَ) يَصِحُّ أَمَانٌ (بِقَوْلٍ كَسَلَامٍ) لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْأَمَانِ (وَ) كَقَوْلِهِ: " أَنْتَ آمِنٌ أَوْ بَعْضُك آمِنٌ (أَوْ يَدُك) آمِنَةٌ (وَنَحْوُهَا) مِنْ أَعْضَائِهِ كَرَأْسِك (آمِنٌ كَ) قَوْلِهِ (لَا بَأْسَ عَلَيْك وَأَجَرْتُك، وَقِفْ، وَأَلْقِ سِلَاحَك وَقُمْ وَلَا تَذْهَلْ وَمَتْرَسٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ فَارِسِيٌّ أَيْ لَا تَخَفْ. قَالَ: عُمَرُ " إذَا قُلْتُمْ لَا بَأْسَ وَلَا تَذْهَلْ وَلَا مَتَرْسَ فَقَدْ أَمَّنْتُمُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ الْأَلْسِنَةَ " (وَكَ) مَا يَحْصُلُ الْأَمَانُ بِ (شِرَائِهِ) الْحَرْبِيِّ قَالَ أَحْمَدُ: إذَا اشْتَرَاهُ لِيَقْتُلَهُ فَلَا يَقْتُلْهُ ; لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ فَقَدْ أَمَّنَهُ. (وَ) يَصِحُّ أَمَانٌ (بِإِشَارَةٍ تَدُلُّ كَإِمْرَارِهِ يَدَهُ) كُلَّهَا (أَوْ بَعْضَهَا عَلَيْهِ أَوْ بِإِشَارَةٍ بِسَبَّابَتِهِ إلَى السَّمَاءِ) وَلَوْ مَعَ إمْكَانِ نُطْقِهِ لِقَوْلِ عُمَرَ: " لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ إلَى السَّمَاءِ إلَى مُشْرِكٍ فَنَزَلَ إلَيْهِ فَقَتَلَهُ لَقَتَلْته " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَتَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ مَعَ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُمْ عَدَمُ فَهْمِ الْعَرَبِيَّةِ بِخِلَافِ نَحْو الْبَيْعِ وَيَصِحُّ بِرِسَالَةٍ وَكِتَابَةٍ (وَيَسْرِي) الْأَمَانُ (إلَى مَنْ مَعَهُ) أَيْ الْمُسْتَأْمَنِ (مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ) تَبَعًا لَهُ (إلَّا أَنْ يُخَصِّصَ) بِهِ كَأَنْتَ آمِنٌ دُونَ أَهْلِك وَمَالِك فَلَا يَسْرِي إلَيْهِمَا (وَيَجِبُ رَدُّ مُعْتَقِدِ غَيْرِ الْأَمَانِ أَمَانًا إلَى مَأْمَنِهِ) أَيْ الْمَوْضِعِ الَّذِي صَدَرَ فِيهِ مَا اعْتَقَدَهُ أَمَانًا نَصًّا لِئَلَّا يَكُونَ غَدْرًا لَهُ (وَيُقْبَلُ مِنْ عَدْلٍ) قَوْلُهُ: " إنِّي أَمَّنْته " كَمُرْضِعَةٍ أَخْبَرَتْ عَنْ فِعْلِهَا (وَإِنْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْأَمَانَ (أَسِيرٌ) وَأَنْكَرَهُ مَنْ جَاءَ بِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَإِبَاحَةُ دَمِ الْحَرْبِيِّ (وَمَنْ أَسْلَمَ) قَبْلَ فَتْحٍ وَاشْتَبَهَ (أَوْ أَعْطَى أَمَانًا لِيَفْتَحَ حِصْنًا فَفَتَحَهُ وَاشْتَبَهَ) بِحَرْبِيِّينَ (وَادَّعُوهُ) أَيْ الْإِسْلَامَ (حَرُمَ قَتْلُهُمْ) نَصًّا (وَ) حَرُمَ (رِقُّهُمْ) لِاشْتِبَاهِ الْمُبَاحِ بِالْمُحَرَّمِ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ أَوْ مَيِّتُهُ بِمُذَكَّاةٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ (وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ) أَيْ الْمُشْتَبَهِ الْمَذْكُورِ (لَوْ نُسِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (أَوْ اشْتَبَهَ مَنْ لَزِمَهُ قَوَدٌ) بِمَنْ لَا يَلْزَمُهُ فَيَحْرُمُ الْقَتْلُ (وَإِنْ اشْتَبَهَ مَا أُخِذَ مِنْ كُفَّارٍ) بِحَقٍّ (بِمَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ) بِلَا حَقٍّ (فَيَنْبَغِي الْكَفُّ عَنْهُمَا) نَصًّا لِحَدِيثِ «مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» (وَلَا جِزْيَةَ مُدَّةَ أَمَانٍ) نَصًّا، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهَا. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا لَمْ يُقِمْ بِدَارِنَا سَنَةً فَأَكْثَرَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَيُعْقَدُ) الْأَمَانُ (لِرَسُولٍ مُسْتَأْمَنٍ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " كَانَ يُؤَمِّنُ رُسُلَ الْمُشْرِكِينَ " وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ إذْ لَوْ قَتَلْنَا رُسُلَهُمْ لَقَتَلُوا رُسُلَنَا فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْمُرَاسَلَةِ (وَمَنْ جَاءَنَا بِلَا أَمَانٍ وَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ أَوْ تَاجِرٌ) وَمَعَهُ مَا يَبِيعُهُ (وَصَدَّقَتْهُ عَادَةٌ قُبِلَ) مِنْهُ مَا ادَّعَاهُ نَصًّا (وَإِلَّا) تُصَدِّقْهُ عَادَةٌ فَكَأَسِيرٍ (أَوْ كَانَ جَاسُوسًا فَكَأَسِيرٍ) فَيُخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ (وَمَنْ جَاءَتْ بِهِ رِيحٌ) مِنْ كُفَّارٍ (أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ) مِنْهُمْ (أَوْ أَبَقَ) إلَيْنَا مِنْ رَقِيقِهِمْ (أَوْ شَرَدَ إلَيْنَا) مِنْ دَوَابِّهِمْ (فَ) هُوَ (لِآخِذِهِ) غَيْرَ مَخْمُوسٍ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ. وَأَخْذُهُ بِغَيْرِ قِتَالٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَشْبَهَ الصَّيْدَ وَالْحَشِيشَ (وَيَبْطُلُ أَمَانٌ بِرَدِّهِ) مِنْ مُسْتَأْمَنٍ لِنَقْضِهِ لَهُ (وَ) يَبْطُلُ (بِخِيَانَةٍ) لِأَنَّهَا غَدْرٌ، وَلَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا (وَإِنْ أَوْدَعَ) مُسْتَأْمَنٌ مَالًا (أَوْ أَقْرَضَ مُسْتَأْمَنٌ مُسْلِمًا مَالًا أَوْ تَرَكَهُ) أَيْ الْمَالَ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ (ثُمَّ عَادَ لِدَارِ حَرْبٍ) مُسْتَوْطِنًا أَوْ مُحَارِبًا بَقِيَ أَمَانُ مَالِهِ لِاخْتِصَاصِ الْمُبْطَلِ بِنَفْسِهِ فَيَخْتَصُّ الْبُطْلَانُ بِهِ، وَإِنْ عَادَ لِدَارِ الْحَرْبِ رَسُولًا أَوْ لِحَاجَةٍ وَنَحْوِهِ فَهُوَ عَلَى أَمَانِهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ (أَوْ اُنْتُقِضَ عَهْدُ ذِمِّيٍّ بَقِيَ أَمَانُ مَالِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي فِي آخِرِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ مَا فِيهِ (وَيَبْعَثُ مَالَهُ إلَيْهِ إنْ طَلَبَهُ) لِبَقَاءِ الْأَمَانِ فِيهِ، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَهِبَةٍ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ (وَإِنْ مَاتَ) بِدَارِ حَرْبٍ (فَمَالُهُ) بِدَارِ الْإِسْلَامِ (لِوَارِثِهِ) لِأَنَّ الْأَمَانَ حَقٌّ لَازِمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ، فَبِمَوْتِهِ يَنْتَقِلُ لِوَارِثِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ مِنْ رَهْنٍ وَضَمَانٍ وَشُفْعَةٍ وَإِذَا عُدِمَ) وَارِثُهُ فَلَمْ يَكُنْ (فَفَيْءٌ) لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَالِ ذِمِّيٍّ لَا وَارِثَ لَهُ (وَإِنْ اُسْتُرِقَّ) رَبُّ الْمَالِ (وُقِفَ) مَالُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ آخِرُ أَمْرِهِ (فَإِنْ عَتَقَ أَخَذَهُ) إنْ شَاءَ (وَإِنْ مَاتَ قِنًّا) فَهُوَ (فَيْءٌ) لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُورَثُ. وَإِنْ عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِيَأْخُذَ مَالَهُ بِلَا أَمَانٍ جَازَ قَتْلُهُ وَسَبْيُهُ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْأَمَانِ فِي مَالٍ لَا يُثْبِتُهُ لِنَفْسِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَالُهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ بِدَارِ الْحَرْبِ (وَإِنْ أُسِرَ مُسْلِمٌ) أَيْ أَسَرَهُ الْكُفَّارُ (فَأُطْلِقَ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً) مُعَيَّنَةً (أَوْ) يُقِيمَ عِنْدَهُمْ (أَبَدًا) وَرَضِيَ بِالشَّرْطِ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ. فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ نَصًّا. لِحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» (أَوْ) أُطْلِقَ بِشَرْطِ (أَنْ يَأْتِيَ) إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (وَيَرْجِعَ إلَيْهِمْ أَوْ أَنْ يَبْعَثَ) إلَيْهِمْ (مَالًا وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ عَادَ إلَيْهِمْ) وَرَضِيَ (لَزِمَهُ الْوَفَاءُ) لِحَدِيثِ «إنَّا لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ» وَلِأَنَّ فِي الْوَفَاءِ مَصْلَحَةً لِلْأُسَارَى. وَفِي الْغَدْرِ مَفْسَدَةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمَنُونَ بَعْدَهُ مَعَ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَإِنْ أَكْرَهُوهُ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ وَلَوْ حَلَفَ لَهُمْ مُكْرَهًا (إلَّا الْمَرْأَةَ) إذَا أُسِرَتْ ثُمَّ أُطْلِقَتْ بِشَرْطِ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِمْ (فَلَا) يَحِلُّ لَهَا أَنْ (تَرْجِعَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] وَلِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ عَلَى وَطْئِهَا حَرَامًا (وَ) إنْ أُطْلِقَ (بِلَا شَرْطٍ أَوْ) بِشَرْطِ (كَوْنَهُ رَقِيقًا فَإِنْ أَمَّنُوهُ فَلَهُ الْهَرَبُ فَقَطْ) لِعَدَمِ شَرْطِ الْمُقَامِ عِنْدَهُمْ. وَشَرْطُ الرِّقِّ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ (وَإِلَّا) يُؤَمِّنُوهُ (فَيَقْتِلْ وَيَسْرِقْ أَيْضًا) أَيْ كَمَا لَهُ الْهَرَبُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَمِّنْهُمْ وَلَمْ يُؤَمِّنُوهُ (وَلَوْ جَاءَ عِلْجٌ) مِنْ كُفَّارٍ (بِأَسِيرٍ) مُسْلِمٍ (عَلَى أَنْ يُفَادِيَ) الْمُسْلِمَ (بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ) قَالَ أَحْمَدُ (لَمْ يُرَدَّ، وَيَفْدِيهِ الْمُسْلِمُونَ إنْ لَمْ يُفْدَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ: وَالْجَبَلُ أَهْوَنُ مِنْ السِّلَاحِ وَلَا يَبْعَثُ بِالسِّلَاحِ (وَلَوْ جَاءَنَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ مُسْلِمَةٌ لَمْ تُرَدَّ مَعَهُ وَيَرْضَى) لِيَتْرُكَهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ (وَيُرَدُّ الرَّجُلُ) إنْ لَمْ يَرْضَ بِتَرْكِهِ وَإِنْ سُبِيَتْ كَافِرَةٌ فَجَاءَ ابْنُهَا وَطَلَبَهَا وَقَالَ عِنْدِي أَسِيرٌ مُسْلِمٌ فَأَطْلِقُوهَا لِأُحْضِرَهُ. فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ: أَحْضِرْهُ فَأَحْضَرَهُ. لَزِمَ إطْلَاقُهَا لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ إجَابَتُهُ فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ إجَابَتَهُ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَرْكِ أَسِيرِهِ وَيُرَدُّ إلَى مَأْمَنِهِ. [بَابُ الْهُدْنَةِ] ِ وَهِيَ لُغَةً الدَّعَةُ وَالسُّكُونُ وَشَرْعًا (عَقْدُ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ) مَعَ الْكُفَّارِ (مُدَّةً مَعْلُومَةً) وَهِيَ لَازِمَةٌ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى وَضْعِ الْقِتَالِ عَشْرَ سِنِينَ " وَلِدُعَاءِ الْمَصْلَحَةِ إلَيْهَا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ نَحْوِ ضَعْفٍ (وَتُسَمَّى مُهَادَنَةً وَمُوَادَعَةً وَمُعَاهَدَةً وَمُسَالَمَةً) مِنْ السِّلْمِ بِمَعْنَى الصُّلْحِ، لِحُصُولِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَالْكُفَّارِ. (وَمَتَى زَالَ مَنْ عَقَدَهَا) أَيْ الْهُدْنَةَ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ (لَزِمَ) الْإِمَامَ (الثَّانِيَ الْوَفَاءُ) بِمَا فَعَلَهُ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّهُ عَقَدَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ، كَمَا لَا يَنْقُضُ حَاكِمٌ حُكْمَ غَيْرِهِ بِاجْتِهَادِهِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ فِيهِ لِأَنَّهَا عَقْدٌ مَعَ جُمْلَةِ الْكُفَّارِ وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَعْطِيلَ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ الْمُهَادَنِ أَهْلُهَا، وَفِيهِ افْتِيَاتٌ عَلَى الْإِمَامِ (وَلَا تَصِحُّ) الْهُدْنَةُ (إلَّا حَيْثُ جَازَ تَأْخِيرُ الْجِهَادِ) لِنَحْوِ ضَعْفٍ بِالْمُسْلِمِينَ أَوْ مَانِعٍ بِالطَّرِيقِ (فَمَتَى رَآهَا الْإِمَامُ مَصْلَحَةً وَلَوْ بِمَالٍ مِنَّا ضَرُورَةً) كَخَوْفِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ هَلَاكًا أَوْ أَسْرًا (مُدَّةً مَعْلُومَةً جَازَ وَإِنْ طَالَتْ) الْمُدَّةُ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ فِدَاءُ نَفْسِهِ بِالْمَالِ. فَكَذَا هُنَا، وَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ صَغَارٌ فَهُوَ دُونَ صَغَارِ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ يَعْنِي يَوْمَ الْأَحْزَابِ: أَرَأَيْت إنْ جَعَلْت لَك ثُلُثَ ثَمَرِ الْأَنْصَارِ، أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَك مِنْ غَطَفَانَ، أَوْ تُخَذِّلُ بَيْنَ الْأَحْزَابِ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُيَيْنَةُ إنْ جَعَلْت الشَّطْرَ فَعَلْت» وَإِذَا زَادَ) الْإِمَامُ فِي الْهُدْنَةِ (عَلَى) مُدَّةِ (الْحَاجَةِ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ) فَقَطْ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا (وَإِنْ أُطْلِقَتْ) الْهُدْنَةُ أَوْ الْمُدَّةُ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ، لِاقْتِضَائِهِ التَّأْبِيدَ (أَوْ عُلِّقَتْ) الْهُدْنَةُ أَوْ الْمُدَّةُ (بِمَشِيئَةٍ لَمْ تَصِحَّ) الْهُدْنَةُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ كَالْإِجَارَةِ (وَمَتَى جَاءُوا) أَيْ الْمَعْقُودُ مَعَهُمْ الْهُدْنَة (فِي) هُدْنَةٍ (فَاسِدَةٍ مُعْتَقِدِينَ الْأَمَانَ رُدُّوا) إلَى مَأْمَنِهِمْ (آمِنِينَ) وَلَمْ يُقَرُّوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِفَسَادِ الْأَمَانِ (وَإِنْ شَرَطَ) عَاقِدٌ (فِيهَا) أَيْ الْهُدْنَةِ شَرْطًا فَاسِدًا (أَوْ) شَرَطَ (فِي عَقْدِ ذِمَّةٍ شَرْطًا فَاسِدًا كَرَدِّ امْرَأَةٍ) إلَيْهِمْ (أَوْ) رَدِّ (صَدَاقِهَا أَوْ) رَدِّ (صَبِيٍّ) مُمَيِّزٍ (أَوْ) رَدِّ (سِلَاحٍ أَوْ) شَرَطَ (إدْخَالَهُمْ الْحَرَمَ بَطَلَ) الشَّرْطُ (دُونَ عَقْدٍ) كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ. وَبُطْلَانُهُ فِي رَدِّ الْمَرْأَةِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] وَحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ مَنَعَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ» وَفِي رَدِّ صَدَاقِهَا لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ بُضْعِهَا، فَلَا يَصِحُّ شَرْطُهُ لِغَيْرِهَا، وَفِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ يَضْعُفُ عَنْ التَّخَلُّصِ مِنْهُمْ. أَشْبَهَ الْمَرْأَةَ وَفِي السِّلَاحِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَيْنَا، وَفِي إدْخَالِهِمْ الْحَرَمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] وَيَصِحُّ شَرْطُ رَدِّ طِفْلٍ مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِإِسْلَامِهِ (وَجَازَ) فِي هُدْنَةٍ (شَرْطُ رَدِّ رَجُلٍ جَاءَ) مِنْهُمْ (مُسْلِمًا لِلْحَاجَةِ) لِشَرْطِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ لَمْ يَصِحَّ شَرْطُهُ أَوْ لَمْ يُشْرَطْ رَدُّهُ لَمْ يُرَدَّ إنْ جَاءَ مُسْلِمًا أَوْ بِأَمَانٍ (وَجَازَ) لِلْإِمَامِ (أَمْرُهُ) أَيْ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا (سِرًّا بِقِتَالِهِمْ وَبِالْفِرَارِ) مِنْهُمْ (فَلَا يَمْنَعُهُمْ أَخْذُهُ وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَيْهِ) ; لِأَنَّ أَبَا بَصِيرٍ «لَمَّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ الْكُفَّارُ فِي طَلَبِهِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّا لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَقَدْ عَلِمْت مَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لَك فَرَجًا وَمَخْرَجًا، فَلَمَّا رَجَعَ مَعَ الرَّجُلَيْنِ قَتَلَ أَحَدَهُمَا فِي طَرِيقِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَك، قَدْ رَدَدْتَنِي إلَيْهِمْ وَأَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ. فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلُمْهُ بَلْ قَالَ: وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ أَبُو بَصِيرٍ لَحِقَ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ وَانْحَازَ إلَيْهِ أَبُو جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ فَجَعَلُوا لَا يَمُرُّ عَلَيْهِمْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ إلَّا عَرَضُوا لَهَا وَأَخَذُوهَا وَقَتَلُوا مَنْ مَعَهَا فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ أَنْ يَضُمَّهُمْ إلَيْهِ وَلَا يَرُدُّ إلَيْهِمْ أَحَدًا جَاءَهُ فَفَعَلَ» فَإِنْ تَحَيَّزَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَقَتَلُوا مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَأَخَذُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ جَازَ وَلَا يَدْخُلُونَ فِي الصُّلْحِ حَتَّى يَضُمَّهُمْ إلَيْهِ بِإِذْنِ الْكُفَّارِ لِلْخَبَرِ (وَلَوْ هَرَبَ مِنْهُمْ قِنٌّ فَأَسْلَمَ لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِمْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصُّلْحِ (وَهُوَ حُرٌّ) لِأَنَّهُ مَلَكَ نَفْسَهُ بِإِسْلَامِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] (وَيُؤَاخَذُونَ) أَيْ الْمُهَادَنُونَ زَمَنَ هُدْنَةٍ (بِجِنَايَتِهِمْ عَلَى مُسْلِمٍ مِنْ مَالٍ وَقَوَدٍ وَحَدِّ) قَذْفٍ وَسَرِقَةٍ لِأَنَّ الْهُدْنَةَ تَقْتَضِي أَمَانَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ وَأَمَانَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ وَلَا يُحَدُّونَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُمْ لَا يَلْتَزِمُوا حُكْمَنَا (وَيَجُوزُ قَتْلُ رَهَائِنِهِمْ إنْ قَتَلُوا رَهَائِنَنَا) عَلَى الْأَصَحِّ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ بِقِتَالِنَا أَوْ مُظَاهَرَةٍ عَلَيْنَا أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْإِمَامِ حِمَايَتُهُمْ) مِمَّنْ تَحْتَ قَبْضَتِهِ لِأَنَّهُ أَمَّنَهُمْ مِنْهُمْ (إلَّا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ) فَلَا يَلْزَمُهُ حِمَايَتُهُمْ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْهُدْنَةَ لَا تَقْتَضِيهِ (وَإِنْ سَبَاهُمْ كَافِرٌ وَلَوْ) كَانَ الْكَافِرُ (مِنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ لَنَا شِرَاؤُهُمْ) لِأَنَّهُمْ فِي عَهْدِنَا وَلَيْسَ عَلَيْنَا اسْتِنْقَاذُهُمْ لِكَوْنِ السَّابِي لَهُمْ لَيْسَ فِي قَبْضَتِنَا (وَإِنْ سَبَى بَعْضُهُمْ وَلَدَ بَعْضٍ وَبَاعَهُ) صَحَّ (أَوْ) بَاعَ (وَلَدَ نَفْسِهِ) صَحَّ (أَوْ) بَاعَ (أَهْلِيهِ صَحَّ) الْبَيْعُ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ (كَحَرْبِيٍّ) بَاعَ وَلَدَ حَرْبِيٍّ أَوْ وَلَدَ نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ وَهَبَ ذَلِكَ، لِأَنَّ أَوْلَادَهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْعَقْدِ. وَقَدْ ذَكَرْت فِي الْحَاشِيَةِ كَلَامَ ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ وَأَنَّ مَعْنَى مَا ذَكَرَ أَنَّ الْآخِذَ يَمْلِكُهُمْ بِأَخْذِهِ، وَأَنَّهُ نَوْعُ كَسْبٍ مِنْ الْكُفَّارِ بِبَذْلِ عِوَضٍ أَوْ مَجَّانًا، وَأَنَّ الْحَرْبِيَّ تَصِحُّ هِبَتُهُ لِنَفْسِهِ كَذَلِكَ لَا أَنَّهُمْ كَانُوا أَرِقَّاءَ أَوَّلًا (لَا ذِمِّيٍّ) فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ وَلَدِهِ وَلَا وَلَدِ غَيْرِهِ وَلَا أَهْلِيهِ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ آكَدُ لِأَنَّهُ مُؤَبَّدٌ (وَإِنْ خِيفَ) مِنْ مُهَادِنِينَ (نَقْضُ عَهْدِهِمْ) بِأَمَارَةٍ (نُبِذَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ جَازَ نَبْذُ الْإِمَامِ (إلَيْهِمْ) عَهْدَهُمْ بِأَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنْ لَا عَهْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] فَإِنْ كَانَ فِي دَارِنَا مِنْهُمْ أَحَدٌ رُدَّ إلَى مَأْمَنِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ حَقٌّ اسْتَوْفَى مِنْهُمْ. وَلَا يَصِحُّ نَقْضُهُ إلَّا مِنْ إمَامٍ (بِخِلَافِ ذِمَّةٍ) فَلَيْسَ لَهُ نَبْذُهَا إذَا خِيفَ خِيَانَةُ أَهْلِهَا لِأَنَّ الذِّمَّةَ مُؤَبَّدَةٌ وَتَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا وَفِيهَا نَوْعُ مُعَاوَضَةٍ وَلِهَذَا لَوْ نَقَضَهُ بَعْضُهُمْ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُ الْبَاقِينَ. وَأَيْضًا أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ وَلَا يَخْشَى مِنْهُمْ كَثِيرَ ضَرَرٍ بِخِلَافِ أَهْلِ هُدْنَةٍ. (وَيَجِبُ إعْلَامُهُمْ) أَيْ أَهْلِ الْهُدْنَةِ بِنَبْذِ الْعَهْدِ (قَبْلَ الْإِغَارَةِ) عَلَيْهِمْ لِلْآيَةِ (وَيُنْتَقَضُ عَهْدُ نِسَاءِ) أَهْلِ هُدْنَةٍ (وَذُرِّيَّاتِهِمْ بِنَقْضِ رِجَالِهِمْ تَبَعًا) لَهُمْ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَتَلَ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ نَقَضُوا عَهْدَهُ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ» وَلَمَّا نَقَضَتْ قُرَيْشٌ عَهْدَهُ بَعْدَ الْهُدْنَةِ، حَلَّ لَهُ مِنْهُمْ مَا كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَلِأَنَّ عَقْدَ الْهُدْنَةِ مُؤَقَّتٌ يَنْتَهِي بِانْتِهَاءِ مُدَّتِهِ، فَيَزُولُ بِنَقْضِهِ، وَفَسْخِهِ كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الذِّمَّةِ (وَإِنْ نَقَضَهَا) أَيْ الْهُدْنَةَ (بَعْضُهُمْ) أَيْ الْمُهَادِنِينَ (فَأَنْكَرَ الْبَاقُونَ) عَلَى مَنْ نَقَضَ (بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) إنْكَارًا (ظَاهِرًا أَوْ كَاتَبُونَا) أَيْ الَّذِينَ لَمْ يَنْقُضُوا بِنَقْضِ الْآخَرِينَ (أُقِرُّوا) أَيْ الْبَاقُونَ عَلَى الْعَهْدِ (بِتَسْلِيمِ مَنْ نَقَضَ) الْهُدْنَةَ، إنْ قَدَرُوا عَلَيْهِمْ (أَوْ بِتَمْيِيزِهِ) أَيْ النَّاقِضِ (عَنْهُمْ) لِيَتَمَكَّنَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِتَالِهِمْ وَإِذَا أَبَوْهُمَا) أَيْ التَّسْلِيمَ وَالتَّمْيِيزَ (قَادِرِينَ) عَلَى أَحَدِهِمَا (انْتَقَضَ عَهْدُ الْكُلِّ) بِذَلِكَ، لِأَنَّ غَيْرَ النَّاقِضِ مَنَعَ مِنْ قِتَالِ النَّاقِضِ فَصَارَ بِمَنْزِلَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَسْلِيمُ نَاقِضٍ وَلَا التَّمْيِيزُ عَنْهُ، لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ لِأَنَّهُ كَالْأَسِيرِ. [بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ] ِ وَهِيَ لُغَةً: الْعَهْدُ وَالضَّمَانُ وَالْأَمَانُ لِحَدِيثِ «الْمُسْلِمُونَ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» مِنْ أَذَمَّهُ يُذِمَّهُ إذَا جَعَلَ لَهُ عَهْدًا، وَمَعْنَى عَقْدِ الذِّمَّةِ: إقْرَارُ بَعْضِ الْكُفَّارِ عَلَى كُفْرِهِمْ، بِشَرْطِ بَذْلِ الْجِزْيَةِ وَالْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29] الْآيَةَ. وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. قَالَ لِجُنْدِ كِسْرَى يَوْمَ نَهَاوَنْدَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ رَبِّنَا أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَيَجِبُ) عَقْدُ الذِّمَّةِ (إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ) أَيْ بَذْلُ الْجِزْيَةِ وَالْتِزَامُ أَحْكَامِنَا مِنْ كِتَابِيٍّ أَوْ مَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ (مَا لَمْ تُخَفْ غَائِلَتُهُمْ) أَيْ غَدْرُهُمْ إنْ مُكِّنُوا مِنْ مُقَامٍ بِدَارِ إسْلَامٍ. لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (وَلَا يَصِحُّ) عَقْدُهَا (إلَّا مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ) لِتَعَلُّقِ نَظَرِ الْإِمَامِ بِهِ وَدِرَايَتِهِ بِجِهَةِ الْمَصْلَحَةِ ; وَلِأَنَّهُ مُؤَبَّدٌ، فَعَقْدُهُ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ افْتِئَاتٌ عَلَيْهِ (وَصِفَتُهُ) أَيْ عَقْدِ الذِّمَّةِ قَوْلُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (أُقْرِرْتُمْ بِجِزْيَةٍ وَاسْتِسْلَامٍ) أَيْ انْقِيَادِ لِأَحْكَامِنَا (أَوْ يَبْذُلُونَ ذَلِكَ) مِنْ أَنْفُسِهِمْ (فَيَقُولُ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (أَقْرَرْتُكُمْ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوِهَا) كَقَوْلِهِ: هَادَنْتُكُمْ عَلَى الْإِقَامَةِ بِدَارِنَا بِجِزْيَةٍ وَلَا يُعْتَبَرُ تَقْدِيرُ الْجِزْيَةِ فِي الْعَقْدِ (وَالْجِزْيَةُ) مِنْ الْجَزَاءِ (مَالٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الذِّلَّةِ وَالِامْتِهَانِ (كُلَّ عَامٍ) فِي آخِرِهِ (بَدَلًا عَنْ قَتْلِهِمْ، وَ) عَنْ (إقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا) فَإِنْ لَمْ يَبْذُلُوهَا لَمْ نَكُفَّ عَنْهُمْ. (وَلَا تُعْقَدُ) الذِّمَّةُ (إلَّا لِأَهْلِ كِتَابٍ) التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَهُمْ (الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَمَنْ يَدِينُ بِالتَّوْرَاةِ كَالسَّامِرَةِ) يَدِينُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى وَيُخَالِفُونَ الْيَهُودَ فِي فُرُوعٍ مِنْ دِينِهِمْ (أَوْ) يَدِينُ (بِالْإِنْجِيلِ كَالْفِرِنْجِ وَالصَّابِئِينَ) وَالرُّومِ وَالْأَرْمَنِ، وَكُلِّ مَنْ انْتَسَبَ لِدِينِ عِيسَى (أَوْ مَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ كَالْمَجُوسِ) فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ وَرُفِعَ، فَذَلِكَ شُبْهَةٌ لَهُمْ أَوْجَبَتْ حَقْنَ دِمَائِهِمْ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ. وَلِحَدِيثِ " أَخْذِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَإِذَا اخْتَارَ كَافِرٌ لَا تُعْقَدُ لَهُ) الذِّمَّةُ كَوَثَنِيٍّ (دِينًا مِنْ هَؤُلَاءِ) الْأَدْيَانِ، بِأَنْ تَنَصَّرَ أَوْ تَهَوَّدَ أَوْ تَمَجَّسَ، وَلَوْ بَعْدَ بَعْثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُقِرَّ) عَلَى ذَلِكَ (وَعُقِدَتْ لَهُ) الذِّمَّةُ كَالْأَصْلِيِّ، لَكِنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَلَا مُنَاكَحَتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَبَوَاهُ كِتَابِيَّيْنِ (وَنَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودُهُمْ وَمَجُوسُهُمْ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَظَاهِرُهُ حَتَّى حَرْبِيٌّ مِنْهُمْ لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْحِ عُمَرَ، خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ (وَغَيْرُهُمْ) . كَمَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخَ وَبَهْزِيٍّ، أَوْ تَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ وَحِمْيَرَ، أَوْ تَمَجَّسَ مِنْ تَمِيمٍ (لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ بَذَلُوهَا) لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ. وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ مَعَهُمْ هَكَذَا (وَيُؤْخَذُ عِوَضُهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ (زَكَاتَانِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا فِيهِ زَكَاةٌ) لِأَنَّ عُمَرَ ضَاعَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاتَانِ، وَمِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةٍ تَبِيعَانِ، وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ وَمِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَفِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْخُمْسُ وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دُولَابٍ أَوْ غَرْبٍ الْعُشْرُ (حَتَّى مِمَّا لَا تَلْزَمُهُ جِزْيَةٌ) فَتُؤْخَذُ مِنْ مَالِ صِغَارِهِمْ وَنِسَائِهِمْ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (وَمَصْرِفُهَا) أَيْ هَذِهِ الزَّكَاةِ الْمُضَعَّفَةِ (كَ) مَصْرِفِ (جِزْيَةٍ) لِأَنَّهَا عِوَضُهَا. وَهَلْ يُطْلَبُ فِيهَا أَيْضًا أَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ كَالْجِزْيَةِ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ أَنَّهَا مِثْلُهَا (وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَهِيَ بَدَلُ الْقَتْلِ وَلِقَوْلِ عُمَرَ " وَلَا تَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ (وَلَوْ بَذَلَتْهَا) أَيْ بَذَلَتْ الْمَرْأَةُ الْجِزْيَةَ (لِدُخُولِ دَارِنَا) فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهَا جِزْيَةٌ (وَتُمَكَّنُ) مِنْ دُخُولِهَا (مَجَّانًا) وَيُرَدُّ عَلَيْهَا مَا أَعْطَتْهُ لِفَسَادِ الْقَبْضِ. فَإِنْ تَبَرَّعَتْ بِشَيْءٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا قُبِلَ، فَيَكُونُ هِبَةً لَا جِزْيَةً. فَإِنْ شَرَطَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَلَهَا ذَلِكَ. (وَ) لَا جِزْيَةَ عَلَى (مَجْنُونٍ وَ) لَا (قِنٍّ وَ) لَا (زَمِنٍ وَ) لَا (أَعْمَى وَ) لَا (شَيْخٍ فَانٍ وَ) لَا (رَاهِبٍ بِصَوْمَعَةٍ) لِأَنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ (وَيُؤْخَذُ) مِنْ رَاهِبٍ بِصَوْمَعَةٍ (مَا زَادَ عَلَى بُلْغَتِهِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا لَنَا كَالرِّزْقِ لِلدُّيُورَةِ وَالْمَزَارِعِ إجْمَاعًا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ رَاهِبٍ يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَكْتَسِبُ (وَ) لَا جِزْيَةَ عَلَى (خُنْثَى مُشْكِلٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْهَا وَإِذَا بَانَ) الْخُنْثَى (رَجُلًا أُخِذَ لِلْمُسْتَقْبَلِ) مِنْ اتِّضَاحِ ذُكُورَتِهِ (فَقَطْ) دُونَ الْمَاضِي، فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ إذْ ذَاكَ (وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ) أَيْ مُتَكَسِّبٍ (يَعْجَزُ عَنْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَلِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ، جَعَلَ أَدْنَاهَا عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَمِلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَالْغَنِيُّ مِنْهُمْ) أَيْ مِمَّنْ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ (مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا) لِأَنَّ بَابَ التَّقْدِيرِ التَّوْقِيفُ وَلَا تَوْقِيفَ فِي هَذَا، فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ (وَتَجِبُ عَلَى مُعْتَقُ وَلَوْ لِمُسْلِمٍ) لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ. فَلَمْ يُقَرَّ فِي دَارِنَا بِلَا جِزْيَةٍ حُرٌّ أَصْلِيٌّ (وَ) تَجِبُ عَلَى (مُبَعَّضٍ بِحِسَابِهِ) أَيْ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ كَالْإِرْثِ (وَمَنْ صَارَ أَهْلًا) لِجِزْيَةٍ بِأَنْ بَلَغَ صَغِيرٌ أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ أَوْ عَتَقَ قِنٌّ أَوْ اسْتَغْنَى فَقِيرٌ (بِأَثْنَاءِ حَوْلٍ أُخِذَ مِنْهُ) إذَا تَمَّ الْحَوْلُ (بِقِسْطِهِ) وَلَمْ يُتْرَكْ حَتَّى يَتِمَّ حَوْلُهُ، لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى إفْرَادِهِ بِحَوْلٍ وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى أَنْ يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَوْلٌ (بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْعَقْدِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِهِ لَهُمْ (وَيُلَفَّقُ مِنْ إفَاقَةِ مَجْنُونٍ حَوْلٌ ثُمَّ تُؤْخَذُ) مِنْهُ جِزْيَتُهُ لِأَنَّ أَخْذَهَا مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَخَذٌ لَهَا قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا (وَمَتَى بَذَلُوا مَا) وَجَبَ (عَلَيْهِمْ) مِنْ جِزْيَةٍ (لَزِمَ قَبُولُهُ وَ) لَزِمَ (دَفْعُ مَنْ قَصَدَهُمْ بِأَذًى إنْ لَمْ يَكُونُوا بِدَارِ حَرْبٍ وَحَرُمَ قَتْلُهُمْ وَأَخْذُ مَالِهِمْ) وَلَوْ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ (وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ) الْجِزْيَةُ (عَنْهُ) نَصًّا. وَقَالَ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ لَا أُجْرَةٌ رُوِيَ أَنَّ ذِمِّيًّا أَسْلَمَ فَطُولِبَ بِالْجِزْيَةِ، وَقِيلَ إنَّمَا أَسْلَمَ تَعَوُّذًا. قَالَ إنَّ فِي الْإِسْلَامِ مَعَاذًا، فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ " إنَّ فِي الْإِسْلَامِ مَعَاذًا وَكَتَبَ أَنْ لَا تُؤْخَذَ مِنْهُ " رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِمَعْنَاهُ و (لَا) تَسْقُطُ الْجِزْيَةُ (إنْ مَاتَ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ (أَوْ جُنَّ وَنَحْوُهُ) كَمَا لَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْحَوْلِ كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ وَسُقُوطِ الْحَدِّ بِالْمَوْتِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ بِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (فَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ وَمَالِ حَيٍّ) جُنَّ وَنَحْوُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ (وَ) إنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَنَحْوُهُ (فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الْحَوْلِ (تَسْقُطُ) الْجِزْيَةُ. لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ وَلَا تُؤْخَذُ قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا (وَتُؤْخَذُ) الْجِزْيَةُ (عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ سَنَةٍ) هِلَالِيَّةٍ كَالزَّكَاةِ لِتَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ وَإِذَا انْقَضَتْ سُنُونَ) وَلَمْ تُؤْخَذُ (اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا) فَلَا تَتَدَاخَلُ، لِأَنَّهَا حَقٌّ يَجِبُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ. أَشْبَهَ الزَّكَاةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ (وَيُمْتَهَنُونَ) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ وُجُوبًا (عِنْدَ أَخْذِهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ (وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ وَتُجَرُّ أَيْدِيَهُمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] (وَلَا يُقْبَلُ) مِمَّنْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ (إرْسَالُهَا) لِفَوَاتِ الصَّغَارِ (وَلَا يَتَدَاخَلُ الصَّغَارُ) فَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ كُلِّ جِزْيَةٍ حَتَّى تُسْتَوْفَى كُلَّهَا (وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ (وَلَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ) لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ مِنْ نَقْضِ أَمَانِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْعِوَضِ وَلَا يُعَذَّبُونَ فِي أَخْذِهَا وَلَا يُشْطَطُ عَلَيْهِمْ. رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ " أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِمَالٍ كَثِيرٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسَبُهُ الْجِزْيَةَ فَقَالَ إنِّي لَأَظُنُّكُمْ قَدْ أَهْلَكْتُمْ النَّاسَ قَالُوا لَا وَاَللَّهِ مَا أَخَذْنَا إلَّا عَفْوًا صَفْوًا قَالَ بِلَا سَوْطٍ وَلَا نَوْطٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ عَلَى يَدَيَّ وَلَا فِي سُلْطَانِي " (وَيَصِحُّ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ) أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِدَارِنَا (ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَ) عَلْفَ (دَوَابِّهِمْ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ " أَنَّ عُمَرَ شَرَطَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَأَنْ يُصْلِحُوا الْقَنَاطِرَ " وَإِنْ قُتِلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِهِمْ فَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ وَلِأَنَّهُمْ رُبَّمَا امْتَنَعُوا مِنْ ضِيَافَةِ الْمُسْلِمِينَ إضْرَارًا بِهِمْ. (وَ) يَصِحُّ (أَنْ يَكْتَفِيَ بِهَا) أَيْ الضِّيَافَةِ (عَنْ الْجِزْيَةِ) لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهَا وَلِفِعْلِ عُمَرَ. (وَيُعْتَبَرُ بَيَانُ قَدْرِهَا) أَيْ الضِّيَافَةِ (وَ) قَدْرِ (أَيَّامِهَا وَعَدَدِ مَنْ يُضَافُ) مِنْ رِجَالٍ وَفُرْسَانٍ فَيَقُولُ: " تُضَيِّفُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ يَوْمٍ مَثَلًا فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشَرَةٌ مِنْ خُبْزِ كَذَا وَأُدْمِ كَذَا. وَلِلْفَرَسِ شَعِيرُ كَذَا وَتِبْنُ كَذَا " لِأَنَّهُ مِنْ الْجِزْيَةِ فَاعْتُبِرَ الْعِلْمُ بِهِ كَالنُّقُودِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا بَيَانُ مَا يُنْزِلُهُمْ فِيهِ وَمَا عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ. وَلِلْمُسْلِمِينَ النُّزُولُ فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا مَكَانًا نَزَلُوا فِي الْأَفْنِيَةِ وَفُضُولِ الْمَنَازِلِ. وَلَيْسَ لَهُمْ تَحْوِيلُ صَاحِبِ مَنْزِلٍ مِنْهُ. وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَحَلٍّ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ يَجِيءُ بَعْدَهُ. وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمْ مِنْ قِيَامٍ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ أُجْبِرَ فَإِنْ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ أُجْبِرُوا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِالْقِتَالِ قُوتِلُوا فَإِنْ قَاتَلُوا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ (وَلَا تَجِبُ) ضِيَافَةٌ عَلَيْهِمْ (بِلَا شَرْطٍ) لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ (وَإِذَا تَوَلَّى إمَامٌ فَعَرَفَ قَدْرَ مَا عَلَيْهِمْ) مِنْ جِزْيَةٍ (أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ ظَهَرَ) مَا عَلَيْهِمْ (أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ) بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ ; لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ أَقَرُّوا عَقْدَ عُمَرَ وَلَمْ يُجَدِّدُوهُ. وَلِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا رَدَّهُ إلَى الصِّحَّةِ (وَإِلَّا) يَعْرِفْ قَدْرَ مَا عَلَيْهِمْ وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَظْهَرْ (رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمْ) أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (إنْ سَاغَ) أَيْ صَلَحَ مَا ادَّعُوهُ جِزْيَةً لِأَنَّهُمْ غَارِمُونَ (وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ مَعَ تُهْمَةٍ) فِيمَا يَذْكُرُونَ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِمْ وَإِذَا بَانَ) لِإِمَامٍ بَعْدَ ذَلِكَ (نَقْصٌ) أَيْ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوهُ بِنَقْصٍ عَمَّا كَانُوا يَدْفَعُونَ لِمَنْ قَبْلَهُ (أَخْذُهُ) أَيْ النَّقْصَ مِنْهُمْ وَإِنْ قَالُوا: كُنَّا نُؤَدِّي كَذَا جِزْيَةً وَكَذَا هَدِيَّةً حَلَّفَهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ كُلَّهُ جِزْيَةٌ. وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ كُنَّا نُؤَدِّي كَذَا وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ أَخَذَ كُلًّا بِمَا أَقَرَّ بِهِ (وَإِذَا عَقَدَهَا) أَيْ الذِّمَّةَ إمَامٌ مَعَ كُفَّارٍ (كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَحِلَاهُمْ) جَمْعُ حِلْيَةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا. فَيَكْتُبُ طَوِيلٌ أَوْ قَصِيرٌ أَوْ رَبْعَةٌ أَسْمَرُ أَوْ أَخْضَرُ أَوْ أَبْيَضُ، مَقْرُونُ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ أَفْرَقُهُمَا، أَدْعَجُ الْعَيْنِ أَقْنَى الْأَنْفِ أَوْ ضِدُّهُمَا وَنَحْوُهُمَا لِيَتَمَيَّزَ كُلٌّ عَنْ غَيْرِهِ (وَ) كَتَبَ (دِينَهُمْ) كَيَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ (وَجَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِيفًا يَكْشِفُ حَالَ مَنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ) بِبُلُوغٍ أَوْ غِنًى أَوْ عِتْقٍ وَنَحْوِهِ وَيَجْمَعُهُمْ عِنْدَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِاسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ وَأَحْوَطُ، وَيَكْشِفُ أَيْضًا حَالَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَوْ جُنَّ. (أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ أَوْ خَرَقَ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ) لِيَفْعَلَ مَعَهُ الْإِمَامُ مَا يَلْزَمُهُ. وَمَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِهَا بَرَاءَةً لِتَكُونَ مَعَهُ حُجَّةً إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا أُجِيبَ. وَلَا يَصِحُّ مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ الذِّمِّيِّينَ أَنَّ مَعَهُمْ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ. [بَابُ أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ] (يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَخْذُهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي نَفْسٍ وَمَالٍ وَعِرْضٍ وَ) فِي (إقَامَةِ حَدٍّ فِيمَا يُحَرِّمُونَهُ) أَيْ يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ (كَزِنًا) فَمَنْ قَتَلَ وَقَطَعَ طَرَفًا أَوْ تَعَدَّى عَلَى مَالٍ، أَوْ قَذَفَ أَوَسَبَّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَخَذَ بِذَلِكَ. وَكَذَا لَوْ سَرَقَ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهُ بِشَرْطِهِ. لِحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهُ فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِيَهُودِيَّيْنِ قَدْ فَجَرَا بَعْدَ إحْصَانِهِمَا فَرَجَمَهُمَا» ، وَقِيسَ الْبَاقِي ; وَلِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا حُكْمَ الْإِسْلَامِ، وَهَذِهِ أَحْكَامُهُ. وَ (لَا) يُحَدُّونَ (فِيمَا يُحِلُّونَهُ) أَيْ يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ (كَخَمْرٍ) وَأَكْلِ خِنْزِيرٍ وَنِكَاحِ ذَاتِ مَحْرَمٍ، لِأَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَهُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا وَإِثْمًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِهِ كَمَا يَأْتِي لِتَأَذِّينَا بِهِ (وَيَلْزَمُهُمْ) أَيْ أَهْلَ الذِّمَّةِ (التَّمْيِيزُ عَنَّا بِقُبُورِهِمْ) تَمْيِيزًا ظَاهِرًا كَالْحَيَاةِ وَأَوْلَى، بِأَنْ لَا يَدْفِنُوا أَحَدًا مِنْهُمْ بِمَقَابِرِنَا (وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا (بِحِلَاهُمْ بِحَذْفِ مُقَدَّمِ رُءُوسِهِمْ) أَيْ بِأَنْ يَجِزُّوا نَوَاصِيهِمْ، وَ (لَا) يَجْعَلُونَهُ (كَعَادَةِ الْأَشْرَافِ) بِأَنْ يَتَّخِذُوا شَوَابِينَ (وَأَنْ لَا يَفْرِقُوا شُعُورَهُمْ) بَلْ تَكُونُ جُمَّةً لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَلِأَنَّ أَهْلَ الْجِزْيَةِ اشْتَرَطُوا ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِيمَا كَتَبُوهُ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، وَكَتَبَ بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ " أَنْ أَمْضِ لَهُمْ مَا سَأَلُوهُ " رَوَاهُ الْخَلَّالُ (وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا (بِكُنَاهُمْ وَبِأَلْقَابِهِمْ فَيُمْنَعُونَ) مِنْ التَّكَنِّي بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ (نَحْوُ أَبِي الْقَاسِمِ) وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (وَ) مِنْ التَّلَقُّبِ بِأَلْقَابِنَا نَحْوُ (عِزِّ الدِّينِ) وَشَمْسِ الدِّينِ. وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْكُنَى بِالْكُلِّيَّةِ. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِأَسْقُفَ نَجْرَانَ أَسْلِمْ يَا أَبَا الْحَارِثِ» وَقَالَ عُمَرُ لِنَصْرَانِيٍّ " يَا أَبَا حَسَّانَ أَسْلِمْ تَسْلَمْ " (وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا إذَا رَكِبُوا (بِرُكُوبِهِمْ عَرْضًا) رِجْلَاهُ إلَى جَانِبٍ وَظَهْرُهُ إلَى جَانِبٍ (بِإِكَافٍ) أَيْ بَرْذَعَةِ (عَلَى غَيْرِ خَيْلٍ) لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ أَنَّ عُمَرَ " أَمَرَ بِجَزِّ نَوَاصِي أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَنْ يَشِدُّوا الْمَنَاطِقَ وَأَنْ يَرْكَبُوا الْأُكُفَ بِالْعَرْضِ ". (وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا (بِلِبَاسِ ثَوْبٍ عَسَلِيٍّ لِيَهُودٍ. وَ) لِبَاسِ ثَوْبٍ (أَدْكَنَ وَهُوَ الْفَاخِتِيِّ) لَوْنٌ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ (لِنَصَارَى) وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا جَمِيعِ الثِّيَابِ (وَشَدِّ خِرَقٍ بِقَلَانِسِهِمْ وَعَمَائِمِهِمْ. وَشَدِّ زُنَّارٍ فَوْقَ ثِيَابِ نَصْرَانِيٍّ وَتَحْتَ ثِيَابِ نَصْرَانِيَّةٍ) قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: وَيَكْفِي الْغِيَارُ أَوْ الزُّنَّارُ (وَيُغَايِرُ نِسَاءُ كُلٍّ) مِنْ يَهُودَ وَنَصَارَى (بَيْنَ لَوْنَيْ خُفٍّ) لِيَمْتَازُوا بِهِ عَنَّا. وَلَا يُمْنَعُونَ فَاخِرَ الثِّيَابِ وَلَا الْعَمَائِمَ وَالطَّيْلَسَانَ ; لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِالْغِيَارِ وَالزُّنَّارِ. (وَ) يَلْزَمُهُمْ (لِدُخُولِ حَمَّامِنَا جَلْجَلٌ أَوْ خَاتَمُ رَصَاصٍ وَنَحْوِهِ) كَحَدِيدٍ أَوْ طَوْقٍ مِنْ ذَلِكَ لَا مِنْ ذَهَبٍ وَنَحْوِهِ (بِرِقَابِهِمْ) لِيَتَمَيَّزُوا عَنَّا فِي الْحَمَّامِ. وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ صَلِيبٍ مَكَانَهُ لِمَنْعِهِمْ مِنْ إظْهَارِهِ (وَيَحْرُمُ قِيَامٌ لَهُمْ) أَيْ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهُمْ فَهُوَ كَبُدَاءَتِهِمْ بِالسَّلَامِ (وَ) يَحْرُمُ قِيَامٌ (لِمُبْتَدِعٍ يَجِبُ هَجْرُهُ كَرَافِضِيٍّ وَ) يَحْرُمُ (تَصْدِيرُهُمْ فِي الْمَجَالِسِ) لِمَا تَقَدَّمَ. وَيَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُمْ بِالْبَقَاءِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، زَادَ جَمَاعَةٌ قَاصِدًا كَثْرَةَ الْجِزْيَةِ. وَكَرِهَ أَحْمَدُ الدُّعَاءَ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالْبَقَاءِ وَنَحْوِهِ ; لِأَنَّهُ شَيْءٌ فُرِغَ مِنْهُ (وَ) يَحْرُمُ (بُدَاءَتُهُمْ بِسَلَامٍ. وَ) بُدَاءَتُهُمْ (بِكَيْفَ أَصْبَحْتَ أَوْ) كَيْفَ (أَمْسَيْتَ أَوْ) كَيْفَ (أَنْتَ أَوْ) كَيْفَ (حَالُك. وَ) تَحْرُمُ (تَهْنِئَتُهُمْ وَتَعْزِيَتُهُمْ وَعِيَادَتُهُمْ وَشَهَادَةُ أَعْيَادِهِمْ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَمَا عَدَا السَّلَامَ مِمَّا ذُكِرَ فَفِي مَعْنَاهُ. و (وَلَا) يَحْرُمُ (بَيْعُنَا لَهُمْ) أَيْ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ (فِيهَا) أَيْ أَعْيَادِهِمْ. لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمٌ لَهَا (وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى ذِمِّيٍّ) لَا يَعْلَمُهُ ذِمِّيًّا (ثُمَّ عَلِمَهُ) ذِمِّيًّا. (سُنَّ قَوْلُهُ) لَهُ (رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ كَافِرٌ، فَقَالَ: رُدَّ عَلَيَّ مَا سَلَّمْت عَلَيْك فَرَدَّ عَلَيْهِ فَقَالَ أَكْثَرَ اللَّهُ مَالَكَ وَوَلَدَك ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَكْثَرُ لِلْجِزْيَةِ " فَإِنْ كَانَ مَعَ الذِّمِّيِّ مُسْلِمٌ سَلَّمَ نَاوِيًا الْمُسْلِمَ نَصًّا (وَإِنْ سَلَّمَ ذِمِّيٌّ) عَلَى مُسْلِمٍ (لَزِمَ) الْمُسْلِمَ (رَدُّهُ. فَيُقَالُ) فِي رَدِّهِ. (وَ) عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ بِلَا وَاوٍ وَبِهَا أَوْلَى لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «نُهِينَا أَوْ أُمِرْنَا أَنْ لَا نَزِيدَ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى وَعَلَيْكُمْ» . (وَإِنْ شَمَّتَهُ) أَيْ الْمُسْلِمَ الْعَاطِسَ (كَافِرٌ أَجَابَهُ) الْمُسْلِمُ ب يَهْدِيك اللَّهُ. وَكَذَا إنْ عَطَسَ الذِّمِّيُّ لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى «أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (وَتُكْرَهُ مُصَافَحَتُهُ) نَصًّا. وَإِذَا كَتَبَ لَهُ كِتَابًا كَتَبَ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى. [فَصْلٌ يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ حَمْلِ السِّلَاحِ] فَصْلٌ وَيُمْنَعُونَ أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ حَمْلِ السِّلَاحِ وَمِنْ (ثِقَافٍ وَ) مِنْ (رَمْيٍ) بِنَحْوِ نَبْلٍ (وَنَحْوِهَا) كَلَعِبٍ بِرُمْحٍ وَدَبُّوسٍ لِأَنَّهُ يُعِينُ عَلَى الْحَرْبِ. وَكَرِهَ أَحْمَدُ بَيْعَهُمْ ثِيَابًا مَكْتُوبًا عَلَيْهَا ذِكْرُ اللَّهِ. وَلَا تُعَلَّمُ أَوْلَادُهُمْ الْقُرْآنَ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَلَّمُوا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَ) يُمْنَعُونَ مِنْ (تَعْلِيَةِ الْبِنَاءِ) وَلَوْ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ (فَقَطْ) فَلَا يُمْنَعُونَ التَّسْوِيَةَ لِظَاهِرِ مَا يَأْتِي (عَلَى مُسْلِمٍ) مُجَاوِرٍ لَهُمْ. وَإِنْ لَمْ يُلَاصِقْ (وَلَوْ رَضِيَ) جَارُهُمْ الْمُسْلِمُ بِتَعْلِيَةِ بِنَائِهِمْ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لِحَقِّ اللَّهِ أَيْضًا. وَلِحَقِّ مَنْ يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ. لِحَدِيثِ «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ» وَلِقَوْلِهِمْ فِي شُرُوطِهِمْ: وَلَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ (وَيَجِبُ نَقْضُهُ) أَيْ مَا عَلَا مِنْ بِنَائِهِمْ عَلَى بِنَاءِ جَارِهِمْ الْمُسْلِمِ إزَالَةً لِعُدْوَانِهِمْ (وَيَضْمَنُ) ذِمِّيٌّ عَلَا بِنَاؤُهُ عَلَى بِنَاءِ جَارِهِ الْمُسْلِمِ (مَا تَلِفَتْ بِهِ) أَيْ الْبِنَاءِ الْمُعَلَّى (قَبْلَهُ) أَيْ النَّقْضِ لِتَعَدِّيهِ بِالتَّعْلِيَةِ لِعَدَمِ إذْنِ الشَّارِعِ فِيهَا. وَ (لَا) يُهْدَمُ بِنَاءٌ عَالٍ (إنْ مَلَكُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ تَعْلِيَةٌ (وَلَا يُعَادُ عَالِيًا لَوْ انْهَدَمَ) مَا مَلَكُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ عَالِيًّا لِأَنَّهُ بَعْدَ انْهِدَامِهِ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ (وَلَا) يُنْقَضُ بِنَاؤُهُمْ (إنْ بَنَى) مُسْلِمٌ (دَارًا عِنْدَهُمْ) فِي مَحَلَّتِهِمْ (دُونَ بِنَائِهِمْ) لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْلُوا بِنَاءَهُمْ عَلَى بِنَائِهِ. وَإِنْ وُجِدَتْ دَارُ ذِمِّيٍّ أَعْلَى مِنْ دَارِ مُسْلِمٍ بِجِوَارِهَا وَشُكَّ فِي السَّابِقَةِ. وَقَدْ شُكَّ فِي شَرْطِ جَوَازِهَا (وَ) يُمْنَعُونَ (مِنْ إحْدَاثِ كَنَائِسَ وَبِيَعٍ) جَمْعُ بِيعَةٍ (وَمُجْتَمَعٍ) أَيْ مَحَلٍّ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ (لِصَلَاةٍ وَصَوْمَعَةٍ لِرَاهِبٍ) فِي شَيْءٍ مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ، سَوَاءٌ مَصَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ وَوَاسِطٍ وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً كَمِصْرٍ وَالشَّامِ. وَلَا يَصِحُّ صُلْحُهُمْ عَلَى إحْدَاثِ ذَلِكَ فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ. لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَرَبُ فَلَيْسَ لِلْعَجَمِ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ بِيعَةً، وَلَا أَنْ يَضْرِبُوا فِيهِ نَاقُوسًا وَلَا يَشْرَبُوا فِيهِ خَمْرًا وَلَا يَتَّخِذُوا فِيهِ خِنْزِيرًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَاحْتَجَّ بِهِ. وَلِأَنَّ أَرَاضِيَ الْمُسْلِمِينَ مِلْكٌ لَهُمْ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا بِنَاءُ مَجَامِعَ لِلْكُفْرِ. وَمَا وُجِدَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ مِنْ كَنَائِسَ وَبِيَعٍ حَالَ فَتْحِهَا لَمْ يَجِبْ هَدْمُهُ ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ فَتَحُوا كَثِيرًا مِنْ الْبِلَادِ عَنْوَةً فَلَمْ يَهْدِمُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَا حُكْمُ إحْدَاثِ صَوْمَعَةٍ لِرَاهِبٍ. لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ «وَأَنْ لَا نُحْدِثَ قِلَّايَةً وَلَا صَوْمَعَةً لِرَاهِبٍ» (إلَّا إنْ شُرِطَ) إحْدَاثُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (فِيمَا فُتِحَ صُلْحًا عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْبَلَدَ الْمَفْتُوحَ صُلْحًا (لَنَا) وَنُقِرُّهُ مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُفْتَحْ إلَّا عَلَى الشَّرْطِ فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ. (وَ) يُمْنَعُونَ (مِنْ بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ) مِنْ نَحْوِ كَنِيسَةٍ وَبِيعَةٍ (أَوْ هُدِمَ ظُلْمًا مِنْهَا وَلَوْ) كَانَ مَا اسْتُهْدِمَ أَوْ هُدِمَ ظُلْمًا مِنْهَا (كُلُّهَا) لِأَنَّهُ بَعْدَ الْهَدْمِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ (كَ) مَا يُمْنَعُونَ مِنْ (زِيَادَتِهَا) أَيْ الْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِيهَا لِمَا لَمْ يَكُنْ، فَيَدْخُلُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَا تُبْنَى كَنِيسَةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يُجَدَّدُ مَا خَرِبَ مِنْهَا» وَ (لَا) يُمْنَعُونَ (رَمَّ شُعْثِهَا) أَيْ الْكَنَائِسَ وَنَحْوِهَا ; لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا اسْتِدَامَتَهَا فَمَلَكُوا رَمَّ شَعْثِهَا (وَ) يُمْنَعُونَ (مِنْ إظْهَارِ مُنْكَرٍ) كَنِكَاحِ مَحَارِمَ (وَ) إظْهَارِ (عِيدٍ) وَإِظْهَارِ (صَلِيبٍ) وَإِظْهَارِ (أَكْلٍ وَشُرْبٍ بِنَهَارِ رَمَضَانَ وَ) إظْهَارِ (خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) لِأَنَّهُ يُؤْذِينَا وَإِذَا فَعَلُوا) أَيْ أَظْهَرُوا خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا (أَتْلَفْنَاهُمَا) إزَالَةً لِلْمُنْكَرِ (وَ) يُمْنَعُونَ (مِنْ رَفْعِ صَوْتٍ عَلَى مَيِّتٍ وَ) مِنْ (قِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَ) مِنْ (ضَرْبِ نَاقُوسٍ وَجَهْرٍ بِكِتَابِهِمْ) لِأَنَّ فِي شُرُوطِهِمْ لِابْنِ غَنْمٍ «وَأَنْ لَا نَضْرِبَ نَاقُوسًا إلَّا ضَرْبًا خَفِيفًا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا وَلَا نُظْهِرَ عَلَيْهَا أَيْ الْكَنَائِسِ صَلِيبًا وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِنَا فِيمَا يَحْضُرُهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَنْ لَا نُخْرِجَ صَلِيبًا وَلَا كِتَابًا فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ لَا يُخْرِجَ بَاعُوثًا وَلَا شَعَانِينَ وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا وَأَنْ لَا نُجَاوِرَهُمْ بِالْجَنَائِزِ وَلَا نُظْهِرَ شِرْكًا» وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ إظْهَارُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِرَمَضَانَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ. (وَإِنْ صُولِحُوا) أَيْ الْكُفَّارُ (فِي بِلَادِهِمْ) أَيْ مَا فُتِحَ صُلْحًا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ (عَلَى جِزْيَةٍ أَوْ خَرَاجٍ لَمْ يُمْنَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ فِيمَا سَبَقَ لِأَنَّهُمْ فِي بِلَادِهِمْ أَشْبَهُوا أَهْلَ الْحَرْبِ زَمَنَ الْهُدْنَةِ (وَيُمْنَعُونَ) أَيْ الْكُفَّارَ ذِمِّيِّينَ أَوْ مُسْتَأْمَنِينَ (دُخُولَ حَرَمِ مَكَّةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَرَمُ. وَإِنَّمَا مُنِعُوا مِنْ الْحَرَمِ دُونَ الْحِجَازِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَمَاكِنِ الْعِبَادَاتِ وَأَعْظَمُهَا. وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ وَالْيَهُودُ بِالْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ وَنَحْوُهُمَا مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ. وَلَمْ يُمْنَعُوا الْإِقَامَةَ بِهِ. وَأَوَّلُ مَنْ أَجْلَاهُمْ مِنْ الْحِجَازِ عُمَرُ (وَلَوْ بَذَلُوا مَالًا) صُلْحًا لِدُخُولِ الْحَرَمِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ وَلَمْ يُمَكَّنُوا (وَمَا اسْتَوْفَى مِنْ الدُّخُولِ مَلَكَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَالِ) الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ. فَإِنْ دَخَلُوا إلَى انْتِهَاءِ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ مَلَكَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ الْعِوَضِ لِأَنَّهُمْ اسْتَوْفَوْا مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ. وَ (لَا) يُمْنَعُونَ دُخُولَ (الْمَدِينَةِ) لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ وَالْيَهُودُ بِالْمَدِينَةِ. وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْخُرُوجِ (حَتَّى غَيْرَ مُكَلَّفٍ) كَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ. (وَ) حَتَّى (رَسُولَهُمْ) أَيْ الْكُفَّارِ فَيُمْنَعُونَ دُخُولَ حَرَمِ مَكَّةَ لِعُمُومِ الْآيَةِ (وَيَخْرُجُ) إمَامٌ (إلَيْهِ) أَيْ الرَّسُولِ (إنْ أَبَى أَدَاءَ) الرِّسَالَةِ (إلَّا لَهُ، وَيُعَزِّرُ مَنْ دَخَلَ) مِنْهُمْ حَرَمَ مَكَّةَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْمَنْعِ. وَ (لَا) يُعَزَّرُ إنْ دَخَلَ (جَهْلًا) لِعُذْرِهِ بِالْجَهْلِ (وَيُخْرَجُ) وَيُهَدَّدُ (وَلَوْ) مَرِيضًا أَوْ (مَيِّتًا وَيُنْبَشُ إنْ دُفِنَ بِهِ) أَيْ بِالْحَرَمِ وَيُخْرَجُ مِنْهُ (مَا لَمْ يَبْلَ) لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ إخْرَاجُهُ حَيًّا فَجِيفَتُهُ أَوْلَى. وَإِخْرَاجُهُ إلَى الْحِلِّ سَهْلٌ مُمْكِنٌ لِقُرْبِهِ مِنْ الْحَرَمِ بِخِلَافِ إخْرَاجِهِ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ إلَى غَيْرِهَا، وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مَيِّتٌ لِصُعُوبَتِهِ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ (وَ) يُمْنَعُونَ (مِنْ إقَامَةٍ بِالْحِجَازِ كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَامَةِ وَخَيْبَرَ وَالْيَنْبُعِ وَفَدَكَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَرْيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ (وَمَخَالِيفِهَا) أَيْ قُرَاهَا الْمُجْتَمِعَةِ كَالرُّسْتَاقِ وَاحِدُهَا مِخْلَافٌ، وَسُمِّيَ حِجَازًا لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ. لِحَدِيثِ عُمَرَ " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَلَا أَتْرُكُ فِيهَا إلَّا مُسْلِمًا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ. قَالَ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُ وَسَكَتَ عَنْ الثَّالِثَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالْمُرَادُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ الْحِجَازُ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُجْلُوا مِنْ تَيْمَاءَ وَلَا مِنْ الْيَمَنِ وَلَا مِنْ فَدَكَ بِفَتْحِ الْفَاءِ. وَهِيَ قَرْيَةٌ بِشَرْقِيِّ سَلْمَى أَحَدِ جَبَلَيْ طيئ (وَلَا يَدْخُلُونَهَا) أَيْ بِلَادَ الْحِجَازِ (إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) كَمَا لَا يَدْخُلُ أَهْلُ حَرْبٍ دَارَ الْإِسْلَامِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَيَأْذَنُ لَهُمْ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ. وَقَدْ كَانَ الْكُفَّارُ يَتَّجِرُونَ إلَى الْمُدُنِ زَمَنَ عُمَرَ (وَلَا يُقِيمُونَ لِتِجَارَةٍ بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ (وَيُوَكِّلُونَ فِي) دَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ) مَنْ يَقْبِضُهُ لَهُمْ. (وَيُجْبَرُ مَنْ لَهُمْ عَلَيْهِ) دَيْنٌ (حَالٌّ عَلَى وَفَائِهِ) لَهُمْ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ وَإِذَا تَعَذَّرَ) وَفَاؤُهُ لِنَحْوِ مَطْلٍ أَوْ تَغْيِيبٍ (جَازَتْ إقَامَتُهُمْ لَهُ) إلَى اسْتِيفَائِهِ ; لِأَنَّ التَّعَدِّيَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَفِي إخْرَاجِهِمْ قَبْلَهُ ذَهَابٌ لِمَا لَهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ تَوْكِيلٌ (وَمَنْ مَرِضَ) مِنْ كُفَّارٍ بِالْحِجَازِ (لَمْ يُخْرَجْ مِنْهُ حَتَّى يَبْرَأَ) لِمَشَقَّةِ الِانْتِقَالِ عَلَى الْمَرِيضِ. فَيَجُوزُ إقَامَتُهُ وَمَنْ يُمَرِّضُهُ (وَإِنْ مَاتَ) كَافِرٌ بِالْحِجَازِ (دُفِنَ فِيهِ) لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ إقَامَتِهِ لِلْمَرَضِ (وَلَيْسَ لِكَافِرٍ دُخُولَ مَسْجِدٍ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ) فِيهِ (مُسْلِمٌ) لِأَنَّ أَبَا مُوسَى دَخَلَ عَلَى عُمَرَ وَمَعَهُ كِتَابٌ فِيهِ حِسَابُ عَمَلِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ " اُدْعُ الَّذِي كَتَبَهُ لِيَقْرَأَهُ قَالَ: إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَالَ: وَلِمَ لَا يَدْخُلُ؟ قَالَ: إنَّهُ نَصْرَانِيٌّ فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ. وَلِأَنَّ حَدَثَ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ يَمْنَعُ اللَّبْثَ بِالْمَسْجِدِ. فَحَدَثُ الْكُفْرِ أَوْلَى. وَأَمَّا إنْزَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَفْدِ ثَقِيفٍ بِالْمَسْجِدِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِلْحَاجَةِ (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ) أَيْ الْكَافِرِ (لِبِنَائِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِهِ (وَالذِّمِّيُّ) التَّاجِرُ (وَلَوْ أُنْثَى صَغِيرَةً) أَوْ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى وَنَحْوَهُ (أَوْ كَانَ تَغْلِيبًا إنْ اتَّجَرَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ) وَلَوْ إلَى غَيْرِ الْحِجَازِ (ثُمَّ عَادَ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الْوَاجِبُ فِيمَا سَافَرَ إلَيْهِ مِنْ بِلَادِنَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْعُشْرِ مِمَّا مَعَهُ) لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ " أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى الْكُوفَةِ فَجَعَلَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَمْوَالِهِمْ الَّتِي يَخْتَلِفُونَ فِيهَا فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا " وَكَانَ ذَلِكَ بِالْعِرَاقِ وَاشْتُهِرَ وَعَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ إجْمَاعًا. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِمَّا مَعَهُمْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ نَصًّا، وَلَا فِيمَا اتَّجَرُوا فِيهِ مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ (وَيَمْنَعُهُ) أَيْ وُجُوبَ نِصْفِ الْعُشْرِ (دَيْنٌ كَزَكَاةٍ) فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا يُقَابِلُهُ (إنْ ثَبَتَ) الدَّيْنُ (بِبَيِّنَةٍ) فَلَا يُقْبَلُ قَوْلٌ فِيهِ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ. (وَيُصَدَّقُ) كَافِرٌ تَاجِرٌ (أَنَّ جَارِيَةً مَعَهُ أَهْلُهُ) أَيْ زَوْجَتُهُ (أَوْ) أَنَّهَا (بِنْتُهُ وَنَحْوُهُمَا) كَأُخْتِهِ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مِلْكِهِ لَهَا فَلَا تُعَشَّرُ (وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَعَ حَرْبِيٍّ اتَّجَرَ إلَيْنَا الْعُشْرَ) سَوَاءٌ عَشَّرُوا أَمْوَالَنَا أَوْ لَا ; لِأَخْذِ عُمَرَ مِنْهُمْ وَاشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكَرْ. فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. وَ (لَا) يُؤْخَذُ عُشْرٌ وَلَا نِصْفُهُ (مِنْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ مَعَهُمَا) أَيْ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ. لِأَنَّ الْعَشَرَةَ مَالٌ يَبْلُغُ وَاجِبُهُ نِصْفَ دِينَارٍ فَوَجَبَ فِيهِ كَالْعِشْرِينِ فِي زَكَاةِ الْمُسْلِمِ (وَلَا) يُؤْخَذُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ (أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ كُلَّ عَامٍ) نَصًّا. لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ شَيْخًا نَصْرَانِيًّا جَاءَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ " إنَّ عَامِلَك عَشَّرَنِي فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ قَالَ: وَأَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفُ ثُمَّ كَتَبَ إلَى عَامِلِهِ: أَنْ لَا يُعَشِّرُوا فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً " وَكَالْجِزْيَةِ وَكَالزَّكَاةِ وَمَتَى أُخِذَ مِنْهُمْ كُتِبَ لَهُمْ بَرَاءَةٌ لِتَكُونَ حُجَّةً مَعَهُمْ فَلَا يُعَشَّرُونَ ثَانِيًا. لَكِنْ إنْ كَانَ مَعَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ الْمَالِ الْأَوَّلِ أُخِذَ مِنْ الزَّائِدِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَشَّرْ (وَلَا يُعَشِّرُ ثَمَنَ خَمْرٍ وَ) لَا (ثَمَنَ خِنْزِيرٍ) نَصًّا ; لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ. وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " وَلَهُمْ بَيْعُهَا وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنْ الثَّمَنِ " حَمَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى مَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ جِزْيَةً وَخَرَاجًا وَاسْتَدَلَّ لَهُ (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْإِمَامِ حِفْظُهُمْ) أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (وَمَنْعُ مَنْ يُؤْذِيهِمْ) مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ. لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالْعَهْدِ حِفْظَهُمْ. وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ: " إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا ". (وَ) عَلَى الْإِمَامِ (فَكُّ أَسْرَاهُمْ) سَوَاءٌ كَانُوا فِي مَعُونَتِنَا أَوْ لَمْ يَكُونُوا كَالدَّفْعِ عَنْهُمْ (بَعْدَ فَكِّ أَسْرَانَا) لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ آكَدُ وَالْخَوْفُ عَلَيْهِ أَشَدٌّ. لِأَنَّهُ مُعَرَّضُ لِلْفِتْنَةِ عَنْ دِينِهِ (وَإِنْ تَحَاكَمُوا) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ (إلَيْنَا) بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ (أَوْ) تَحَاكَمَ إلَيْنَا (مُسْتَأْمَنَانِ بِاتِّفَاقِهِمَا أَوْ اسْتَعْدَى ذِمِّيٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ آخَرَ) بِأَنْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُحْضِرَهُ لَهُ (فَلَنَا الْحُكْمُ وَالتَّرْكُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] وَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] (وَيَحْرُمُ إحْضَارُ يَهُودِيٌّ فِي سَبْتِهِ. وَتَحْرِيمُهُ) أَيْ السَّبْتِ عَلَى الْيَهُودِ (بَاقٍ فَيُسْتَثْنَى) شَرْعًا (مِنْ عَمَلٍ فِي إجَارَةٍ) لِحَدِيثِ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ «وَأَنْتُمْ يَهُودُ عَلَيْكُمْ خَاصَّةً أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ» (وَيَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) لِإِنْصَافِ الْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ رَدِّهِ عَنْ ظُلْمِهِ ; وَلِأَنَّ فِي تَرْكِهِ تَضْيِيعًا لِلْحَقِّ فَتَعَيَّنَ فِعْلُهُ (وَيَلْزَمُهُمْ) أَيْ أَهْلَ الذِّمَّةِ (حُكْمُنَا) فَلَا يَمْلِكُونَ رَدَّهُ وَلَا نَقْضَهُ. فَيَلْزَمُهُمْ قَبُولُ مَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ حَقٍّ أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ (وَلَا يُفْسَخُ بَيْعٌ فَاسِدٌ تَقَابَضَاهُ وَلَوْ أَسْلَمُوا أَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمُهُمْ) لِتَمَامِهِ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَيْنَا أَوْ الْإِسْلَامِ فَأُقِرُّوا عَلَيْهِ كَأَنْكِحَتِهِمْ. فَإِنْ يَتَقَابَضَاهُ فُسِخَ، حَكَمَ بِهِ حَاكِمُهُمْ أَوْ لَا، لِفَسَادِهِ وَعَدَمِ تَمَامِهِ وَحُكْمُ حَاكِمِهِمْ بِهِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَكَذَا سَائِرُ حُكْمِ عُقُودِهِمْ وَمُقَاسَمَتِهِمْ. وَالذِّمِّيُّ إنْ عَامَلَ بِالرِّبَا وَبَاعَ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَالْمَالُ بِيَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ نَصًّا ; لِأَنَّهُ مَضَى فِي حَالِ كُفْرِهِ أَشْبَهَ نِكَاحَهُ فِي الْكُفْرِ إذَا أَسْلَمَ (وَيُمْنَعُونَ) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ (مِنْ شِرَاءِ مُصْحَفٍ وَكُتُبِ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ) لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ ابْتِذَالَ ذَلِكَ بِأَيْدِيهِمْ. فَإِنْ فَعَلُوا لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ وَيُمْنَعُونَ مِنْ التَّبَايُعِ بِالرِّبَا فِي أَسْوَاقِنَا ; لِأَنَّهُ عَائِدٌ بِفَسَادِ نَقْدِنَا وَمِنْ إظْهَارِ بَيْعِ مَأْكُولٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ كَشِوَاءٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. [فَصْلٌ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ] فَصْلٌ وَإِنْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ لَمْ يُقَرَّ أَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ لَمْ يُقَرَّ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى دِينٍ بَاطِلٍ قَدْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِهِ فَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ كَالْمُرْتَدِّ. وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ أُقِرَّ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَيُقَرُّ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَإِذَا أَبَى مَا كَانَ عَلَيْهِ) مِنْ الدِّينِ (أَوْ) أَبَى (الْإِسْلَامَ هُدِّدَ وَحُبِسَ وَضُرِبَ) حَتَّى يُسْلِمَ أَوْ يَرْجِعَ إلَى دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ ; وَلِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَلَا يُقْتَلُ لِلشُّبْهَةِ (وَإِنْ انْتَقَلَا) أَيْ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يُقَرَّا. (أَوْ) انْتَقَلَ (مَجُوسِيٌّ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يُقَرَّ) لِأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ دِينِهِ. أَشْبَهَ الْمُسْلِمَ إذَا ارْتَدَّ (وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ) نَصًّا لِأَنَّ غَيْرَ الْإِسْلَامِ أَدْيَانٌ بَاطِلَةٌ قَدْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِهَا فَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهَا كَالْمُرْتَدِّ (فَإِنَّ أَبَاهُ) أَيْ الْإِسْلَامَ (قُتِلَ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ) ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَالْمُرْتَدِّ (وَإِنْ انْتَقَلَ غَيْرُ كِتَابِيٍّ) وَلَوْ مَجُوسِيًّا (إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ) بِأَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ أُقِرَّ، لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى دِينٍ يُقِرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَأَعْلَى مِنْ دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَأُقِرَّ، كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ أَصْلَ دِينِهِ (أَوْ تَمَجَّسَ وَثَنِيٌّ) أَيْ أَحَدُ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ (أُقِرَّ) عَلَى الْمَجُوسِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ تَزَنْدَقَ ذِمِّيٌّ) بِأَنْ لَمْ يَتَّخِذْ دِينًا مُعَيَّنًا (لَمْ يُقْتَلْ) لِأَجْلِ الْجِزْيَةِ نَصًّا (وَإِنْ كَذَّبَ نَصْرَانِيٌّ بِمُوسَى خَرَجَ مِنْ دِينِهِ) أَيْ النَّصْرَانِيَّةِ لِتَكْذِيبِهِ لِنَبِيِّهِ عِيسَى فِي قَوْلِهِ: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ} [آل عمران: 50] (وَلَمْ يُقَرَّ) عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَبَاهُ قُتِلَ بَعْدَ أَنْ يُسْتَتَابَ ثَلَاثًا وَ (لَا) يَخْرُجُ (يَهُودِيٌّ) مِنْ دِينِ الْيَهُودِيَّةِ إنْ كَذَّبَ (بِعِيسَى) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيبٌ لِنَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَيُنْتَقَضُ عَهْدُ مَنْ أَبَى) مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (بَذْلَ جِزْيَةٍ أَوْ) أَبَى (الصَّغَارَ أَوْ) أَبَى (الْتِزَامَ أَحْكَامِنَا) سَوَاءٌ شُرِطَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَوْ لَا وَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِهَا حَاكِمُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] قِيلَ الصَّغَارُ الْتِزَامُ أَحْكَامِنَا (أَوْ قَاتَلَنَا) مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ أَهْلِ حَرْبٍ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْأَمَانِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْقِتَالِ (أَوْ لَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ مُقِيمًا) لِصَيْرُورَتِهِ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ لَا لِلتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا. (أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ أَصَابَهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ) نَصًّا. لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ رُفِعَ إلَيْهِ رَجُلٌ أَرَادَ اسْتِكْرَاهَ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ عَلَى الزِّنَا فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا صَالَحْنَاكُمْ؟ فَأُمِرَ بِهِ فَصُلِبَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ " (أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا) لِعَدَمِ وَفَائِهِ بِمُقْتَضَى الذِّمَّةِ مِنْ أَمْنِ جَانِبِهِ (أَوْ تَجَسَّسَ أَوْ آوَى جَاسُوسًا) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. أَشْبَهَ الِامْتِنَاعَ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ (أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ) ذَكَرَ (كِتَابَهُ أَوْ دِينَهُ) أَيْ الْإِسْلَامَ (أَوْ رَسُولَهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِسُوءٍ وَنَحْوِهِ) كَقَوْلِهِ لِمَنْ سَمِعَهُ يُؤَذِّنُ: كَذَبْت فَيُقْتَلُ نَصًّا. لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ " إنَّ رَاهِبًا يَشْتُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ سَمِعْته لَقَتَلْته إنَّا لَمْ نُعْطِ الْأَمَانَ عَلَى هَذَا " (أَوْ تَعَدَّى عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلٍ أَوْ فِتْنَةٍ عَنْ دِينِهِ) لِأَنَّهُ ضَرَرٌ يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ. أَشْبَهَ مَا لَوْ قَاتَلَهُمْ وَ (لَا) يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ (بِقَذْفِهِ) أَيْ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا (وَ) لَا بِ (إيذَائِهِ بِسِحْرٍ فِي تَصَرُّفِهِ) نَصًّا لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَا يَعُمُّ (وَلَا إنْ أَظْهَرَ) الذِّمِّيُّ (مُنْكَرًا أَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابِهِ) فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ) حَيْثُ انْتَقَضَ عَهْدُهُ نَصًّا ; لِوُجُودِ النَّقْضِ مِنْهُ دُونَهُمْ، فَاخْتَصَّ حُكْمُهُ بِهِ. وَكَذَا لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ غَيْرِ النَّاقِضِ وَلَوْ سَكَتَ. (وَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ) أَيْ الْمُنْتَقَضِ عَهْدُهُ (وَلَوْ قَالَ: تُبْت كَأَسِيرِ) حَرْبٍ بَيْنَ قَتْلٍ وَرِقٍّ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ ; لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ قَدَرْنَا عَلَيْهِ فِي دَارِنَا بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ وَلَا شُبْهَةِ ذَلِكَ. أَشْبَهَ اللِّصَّ الْحَرْبِيَّ (وَمَالُهُ فَيْءٌ) فِي الْأَصَحِّ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَشَرْحِهِ ; لِأَنَّ الْمَالَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِمَالِكِهِ حَقِيقَةً. وَقَدْ انْتَقَضَ عَهْدُ الْمَالِكِ فِي نَفْسِهِ فَكَذَا فِي مَالِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَمَانِ (وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ) لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ (إنْ أَسْلَمَ وَلَوْ كَانَ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِعُمُومِ حَدِيثِ «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَأَمَّا قَاذِفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ. وَيَأْتِي فِي الْقَذْفِ (وَكَذَا) يَحْرُمُ (رِقُّهُ) أَيْ مَنْ أَسْلَمَ لِأَنَّهُ عَصَمَ نَفْسَهُ بِإِسْلَامِهِ لِلْخَبَرِ (لَا إنْ رُقَّ قَبْلَ إسْلَامِهِ) فَلَا يَزُولُ رِقُّهُ بَلْ يَسْتَمِرُّ. (وَمَنْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ فَحَصَلَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ فَكَذِمِّيٍّ) فَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُ دُونَ ذُرِّيَّتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ. وَتَخْرُجُ نَصْرَانِيَّةٌ لِشِرَاءِ زُنَّارٍ وَلَا يَشْتَرِيهِ مُسْلِمٌ لَهَا ; لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْكُفْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.